فيديو: إدارة العلاقات المدنية العسكرية والتحول الديمقراطي في السودان

 

العنصر الأول في إدارة العلاقات المدنية العسكرية بمرحلة التحول الديمقراطي: قيادة سياسية بمشروع مدني توافقي

 

 

العنصر الثاني في إدارة العلاقات المدنية العسكرية بمرحلة التحول الديمقراطي: المحافظة على الزخم الثوري

 

العنصر الثالث في إدارة العلاقات المدنية العسكرية بمرحلة التحول الديمقراطي: التعامل :المتوازن مع المؤسسة العسكرية

 

 

هياكل الحكم الانتقالي: المجلس السيادي، ومجلس الدفاع

 

 

قوات الدعم السريع: سيناريوهات التطور، ومنطق التعامل

 

 

حوار حول العلاقة بين السياسة والاستراتيجية

كيف نفصل بين السياسة والاستراتيجية وآثارهما وماهو التداخل بينهم؟

الحقيقة أسئلة شديدة الأهمية وصعبة التناول

 بخصوص العلاقة بين السياسة والاستراتيجية، فهي بالفعل أكثر المساحات تعقيدا وغموضا في الدراسات الاستراتيجية.. وأذكر لأستاذي – المعروف بهيامه الشديد بكلاوزفيتس، مقولة أنه (لو شيء لم يقله كلاوزفيتس، فلأنه لايستحق أن يُقال!)، ولكن مع ذلك كان يأخذ عليه عدم تناوله المدقق لتلك المساحة الفاصلة بين الاستراتيجية والسياسة..

دعني أولا أميز بين أمرين: السياسة بمعنى عملية الحوكمة العليا في الدولة (وفي مساحة الدفاع والأمن القومي تحديدا) أي السياسة العامة.. وهي الخاصة بوضع الأهداف، والمسئولية والإدارة السياسية لكل المساحات.. وبين السياسة بمعناهاالتنافس بين البنى السياسية والمجتمعية على توزيع مصادر القوة والتأثير في الدولة.. ومنها بالطبع مساحة وضع السياسة العامة.

في العربية والألمانية للأسف نستخدم نفس الكلمة للتعبير عن المفهومين، ولكن في الإنجليزية هناك كلمة لكل مفهوم..

Policy – Politics

بالنسبة لمساحة البوليتيكس: فهذه شديدة التنوع على حسب طبيعة النظام السياسي.. هل أوتوقراطي، أوليجاركي، ثيوقراطي، ديمقراطي… حينها تكون للقوات المسلحة مساحات تداخل أو تأثير تتسع وتضيق..

كما تعلم فالشائع في الأدبيات المؤسسة للعلاقات المدنية العسكرية – أن الجيوش بطبعها الاحترافي بعيدة عن العملية السياسية (طبعا  الخلاف بين صمويل هنتنجتون و جانويتس.. هو أن  هذا الانعزال عن السياسة يرتبط بالنزعة التخصصية والاحترافية كما يقول الأول، أم بالتزاوج القيمي مع المنظومة المجتمع ودرجة النضج السياسي الديمقراطي وتطوير أدوات الهيمنة المدنية كما يقول الثاني؟).. ولكن واقعيا – حتى في النظم الديمقراطية.. تمارس الجيوش أدوارا غير رسمية وغير مباشرة ترتبط بهذه المساحة.. لأنه ببساطة – العملية الديمقراطية والتنافسية سيتحكم منتوجها في وضع سياسات الدفاع والأمن القومي.. ومن أفضل الدراسات في هذا الباب، وبالتطبيق على الحالة البريطانية المعروفة بمبالغتها في منع الجيش عن التدخل في السياسة.. فإن صح ذلك فيها فهو حاضر بشكل أولى فيمادونها !:

The Politics of the British Army…  Hew Strachan

وأعلم أن سؤالك تحديدا في المعنى الأول للسياسة..

وبإجابات شديدة الوضوح:

السياسة هي من تضع الأهداف العليا للأمن القومي والدفاع، أو للنزاع العسكري.. لكن الاستراتيجية ليست هي من تطبق الأهداف!!!! لا – هي من تربط بين الأهداف (السياسية)، والطرق الكلية (الخيارات الاستراتيجية) والأدوات (العسكرية وغير العسكرية).. الاستراتيجية هي (جسر) وليس محطة تالية! ولأنها جسر، فهي شديدة الارتباط بين طرفين –

هي – 1 –  تحاول ضمانة ألا تطلب السياسة ماتعجز القدرات والوسائل على تحقيقه

و – 2– تحاول ضمانة ألا تتحرك الأدوات – عبر الطرق والخيارات الاستراتيجية – بشكل يضر بتحقيق الهدف السياسي..

هذا بالحس السلبي.. وبالحس الإيجابي:

هي – 3 – نحاول ضمانة أن يقدم المستوى السياسي لمستويات التنفيذ العسكري والديبلوماسي (الاحتياجات والموارد الكافية – وليس المتاحة. لأن المتاحة هو خيار سياسي-)

و – 4 – تحاول ضمانة أن تتحرك الخيارات ومسارات العمليات – في ظل الدينامية المعقدة والمتغيرة لطبيعة الصراع والحرب من حيث مبادرات وردات فعل الخصوم والأطراف المحيطة والبيئات وماتفرضه من فرص وتهديدات – بشكل يحقق المنتوج السياسي ..

هذه هي الوظائف الأربعة للاستراتيجية في التوصيل بين السياسة والأدوات..

ولأنها (عملية) مستمرة، وليست مرحلة خططية أو تنفيذية تالية لوضع الهدف السياسي.. فلايمكن التعامل مع مستويات الحرب بشكل منفصل وتعاقبي..

هناك تراتبية بالطبع. فالحصان يسبق العربة.. ولكن لطبيعة وعورة الطرق، فقد تفرض نوعية وقدرة العربة على الحصان أن يعدل مساراته، وأحيانا حتى النهايات التي يريد الوصول لها..

وهنا طرح كلاوزفيتس مسألة في غاية الأهمية – مع أنه ألح كثيرا على علوّ الهدف السياسي وأسبقيته الزمنية والتحكمية على الاستراتيجية:

But political aim is not a Tyrant!

بمعنى – التفكير الاستراتيجي لن يضع لك الهدف السياسي، لأن الأخير يرتبط بلاشك برؤيتك الكلية بنواحيها الأيديولوجية والجيوسياسية وإرث التاريخ وطبيعة النظام السياسي ومدى تعبيره عما يراه الشعب من دور وجودي للأمة والوطن..

ولكنه لابد أن يكون حاضرا في مرحلة تخليق السياسة، فقط ليجيب عن سؤال (الإمكانية).. لأنه لو كان الهدف السياسي مبدئيا لايمكن تحقيقه استراتيجيا (بأي وسيلة) فلابد أن يتغير، أو يتم تقسيمه لمراحل متعاقبة أو تراكمية (هنا يأتي دور الاستراتيجي طويلة المدى)..

المشكلة التي تحصل، أنه كثيرا مالايمكن إدراك هذا الأمر مسبقا، ولكن يتم تكشفه جليا في المراحل الوسطى للصراع، فحينها يقوم التفكير الاستراتيجي بدفع الهدف السياسي أن يتغير… وهذا بالضبط ماعناه كلاوزفيس.. أن الهدف السياسي ليس طاغية..

 

هنا أخلص من الشق النظري للمؤسسي...

إذا اتفقنا أن الاستراتيجية هي جسر يربط بين طرفين (السياسة والأدوات العسكرية – وغير العسكرية)، وإذا اتفقنا أن الاستراتيجية ليست مرحلة خططية ولكن عملية مستمرة شديدة التعقيد وتقتضي متابعة دءوبة في محاولة تجسير الفجوة بين مساحتين شديدي التنافر من حيث اللغة والمزاج وارتباط الوسائل بالنتائج (فكرة الاستراتيجية كمانعلم هي تحويل النتائج العسكرية – التدميرية والمادية – إلى تأثير نفسي في بيئة الخصوم والأطراف المحيطة) ولهذا يسميها أستاذي

Currency Converter

إذا اتفقنا على هذا – فأي هيكلية مؤسسية تريد أن تضعها لتحقيق هذه المتطلبات النظرية والتطبيقية لوضع الاستراتيجية؟

 

هذا سؤال محوري وشديد التعقيد، تعلم لماذا؟

لأن هناك عوامل أخرى – غير الضرورة الاستراتيجية – شديدة الأهمية تتحكم – أو تفرض علينا أن نراعيها – ونحن نضع مأسسة للعلاقات المدنية العسكرية .. وأعني مثلا المسائل الديمقراطية والتأكد من خضوع العسكريين للساسة في النظام الديمقراطي..

فضلا عن تأثير الإرث التاريخي والمجتمعي والسياسي على ترتيب العلاقات المدنية العسكرية بشكل قد يظهر شديد الشذوذ ولكنه كان مطلوبا لمرحلة تاريخية – ثم تم وراثته حتى مع تغير كوني في طبيعة السياسة والمجتمع (وأعني هنا مثلا الفصل بين خطين للقيادة العسكرية في الحالة الأمريكية – بين خط الأركان والقيادات العملياتية – التي يسمونها الاستراتيجية! – ولم يتم التقريب إلا حديثا نسبيا تبعا لجولدن ووتر آكت  – حين تم تضخيم صلاحيات رئيس هيئة الأركان المشتركة، وجعلها المستشار العسكري الأول للرئيس ومجلس الأمن القومي.. بمعنى توسعة دوره في إدارة الاستراتيجية العسكرية والعمليات العليا)

النموذج الذي طرحه هنتنجتون مبكرا، وهو مايحكم النموذج الأمريكي – هو كارثي في رأي الكثيرين – وهو الفصل الكامل بين المستويين، والتفويض الواسع للعسكريين في إدارة الشق العسكري .. أين الجسر؟؟ غير موجود بالأصل.. ولهذا فليس غريبا أن يسموا رأس الأداء العسكري ب(الاستراتيجي).. رئيس الدولة يضع أهداف سياسية، فتتحرك المؤسسة العسكرية لتطبيقها!!! هذا مناقض تماما للنظرية الاستراتيجية والطبيعة التطبيقية لها.. الجسر غير موجود، لا في مرحلة وضع الأهداف، ولا بالتأكيد في مرحلة الأداء العسكري والتطبيق!!

النموذج الذي طرحه جانويتس في المقابل، قال بالاندماج، ولكن الهيمنة السياسية على كل التفصيلات العسكرية..

 وهذا ربما ماطرحه بقوة كوهين في

Supreme Command: Soldiers, Statesmen and Leadership in Wartime. Eliot Cohen

وهذا ما دفع البعض حتى لإلغاء مستوى العمليات في الحرب، لأنهم رأونه عائقا أمام تحريك المسارات العسكرية بشكل غير متصلب – وليس نحو نهاية عملية واحدة (تحقيق الانتصار العسكري في الميدان) ولكن نحو نهايات شديدة التنوع والنسبية ترتبط بالمقايسة المستمرة للهدف السياسي وهو ماتقوم به الاستراتيجية..

طبعا هؤلاء لم ينتبهوا أن المشكلة ليست في وجود مستوى العمليات في الحرب (لأنه ضرورة ترتبط بالتطور في الحرب الحديثة واتساع مسارح العمليات وتعقيد طرق تخليق النهايات العسكري في معركة أو اثنتين، مع وفرة أدوات الاتصال والسيطرة للحديث للجمع بين نثريات وتفصيلات عسكرية بشكل تعاقبي وتراكمي)، ولكن في النموذج الأمريكي سالف الذكر.. الذي ينقطع في جسر الاستراتيجية..

المفترض أن مجلس الأمن القومي الذي أُنشيء عام 47 ليعالج الإشكالات في هذه المساحة التي أظهرتها الحرب العالمية الثانية وسلوك روزفلت فيها – كان خطوة للأمام، ولكن فعليا – القرارات كانت تؤخذ في دائرتين منفصلتين، الهدف السياسي تضعه مؤسسة الرئاسة، والخطط العسكرية (التي يسمونها استراتيجية!) تضعها القيادة العسكرية .. بشكل شديد التناثر والعشوائية قبل جولدن ووتر آكت، وبشكل أكثر تنظيما (ولكن يغيب فيه الجسر الاستراتيجي ودينامية المراجعة والتوصيل) بعده على مستوى هيئة الأركان المشتركة.

النموذج البريطاني – نظريا وتاريخيا – لايعاني من هذه المشكلة، خصوصا مع وجود مجلس وزراء الحرب في الحربين العالميتين (والذي انقضى بعدهما) وبسبب نضج الوعي الاستراتيجي إجمالا عند القيادات السياسية والعسكرية عن مثيلاتها الأمريكية..

ولكن الكتاب الذي أوصلته لك

The High Command: British Military Leadership in the Wars of Iraq and Afghanistan. Sir Christopher Eliot

سيوضح لك بجلاء.. أن الجسر الاستراتيجي كان غائبا تماما في وظائفه الأربع سابقة الذكر..

بالتأكيد سبب هام لذلك كان بسبب أن الاستراتيجية البريطانية (إن كانت هناك واحدة! كما ينفي ذلك هيو ستراون في دراسته الشهيرة: موت الاستراتيجية) كانت أسيرة تماما للأمريكية ولم يكن لها حرية الحركة – طبعا بفعل أن بريطانيا في الأخير قوة صغيرة تابعة للأمريكي، ولكن إليوت أوضح كيف أن هناك مشكل مؤسسي عنيف:

فلم يوجد رصيف يجمع بين المقاربة بين الفرضيات السياسية والعسكرية، ويتابع تلك المقاربة بشكل دائم تبعا لتغير ظروف الحرب (هذه بالضبط هي الاستراتيجية)، ولا حتى رصيف يجمع بشكل احترافي بين المقاربة العسكرية المشتركة بشكل يجعل تأثير التحيزات للأسلحة  (برية وبحرية وجوية) محدودا والتنسيق شاملا ودقيقا، ولا رصيف يجمع ويضبط العلاقة بين مستوى الاستراتيجية العسكرية الذي غالبا يوضع في لندن وذلك العملياتي الميداني، ولا حتى رصيف يجمع بين الأدوات العسكرية وغير العسكرية لاستراتيجية مكافحة تمرد تعتمد بشكل محوري على هذا الجمع والتعاضد، ولاحتى رصيف يجمع بين خط الفن والقيادة الاستراتيجية، وذلك الإداري (توفير الموارد والأدوات) داخل وزارة الدفاع…

هذا الإشكال الكبير المؤسسي، الذي غالبا مرده لمشكل نظري في مقاربة الاستراتيجية أو تحكم إرث تاريخي غير مناسب (في الحال الأمريكي)، أو في الإرادة السياسية لتوفير مقتضياتها سواء في طبيعة الحلف العسكري الأعلى أو في هيكلة العلاقات المدنية العسكرية وهيئة الأركان (في الحال البريطاني).. قاد بالتالي لكوارث استراتيجية:

فلا أهداف سياسية أو خيارات استراتيجية واضحة

ولا مناسبة بين الأهداف والأدوات، ولامتطلبات عسكرية للنجاح الاستراتيجي قابلة للتحقق، أو حتى يُعطى لها الموارد المناسبة

ولا متابعة دءوبة للفرضيات الاستراتيجية مع تغير الظروف والأوضاع

ولا حتى وضوح لمسئوليات النصر أو الهزيمة.. هل السياسي بحكم أنه صاحب التفويض الأعلى وهو من وضع الأهداف ولم يقدم موارد؟ أم العسكري لأنه لم يحقق النهايات العسكرية المطلوبة؟ أم لم يحقق النهايات السياسية؟!!

