Featured

ملاحظات على الهجوم الإيراني.. المحركات، ومنطق الردع ومتوالياته الاستراتيجية

16/4/2024

يهمني في البدء الإشارة أن الاستفهام الاستراتيجي لهذه العملية وماسواها لاينفك عن اعتبار مبدئين،

الأول – أن التقدير الاستراتيجي يفسده تماما حضور أي تحيّز عاطفي أو عقائدي أو حتى أخلاقي.. فلا يسعنا غير محاولة استكشاف محركات استخدام أدوات القوة وجدواها، مع حصول التعقيد الكافي في هذا.. هذا على خلاف صنع الاستراتيجية لأننا في هذا نصدر عن تحيزاتنا ومانراه حدودا أخلاقية تضبط توظيفنا نحن لأدوات القوة. ولا شك أن صنع الاستراتيجية يرتكز على تقدير استراتيجي ما ويسري عليه ماذكرناه، ولكن بعده نُعمل تحيزاتنا سالفة الذكر.

الثاني – التقدير الاستراتيجي معقد وقابل أن يتفلت منه تيار الحوادث في أية لحظة، ولهذا فقيمته هي في التحفيز الذهني بطرح الأسئلة والشروط وسرعة الاستجابة للقادة وكيفية تخليق الإجابة ومراجعتها أكثر منه التنبؤ،
وكان لأستاذي الراحل كولن جراي مقولة ساخرة (من عنده بلورتي السحرية) أوردها في كتابه الجيد –
Strategic Theory and Defence Planning
المحركات مختلطة وكثير منها معنوي ومتناقض ولايمكن قياسه أو اطرداه، والعنصر البشري لا يلاحقه أي تنبؤ – فما بالنا إن كانت تنبني عليه منظومات وتحصل به متواليات أفعال وردود أفعال. وكذلك الجدوى صعوبتها تكمن في الاختلاف الجنسي بين الوسائل والأهداف .. أي محاولة قياس الأثر الاستراتيجي – وغالبا يرتبط بتغيير الإرادة السياسية للخصوم والأطراف المعنية وهذا شيء معنوي وبشري، من الأثر التدميري أو توقعه وهذا شيء مادي.

مُهمّ إدراك محركات إيران في سياستها الدفاعية والإقليمية، وهناك صورة واضحة عنها بشكل معقول يقدمها السبر الدقيق لآلاف التفاصيل ومسار الفعل السياسي والعسكري منذ الثورة 79، وهي بالتأكيد لن ترضى أنصارها أو أعداءها على السواء، لأن كل طرف للأسف يعيش في واقع افتراضي تنسج لبناته تعصبه الحاد مع أو ضد..
ولهذا قيمتان، الأول هو ضرورته للتقدير الاستراتيجي وبناء سيناريوهات مستقبلة، والثاني لأني فوجئت الحقيقة بحجم الهستيريا المذهبية ومجافاة بدهيات العقل والواقع التي تسود كثير من القطاعات في مقاربتها لما حصل!

المحركات الإيرانية على الترتيب هي بالأساس الحفاظ على مصلحة النظام (الذي لأجل بقائه تجرع الإمام الخوميني السم على حد تعبيره في نهاية حرب الخليج الأولى)،
يلي ذلك مقتضيات الهيمنة الإقليمية – هذه مسألة بديهية وليس فيها الحقيقة أي إشكال منطقي أو حتى إخلاقي بالنظر للثقل الكثيف التجربة الإيرانية تاريخيا وجغرافيا وثقافيا وبشريا، المشكل يحصل في المناسبة الاستراتيجية والأخلاقية في مسار السعي لها.
ثم يأتي البُعد المذهبي الإمامي وهو يفوق التصور الدياني ذاته لأسباب عقائدية وتاريخية معقدة، مع اعتبار كل التباينات بين المدارس الاثنى عشرية كأصوليين وإخباريين وتيار الولي الفقيه أو من رفضه كمدرسة النجف وآية الله محمد حسين فضل الله رحمه الله، وقد سعدت بلقائه قديما قبيل وفاته وقد ضاق بنَفَسه الوحدوي والعدالي أبناء طائفته، وتيار تجديدي من داخل أو خارج الحوزة، وكذا التمازج بين المنحى المذهبي وتوظيفاته السياسية والاجتماعية. هذا البعد المذهبي خصوصا عند طبقة المحافظين له نزعة شديدة النفور والعدائية من الحالة السنية واستحضار غير عقلاني للإرث التارخي السلبي وهو بالمزاوجة مع التعصب عند شرائح سنية وقود حقيقي لمعظم الأزمات الطائفية في بلادنا العقود السابقة والتي وصلت لحد المذابح والتطهير القائم على الهوية المذهبية كما حصل بالأخص في العراق ثم سوريا! ولكن أيضا حالة الفداء الحُسيني وانتصار الدم على السيف،
ثم يأتي البعد الدياني الصرف، والذي بالتأكيد يرى الصراع مع إسرائيل والتغيير الإقليمي والوحدوي مركزية، ولكنه معجون بالنفس المذهبي الإمامي والانتظار الإيجابي للمهدي..

