3 August
بخصوص التوتر الصيني التايواني، وردا على زيارة رئيسة الكونجرس الأمريكي، أعلنت الصين مناورات بالذخيرة الحية في 6 نقاط محيطة بتايوان.. هل ممكن تطور الأمر لنزاع عسكري؟ وما وضعية معادلة الردع؟
بداية – مهم إدراك سياق الأزمة بأبعاده التاريخية وماحصل فيها من تطور بعد 2000 (وجود قيادة سياسية تنحاز للاستقلال من خارج الكومنتانج)
وكذلك في الكم سنة الماضية في مساحات مختلفة
(حكومة الحزب الديمقراطي التايواني المؤيدة للانفصال بعد فترة من التقارب السياسي النسبي، التمدد العسكري الصيني ويصاحبه بعض التشددات التي أثارت قلق تايوان بالأخص قانون الأمن القومي لهونج كونج الذي يمثل إنذارا – في نظر تايوان – حول استحكام سيطرة الصين عليها مستقبلا، فضلا عن تصاعد التنازع الأمريكي الصيني، وحضور شبح التدخل الروسي في أوكرانيا الذي أعاد مبدأ النزوع الحاد لقوة رئيسة للتدخل العسكري المباشر في تحقيق المصالح القومية والإقليمية، وكذلك تدهور واضع في ال
strategic posture
الأمريكي – كمصداقية في نجاعة وجاهزية المبادرة الاستراتيجية والقدرة على توظيف الأداة العسكرية أكثر منها تراجع المعادلات الكمية)..
هناك أيضا التشتت وغلبة بعض التحيزات السياسية على عناصر صنع السياسة الأمريكية، وهذا شيء معتاد في الحال الأمريكي خصوصا في الأزمات دون الوجودية وحتى بعض الحيوية.. مثلا – هناك تصريح بايدن العام الماضي بدعم سلامة تايوان ووضعها المستقل فعليا ولو بتدخل عسكري، ولكن كذلك معارضته لزيارة بيلوسي لما تسهمه في توتير الوضع، وفي نفس الوقت تصريح مجلس الأمن القومي بأن أمريكا سياستها لاتزال لمبدأ صين واحدة الذي تم الاتفاق عليه في 1979.
وكتوازن عسكري واستراتيجي، فهناك غلبة واسعة صينية في المحيط الإقليمي القريب (وهذا عقدة استراتيجيتها الأمن القومي والدفاعي) ولكن تفوق أمريكي واسع في المحيط الأشمل باعتبارات كيفية، وكمية نسبية
projection of power
من ناحية تاريخية كما أسلفت، ملف تايوان يبقى مستندا دافعا للتصعيد دوما.. فهناك الالتباس في وضعية تايوان نفسها وطبيعة الغموض في ترتيب هذا دوليا (بعد فترة من احتلالها مقعد الصين الدائم، تم طردها وإعطاء مقعدها للصين الشعبية، وتوقف الاعتراف بها دوليا.. ولكن في ذات الوقت – مبدأ صين واحدة ونظامين مستقلين كان قائما ومُقر صينيا وكاتفاق مع الأمريكي منذ 1979، ولكن تعريف مساحة الأمن القومي والسيادة الدولية والإطار الخارجي وما يتصل به من تعديات وتجاوزات على وحدة الصين واستقلالها بهذه المساحة تبقى دوما عرضة للشد والجذب – والاستغلال من قبل القوى الإقليمية – اليابان مثالا – والأمريكي)
، ولكن كذلك حجم التداخل والاعتمادية الاقتصادية، وطبيعة تفكير مؤسسات صنع القرارا الاستراتيجي عند الأمريكي والصيني (الذي يحتاج لفترة زمنية تختمر فيها متواليات منظوماته التحديثية بالأخص في المعايير النوعية للقدرة القتالية التقليدية).. فكل هذا يجعل الطرفين أبعد ما يكونان عن استدعاء نزاع عسكري شامل
ولكن هذا لا يعني، أنه لا يمكن أن تتدهور الأزمة من قِبَل تايوان مستقبلا، كقراءة خاطئة لعمق وطبيعة الالتزام الأمريكي بتأمينها دفاعيا. ولو حصل هذا، فالصين يقينا ستتحرك عسكريا لحيازة تايوان، ولكن حينها كذلك – ستدعم أمريكا الأخيرة بوسائل دون التدحرج لأزمة نووية. قريبا مما حصل في أوكرانيا مع اختلاف في كم ونوعية الجدوى لتصليب الدفاع التايواني.
ما يحصل حاليا بعيد عن هذا، ولكن قد يؤدي لتقديرات خاطئة عن حكومة تايوان فيما يتعلق بعمق الدعم الأمريكي وكذلك بمستوى وصدقية التهديد العسكري الصيني.
مناورات الصين بالذخيرة الحية هي مجرد إشارة – حصلت بالمناسبة منذ عامين بعد زيارة مسئول للخارجية الأمريكية كذلك – في معرض سياسة تحذيرية
warning
تبادلية- لا تصل حتى لدرجة أن تكون قسرية
coercive
لأنه لا الطرف الأمريكي ولا الصيني يريد تحريك ملفات الأن..
ولعل هذا ما وراء تصريح رئيس هيئة الأركان المشتركة أنه لا نية عند الصين لتعدٍ عسكري وشيك.