أصلا – هل النهايات العسكرية المطلوبة متناسقة ويمكنها تحقق الهدف السياسي؟ وهل هذه العلاقة الدينامية تتم مراجعتها باحترافية؟ بل هناك أصلا هيكلية مؤسسية تسمح بذلك النقاش الاستراتيجية ولها سلطة في فرض نهاياته؟!!

أليست تلك وظيفة الاستراتيجية..؟!!


الجزء الثاني من الحوار، حول الاستراتيجية ودائرة السياسة
Politics
حوار حول العلاقة بين السياسة والاستراتيجية -2 – على هامش (جسر الاستراتيجية) لجراي

!هل الجيش المصري جيش “وطني”؟

حوار مع صديق، حول ماذكرته كثيرا من قبل، ومنذ أيام ثورة يناير، وتقريبا في كل المقالات التي حاولت فيها مقاربة وتفسير تركيبة الجيش وقيادته.. أن الجيش المصري – جيش وطني؟ وهل هناك فعلا فكرة (وطنية ما) حاضرة؟
وهنا لا أدخل تفصيليا في مناقشة أو تفسير المواقف الصادمة أخلاقيا ووطنيا للجيش أو قيادته في ملفات الاستقلال الوطني والديمقراطية والدور الإقليمي واشتراكه – أو صمته عن – الانتهاكات البشرية.. ولكن أحاول تلمَس بعض أساسيات النظر للملف منهجيا وتاريخياـ والتي بحد ذاتها قد تسهل مهمة هذا التفسير...

 

 بخصوص أن الجيش المصري جيش وطني، أو أن المحرك الوطني هو أحد محركات الجيش أو قيادته.. فالمقصود بها ثلاثة أمور:

1- أنه جيش ابن النسيج المحلي في مصر، أي أنه منذ أيام محمد علي بدأت اللحمة للتجنيد تكون من المصريين (الفلاحين) وبأشكال بالطبع سلبية للغاية، يمكن مراجعة دراسة د. خالد فهمي الرائعة (كل رجال الباشا) لتعطيك صورة عن الظرف السياسي والاجتماعي والإنساني للنشأة.

ثم مع الخديوي إسماعيل – بسبب كارثة الحبشة – بدأ المصريون يدخلون في سلك الضباط، ومع الوقت (تمصّرت) حتى العناصر الشركية والتركية فيه.

وحين أتي الاحتلال الانجليزي، أصبح الانجليز هم من يشرفون على الجيش ويتولون المناصب العليا وصولا لمعاهدة 1936، والتي من حينها بدأ المصريون هم من يقودون الجيش (كان رئيس هيئة الأركان شخصية رائعة كعزيز المصري في مرحلة تالية مثلا) ولكن كانت هناك معاهدة مشتركة مع الإنجليز للتطوير العسكري والتسليحي (لأن الجيش كان مُعدا للقيام بدور محلي في الحرب الثانية – وقام بالفعل – خصوصا في الدفاع الجوي) ولكن بعد انتهاء الحرب، انقطعت وسائط التطوير وإرادته – فضلا عن التواصل مع الإنجليز – حتى قامت 48).. (دراسة د. إبراهيم شكيب عن: الرواية المصرية لحرب 48 – عقدت فصولا جيدا في هذا السياق)

بمعنى – أن الجيش الموجود هو امتداد لأول محاولة لجعل اللحمة التجنيدية والقيادية من أهل البلد.

2- ويُضاف على ذلك – أن السياسة التجنيدية في الغالب مثلت الشرائح الاجتماعية المصرية – لأنه في الأغلب لم توجد حاجة لسياسة تحبيذية أو إقصائية لشريحة اجتماعية ما (لا نحكي هنا عن الفصل الناتج لتبني أيديولوجيا ما يراها النظام خطرا سياسيا)..  ما قبل 67، كانت الشريحة التعليمية الأرقى معفاة من الدخول في سلك التجنيد، ولكن تغير الأمر بعدها كما وضح الشاذلي في مذكراته عن حرب أكتوبر.
كذلك السياسة الاجتماعية للضباط (خصوصا بعد معاهدة 36) لم تُقص شريحة اجتماعية.. ويُلاحظ على العكس – أن الشريحة التي دخلت بعد 36 كانت هي من قامت بحركة الضباط وبشكل أو بآخر تحركت في خدمت الشرائح المتوسطة والدنيا التي خرجت منها: سواء في تصفية الاقطاع والعدل الاجتماعي..
لأن الجيش تحول كادره الضباطي من ممثل للأرستقراطية المصرية لنسيج أكثر شمولا وتوسعا لبقية الطبقات.
وأشار لهذا سامويل فاينر في أهم دراسة له عن ظاهرة الانقلابات العسكرية ومحركاتها.. والدراسة مع قدمها 1966 ولكنها لاتزال أهم مرجع في الباب حتى الآن:
The Man on the Horseback.
هناك عموما دراسات غربية قليلة ولكن جيدة في تطور النسيج الاجتماعي للجيش وضباطها.. ومنها مصريا: دراسة د. أحمد البيلي.. عن الصفوة العسكرية.

مافائدة النقطتين السابقتين في فهم النسيج الاجتماعي للجيش؟

عشرات الإفادات في نقاط التعبئة والتجنيد والتوظيف السياسي، والحركة السياسية للجيش، ومنطقه الإداري، والاستراتيجي..

هذا بالضبط مانقصده بعلم الاجتماع العسكري.

على سبيل المثال: لا يمكن استخدام الجيش المصري لتصفية قطاع شعبي واسع، إلا بعد أن يتم عزل هذا القطاع سياسيا واجتماعيا وشيطنته.. لماذا؟

لأنه بذلك يُخاطر بتفتيت نسيج الجيش فضلا عن استحالة تنفيذ الأوامر والعملية برمتها..

وهذا يفسر لك كيف ولماذا تدخل الجيش في انتفاضة 1977، واضطرابات 86، وثورة يناير 2011..

ولماذا تحرك بشكل مختلف في أحداث ماسبيرو، ومحمد محمود، والعباسية 1،2 – ويوليو 2013، وسيناء.

ولماذا هو مختلف نسيجيا عن الجيش السوري والليبي واليمني مثلا – ولهذا اختلفت مواقفه وردود أفعاله..

3- أما نقطة المُحرك الوطني فكذلك شديدة الأهمية..
هذا ليس جيش مرتزق (كقطاعات في جيوش الخليج والجيش الليبي مثلا) أو له قيادة عميلة (كالجيوش التي يصنعها المحتل على عينه لتخدم أغراض الأمن الخارجي والداخلي).. بل حتى في داخل هذه الجيوش – كجيش شرق الأردن ثم الأردن ماقبل 56 .. كان هناك عنصر وطني حاضر في بنيته وتحريكه وقام بدور مشرّف.
صحيح أن هذا المحرك الوطني (القاصد لتمجيد الوطن وافتخاره)، وهو الذي يدفع الضابط والجندي لأن يقدم حياته في معرض القتال، ويمثل الشرعية الوطنية للمؤسسة – على الحقيقة أو التصنيع.. هو حاضر في كل الجيوش الوطنية، ولكن مفهوم (الوطن) ومدى حضور محركات أخرى بجواره يختلف من حالة لأخرى، بل حتى في مصر مرحلة لأخرى..
 
وأنا أحكي هنا على اختلاف مفهوم الفكرة (الوطنية) – حدود قطر أو أمة أو دين – فضلا عن كيفية تجسيدها (هل في خلال نظام شمولي أو ثيوقراطي أو ديمقراطي أو أناركي.. أو..) وعن حجم تأثيرها في العقلية القيادية والعسكرية.
 وأيضا بغض النظر لتقييمنا لهذه الفكرة الوطنية من حيث تمثلها للمقصود الديني أو المنطق الديمقراطي، أو ابتعادها عنه.. من حيث تجسيدها للتوافق الشعبي أو فرضا وتصنيعا عليه؟؟
بل الحقيقة  – أن تصنيع والتوافق عل الفكرة والفلسفة الوطنية التي تتحرك تحتها أي مؤسسة عسكرية.. ليس من مسئولية تلك المؤسسة بالأصل، ولكن هي مسئولية النخبة السياسية المدنية والتوافق الاجتماعي – كواجب قبل أن يكون استحقاقا!
لعلك شاهدت هذه المحاضرة والتي حاولت فيها مناقشة مفهوم الهوية والوطن ..
فمفهوم الوطن بالمعنى المحلي – ولكن متصالح مع الفكرة الإسلامية الجامعة وإن كان مستثارا ضد الخلافة وسياستها – كان حاضرا في جيش عُرابي.. وبالمناسبة – اشتبك معه مصطفى كامل في جزء من هذا المفهوم تبعا لتحيز الأخير للدولة العثمانية العلية (التي أهدرت دم عرابي لأنه يحارب – أصدقاءنا – الانجليز). راجع كتابه المسألة الشرقية.
وبقيت الفلسفة الوطنية مشوشة جدا بعد نكسة 1882، خصوصا مع سيطرة الانجليز مع الجيش كما ذكرت، ومع اضطراب المفهوم الوطني والأجندة الوطنية حتى 1952..
صحيح – أن ثمة فكرة وطنية ازداد تطورها بعد 36، ولكنها كانت وثيقة الصلة بالملك – وانهارت هذه بالتبعية بعد حرب 48.
وهذا ماجعل 48 – ليس مجرد دافع قوي في حركة الضباط، ولكنها غيرت في مفهوم الفكرة الوطنية للجيش بالأصل..
وتعريب الفكرة الوطنية تلك (أي جعل حدود الوطني – هو الوطن العربي والفكرة القومية) لم يحصل إلا بعد 56 ولأسباب معقدة.
ولم يبدأ تحوير هذه الفكرة إلا بعد 67 وأيضا لأسباب متعددة، وإن كانت تجربة اليمن وسوريا 1962 أثرت فيها بشدة.. ثم بدأ محاولة ردها لسياق محلي مصري خالص بعد وفاة عبدالناصر – وكان العنصر الديني أكثر كثافة فيها للمفارقة كجزء من التوجيه المعنوي للمعركة ثم أيضا بسبب الطبيعة التوظيفية للدين والتي ميزت نظام السادات – حتى وصلت لمداها مابعد 75 وصولا للآن.
في كل هذه المراحل حتى الآن – لم يكن الجيش المصري أو السوري أو العراقي كقيادة أو جنودا – معتبرا ذاته الجماعية إلا خادما لفكرة وطنية (ما!) – قد يسهل علينا فك معالمها أو يصعب، قد يزداد اختلاطها بمحركات أقوى أو أضعف منها (مصلحة نظام أو طائفة أو حزب سياسي، أو مصلحة شخصية أو مؤسسية، أثر لارتباط خارجي وفق سياسة تحالف أو تحريك)، وقد نقيّمها أخلاقيا ورساليا بأنها صائبة أو مقبولة أو محرمة..
ولكن إدراك وجودها مهم، ومحاولة تنسيبها في أخذ القرار أكثر أهمية.
لماذا؟  لأننا لو افترضنا مثلا (بحكم التعصب الأيديولوجي، أو الخصومة السياسية، أو الفقر العلمي والمعرفي) أنها مجرد جيوش فاسدة، أو جيوش عميلة.. 
1- فسنقف حائرين جدا أمام تفسير معظم الأشواط التاريخية التي مرت بأمتنا القرن الفائت، وصولا حتى للأحداث الأخيرة. سيصعب علينا تفسير عمالة عبدالناصر أو الأسد أو حتى صدام والخوميني للأمريكي أو الإسرائيلي (مع
وجود محطات تقارب في ملفات هنا وهناك) في ظل هذا الزخم التاريخي الهائل، ومفردات التخطيط العسكري والسلوك التدخلي والتقييم المستقر غربيا لعقود بمن هو العدو والصديق؟)
2- سيصعب علينا تفسير مايمر علينا من أحداث قريبة أو حالة.. كتدخل الجيش في 3 يوليو، أو الموقف من تيران وصنافير.. أو حتى الأوهام الخاصة بالتنازل عن قطعة من سيناء في صفقة القرن..
سأحكي لك قصة معبرة:
أذكر حوارا لي مع أحد أساتذة العلوم السياسية  قبل 30 يونيو بأيام – بعد البيان الأول للجيش وقبل البيان الثاني – وحينها سألني: تفتكر الجيش سيتدخل؟ (ولعلك تعلم الآن أن رأيي مبكرا أن الجيش كان حتما سيتدخل – سواء في النظرة الإجمالية للمرحلة مابعد التنحي مباشرة، وأو حتى فيما يتعلق بنظام الإخوان).. فقلتله وانت شايف إيه يادكتور؟
قال لي: لا طبعا.. دول شوية فسدة ومصلحجية، والإخوان عملوا لهم كل اللي عايزينه: ميزانية مستقلة ليس عليها رقابة، ووضع جيد في الدستور.
قلت له: الجيش تدخل فعليا منذ أن أصدر البيان الأول، وسيتدخل كاملا بعد أيام..
وذكرت له أن هناك محرك وطني يأخذ منحى الاحتكار والتجسد والأبوية – بحيث أنه يتلبس الوطن فيصبح كل من يقف أمامه بالحق أو الباطل عدوا للوطن، وأنه لوحده من يحق له تحديد كل شيء له علاقة بالوطن بدءا بالمفهوم والماهية وانتهاءا بالسياسات والمواقف – (وهذا بالتأكيد مرفوض أخلاقيا ووطنيا بالنسبة لنا – كتماما كما نرفض احتكار وتجسد الإخوان مثلا للفكرة الدينية).. ولكنه محرك حاضر وقوي.
———-
وجزء كبير من تحرك الجيش وقيادته سواء من ثورة يناير، أو رغبته في استيعابها، أو تحالفه مع الإخوان في مرحلة، وتوقعي المبكر مثلا أن هذا النظام التحالفي هش وسينقضي بسرعة لصالح الجيش.. لايمكن تفسيره إلا بهذا المنحى.
بل جزء كبير من فلسفة ضبط العلاقات المدنية العسكرية مع الجيش في مرحلة الثورة، أو حتى أي مرحلة تحول ديمقراطي.. صحيح الجزء الأهم هو الإسراع في استغلال الحراك الشعبي قبل انفضاضه – بما له من قوة دفع – ومع وجود رأس حربة سياسي يمثل الجماعة الوطنية . .أن نسحب الجيش لتنازلات عميقة في شكل الدولة وموضعته فيها.. وهذا ماكنت ألح عليه كثيرا منذ ما قبل التنحي لو تذكر.
 