– هذه المحركات بالمناسبة تختلف كترتيب عند بعض مكونات النظام ، وتنزّلها كذلك يتباين على الحوادث وفي بناء اتجاهات سياسية ودينية في كل المسائل سواء كان في دور الولي الفقيه وحاكميته في رسم اتجاهات النظام كالخلاف الشهير بين الخوميني والخامنئي – قبل أن يصير الأخير نفسه في مقام الأول تاليا، أو العلاقة مع الغرب، أو الدول العربية السنية وحتى مفردات الصراع العربي الإسرائيلي والتحرك فيه وثمنه. ولكن يهمنا بالتأكيد أن نصل في الأخير لصورة إجمالية مبسطة بدونها لا يمكننا الوصول لأي تصور تحليلي، دون نسيان مساحة الثراء والتركيب الحاصلة.

هل إيران لها انخراط صادق، وهل هناك حالة مع العداء الحيوي ضد إسرائيل وفي تصور بعض القطاعات عند الطرفين – الوجودي بينهما؟.
قطعا! وتشهد لذلك أغلب أجزاء المشهد الحاصل في بلادنا لعقود، حتى بالنظر للتقدير الاستخباراتي السنوي لأمان والذي تتربع على رأسه إيران كأهم مصدر للتهديد وعلى ذلك تتطور كل البنى الدفاعية والتسليحية، وآلاف المناوشات بينهما بشكل مباشر وبالوكالة، الاعتمادية العسكرية في التكوين لحماس والجهاد على إيران والدعم المادي الذي استمر معظم الفترات عدا فترة القطيعة بعيد بدء الثورة السورية والتي سريعا انزلقت لحرب أهلية وبالوكالة، وهكذا.

هل خلفية الصراع الحاد تلك لا تشتمل كذلك على تقاربات وتفاهمات بين إيران وأمريكا في محطات عديدة، وحتى مع إسرائيل في وراثة جزئية للتحالف الإسرائيلي الإيراني الذي بدأت نوياته منذ الستينات وصار تحالفا رسميا بما يسمى المثلث – الطرف الثالث تركيا !، تكريسا للاستراتيجية الطرفية بهدف إشغال دول الطوق وبالأخص العراق وسوريا، وحتى بعد الثورة الإيرانية
وقفل هذا الباب، فحصلت تقاربات في محطات مثل إيران الكترا؟ نعم!
ومن أفضل الدراسات في هذا الباب وأعتقد أنها مترجمة للعربية –
Treacheous Alliance: The Secret Dealing of Israel, Iran and the US – Parsi
وبالرغم أني أرى مبالغتها في رسم حدود التقارب وتوهينها من حدود الصدام وبعده العقائدي إلا أنها تبقى دراسة جيدة وصفيا وتحليليا.

هذا عزيزي هو تعقيد السياسية والاستراتيجية، والحالة الإنسانية والتدينية تاريخيا وواقعيا بكل تشابكاتها.. نظرة حتى لتاريخنا الإسلامي (بكل ما فيه من تألقات ومفاخر بأي مقياس ولكنه أبعد بأشواط عن أي نظرة طوباية) تُحصن أي شخص من التأثير المهووس للأيديولوجي التي قد تُعمي عن امتلاك أبسط أدوات التقييم، والوزن. والذي مع أنه ضرورة استراتيجية كما أسلفت، ولكنه واجب دياني وقيمي،
(ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا)
– (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم والوالدين والأقربين).

بل الأمر يتعدى واجب العدالة مع المخالف بالمذهب والامتناع عن تكفيره وشيطنته، وصيانة الدم، للنظر إلى كيف يفعل أبناء الأمة الواحدة أمام عدوها..

ما أروع ما خطه الشهيد الدكتور علي شريعتي قديما في كتابه الشهير ( التشيع العلوي والتشيع الصفوي)، وهو بكل تمسكه بننود اعتقاده الإمامي الإثنا عشري، ولكن تجاوز لعقله الكبير ونفسيته الرائقة وسبكه العلمي كل مخانق التفسير الأحادي والتعصب مع الأقربين والخصوم.. أدعوكم لقراءته.