ولكن كنت أيضا أشير لنقطتين:
أولا) مايمكن ويجب إنجازه هو فقط مسألة منع تدخله في الحياة السياسية، وضبط وضعه في الدستور..
وليس تفكيكه كما كان يقول بعض المتشنجين من الاشتراكيين الثوريين، أو حتى بعض الإسلاميين الأناركيين،
وليس حتى التحكم المباشر والكامل في بنيته وسياساته – لأن المدنيين يحتاجون وقتا معتبرا ليقووا فيه من بنيتهم وقدراتهم من حيث الشرعية السياسية والأهلية الفنية لإدارة ملفات الدفاع.
ثانيا) أن أهم محك في أول مرحلة التحول الديمقراطي هو اكتساب ثقة الشارع ومؤسسات الدولة خصوصا التي لايمكن أو لاينبغي تفكيكها وأهمها الجيش والقضاء – كسلطة – (وليس الشرطة مثلا!) – من حيث الاستقامة والقدرة (سلامة البلد) للنخبة المدنية الوليدة.
بالتأكيد سيحصل تصادم مرتبط بأجندة التغيير الثوري أو حتى الديمقراطي، ولكن هذا التصادم مهم تخفيفه بأساليب – أهمها أن هناك ثقة في استقامة وقدرة النخبة المدنية وتواقفها على رأي وبنية شرعية سياسية محددة، وأيضا توافق وطني.. بحيث تكون إرادة التغيير البنيوي في المؤسسات كاسحة من حيث الدعم السياسي والشعبي وغياب إمكانية تجييرها لصالح فصيل.
شوف ياسيدي  لو أنت في موقع قيادة عسكرية ترى نفسها مجسدة لفكرة الدولة – بشكل أبوي وفاشي وفاشل – متفق، ولكنه حاضر ويحكم التصرفات، ورأيتَ كل مواقف وخطابات وتحركات القوى السياسية المختلفة منذ يناير
(إخوان، وشباب، وأحزاب، وبرادعي، ويسار..) – هل هذا سيعزز الفكرة المَرَضِية التي تتلبسك أنك أنت الدولة والوطن؟ أم سيوهنها لصالح علاقة أكثر إيجابيا في معرض التحول السياسي؟
هذه مقال قديم في أول 2013.. لعلك اطلعت عليه:
——-
2- النقطة الثانية – لفائدة المقاربة الموضوعية في فهم محركات الجيش أو أي سلطة ما.. هو استشرافك لها ولمواقفها مستقبلا.. وعلى أساس ذلك تستطيع تقوم بتخليق استراتيجية مواجهة (إصلاحية أو تغييرية).
بل يعطيك فكرة أيضا عن الأثر النفسي والرغبة في الانتقام عند قيادته وضباطه حين يسمعك مثلا تتهمه أنه عميل للصهاينة، أو جيش كامب ديفيد، أو حين يسمع خزعبلات أن قيادته (الأسطورية كما يتخيلها) أمه يهودية!. وهل حتى يُشترط للعميل أن يكون أمه يهودية، وألم يكن أكثر الرؤساء العرب الذي عليهم إثبات بتوطيء واع مع الأمريكي والإسرائيلي ومخابراتهما وبالدليل (الملك حسين – حليف الحركة الإسلامية لنصف قرن) هاشمي النسب!
 هناك مثالب كثيرة فعلية في صفاء الشعور الوطني والسلوك الوطني للقيادة العسكرية المصرية وبنية الضباط حصلت لأسباب عديدة وعلى مدى زمني ممتد، ليست المؤسسة – فضلا عمن يقودها حاليا – المسئول الوحيد عنها (بدءا بالأخص من سياسة السادات بعد حرب أكتوبر في مجال دور مصر الوجودي والإقليمي، والاعتماد التسليحي الكامل على أمريكا، وطريقة اصطفاء القيادات والضباط، والمناخ الداخلي في المؤسسة والسياسة الأمنية الخانقة، والترهل الوظيفي الواسع تبعا لانهيار المشروع الملهم، وانحدار التعليم العسكري والاحترافية، وتضخم الأنشطة الاقتصادية والمدنية، وانقطاع التجربة العسكرية عدا محطات سريعة وشديدة الإشكال بحد ذاتها: كما في تدخل ليبيا أو حرب الخليج….)، فهو يرى نفسه على غير ذلك تماما..
وأخيرا – هناك فائدة – بل ضرورة أخرى.. وهي الاستقامة الأخلاقية، والخلاص الديني الفردي.
لن نحاسب  يوم القيامة حول كوننا انتصرنا أم لم ننتصر في معارك ومحطات – تمر عليها أجيال بالأصل قبل أن تصل لنتيجة نهائية… وهي مواطن تخلف رسالي وحضاري وسيادي تعيشها الأمة منذ قرون.
ولكن على مدى بذل الوسع والطاقة، وأيضا الالتزام الأخلاقي والتحرر من الهوى والتعصب (حتى لو تعصبا لصالح فئة أو قضية – نراها عادلة)..
بل هذا حتى في مواجهة لايكون أي شك في صلاح طرف وضلال آخر فيها، في إيمان طرف وكفر آخر:
ولا يجرمنكم شنئآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى
اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين، الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فُقهوا
كونوا قوامين بالقسط – شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين

كيف تعثر التحول الديمقراطي المصري؟ العلاقات المدنية العسكرية وإطارها التشريعي

مشاركة مؤتمر (القانون والمجتمع في مصر مابعد يناير 2011) – الجامعة الأمريكية بالقاهرة – نوفمبر 2015

العرض التقديمي المصاحب:
الورقة العلمية المُقَدّمة:

إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية التركية وإسقاط على الحالة المصرية

2-8-1016

تقييم لقرارات إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية التركية، وهل هي تسييس للجيش أم إخضاعه ديمقراطيا؟

– إلحاق قيادات القوات البرّية والبحريّة والجوّية بوزارة الدفاع، بعد أن كانت تتبع رئاسة هيئة الأركان.

– تخويل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، الحصول على معلومات تتعلق مباشرة بقيادة القوات المسلحة، ومدى ولائهم.

– صلاحية الرئيس ورئيس الوزراء في توجيه أوامر مباشرة لقادة القوات، وضرورة تنفيذ القادة للأوامر مباشرة دون الحصول على موافقة من أي سلطة أخرى.

– فصل 1389 عسكريًّا من القوات المسلحة، بينهم المستشار العسكري لأردوغان، ومساعد رئيس هيئة الأركان، ومدير مكتب وزير الدفاع.

– إغلاق الأكاديميات الحربية والثانويات العسكرية ومدارس إعداد صف الضباط.

– تأسيس “جامعة الدفاع الوطني” تابعة لوزارة الدفاع.

– تتشكل الجامعة من معاهد لتخريج ضباط ركن، إضافة إلى أكاديميات حربية وبحرية ومدارس إعداد ضباط صف.

– اختيار رئيس الجامعة من قبل رئيس الجمهورية، من بين 3 مرشحين يقترحهم وزير الدفاع، ويوافق عليهم رئيس الوزراء.

نقل تبعية المستشفيات العسكرية بتركيا  لوزارة الصحة .

المصدر: وكالة الأناضول نقلاً عن الجريدة الرسمية.


أعتقد أن هذه القرارات يمكن تقييمها من منظورين:
الأول – وهو الأقرب لتخصصي – منظور استراتيجي: أي تأثيرها على ضبط العلاقات بين المستوى السياسي والعسكري بمايحقق استخدام أمثل للأدوات العسكرية في تحقيق الهدف السياسي حربا وسلما، وفي ذات الوقت الانسجام مع فن العمليات وقواعد الحرب والقدرة العسكرية.
الثاني – الشق الديمقراطي.. أي تحقيق هدفين: إخضاع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية ومنع أي تمرد مستقبلي، وفي ذات الوقت منع تسييس الجيش.
 
————————-
من المنظور الأول (الاستراتيجي).. هناك جملة من المباديء لابد من مراعاتها، ولكن تنزيلها تفصيليا يختلف على حسب السياق:
مثلا – مهم أن يكون المستوى السياسي هو من يضع الأهداف الاستراتيجية، وفي ذات الوقت يشرف على ملفات الإدارة الدفاعية(المهام والأدوار، الموازنة، منظومات التسليح، شئون الأفراد، التنظيم والعقائد القتالية) .. ولكن مهم كذلك أن يكون للجسد العسكري قوام مهني يسمح له بطرح رؤيته الذاتية – ويضغط عليها مؤسسيا-  لمايفهمه من قواعد الحرب وإمكانياته في مقابل طرح القيادة السياسية (حتى مع احتفاظها بالقرار آخر الأمر)، وكذلك لابد من التفكير والتخطيط العملياتي على مستوى رئاسة الأركان بما يؤكد منطق الحرب المشتركة.
وعلى هذا –
فأن يتم جمع الجوانب التنظيمية والإدارية والمالية للأسلحة تحت قيادة مباشرة لوزارة الدفاع هذا جيد.
ولكن حرمان رئاسة الأركان من القيادة المباشرة، وأن تحتفظ ب
platform
يتم فيه التخطيط العملياتي، وقيادة العمليات .. هو خلل كبير.
حتى في أمريكا، وكان فيها نظام شديد الشذوذ للقيادة العسكرية ويُضعف من سلطة رئيس الأركان، حيث هناك خطان متوازيان: الأول يربط بين الرئيس ووزير الدفاع وقادة الأفرع المسلحة وعلى رأسهم رئيس هيئة الأركان المشتركة ويختص ببناء القدرات الدفاعية، والآخر يربط بين الرئيس ووزير الدفاع والقيادات العملياتية (المناطق الاستراتيجية – الجغرافية والوظيفية).
ولكن بعد مشكلات عديدة ظهرت في تخلف وقصور التخطيط العسكري (الاستراتيجي والعملياتي الأعلى) صدر مرسوم جولن ووتر في منتصف الثمانينات، وقوّى من سلطة وصلاحيات رئيس هيئة الأركان المشتركة بأن جعله المستشار العسكري الأول للرئيس ويتحتك كذلك بخطط العمليات وقيادتها.
أيضا – التغلغل السياسي الكثيف في بنية المؤسسة العسكرية وتعيين قياداتها والتحكم في مؤسساتها التعليمية وموجات العزل والإذلال غير الموضوعية – كل هذا من شأنه تحطيم (القوام المهني) للمؤسسة، مما يجعل الحوار
الاستراتيجي المطلوب بين المستويين هو من طرف واحد (يأمر) وآخر (ينفذ)، وهذا سيكون له عواقبه سواء على القدرة القتالية للمؤسسة، أو نجاعة الاستراتيجية الدفاعية
.. وشيء كهذا بالضبط حصل مع السادات وتسبب في أزمات جسيمة في حرب 73.
ساعدت نكسة 67 عبدالناصر في استعادة السيطرة (السياسية) على الجيش، ولكن لضمان الولاء السياسي (كنظام) جمع القيادة العسكرية العامة لوزير الحربية مع علمه بسلبية الأمر ومخالفته لنصيحة أمين هويدي أول وزير حربية بعد النكسة..
ولكن إجمالا – تعامل عبدالناصر كان شديد التوازن مع القيادة العسكرية (خصوصا بوجود الشهيد رياض كقيادة فنية ورئيس أركان له كاريزما ، وكذلك فوزي كوزير حربية وقائد عام صارم).. فضلا عن مناخ حرب الاستنزاف وماسمح به من زيادة وزن القيادة العسكرية بسبب طبيعة النشاط العسكري القائم على سلسلة متدرجة وممتدة من النشاط التكتيكي والعملياتي مع صمت العملية السياسية – حتى انهيار الدرع الصاروخي وضربات العمق ثم مبادرة روجرز.
لكن السادات – استخدم بالضبط سيف الفصل والإبعاد لكل قيادة عسكرية لاتبدي طاعة عمياء لأوامره السياسية والعسكرية كما فعل مع فوزي ثم صادق ومساعديه.. واختار وزير حربية وقائد عام ضعيف وتابع.
وهذا بالضبط – ماقاد لكوارث في النصف الثاني من حرب أكتوبر وتسييس (مفرط وغير رشيد) للقرارات الاستراتيجية وخط العمليات..
—————————
أما الشق الديمقراطي – فالموضوع أوضح بالطبع..
لو هناك أمور ندمت عليها، فمنها إلحاحي الكثيف والمبكر على مسألة رفض الوصاية العسكرية كالعنوان الأبرز لطرحي في 2011، و2012.
صحيح – أن طرحي تضمن كذلك وجوب التدرج في التعامل مع المؤسسة العسكرية – أي تمييزي بين متطلبات مرحلة الانتقال الديمقراطي (النص القانوني والدستوري، ومنع التدخل العسكري في الشأن السياسي)، ومرحلة التثبيت الديمقراطي التي تأخذ زمنا وتحتاج للمدنيين اكتساب الشرعية السياسية والقدرة الفنية اللازمة لإدارة الدفاع بشكل تفصيلي، وتضمن أيضا التحذير من تسييس الجيش … فخط دقيق يفصل إخضاع الجيش للهيمنة المدنية، وإخضاعه لهيمنة فصيل سياسي..
ولكني لاحظت أن الشق الثاني من طرحي – مع أهميته – كان باهتا للغاية، ولم أبدأ في إصلاح ذلك إلا مع مناقشتي لدستور الإخوان أواخر 2012.. وبالتأكيد كان مصلحة للإخوان  الشق الأول من طرحي إلا حين استخدمته كسبب رئيس في رفض دستورهم، أو يُظهر عدم استقامتهم سياسيا خصوصا أمام أتباعهم في مسألة العلاقة مع الجيش.. .
حينها طرحت جملة من المباديء تضمن إخضاع الجيش للهيمنة المدنية دون هيمنة فصيل – وهي مباديء حاضرة في التجارب الديمقراطية بالفعل…
مثلا – عدم استفراد السلطة التنفيذية بتعيين القيادات العسكرية (وهذا مبدأ ديمقراطي هام)، وكذلكوجود قوام مهني غير مُسيسي لوزارة الدفاع يشتمل على عناصر مدنية ، وعسكرية – تبعا للملفات إدارية أم فنية أم استراتيجية – حتى مع وجود رأسها المدني المُسيس (وهذا مبدأ ديمقراطي هام أيضاـ وكذلك استراتيجي وإن كان يتجلى في مرحلة التثبيت الديمقراطي، وليس الانتقال)
واضح طبعا أن أردوغان هدم كثير من أسس البناء الديمقراطي عموما، وليس فقط في شق العلاقات المدنية العسكرية.. وهذه نقطة مهمة.
لايمكنك تقييم الأساس الديمقراطي للعلاقات المدنية العسكرية في معزل عن مجمل الملفات والمساحات الديمقراطية.. سواء في عقد اجتماعي متوازن، وفصل حقيقي بين السلطات، وعدم تسييس أجهزة الدولة وخصوصا أجهزة المعلومات.
فمثلا – الوضع الحالي في مصر، لو اقتصرت على تقييم الوصلة بين السيسي والمؤسسة العسكرية ستجد علاقة فعلا متوازنة مع خضوع للرئيس.. ولكن هل هذا يجعل  من الوصلة ديمقراطية في معزل عن مجمل تقييم النظام في الملفات السابقة?!
تعيين وعزل القيادات العسكرية لو تذكر طرحنا أيام دستور الإخوان يجب ألا تستفرد به السلطة التنفيذية.
في النظام الرئاسي والمختلط يكون تحقيق ذلك ميسرا، فالرئيس يُعيّن أو يعزل ولكن لابد من إقرار البرلمان (والحكومة في المختلط).
المشكلة في النظام البرلماني أن الحكومة هي انعكاس للطرف الغالب في البرلمان.. حينها تحتال النظم البرلمانية – على حسب سياقاتها وخبراتها التاريخية – في وضع صمامات وكوابح أمام رئيس الوزراء:
بريطانيا مثلا – هناك التصديق الملكي، وكذلك توصيات الوكيل الدائم لوزارة الدفاع الذي يراعي رأي المؤسسة. وكان حتى التسعينات يدور منصب رئاسة الأركان على قيادات الأسلحة.
ورئيس الأركان هو المستشار العسكري الأول ورأيه حاضر بقوة (ونافذ عرفيا) في تعيينات كل مايليه من قيادات.
إسرائيل – يختار رئيس الوزراء رئيس الأركان من  أحد ثلاثة ترشيحات من وزير الدفاع (في الأغلب يمثل الحزب الثاني في الائتلاف الحكومي كعادة حكومات إسرائيل، ودائما يراعي في الترشيحات الثلاثة رأي المؤسسة.
ثم في كل الأحوال – لابد من موافقة البرلمان على استدعاء الجيش لدور داخلي، وتتدخل في ذلك أيضا السلطة القضائية عند الحاجة.
طبعا أردوغان قلب النظام السياسي الديمقراطي رأسا على عقب: قوض أركان السلطة القضائية واستقلالها (وهذا بدأ منذ نزاعه مع جماعة كولن)، ثم يريد تحويل النظام لرئاسي مع كل مايتيحه النظام البرلماني من غياب سلطة موازية!
بمعنى – حتى النظام المختلط   كما في فرنسا يفرض انتخاب مباشر لرئيس الجمهورية، ولهذا فله صلاحيات واسعة، ولكن تتوازن معه كذلك السلطة البرلمانية الآتية من انتخاب (آخر) وفي الغالب يحرص النظام الديمقراطي على الفصل الزمني بين الانتخابين (لتقليل سيطرة فصيل على السلطتين بسبب غلبة مزاج سياسي على الجماهير في نقطة زمنية واحدة)..
cohabitation
لكنه يريد صلاحيات رئيس كاملة، مع سلطة برلمانية خاضعة .. حاجة كدة زي السيسي عندنا.
لو شهدنا الصورة باتساعها السابق، حينها ندرك أن مافعله أردوغان مع الجيش.. هو نقطة في منظومة السيطرة الفردية (وليس فقط الفصائلية) على الدولة.
بالإضافة للعزل والتعيينات.. فمثلا أن يصدر الرئيس ورئيس الوزراء أوامر مباشرة للقيادات العسكرية هو مخالف للقاعدة الديمقراطية والاستراتيجية معا.
من حقه استراتيجيا مثلا أن يصدر قرارا بالتأكيد على المستوى الاستراتيجي والعملياتي وحتى التكتيكي – ولكن إن كانت له حساسية على (الأثر الاستراتيجي) وليس مجرد التدخل الفني في عمل القوات – حتى لو كانت خلفية القائد السياسي عسكرية..
وشيء كهذا حكاه موشي دايان في مذكراته مفاخرا أنه كان يتحفظ في حرب 67 عن توجيه أوامر مباشرة للعمليات لأنه كان قائدا سياسيا.. ولكن الحقيقة أنه كان يتدخل بشكل فج حتى في عدد دانات المدافع على جبهة الجولان.. ثم هو أيضا أصدر قرار مهاجمة الجولان دون علم مجلس الوزراء وبالمخالفة لقراره!
أما ديمقراطيا – فحقه أن يصدر أوامر لها علاقة بوجيه النشاط العسكري سياسيا بالطبع، ولكن أن تمر عبر القيادة العملياتية للقوات المسلحة، والأخطر – ألا تحمل شبهة استعمال القوات المسلحة للمصلحة السياسية.
ولهذا – تضع كل الدساتير قيودا صارمة على قدرة رئيس السلطة التنفيذية في استدعاء الجيش للداخل (لاحظ في تركيا مثلا – المشكل الكردي، فضلا عن احتمالية تطور نزاع سياسي مدني)
الخطورة أيضا- وهذه أيضا من قواعد إعادة هيكلة القوات المسلحة، أنك يمكنك استخدام ضغط سياسي وشعبي ومهني على المؤسسة لتليين موقفها من إجراءات الإصلاحات (بل هذه الوسيلة الأهم)، ولكن لايمكنك (فرمها) وإذلالها حين تفعل ذلك.
هذا يؤدي لعكس المطلوب تماما: زيادة الاحتقان الداخلي ممايكون مبررات قوية وثارات للتدخل في الشأن السياسي.
صحيح أن سياسات أردوغان ستقلل من التحرك السياسي للمؤسسة (ككل)، ولكنها ستزيد بشدة فرص تشكيل الخلايا والجيوب داخل المؤسسة (بكل مايحملها ذلك من محاولات انقلابية يتم بناؤها على مدى مقبل، أو حتى محاولات متشنجة للانتقام… إلا إذا استطاع بشكل كامل استبدال النسيج الاجتماعي والمهني بالكامل للمؤسسة.. وهذا يحتاج لوقت طويل)
موضوع نقل المستشفيات العسكرية لوزارة الصحة شيء غريب فعلا.. إلا إذا كانت تلك المستشفيات تعالج المدنيين كما هو الحال عندنا وباكستان، فيكون نقلها لوزارة الصحة بهدف تقليل موارد بناء القاعدة الاجتماعية للجيش في معرض التنافس السياسي، وفي ذات الوقت طلبا لتركيز الموارد والخبرات في مهامه الأصلية.. وبهذا يكون جيدا..
وإجمالا – فالمستوى الأول والثاني من الطب العسكري (مستشفيات الميدان والجبهة..) لايُعقل أن تخضع إداريا ولا حتى فنيا (بسبب خصوصية الفن الطبي العسكري في هذه  المساحة، وأيضا علاقتها العضوية بمسرح العمليات) لوزارة الصحة.. أما المستوى الثالث من الطب العسكري (التخصصات الدقيقة) فبالطبع لايمكن فصلها فنيا عن المناخ الطبي العام.. وإداريا فالأمر على السعة.. هنا في بريطانيا – هناك دمج فني وإداري في هذا المستوى مع وزارة الصحة ومستشفياتها..
————————-
.. الخلاصة:
أنه وإن كانت بعض تفصيلات  القرارات التركية لها شبه مع حزم ضبط العلاقات المدنية العسكرية وإخضاع القوات المسلحة للهيمنة، إلا أن تقييمها الدقيق يجعلها خطوات شديد الخرق استراتيجيا، ومجافية تماما للروح الديمقراطية وتؤدي لامحالة لتسييس الجيش، ويزداد هذا التقييم حين ننظر للمشهد ككل

حول الاستراتيجية والقيمة .. على هامش تركيا

18-7-2016
لماذا فشلت محاولة الانقلاب التركية؟ وهل هذا نتاج ثمار الإصلاحات الهيكلية والسياسية لأردوغان أم العكس.. بسبب اختراقه لأجهزة الأمن والمعلومات؟
وعموما – هل الإنجاز السياسي – وبشكل أدق فرض الهيمنة المدنية على المؤسسة العسكرية – يرتبط بالنسق الديمقراطي أم العكس – كما ماحصل في تركيا؟

تناولنا في رسالة سابقة الديمقراطية وعلاقتها بمستوى الإنجاز السياسي والوظيفي والعسكري .. واختلاف النظرات الأكاديمية للمسألة، وطرحي – بمنطق النظرة الواقعية والتجريبية – أن هناك شروطا للإنجاز (عامة وظرفية) وهذه قد يسهل الوصول لها في بيئة ديمقراطية، أو حتى يصعب وتحتاج لعلاجات.. وهذه العلاقة – للتعقيد – تختلف من حالة لأخرى  – حسب عوامل متعددة (النضج المدني، البنى التحتية، طبيعة الخصوم والأحلاف، العوامل الثقافية والاجتماعية، نوع الصراع والعنصر الحاسم فيه – هل حرب نظامية شاملة أو محدودة أو حرب غير نظامية…)
 
بمعنى: القدرة على إحداث انقلاب أو إفشاله، القدرة على استدامة السيطرة السياسية لشخص أو فصيل أو فقدها، وحتى علاقة آثار ماسبق على معايير الإنجاز السياسي والاقتصادي والعسكري للدولة – كل هذا – من منظور استراتيجي بحث – يمكن فهمه وتوقعه من خلال النظر لموازين القوى وطرق بنائها وتحريكها. ولا تُسعفنا النظرة (القيمية) المباشرة – سواء تتبع لمنظور ديمقراطي أو حتى إسلامي روحاني أو ماركسي أو أو – في تفسير خط الأسباب والنتائج.
 
 
فيكون حينها سهل أن ندرك لماذا فشلت محاولة الانقلاب التركية الأخيرة، في حين نجحت أربع محاولات سابقة منذ 1960..
 
محاولة ركيكة أشبه بتجارب الانقلاب السورية في الستينات، دون أن تقصد وتنجح في السيطرة على مصادر القوة العسكرية الشاملة أولا (فقط قطاع من السلاح الجوي والجندرمة)،
وفي بيئة سياسية شديدة الاختلاف:
حكومة مركزية قوية لها شعبية، وقوى سياسية محتقنة ضد النظام ولكن لاتحبذ الانقلاب لوضع عام داخلي وخارجي متغير أو لخصومة أشد مع الجيش، أو لخبرة سلبية وخلاف أيديولوجي (القوميون، الكماليون، الأكراد، كولن..)
ونظام استطاع عبر (13 سنة) امتلاك تدريجي لموازين القوى وسحبها من الجيش بالتحديد.. سواء تحييده من السياسة أولا (أخذت العملية مالايقل عن 10 سنوات – بدءا من استغلال التفويض الشعبي والرغبة الحثيثة للالتحاق بالاتحاد الأوروبي من فرض أجندة إصلاح دستوي وقانوني أول الأمر أزال وصاية العسكر عن مجلس الأمن القومي،
ثم استغلال و(فبركة) قضايا لتصفية قطاعات من المؤسسة، وتقديم تدريجي لعناصر موالية في القيادة،
وكذلك تطوير قدرات اختراقية داخل أجهزة مضادة في الاستخبارات والأمن، وكذلك وضع شبه ميليشوي لأنصار الحزب الحاكم عبر شبكات اجتماعية وليس فقط سياسية..
 
 
لكن أسوأ خطايا محاولة الانقلاب العملية في رأيي أنها حصلت بشكل لقيط عن أي تطور سياسي وأزماتي، وافتقدت لعنوان سياسي مناسب وواضح، وقيادة مُطَمْئنة، وخارطة طريق محددة.
 
بمعنى – لو افترضنا مثلا أنها حصلت في وضع مختلف (تصاعد لسلاسل عمليات إرهابية داعشية وكردية، فقدان سيطرة تدريجي من قوات الأمن وانشغالها، تراجع اقتصادي ولو مؤقت بسبب تنامي الإرهاب، تصاعد واستدعاء السلوك الغشيم من النظام – الذي تراجع قليلا الفترة السابقة – تجاه الأقليات والإعلام والقضاء والشباب مما يسهم في توفير مستند أزمة على الأرض، يُمكن البناء عليه لتهيئة عريضة استدعاء سياسي للتدخل العسكري)..
أقول – لو كل هذا كان متوفرا، كان سيكون هناك فرصة حقيقية لنجاح الانقلاب حتى لوعاني من الإشكالات البنيوية السابق ذكرها في طريقة تخليقه داخل المؤسسة العسكرية.
 
طبعا كل ماسبق من خطوات للحزب الحاكم أبعد مايكون عن أي اتجاه إصلاحي ديمقراطي أو قيمي.. دون حتى التوسع في سرد جوانب الفساد المالي والإداري، والنزعة التسلطية المرضية لأردوعان، أو السياسة الداخلية والخارجية البائسة أخلاقيا واستراتيجيا في ملفات كالأكراد والأزمة السورية وداعش وإسرائيل..
 
بل الطريف- وهذا ينبيك عن حجم الانتهازية ولاأخلاقية أردوغان .. موقفه من جماعة كولن.
لو قلنا أن أهم ماأفاد حزب أردوغان في تنحية الجيش وتقليل وزنه السياسي كان ملف الاتحاد الأوروبي، وكذلك الانجاز الاقتصادي الذي وسع من شعبيته، مع عامل الزمن.. فجماعة كولن كانت أداته الأساسية في اختراق شبكات الأمن والمخابرات وبعض النخب العسكرية – في فترة التحالف الوثيق بينهما حتى 3 أعوام مضت.. بعدها – كعادة السياسة البراجماتية الخالية من أي قيمة، التفت أردوغان لهذه الحركة واعتبرها عدوه الأول..
وكان أهم مااستغله من محاولة الانقلاب الفاشلة (الكمالية بوضوح) هو صنع رأس حربة للتوسع في تصفية بقية زوائدها خصوصا في القضاء (يعني مال القضاء بمحاولة انقلاب عسكري فاشلة ليعتقل ويفصل 2500 عنصر قضائي ؟  🙂
 
 
المآلات.. أعتقد سلبية جدا على المدى المقبل، لأن الوضع الداخلي مليء بمشكلات جسيمة (الأكراد، الإرهاب – الاحتقان في السياسة والإعلام والشباب ومع جماعة) سيزيدها هدم بنى الديمقراطية، وإذلال الجيش، تفاقمها، حتى لو كانت هذه الأوضاع منفصلة عن محاولة الانقلاب ولم تقدم خميرة مساندة لها.
وتسييس المؤسسات الدفاعية والأمنية سيظهر أثره على مدى أوسع.
——————————-
عودة لسؤالنا .. هل يمكن تحقيق إنجاز ما في السيطرة السياسية، أو حتى إنجاز سياسي عام أو في مسألة تنحية المؤسسة العسكرية أو إصلاح مؤسسات، بمعزل عن أصل القيمة الديمقراطية أو حتى الإسلامية؟
 
تجيبنا النظرة الاستراتيجية المباشرة .. نعم طبعا.
وهل ممكن تحقيق ماسبق في إطار القيمة الديمقراطية أو الإسلامية؟
كذلك ممكن طبعا، وحصل كثيرا.. باشتراطات وطرق معينة. وقد تصعب أو تسهل معها.
 
أنت لاتتخذ قرارا بالاعتماد على النظرة الاستراتيجية لوحدها، ولكن المفترض أننا ننطلق بمنظومة قيمية تحدد لنا مايصلح ومالا يصلح.. النظرة الاستراتيجية ذاتها منشغلة بسؤالي الجدوى والإمكان وليس بأسئلة الغاية والمنطقية والقيمة..
 
صحيح كذلك- أن كل المنظومات القيمية تسمح لأتباعها باختراق حدودها القيمية تبعا للحاجة والضرورة.
وكان أستاذي يقول في معرض استهجانه أن هناك قوالب أيديولوجية وقيمية ثابتة لممارسة الحرب (كالطريقة الليبرالية للحرب .. مثلا): لايوجد جيش أو دولة تمارس الحرب دون أن يكون لها فكرة قيمية وحدود أخلاقية ما، ولكن كلها في نفس الوقت تعلم متى وكيف تستطيع اختراقها.
وكنت أردد في نفسي: (تحت أي حد من حدود الضرورة الشرعية يمكن تجاوز المحظور؟!)
 
طبعا هذه النظرة الواقعية المفرطة التي تجدها عن كل الاستراتيجيين، ليس بالضرورة أن نقبلها بشكل معياري (ماينبغي أن يكون)، ولكنها مقبولة تجريبيا (ماحصل فعلا) عدا استثناءات قليلة.
 
 
ماأختم به في مسألة الديمقراطية والقيمة وعلاقتها بالإنجاز.. أن النظرة الاستراتيجية غالبا ماتسعفنا في تحليل مسارات الدول والكيانات في مدى قريب وحتى متوسط، ولكن لاتكون بذات القدرة والوضوح على تفسير المآلات الممتدة في الخط الزمني..
ممكن أن يحاول البعض.. دراسة كيندي المشهورة عن تصاعد وانهيار الامبراطوريات مثلا. ولكن في الغالب تترك فجوات من الغموض وعدم اليقين.. تقفز الأطروحات القيمية لملئها.. ليست فقط دينية ولكن حتى ليبرالية أو ماركسية.
 
ويمكن حتى أن يتقارب الخطان (التجريبي والقيمي) في تفسير ظاهرة ما.. 
مثلا حين نقول أن فشل تجربة عبدالناصر يمكن رد انكساراتها العسكرية والسياسية لنقاط محددة في ضعف القابلية الاستراتيجية للدولة (تطوير مساحة نقدية ورقابية للتطوير والأداء العسكري، تجاوز الأزمة الاقتصادية أول الستينات التي أجهضت مشروعي الصواريخ والنووي، الفشل الاستخباراتي الجسيم) أو ضعف القدرة على التطور الاجتماعي المتناسب مع الخلفية الثقافية والبيئية (استيراد منظومة قيمية ومحاولة إحلالها محل  البعد الإسلامي المنسجم عروبيا – وهذا يتحمل الإخوان معه قدر كبير من المسئولية بسبب النزاع على السلطة والفقر الفكري).. ولكن النظرة التجريبية أيضا تقول – أن كثير من هذه المشكلات كان من الممكن حلها – ولو نظريا – في معزل عن خيارات ديمقراطية وإسلامية بحتة.
 
 
أكيد أنا كمحمد – مؤمن بحد قطعي وحقاني من التفسير الإسلامي-القيمي أو حتى الغيبي (يد الخالق وحكمته في تسيير الحوادث على غير قاعدة) للتاريخ ومآلات السياسة والصراع على المدى الطويل وحتى القصير، –  ولكن أدرك وجود مساحة واسعة من النسبية والاعتياد والقصور والتوظيف في كثير من  التفسيرات المنتسبة للإسلام أو الديمقراطية أو الماركسية مثلا.
وتتكون معنا أيضا مساحات ظنية في التفسير القيمي والتجريبي/الاستراتيجي معا. وبعضها يرتبط بتغيير في السياق الزمني والاجتماعي والسياسي – أي مايصلح لعصر ولتفسير حوادثه ليس بالضرورة يصلح لآخر، وبعضها يصلح لتفسير حالة دون أخرى لاختلاف البيئة والظروف والفاعلين.. وهكذا
 
—————————
ومسألة في سياق مختلف ولكن الشيء بالشيء يُذكر – وهذا يدفع بنا أكثر لمسألة تقارب إن لم يكن وحدة المعرفة وفلسفتها – هذا الجدل الشائك، بين القانون والقيمة (المرتبطة غالبا  ببعد غيبي)،وهنا حتى فارق بين القيمة ويد الخالق كما هو الفارق في الاعتقاد الإسلامي بين رضا الله ومشيئته، فالله قد يقدر أمرا لايُرضيه سبحانه-  ستجده حاضرا بكثافة في التراث الإسلامي القديم :
الخلاف الحاد بين الأشاعرة وعلماء الكلام عموما، مع المعتزلة، ومع الفلاسفة الرشديين أو الغنوصيين حول قدرة الخالق والعلاقة بين الأسباب والنتائج.. وستجد تدرج مفهوم بين هذه الطوائف بين من يحتفظ للخالق بقدرة الفعل والإنشاء ولكن يحصل الاختلاف حول حدوده: هل يجعل الله للأسباب قوة ذاتية تعمل كما يقول المعتزلة، وله التدخل في إبطالها، أم هو حاضر في كل حالة كبرت أو صغرت وإنما علاقة النتائج بالأسباب كشواهد على الطريق حتى ينتظم حال الخلق والكون كما يقول الأشاعرة، أم أن الخالق غير منشغل كلية  بالجزئيات كخط ابن رشد).
 
وتجدها حتى في الاحتراب اللاهوتي-العلمي مع مرحلة النهضة.. كلما يكتشف العلم سببا وقانونا، هل هذا يقلل من قدرة الخالق على خلق الحوادث والمشاهد؟ أم تبقى قدرة الخالق مفسرة لفجوات هذا العلم (والتي تمتليء تدريجيا) كقول نيوتن – راجع محاضرة عدنان إبراهيم الجميلة عن الموضوع.
وأعتقد أن ماذكره من أن وظيفة القانون هي في التفسير وليس الخلق أو الغائية هو أمر لافت.
 
 
أما في حال البشر والظواهر التي يحدثونها ويتحركون فيها، فالحال أن فكرة (القانون) نفسها باهتة للغاية وعليها اعتراضات جمة. والقيمة التي نحكي عنها ليست غيبية، ولكن فكرة ديمقراطية نستخلصها من ظروف موضوعية  – تدخل عليها عوامل شديدة التغير الزمني وفي ذات الحالة – لتحسين السلوك السياسي والوظيفي للكيانات والدولة اعتمادا على مباديء الحكم الرشيد والإصلاح المؤسسي والتوازن بين الموارد والأهداف  وترجيح الكفاءة.
وهذا يجعل مساحة الغموض أكبر، وحجم اليقين أقل.

إصلاح المنظومة العسكرية والمآل السياسي

5-9-2016

هل ما يحدث الآن من إحكام سيطرة المؤسسة العسكرية بفروعها على المفاصل الخدمية فى الدولة (صحةـ تعليم – لبن الأطفال!..)  يمكن تفكيكه وتحجيم هذه المؤسسة بعد تفشيها وتغلغلها فى الدولة لهذا الحد ؟

وهل هذا قد يؤدى لحدوث تداعيات ثورية أو احتجاجية قد تتطور لإحداث هزة فى هذا النظام؟


بخصوص لبن الأطفال فالمعلومات غير متكاملة، ولكني لاأعتقد أن الجيش خزن اللبن وعطّش السوق للحصول على ربح مادي أو سياسي. لأن هذا سينكشف وستنهار شعبيته، كذلك فهو لم يتحول بعد لعصابة! نظام القوات المسلحة حتى الآن لايسمح بفساد (غير مقنن) على مستوى فاضح، أو ضرب في الكلاشيه الخاص بالمصلحة الوطنية إلا بتحريف وتأويل يمكن بلعه.

الربح الاقتصادي – إن وُجد – فهو محدود للغاية، ولكن هو دخل على خط الأزمة بنفس المنطق العام للمرحلة:

محاولة إنقاذ  الوضع بسبب ضعف الإدارة المدنية، ممايمنع من تفاقم اجتماعي ثم سياسي يضر بحياة نظام يوليو 2013

– توسعة قاعدته الاجتماعية والسياسية، والتي تُحسب كذلك للسيسي (فمازال الجيش هو القاعدة شبه السياسية والموثوق بها التي يعتمد عليها، فكل محاولاته لتطوير قاعدة مدنية لحكمه إما كانت غير جادة أو فشلت – مثال البرلمان)

استغلال الوضع لتطوير قاعدته الاقتصادية (هذه تعود بفوائد على القطاع العسكري بالجملة وتوفر قاعدة سيولة تفيد المؤسسة في مواردها الداخلية وكذلك توسعة نفوذها السياسي والاجتماعي، ولكن هامش الفساد غيرالمقنن أو المقنن للقيادات العسكرية المنخرطة في هذا النشاط محدود على كل حال)

النقاط السابقة مهم الالتفات لها، ليس بسبب موضوع اللبن (الذي أرى تدخل الجيش فيه ليس تآمريا، ولكن اعتراضنا عليه هو ضمن الاعتراض الإجمالي على تدخل الجيش في النشاط الاقتصادي، واستبداله بالقطاع المدني في الإدارة والنشاط التنفيذي).

ولكن مهمة لأنها تتيح فهم أفضل لطبيعة النظام الحالي، ومآلاته، وسبل الإصلاح:

فالنظام كما ذكرنا من قبل، ليس نظام مؤسسة عسكرية تحكم، ولكنه نظام فارغ من داخله، على رأسه السيسي دون طبقة حكم ولكن تحته المؤسسة العسكرية (ليست شريكة) بينهما تعاقد قَبَلي ووظيفي (الأخير تطور بعد فشل مقامرته على أدوات مدنية وفي سبيل البحث عن إنجاز سريع)، وكذلك المؤسسة الأمنية في تنافس مع العسكرية في بعض الملفات التنفيذية وتحاول أن توسع لنفسها بتصدير صور وسياسات تصعيدية، مع أذرع في القضاء والإعلام.

ولكن ماسبق أبعد مايكون الحقيقة عن وحدة موضوعية أو منظمة..

طبعا هذا (شبه النظام) في سلسلة أزمات وإفلاسات تتفاقم مع الوقت (الأهم الاقتصادية، والإرهاب بسلوكه  الحلقي يكمن حينا ليطور أدواته وبنيته ويسمح بصنع حالة أمن وانتصار زائف ثم يضرب، انهيار الدور الإقليمي، وأزمة المياه، والفشل الوظيفي في القطاعات الحيوية، وكل ماسبق يغذي حالة الاحتجاج الاجتماعي وتعرية الأزمة السياسية والحقوقية)

——————————

ولكن هل هذا سيقود لانفجار شعبي، أو حتى ثورة؟

لاأعتقد.

بالتأكيد أمامنا سلسلة متصاعدة من الاحتجاجات الشعبية، وفقدان كبير لشعبية السيسي وانهيار الثقة في نظامه داخليا وخارجيا (خصوصا مع التطور الاقتصادي: تعويم الجنيه جزئيا ثم كاملا، رفع الدعم، الضريبة المضافة…)، والأسوأ في رأيي تداعي الثقة والتأييد الشعبي للجيش والقضاء لأسباب عديدة وساهم في ذلك أطراف مختلفة (هذا سيحتاج سنينا لإصلاحه حين نريد أن نعيد بناء دولة!)، ولكن لن تتطور لحال انتفاضة شعبية (بسبب -ومع – غياب رأس وأفق سياسي)، وكذلك بسبب بعض قدرة للأذرع الأمنية والإعلامية – مع حضور صورة القلق من مصير مشابه لتفتت دول الإقليم ماثلة شعبيا.

ومع ذلك – كل ماسبق يمثل فرصة حقيقية لأي قوى سياسية تريد أن تعيد تكوين وتطوير بنائها الذاتي(في القيادات والرؤى والأطروحات)، وتحاول التدافع على مساحات الفعل السياسي والاجتماعي بغية – وبالاستفادة من – تكوين قواعد شعبية لها.

وعلى هذا سؤالك: الدخول في الانتخابات؟

ممكن هذا طبعا كمحور عمل ضمن استراتيجية متكاملة، وليس أن يكون هو الاستراتيجية.. بفرض السلامة الإجرائية على الأقل.. أو الاستعداد للمقاطعة أو الانسحاب.

أي يسبقه تطوير البنية، ومسار الاحتجاج، وطرح البدائل، ويصاحبه التواصل الشعبي.. (وإلا فالمشاركة ليس لها ثقل وكذا الانسحاب) مع بضرورة بقاء مكونات خارج إطار الصراع على المساحات.

لعلك تذكر مقالي في ديسمبر 2010 بالقدس العربي عن الانتخابات والمشروع المصري.

المشكلة الحقيقية في تجربة مابعد يناير فعلا لم تكن الجيش ولا حتى مكونات نظام مبارك.. ولكن القوى السياسية التي أهدرت ثورة يناير (مبكرا جدا كما نعلم)، ثم فصّلت بدقة (كما يقول الكتاب) مبررات تعاظم القاعدة الشعبية والسياسية للجيش تمهيدا لتدخله.

ونحن أيضا جزء من المشكلة.. فالقوى السياسي التقليدية بميراثها العقيم فكريا وقياديا وتاريخيا ونفسيا – كانت أبعد حتى عن تطبيق شروط الحد الأدنى لعبور شبه آمن بعد يناير 2011 (قدر من القيادة التوافقية للملفات الحيوية مع تثبيت الكود الديمقراطي ممايفتح أبواب التطور الاجتماعي والسياسي لنشأة نخبة جديدة). ولكن أيضا – فشلنا كحالة شبابية ليس فقط أن نُكوّن بديلا، أو نتبنى أنماط من الفعل الثوري أكثر رشدا وانتاجا وتنوعا، ولكن حتى أن نضغط عليها بشكل حقيقي أو رشيد في تصحيح مسارها – مع الإقرار بوجود عوازل كثيفة وسياسات دفاعية انتهازية عندها ضد النقد.

نجحنا جزئيا فقط في الضغط على المؤسسة العسكرية لتسليم مبكر للسلطة – في إطار قاد لتفاهمات هشة ومحاولة فصيل للسيطرة.. قاد لكوارث فيما بعد.

الجيش (قيادته بالأساس) مسئولة عن إشكالات كثيرة بالطبع، ولكنه تصرف (كما يقول الكتاب) كجيش جمهورية شرقية تقليدية.. هو بالضبط أقرب للنموذج الباكستاني (خليط من: الوطنية، والترهل الوظيفي والاحترافي والثقافي، والاعتماد الخارجي، وتدهور الكود الإنساني، والربح).

——————————-

طيب – هل يمكن إصلاح هذه المنظومة العسكرية ومايحيط بها من وضع اقتصادي واجتماعي وسياسي ملتبس؟

بالطبع، ولكن ليس في معزل عن استعادة حالة الحراك السياسي والتحول الديمقراطي.

كنا نقول بعد يناير 2011 حتى 3 يوليو 2013 – أننا في مرحلة الانتقال الديمقراطي التي تحاول ضمانة عزل الجيش عن السياسة وضمانة حد أدني للديمقراطية، ولكن مرحلة التثبيت

Democratic Consolidation

التي تقتضي تطوير وإصلاح شامل في بنية المؤسسة العسكرية (قيادة وسياسات وعقائد وتركيب ومنظومات بشرية وتسليحية وأدوار وموارد) ستأخذ وقتا طويلا اعتمادا على تطوير الشرعية المدنية، وكذلك – القدرة الفنية التي يمكن أن يحصلها أو يستعملها القطاع السياسي والمدني في التعامل مع تلك الملفات – بشرط ألا يقودنا لحكم تنظيم شمولي كالإخوان، أو تهديم قاعدة الديمقراطية ذاتها كما حصل بشكل جزئي في تركيا.

مثلا:

تفكيك المنظومة الاقتصادية للجيش هي مسألة حتمية لاستعادة الروح الاحترافية للقوات المسلحة، ولكن أيضا لاستعادة حيوية التنافس في القطاع الاقتصادي والخدمي، ومنع المؤسسة من بناء قاعدة اجتماعية بما يتعدى وظيفتها الوطنية في ملف الدفاع.. وهذا حصل بشكل ناجح في تجارب أمريكا اللاتينية (الأرجنتين، البرازيل، ولحد ما تشيلي)

ولكن كيف تتم؟ وفي أي إطار زمني.؟ ومن يقوم بها؟ وماهو السياق السياسي الدافع لها في البداية بحيث يُجبر المؤسسة على الامتثال وفي نفس الوقت لا يُعرضها لحالة إذلال أو حتى قصور وظيفي (سواء في تلك المشروعات التي قد تفشل إذا أدارتها إدارة مدنية قاصرة، أو في الحاجيات الضرورية للقوات المسلحة التي يجب أن تديرها وزارة الدفاع ولكن بأدوات صحية وعليها رقابة واعية)

——

أيضا بمناسبة بوست باسم يوسف- ماهي البنية الأمثل وظيفيا ومن منظور ضبط العلاقات المدنية العسكرية، وأيضا استراتيجيا – للتجنيد والتعبئة: هل بقاء الوضع الحالي من التجنيد الإجباري الذي يقود لترهل (قوات فراغية

Hollow Forces

يجاوز نسبة 60% من الطاقة الاحتراقية للقوات – ويسمح بكل المشاكل السياسية والاقتصادية السابقة؟ أم جيش احترافي كامل كالدول الغربية – آخرها فرنسا التي تحولت من التجنيد للاحتراف في 1996 (طبعا لو كان دور مصر في الاقليم هو مايريده السيسي: مجرد داعم كسول للخليجي بسبب فواتير (الرز) وسلام دافيء مع إسرائيل- يبقى خلليه جيش احترافي طبعا)؟ أم نظام تجنيد إجباري (سمارت) كما يحصل في إسرائيل منذ التسعينات؟

كذلك – هل السياق الحالي يسمح – ليس فقط بتطبيق أي تعديلات وإصلاحات، بل حتى فتح نقاشات موضوعية تجاه أي أمر؟

تناول هذا الموضوع مثلا من أكثر المسائل تعقيدا في الإصلاح العسكري.. لأن هناك عشرات العناصر التي لابد من دراستها ومآلاتها بدقة.

مثلا تدهور القدرة النوعية والاجتماعي-تقنية

socio-technology

للقيادات التكتيكية وصولا للجندي  – دفعت الجيوش الشرقية لمحاولة ردم الفجوة النوعية بالعدد.. وهذا ينجح أحيانا – بحدود – ولكن له اشتراطات وتحويرات في العقيدة القتالية ومنظومة التسليح وسلسلة القيادة (مثلا – زيادة المشاة، المركزية القيادية المفرطة،التركيز على الدفاعات الثابتة، وحرب الاستنزاف لا المناورة، وحتى العقيدة السوفيتية في فن العمليات العميقة تعتمد على اشتباك قوات هائلة من المشاة بنسبة خسارة فادحة تمهيدا لاختراق المدرعات التي تصبح أشبه بمدفعية متنقلة – اقتبسناها بتحوير في حرب 1973 مع ترك تطوير الهجوم في الخطة الأصلية، وحيث حدث التطوير كان خلاف العقيدة القتالية ومهيئاتها، ولهذا فشل بالطبع بشكل كامل..

تلك النظرية السوفيتية هي على خلاف كل النظريات الغربية سواء الحرب الخاطفة النازية، والاشتباك غير المباشر، وصولا للمعركة الجوية الأرضية، لمعركة الأسلحة المشتركة)

الآن لاتوجد عقيدة قتالية مصرية على مستوى العمليات، فقط الوحدات على حسب تسليحها (شرقي – غربي ) تتبع قواعد عمل وتكتيكات معينة.

وأحيانا بعض النثرات الغربية يتم استيرادها لتعمل في منظومة تأسست تاريخيا على فرضيات شرقية.. دون علم وتأهيل حقيقي في الحالتين. أقل كثيرا مماكان في السبعينات وهذا حتى ماأشارت له بعض التقييمات الأمريكية التي احتكت بحرب الخليج 1991 وبالتدريب.

هل هذا بسبب  التداعي الاحترافي الذي صاحب حالة السلم، والذي كان من دواعي – ثم فاقمته بالتأكيد – الأنشطة الاقتصادية للجيش؟

الفريق أول محمد فوزي – رحمه الله – في مذكراته عن حرب 67 ذكر كيف أسهمت حرب اليمن بطبيعتها غير النظامية وعبئها النفسي في ترهل وعدم احترافية قطاعات كبيرة في الجيش المصري.. ماذا يمكن أن يقول هو الآن عن إمبراطورية الجيش الاقتصادية؟!

(نقطة جانبية – هذا الرجل الذي قاد  حروبا، وأسهم مع الشهيد رياض في بعث القوات المسلحة بعد موات حرفي، وكان قائدا عاما ثم وزيرا للدفاع في حرب باسلة – الاستنزاف – لم يأخذ رتبة مشير.. ثم تجد الآن من يحمل الرتبة دون أن يطلق رصاصة في حرب، أو من قبله لم يقد تشكيلا عسكريا فوق الكتيبة في معركة!)

طيب إذا أردت تغيير المنظومة – بأيها تبدأ؟ (التركيب الاجتماعي والنوعي البشري، التركيب الإداري ومنظومة القيادة والمناخ، العقيدة القتالية والفن العملياتي، منظومات التسليح، الرؤية الاستراتيجية وأدوار القوات المسلحة، العلاقات المدنية

العسكرية)؟ أم كله مع بعضه وهذا غير ممكن

وهل يحدث هذا في وقت سلم أو حرب؟ (بمعنى هل عندك مساحة من الوقت دون ضغط الواقع وحاجاته، لأن أي إصلاح في المنظومة العسكرية يعقبه ضعف في الأداء لفترة محدودة قبل استعادة النشاط تدريجيا حين تعمل العناصر الجديدة وتتراكب مع القديمة وصولا لحالة وظيفية متقدمة..

فهي منظومة تتكون من منظومات، وتغيير عنصر يؤدي فورا لآثار إيجابية أو سلبية على بقية العناصر.

system of systems

———————————————————-

المشكلة – أنك لست أمام حالة سياسية بتنوعات في الأفكار والرؤى وتتيح قدرة على النقاش الموضوعي (والأخلاقي) لأي تفصيلة كبرت أم صغرت..ولكن كما سميته في عنوان إيميلك.

مثال – مسألة اللبن.. فالجيش إما منقذ مصر وأطفالها، أو مجرد عصابة مرتزقة.

وأقل القليل من يطرح آراء تعتمد على الاحترافية والعلم أو استفهام أهل التخصص على الأقل.

الإطار التشريعي للعلاقات المدنية العسكرية مابعد يناير

ورقة علمية أُلقِيت في مؤتمر (القانون والمجتمع في مصر مابعد يناير 2011) – الجامعة الأمريكية

القاهرة – نوفمبر 2015

https://drive.google.com/open?id=0B3R3f5iENLhfN2YwckVoS0pSbTQ

 

مُلخّص

مدخل نظري

  • المقاربات التحليلية للعلاقات المدنية العسكرية: سياسية، اجتماعية، استراتيجية
  • التكامل بين المقاربات وموقع النسق التشريعي
  • ضبط العلاقات المدنية العسكرية .. عصب التحول الديمقراطي
  • الانتقال الديمقراطي: منع العودة للاستبداد، تنصيص الهيمنة المدنية وفقا لاستعادة توازن القوة السياسية لصالح الكتلة المدنية
  • التثبيت الديمقراطي: الهيمنة المدنية الكاملة على مستويات السياسة الدفاعية
  • خصوصية الضبط الدستوري في مرحلة الانتقال
  • الخلفية التاريخية
  • قبل يوليو: جيش ضعيف تحت هيمنة الملك (دور برلماني على استحياء أثناء حرب 48)، والوزير سياسي. رئيس أركان ثم استحداث منصب قائد عام (حيدر)
  • يوليو 1952: تلاقي التصور الوطني، مع الشرف العسكري المجروح، مع الظلم الطبقي تبعا لتغير النسيج الاجتماعي للقوات المسلحة.. تمرد مهني سرعان ماحاز الأجندة الثورية.
  • 1952 – 62: الجيش أداة مركزية لتطويع السلطة والإدارة، مُسيس ولكن خاضع لهيمنة الرئيس
  • 1962 – 67: وصاية عسكرية، في مقابل ناصر وبيروقراطيا مدنية ناشئة، واضطراب قيادي
  • 1967 – 71: متحكم فيه مدنيا وله وزن عسكري احترافي
  • 1971-75: متحكم فيه مدنيا بإفراط، مع ضعضعة وزنه الاحترافي في دائرة صنع الخيار الاستراتيجي
  • 1971 – 2011: متحكم فيه مدنيا، ولكن ضمن قاعدة تفاهم تحفظ له (مساحة محفوظة في دائرة الاقتصاد ودولاب الدولة) مع تراجع الدور السياسي عموما، وقابليته للاستدعاء.
  • المرحلة الانتقالية الأولى
  • تدخل الجيش في انتفاضة يناير 2011 ومحركاته
  • تجاوز موجة التغيير السياسي بأقل قدر من الخسائر في حسابات المؤسسة للمصلحة الوطنية والمؤسسية وتصورها للدولة >> فك الموجة الثورية وإعادة إنتاج المعادلة السابقة ضمن تغيير جوهري في بنية النظام >> صيغة تفاهم خدمي للإخوان (في حال غياب البديل المدني) وسيادي للمؤسسة.
  • توابع الموجة الثورية مع تصاعد المد السياسي الإخواني والتسويق الخارجي >> اضطراب (التصور) حول موازين القوى >> محاولة الالتفاف حول الصيغة ولحظة الحقيقة.
  • مع تصاعد الخلاف ونجاح التسويق الخارجي الإخواني >> محاولة تعديل الصيغة (مرشح رئاسي) ورد المؤسسة بزيادة مساحة التدخل.
  • درجة من التفاهم عبر محاولة لإعادة توازن قبل تسليم السلطة
  • المرحلة الانتقالية الأولى – إطار التشريع

1- حسم إدارة المرحلة الانتقالية لإدارة (هوجة يناير) والتمهيد لمايأتي:

       . إعلان دستوري (مارس 2013): مادعمه صيغة التفاهم السابقة مع الإخوان، ومن وجه آخر هاجس المدني من استفراد الإسلامي.. بالرغم من تشاكس الإعلان مع منتوج الاستفتاء وإن اعتمد عليه

2- إرهاصات النظام الناشيء: وصاية عسكرية على التوجه الاستراتيجي، مع محاولة إحداث توازن (ليس تساوي) بين القوى – الوقوع في دائرة التدافع والاستقطاب، والاستفادة من حاجة الفصائل لتعزيز مصالحها في تمرير (تفاهمي) لماسبق.

     . وثائق: السلمي – عنان

     . إعلان دستوري (يونيو 2012)، تقنين (مجلس الدفاع، ومد القيادة العسكرية)

     . (برلمان) تعديلات قانون القضاء العسكري، والتحفظ في التشريع على أجندة يناير

  • رئاسة مرسي
  • الاستفادة من الفشل الوظيفي للمؤسسة في سيناء ومايحمله منصب الرئاسة من تعديل في ميزان القوى >> استعادة الهيمنة على وضع الدستور، والقصف بالقيادة العسكرية في مقابل التفاهم مع قيادة ناشئة حاملة لمصلحة المؤسسة.
  • إعلان نوفمبر للسيطرة على وضع دستور منحاز فصائليا، وأحداث الاتحادية >> خرق الشرعية السياسية.
  • موقف المؤسسة >> المداراة لتمرير السابقة الدستورية، وحسابات الاحتقان والتدخل.
  • تصاعد خرق الشرعية الدستورية (تسييس، اختراق مؤسسات)، وترقب المؤسسة على أقل تقدير.
  • أجرومية التدخل العسكري في يونيو ويوليو: تصاعد الاحتقان الشعبي والسياسي، تضعضع الشرعية السياسية والوظيفية (متوقع)، محركات التصور الوطني الأبوي – وصيانة مصالح المؤسسة.
  • رئاسة مرسي – إطار التشريع
  • المنطق العام: توسعة المكاسب التوسعية لفصيل شمولي، مع مداراة القوى الأملك قدرة على المشاكسة (الجيش والداخلية في مقابل القضاء مثلا)

  1- دستور 2012: صيغة تناقض في ضبط العلاقات تقود لاحتكاك حتمي

      هيمنة فصيل على الجيش: صلاحية الرئيس عموما (وتعيين القيادات)

      وصاية عسكرية: مجلس الدفاع الوطني، الموازنة، المحاكمات العسكرية، توحيد القيادتين، والنص على المجلس الأعلى للقوات.

2- قوانين:   حزمة قوانين المجالس (المنظومة التعبوية بقيت مع مجلس الدفاع، هيمنة المجلس الأعلى على وضع السياسة العسكرية، الموازنة رقم واحد) ، منع تصويت العسكريين (رغبة مشتركة)

  • المرحلة الانتقالية الثانية
  • الالتباس في توصيف 3 يوليو 2013: قائد عسكري يزيل حكم مدني منتخب هو انقلاب، ولكنه نظام يفتقد لكثير من مقومات الشرعية السياسية والوظيفية، وغياب الخصائص الكلاسيكية للانقلاب (السرية والمفاجأة وقفز مجموعة على سلسلة القيادة وحيازة مباشرة للسلطة)، ودعوة قطاع شعبي عريض للتدخل.
  • رفض خيار الاستفتاء وغير واقعية فرضه، وبدء النزاع البيني المسلح .. ولكن أيضا في المقابل: إهدار شرعية الموالاة ، واحتكار إدارة المرحلة الانتقالية، والانتهاكات الحقوقية الجسيمة، والمنتوج المرحلي (دستور وترشح قائد المؤسسة عبر تفويض منها)
  • التحفظ: النتاج المرحلي بالأخص لم يكن ممكنا تصوره دون متوالية العنف المسلح ومحاولة هدم الدولة من طرف، وتوغل تعديات الأمن والانتهاك النظامي والسلوك الفاشي من طرف، مع خلفية تصاعد الارهاب الاحترافي والتمرد السيناوي وكلك انهيار النخبة المدنية >> هاجس انهيار الدولة و تشكيل هالة المنق
  • المرحلة الانتقالية الثانية – إطار التشريع
  • صيغة تشريعية ضامنة للسيطرة على إدارة المرحلة، مع التجمل الدستوري وتقليل التقنين الاستثنائي في مقابل توسعة الفعل خارج القانون

    1- إعلان يوليو: استغلال الاضطراب التام في ميزان القوة المدني العسكري >> رئيس غير سياسي بصلاحيات مطلقة، مع مؤسسة رئاسة هزيلة وحكومة عاشت مع قاعدة توافق قصيرة الأمد انهار وزنها مع ديناميكة المرحلة)

    2- دستور 2014: تقليل صلاحيات الرئيس (وخصوصا في تعيين وعزل الوزير- القائد العام)، ولكن: قيد غير ديمقراطي (موافقة المجلس العسكري). تقييد أكثر للمحاكمات العسكرية، توسعة مدنية لتشكيل مجلس الدفاع ولكن في مقابل النص الدستوري على الموازنة رقم واحد. تحسن كبير في بقية الجوانب.

    3- حزمة قوانين المجالس (محاولة إعادة بعض التوازن في اللحظات الأخيرة قبل تولي الرئاسة)

  • رئاسة السيسي
  • المؤسسة العسكرية كأداة مركزية داعمة، ولكن ليست شريكا سياسيا في الحكم:

    1- التعويل مبدئيا على تطوير قاعدة مدنية للحكم مع بقاء المؤسسة كأداة داعمة >> ضعف القدرة السياسية والإدارية للنظام (حكومة سكرتاريا وتكنوقراط، مؤسسة رئاسة متضخمة الأجناب دون مركز قوي) >> تعثر الواقع عن لحاق الوعود الضخمة الأولية >> تضخم الدور التنموي للمؤسسة بحثا عن معادلات إنجاز سريع.

   2- العسكرية التقليدية ومأزق التحول السياسي والتنموي المعقد.

   3- مأزق مكافحة الإرهاب والتمرد في غياب هيمنة مدنية ديمقراطية (عسكرة الخيارات الاستراتيجية، تكتكة الاستراتيجية العسكرية، غياب المحفز للتطور في القيادة والبنية والفن العسكري)

   4- تصاعد الإرهاب الاحترافي وتطوره الداعشي، إنزلاق قطاعات الإخوانية في إرهاب بدائي قبل تراجعها لأسباب متعددة.

   5- تجريف الحياة السياسية وسياسة القمع.. ماليس مطلوبا: قوة سياسية منافسة، ومؤسسة شريكة في الحكم.

  • رئاسة السيسي – إطار التشريع
  • الاستفراد السلطوي والتشريعي للرئيس حتى مع تراجع الهالة (انهيار مدني، وتقييد الحريات، وبيئة إرهاب وعنف، ونظرة أبوية للدولة لم تُعدلها ممارسة سياسية سابقة، تعمد إفقار الحالة السياسية)
  • منطق التفويض المبكر بديلا عن التعاقد الدستوري: تنحية الدستور
  • التقنين كأداة سلسة في يد السلطة بشكل فج (المحاكمات العسكرية مثالا)
  • العلاقات المدنية العسكرية وتعثّر التحول الديمقراطي المصري
  • بشكل مباشر – العلاقات المدنية العسكرية مسئولة عن تعثر التحول الديمقراطي:

   1- إدارة منحازة وغير رشيدة من المؤسسة لمرحلة مابعد ثورة يناير بقصد احتواء أكبر قدر من إرادة التغيير

   2- نظام يسيطر عليه فصيل شمولي، بناء على قاعدة تفاهم هشة

   3- اختلال وظيفي وكشرعية سياسية، وتدخل عسكري تحت استجداء الطرف المدني >> انهيار النخبة المدنية   ورصيدها السياسي.

  • بالرغم من عدم مسئولية مباشرة للتشريع عن مآل ماحصل، غير كونه عنصر ضمن عناصر مختلفة في التدافع – ولكن الطريق للوصول إلي صيغه أحبط الثقة المدنية المتبادلة وأسهم في التضحية بمنطق التحول الديمقراطي مبكرا.
  • النظرة الأعمق: مشكلة العلاقات المدنية العسكرية لم تكن لتحصل وتظهر آثارها بغير أزمة النخبة المصرية التقليدية من ناحية، وتعثر الحالة الشبابية الثورية أن تدرك أولويات الحراك الثوري وأداته الأهم مابعد يناير (بناء بديل سياسي)..
  • المآل: الأرجح مزيج من الإفلاس يدفع لتدافع إصلاحي واحتجاجي -لايصل لحد الثورة.. إعادة تشكيل النخبة السياسية يُنتزع لايوهب ويقتضي مراجعات شاملة.

 

 

هل الديمقراطية مصدر قوة، وحل لمشكلة سد النهضة؟

20-12-2015

هل نجاح التحول الديمقراطي في مصر شرط أساس للنجاح في إدارة أزمة سد النهضة – تبعا لفرضية أن الديمقراطية ستزيد من قوة الدولة ورشادة الحكم؟


إجمالا نعم – مع ملاحظتين جانبيتين – بالإضافة لما أرسلته سابقا حول موضوع أزمة المياه:
الأولى – أن انهيار العلاقة مع أفريقيا بدأ من عهد السادات مابعد 1975، تبعا لنظرته الجيوسياسية في دور مصر والإقليم واعتقاده بكلية دور الأمريكي، فضلا عن اشتراكه في بعض العمليات في الصومال والحبشة ضد القوى اليسارية – ما عرف حينها – بحلف السفاري
ثانيا – الموضوع الشائك الخاص بأن التطور الديمقراطي –  سيقود بالتالي لارتفاع قوة مصر الإقليمية تبعا لفكرة (النموذج)ـ وبالتالي نتعامل بشكل أفضل مع أزمة سد النهضة، .
من مصلحتنا طبعا أن نبلع هذا  :)، ولكن هذه النقطة بالتحديد هي أساس جدل أكاديمي في مجالي العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية لعقود.
 
تحديدا: ماهي مصادر قوة الدولة (إن حسمنا أن تجليات هذه القوة يظهر في حسم التدافع السياسي والاقتصادي والعسكري)، وكذلك – هل الترقي الديمقراطي تحديدا يمثل سببا حقيقيا في القدرة على حسم الصراعات؟
في العلوم  السياسية، اتجاه معتبر مع الديمقراطية كمصدر قوة، بالأحرى إذا كانت ديمقراطية تؤدي لانسجام اجتماعي وفق صيغ ديمقراطية حقيقية ومتوازنة، وليست تفتيتية. وهذا ضمن اتجاه أوسع يقول بالموارد النوعية
qualitative resources
في مقابل اتجاه الموارد المادية والكمية (سواء اقتصادية أو بشرية أو جغرافية) –
Quantitative resources
(القدرة الإقليمية لدولة مثل تونس في مقابل قطر .. مثلا)
واتجاه ثالث حشوي: الدولة القوية هي التي تنتصر.
ولكن هناك ثلاثة اتجاهات في كون الديمقراطية عنصر قوة في حسم الصراعات (خصوصا المسلحة ) تحديدا:
اتجاه Democratic Triumphalist
وهو شائع، ويقول بأن الديمقراطية تسمح للدولة ببناء سياسات وقدرة مؤسسية رشيدة وكفؤة – خصوصا في ميدان السياسة الخارجية والدفاع
واتجاه
Democratic Defeatist
وهو محدود
واتجاه ثالث، يميز بين الحروب الشاملة والتقليدية – والتي تثبت الدول الديمقراطية قدرتها بتعبئة الموارد والتخير بين السياسات المعقدة على مدى طويل، وبين الحروب الصغيرة وحرب العصابات – وتكون أكثر تعرضا على الهزيمة فيها تبعا لتأثر معادلتها الشعبية والديمقراطية على القرار الدفاعي تبعا للخسائر البشرية والقيمية – كدولة غازية – أمام حركات المقاومة أو التمرد., مثلا كتاب الإسرائيلي جيل ميروم الشهير
How Democracies Lose Small Wars
في الدراسات الاستراتيجية، مصدر القوة هو القدرة (المفاهيمية والمؤسسية وكخيار) على تحويل وتطوير الموارد الكمية والكيفية للوصول لنهايات سياسية مناسبة. أما دون ذلك من تفصيلات وعلاقات سببية فلا يمكن تعميمها، لأنها تبقى ظرفية، وتبعا لطبيعة الصراع ومدى مناسبة الأهداف السياسية للقدرة المواردية.
أما بخصوص الديمقراطية – هذا العنصر بحد ذاته كذلك لا يمكن تثبيته في علاقة سببية مع القدرة على الانتصار، ولكن تبعا لمعطيات ظرفية تسمح له في بعض الأحيان بلعب دور إيجابي في القدرة على تطوير المؤسسات وتفعيل الموارد وتخيّر استراتيجيات ناجعة، وأحيانا يؤدي لمظاهر سلبية. والأمثلة أكثر من أن تحصى عن قدرة تنظيمات ودول (غير ديمقراطية) على حسم صراعات سياسية وعسكرية – نظامية وغير نظامية.
في كل من الحالات الديمقراطية وغير الديمقراطية تظهر أمراض في طريقة اتخاذ القرار الاستراتيجية، وحتى في القدرة على تحريك الموارد، وفرصة أي نظام في التقدم الاستراتيجي هي في مدى قدرته على (مواجهة وعلاج) هذه الأمراض ..
مثلا في النظم الديمقراطية – هناك مشكلات التصادم بين الخيارات الاستراتيجية وتلك الخاصة بالتدافع الحزبي والمصالح، وبين الخيارات والمؤسسات الفنية – والساسة، والبطء
في اتخاذ القرار، ومشكلات الجمع بين السرية والديمقراطية في بعض الملفات، والعلاقات المدنية العسكرية… وهكذا
في النظم غير الديمقراطية – تظهر مشكلات التصادم بين الخيارات الاستراتيجية وتلك الخاصة بطبقة الأوليجاركي أو حتى الفرد الحاكم، ومشكلة ضعف الرقابة والتقييم الذاتي للخيارات، ومشكلة التكامل وحرية المعلومات بين مؤسسات تشترك في صنع استراتيجية شاملة.. وهكذا
——–
في حالة مشكلة سد النهضة مثلا – نظام عبدالناصر كان العهد الذهبي في علاقتنا مع أفريقيا، تبعا لانفجار الشعور التحرري، وخطاب مصر وسياستها الداعمة بشكل هائل للحركات الأفريقية، وكذلك موضعها الجيوسياسي مع دول عدم الانحياز – حتى 1967، وسياسة ناصر الشخصية وغير المترفعة مع زعماء الأفارقة.
كذلك – التدهور الهائل الذي حصل، لم يكن في عهد مبارك، ولكن تحديدا – للمفارقة – مع 25 يناير 2011، لأنه أدى لانفراط قدرة الدولة داخليا وكحركة في الإقليم أن تُصدر صورة (قوة) – بمعنى قدرة على تحريك موارد ومبادرة سياسية ودفاعية أمام أي تهديدات حاصلة أو محتملة.
حينها – رفعت أثيوبيا تخزين السد من 14 ل 74 مليار متر مكعب، وأعلنت عن بناء 4 سدود أخرى.
وتجربة مرسي كانت شديدة السوء لدرجة الكوميديا السوداء، والتي كان اجتماع (الهواء) مجرد عنوان  عن المرحلة.
(هذا اللقاء مثلا – أثر على صورتي أنا الشخصية 🙂 – كنت أعمل استشاري في مستشفي، وكان لي زميل أخصائي من أوغندا يعمل معي، وثاني يوم من اللقاء عملني مُسخة تقريبا، وقعد ينكت على الطيارات السرية اللي عايزين نشتريها)
بمعنى – (نموذج الدولة الديمقراطية) هو بلا شك أحد مصادر القوة الناعمة، ولكنه ليس كلها ، وقدرته على التأثير ظرفية وبشرط تلاحمه مع قوة مؤسسية في اتخاذ القرار وسرعته، كما أنه ليس بديلا أبدا على مصادر القوة الخشنة أو القدرة على (التهديد بها) أي الردع.
هو ليس بديلا – مثلا – عن التنمية الاقتصادية، ولا تطوير المؤسسات الدفاعية وأخذ القرار، ولا التأهيل الكادري للنخبة التي تقوم بالسياسة الخارجية أو الاستراتيجية الدفاعية، ولا الرؤية الشعبية الحالمة.
ربما نقول – أن البيئة الديمقراطية تُعطي فرصا أكبر على تلمس وتطبيق الأجندات الإصلاحية في المؤسسات والسياسات والاستراتيجيات وبناء الكوادر – هذا صحيح .. كما هو الحال في كل المحاولات الغربية في هذا الباب، ولكن ليس بديلا في حد ذاته عن توفر المادة الخام المعرفية، ولا قيادات كفؤة في محطات فارقة مثلا.
وربما نقول- أن الحالة المصرية تحديدا، تغيب عنها احتمالات القيادة المُلهمة الكاريزمية
، مع أدوات رفع مؤسسات وضبط مهني تستفيد من أيديولوجيا تثويرية حالمة – كما يكون في أحوال (غير ديمقراطية) ولكن (قوية).. فيتضاعف أمامها أولوية الخيار الديمقراطي كبديل وحيد في التنمية الاقتصادية والمؤسسية والدفاعية.

حول تولي العسكريين لمناصب مدنية، ومأزق السياسة والإدارة

9-3-2016

نقاش حول تولي العسكريين لمناصب مدنية، ومدى توفر الأدبيات والخبرة البحثية حول هذا الموضوع


بخصوص شغل العسكريين (خصوصا السابقين) لمناصب مدنية تنفيذية ومدى تأثيرها على السياسات المحلية، .
نلاحظ ابتداء أننا نحتاج أن تميّز بحثنا فيما اهتمامنا هو يتعلق بالكفاءة، أم بالانحيازات، أم بهما معا. وهل الانحيازات هي بسبب تحيز في البنية المهارية والثقافية للعسكريين، أم هي بسبب ارتباط مباشر أو غير مباشر مع انحيازات المؤسسة وأجندتها كقوة ضغط سياسي (على حسب درجة تدخلها في المشهد السياسي )؟
أيضا – ممكن نهتم أولا برصد الظاهرة وعناصرها الكمية والكيفية، ويمكنك كذلك محاولة استكشاف أسبابها.
إجمالا – هذه ظاهرة لاتعرفها النظم الديمقراطية، لأن هناك فصل كامل بين الوظائف المدنية الحكومية وتلك العسكرية، ولكن هناك اهتمام كبير في الغرب حول مسألة توطين العسكريين السابقين (تبعا لسياسات التقاعد المبكر والوفرة الوظيفية) في وظائف مدنية، ولكنها كلها في القطاع الخاص.
هل توطين القيادات العسكرية السابقة في وظائف رئيسة في الشركات هنا في الغرب – وهي ظاهرة فعلا – مرتبط فقط بكفاءتها؟ بالتأكيد لا، فيه شق من (تسليك) غير رسمي تبعا لطبيعة المجمع الصناعي العسكري، أو حتى التقارب بين قطاع الأعمال والدولة بشكل أوسع، أو حتى وسيلة دعائية استفادة من الرصيد (الوطني) لتلك القيادات.. ولكنه ليس توطين (رسمي) بالطبع، وهناك معايير قانونية وديمقراطية كحد أدني مراعاة.
طبعا إسرائيل بطبيعة الحال – حالة خاصة – بسبب نظام الاحتياط الذي يشمل تقريبا المجتمع بأكمله  – مع استثناءات قليلة – (حتى سن 45 على الأقل) ووجود نظامين للضباط (في الخدمة – واحتياط  ,
وصولا لرتبة جنرال) وهذه الثنائية تسمح بوجود كثير من العسكريين ممن ليسوا في الخدمة النشطة في وظائف مدنية وحتى سياسية ، وبالطبع فحركتهم وتأهيلهم المدني تبقى مستمرة مع بعض التقطعات تبعا للنشاط العسكري ولهذا فلايمكن اعتبارهم (عسكريين في مقابل مدنيين – بل هم مدنيون تمت عسكرتهم كوضع المجتمع إجمالا).. فهي حالة مختلفة من جميع النواحي
—————–
بخصوص المصادر: تناول الأمر سام فاينر بشكل موجز في
The Man on the Hourseback
وفيه ميز بين قدرة العسكريين عموما على إنجاز بعض المهام المدنية في نظام اقتصادي وحوكمي غير معقد لمزايا الضبط والقدرة على الإنجاز، وبين عجز العسكريين بشكل إجمالي على إدارة ملفات اقتصادية وتنموية معقدة، أو تلك التي تحتاج لبناء توافقات اجتماعية وتطوير رؤى استراتيجية وتنسيق هيكليات لامركزية.
أيضا في الحالة الإسرائيلية هناك دراسة أو اثنتين – فيما يتعلق بتولي العسكريين السابقين لمناصب في المؤسسات التصنيعية العسكرية (هي لاتعتبر مناصب تنفيذية بشكل دقيق لأنها لم تتبع الحكومة بشكل كامل إلا في رأسها الإداري،ـ ولكن إما تابعة للهستدروت ثم تم تخصيص بعضها)
هناك أيضا دراسة أو اثنتين عن العسكريين السابقين في المجمع الصناعي العسكري الغربي، وشركات الأمن الخاصة (كبلاك ووتر)
 هناك وفرة نسبية في الدراسات عن تأثير تولي العسكريين (سواء هيمنة المؤسسة، أو كونهم عسكريين سابقين) في السياسات الدفاعية والأمن القومي..
مثلا –
في الأغلب كانحيازات>> مثلا
Generals in the Cabinet War, Yoram Peri
The Ideology of the Offensive: Military Decision Making and the Disasters of 1914, Jack Snyder
 بخصوص الأثر في الكفاءة – فهناك دراسة تناولت الأمر بشكل محدود
Shaping strategy, Risa Brooks
لكني طبعا تناولت الأمر بتفصيل في دراستي للدكتوراة (مرفقة) – سواء في التأسيس النظري، أو في تطبيق على الحالة المصرية والعربية في الحروب مع إسرائيل.. وما خلصت له أن هناك معطيات وظيفية لابد من تحققها للكفاءة المؤسسية في صنع الاستراتيجية (بالأخص العسكرية)، وفي الأغلب لايمكن ذلك بدون نسق ديمقراطي لأنها فضلا عن معايير الشفافية والكفاءة والفعالية فهي (تتيح تبادل المعلومات بين الأطراف المؤسسية وفتح مساحة التفكير النقدي في استشراف الخيارات وتقليبها وأيضا غلبة الشق السياسي على العسكري في وضع الاستراتيجية مع وجود قوام معتبر للثاني أيضا)، ولكنه لوحده لايكفي لأن هناك عوامل نظرية وتطبيقية غير العنصر المؤسسي في إدارة ظاهرة الحرب، كما أن هناك أنساق مغايرة في العلاقات ومستوى الدمقرطة قد تنتج هذه المعطيات الوظيفية تبعا لشروط معينة وأنواع معينة من الصراع، وحينها تجد نظام غير ديمقراطي بل حتى ثيوقراطي أو شمولي ولكن حقق كفاءة دفاعية وعسكرية.
 
 
—————————-
 
نأتي للنقطة الهامة: الحالة الخاصة بمصر في تولي العسكريين السابقين للمناصب الحكومية:
(بالمناسبة – لاتنسى دراسة أحمد البيلي عن الصفوة العسكرية، وفيها تتبع جذور هذا الوضع بعد 1952، ولكنه طبعا متحيز لصالحه)
رأيي بإيجاز سريع في الأسئلة الأساسية:
 
1- هل هي ظاهرة؟ بالطبع وبالفعل ترجع جذورها ل 1952، ولكن حجمها وكيفيتها اختلفت على حسب المرحلة، تبعا لاختلاف المنطق السياسي والوظيفي وراء الظاهرة.
 
2- ماهو المنطق؟ تبعا لشكل العلاقات المدنية العسكرية للنظام السياسي إجمالا:
فما بعد 1952، كان الجيش بالفعل أداة للسيطرة السياسية والحكومية، فشهد انفلاتا في الظاهرة بمجرد تشكلها
ولكن مع أواخر الخمسينات حاول عبدالناصر إدخال طبقة تكنوقراط مدني، تبعا لنظرته في المصلحة العامة، وكذلك بسبب بدء التنافس بين نظامه ومؤسسة الجيش (تحت عامر) خصوصا مابعد 62
ولاحظ في كل ماسبق – أننا نحكي عن عسكريين (في الخدمة)
هذه الحالة تم القضاء عليها تماما بعد 67، ولكن كان هناك طبعا عسكريين سابقين (تقاعدوا على كبر) في مهام سياسة خارجية تبعا لقاعدة الولاء والثقة.
 
لكن الحالة الخاصة التي تحكي عنها لم تتسع إلا بعد حرب 73 وتحديدا مع أواخر السبعينات – تبعا للتغير الكبير ليس فقط في دور المؤسسة العسكرية ومايلتحق بذلك من التوسع في نظام التقاعد وتقليل الاحتياط خصوصا مع اشتراطات معاهدة 79، ولكن لتغير طبيعة العلاقات المدنية العسكرية ذاتها.
في نظام السادات ومبارك – المؤسسة العسكرية تم تنحيتها بشكل كبير عن الشأن السياسي المدني، مع حزمة مقايضة تضمن ولاءها وكذلك تمرير التغير الكبير في توجه النظام الخارجي والدفاعي:
ميزانية ضخمة ليس عليها رقابة، الدعم العسكري الأمريكي، وكذلك: كوتة في البناء الحكومي والمحلي للعسكريين السابقين.
فهذا يُسهل قبول المؤسسة العسكرية بنظام الإحالة للتقاعد (الذي توسع فيه مبارك حتى وعدل تشريعاته أكثر من مرة، لإتمام السيطرة على الكادر الأعلى العسكري)، وفي ذات الوقت يضمن ملء الخزانة الإدارية بأهل ثقة للنظام ومنسجم مع طبيعته الإدارية أيضا، وربما أيضا بعض تصور ساذج عن الضبط الإداري.
 
3- الوضع الآن فيه بعض الاختلاف، ليس فقط في النسبة (احتياج أكبر لأهل ثقة) ، ولكن أيضا في النوع (تصور السيسي عن كفاءة العسكريين خصوصا مع تصوره عن انهيار النخبة المدنية وعدم قدرتها على الوفاء بتعهداته في التنمية والأمن)
 
4- بخصوص الانحياز : فلا أرى هناك موضع كبير لهذا الأمر، في نظامي مبارك والسادات كانت المؤسسة بطبيعتها بعيدة عن تطوير انحيازات وتدخلات كبيرة في الشأن المدني، عدا ماتم تخصيصه لها من قبل النظام السياسي في حزمتها الاقتصادية..
وحين بدأت مخاوف من تغير هذه المعادلة مع مجموعة جمال والتوريث، كان هذا من أهم دوافع سلوك المؤسسة مع 25 يناير.
والآن – هناك تلاحم كبير بين المؤسسة والسيسي كممثل لنظام الحكم، ولهذا فليست لها انحيازات مستقلة.
 
5- أما في الكفاءة – فنحن نحكي عن نوعين من الكفاءة التي أشار لها سام فاينر:
الكفاءة في المهام الحكومية والتنموية غير المعقدة، وأنا أختلف معه في افتراض النجاح فيها بشكل مطلق، لأن هذا يرتبط بالخبرة الثقافية والإدارية داخل المؤسسة العسكرية ذاتها، ومدى شيوع جوانب الضبط أو الترهل وتحريم الفساد فيها.
والكفاءة في المهام المعقدة، أو في وضع سياسي وتنموية يحتاج لاستراتيجيات جذرية في الإصلاح والحوكمة (كما هو وضع مصر حاليا)، وهذا بالتأكيد أتفق معه فيه.
 
 
——————————————–
كانت لي محاضرة في 2013 ألقيتها لاثنين من محافظي الإخوان وأطقمهما (الإخوانية طبعا :)) أثناء زيارتي للصعيد – عن إشكالية العلاقة بين الإصلاح الإداري وتعديل  الهيكلة، ومقتضيات صنع السياسة العامة ، وبين التحول السياسي وإشكالات المسار السياسي.
وهذا يؤكد نقطة في مستوى البحث:
لو بلد تحتاج تحول سياسي كبير مثلا، فمستوى التحليل المقتصر على الهيكل الإداري أو السياسات التفصيلية، لاينبغي أن نربط به أثر كبير في تغيير الوضع العام (أحكي كعلاقة سببية في وضع نظرية، أو في التطبيق).
وهذا مالم يستوعبه كثير من قيادات الإخوان في 2012-13، وأشرت له في محاضرتي سالفة الذكر: أنه حتى لو افترضنا وجود قدرة ما (فنية وإدارية) على تطوير منجزات في ملفات الإدارة والسياسات التفصيلية في دولاب الدولة (وهو كان غير حاصل بالطبع ولم تكن موجودة أدنى شروطه) فهناك مقتضيات للتحول السياسي شديدة الإلحاح وغيابها يهدم المسار بأكمله.
وهذا لم يكن فقط العلاقة مع المؤسسة العسكرية  وتوقعي لتدخلها والمسائل الهامة كدستور منحاز ووجود رغبة في تسييس القضاء أو مؤسسات الشرطة والجيش والالتباس السياسي والقانوني في وضعية الجماعة، ولكن مأزق إعادة الهيكلة لتحقيق الإنجاز (وهو مايتجاوز حدود التفويض السياسي وفي الأغلب لايمتلك فصيل مقوماتها الفنية) وفي نفس الوقت منع التسييس أثناء هذه العملية، وكذلك ضرورة اتخاذ سياسات عامة جذرية بما يؤدي مباشرة لمقاومة عنيفة إدارية ولبعض القطاعات الشعبية لها، أو التباطؤ في تغييرها فيؤدي لارتفاع السخط الشعبي العام لغياب الإنجاز.. وكلا النقطتين يفرضان – من وجهة نظر السياسة العامة والإدارة وليس فقط  السياسة- تحالف وطني موسع في مراحل التحول الديمقراطي.
وهذه العلاقة المتأزمة بين مستوى الإدارة وصنع السياسة العامة والاتجاه السياسي للدولة ,واضحة أيضا في مرحلة السيسي، ليس فقط لمشكلة قصور النظر العسكري في استيعاب ضرورة الإصلاح السياسي وتحقيق وئام مجتمعي لتطوير سياسات تنموية ناجحة و(عادلة) وحصول قبول شعبي لها وإعادة هيكلة المؤسسات أو مشكلة العدالة الانتقالية الغائبة مع صنع فواتير جديدة بسبب انتهاكات الجهاز الأمني،ولكن أيضا بسبب مأزق السيسي في اللجوء للعسكري أم السياسي في الملفات المختلفة (وهنا العسكري مؤسسة وليس فرد سابق كما يهتم بحثك، إلا لو اعتبرنا حالة السيسي نفسه كرئيس جمهوية أكثر دلالة للتأكيد على موضوعنا، مع أنه منصب سياسي وليس المفروض إداري)).
أشرت لهذا في ورقتي الأخيرة في الجامعة الأمريكية.