ولا يسعني الآن التفصيل في بنود المذهب الاثنا عشري، وما يراه التصور السنني الرشيد أصوليا في اعتبار عارض التأويل (قد ينقل عن الكفر أو الفسق تبعا لرتبة حكم المسألة) عدا في مسائل المعلوم بالدين بالضرورة كمسألة عدم تحريف المصحف. وهذه المسألة تحديدا هي ما دفعت شريعتي لتناولها بحُرقة في كتابه :

إن الاختلاف بين التشيع العلوي والتسنن المحمدي ليس إلا اختلاف بين عالمين وفقهين من مذهب واحد حول مسألة علمية. يجب أن يعلم المسلمون أن جميع مراجعنا العظام، صرّحوا رسميا بأن القرآن ليس فيه حتى كلمة واحدة محذوفة أو مضافة. وكل من يعتقد غير ذلك فهو ضال ومنحرف، وما كل تلك الأقاويل إلا من ذكر رجالات التشيع الصفوي ليقدموا بذلك ذرائع لرجالات التسنن الأموي ليقمعوا
الشيعة بمثل هذه الاتهامات

أعود وأقول أن الحرب الدائرة حاليا بين الشيعة والسنة هي في الحقيقة حرب بين التشيع الصفوي والتسنن الأموي، والهدف منها هو إشغال المسلمين عن الصراع القائم بين الإسلام والاستعمار والصهاينة

ولعمري أن العدو لا يحلم بوضع أفضل من أن تنشغل القوات المعادية له بالاقتتال فيما بينها في الخندق المقابل له، ليتاح له الهجوم عليها في ظل الجدل القائم بين أبناء الخندق الواحد.. فيمسك الشيعي بتلابيب السني ويعنفه بالقول أنك توالي من كسر ضلع الزهراء.. ويعيد السني الكرة على ملعب الشيعي ويتهمه بأنه يتعرض لعمر وأبي بكر والصحابة.. ولا تنجلي غبرة المعركة إلا عن قهقهة العدو معلنا انتصاره على الضفة الغربية للنهر !



بالتأكيد أن هناك اختلافات عميقة في العقائد والأصول، وأهونها في الفقه ، بيننا، ولست أرى ما يرى شريعتي أنه مجرد اختلاف علمي في مذهب واحد، ورأي أغلب علماء أهل السنة كما علماء الشيعة أنها مسائل قطعية قد تستلزم الضلال لا الكفر – ولكن هذا ليس في حق المُعينين الذي يستلزم الحكم عليهم اعتبارات مفصلة وثبوت شروط وانتفاء موانع وأهمها الجهل والتأويل.. ولكن العبرة ألا نكفر أهل القبلة إلا بما يخرم المعلوم من الدين بالضرورة، وهي مسائل محدودة.

غير أن منطق التحالف الاستراتيجي أوسع كثيرا من هذا، وأعقد في ذات الوقت.. لأنه يعتمد على قراءة موضوعية للمحركات والمسارات وخطوط التلاقح والمشاكسة وإدارة آليات التحالف تلك ومعوقاته بشكل مضنٍ مع اطراد الحوداث وتناقض المصالح الحتمي. وبألا يتحول أي تحالف لاعتمادية تضرب في بنية التصور المصلحي..
ولهذا – كنت أرى أن اضطرار حماس لهذه الدرجة من الاعتمادية هو شيء ضار و من لوازم الإشكال الاستراتيجي بعد حسم غزة 2007، ولكن حتى كان من المهم الضبط الشديد له كأفق وديناميات وخطاب حتى لا يوتر العلاقات مع الخليج مثلا بل محاولة القيام حتى بدور تجسيري وتقريبي شبيه بالدور العراقي العامين الفائتين.
وهذا ما تورطت فيه الحركة الفلسطينية في عهد أبو عمار رحمه الله في حرب الخليج الثانية والتي استفادت حماس منه بالمفارقة.
وإدراك كل ما سبق، كصياغة وإدارة وحتى تحليل، لا يمكن حصوله بتفسير متعصب وأعمى حول طبيعة الإيراني ومحركاته، وسيقود حتما لإفراط أو تفريط في هذا الباب.

في أكتوبر الماضي كتبت عن محركات ومنطق إيران وحزب الله بالحرب

هناك إدراك لصعوبة فتح الجبهة الشمالية (إشكال الشرعية الشعبية والإقليمية لحزب الله)، أو تطوير حرب إقليمية (مع الدخول العميق للأمريكي و هشاشة الوضع الداخلي الإيراني). ولكن في ذات الوقت، هناك مطلب لتطوير صيغة دنيا من الاشتراك (دور إشغالي للجبهة الشمالية) لمنع تهاوي أكبر في الشرعية الشعبية وعند حلفائها (هناك امتعاض واضح عند حماس من انحسار شديد لدور إيران والحزب). هذا لايمنع أن هناك تحسبا واستعدادا إذا تم فرض حالة الحرب ولكن نزوع مبكر لاستعادة صيغة ردع بعد اختبار متبادل لمحدودية القوة وتفاقم الإشكال الداخلي

وعلى هذا كان التقدير المبدئي هو بقاء حرب غزة في إطار الحرب المحدودة مع مناوشات من الجبهة الشمالية وغيرها..

ليس معنى هذا أنه لا توجد نية صادقة للانخراط في الصراع عند هذه المكونات كما أسلفت، لأن الانخراط في هذا الصراع يُنظر له إيرانيا وللحزب كأداة استراتيجية نعم لتطوير الهيمنة والحركة بالإقليم ولكن التزام عقائدي كذلك،ولكن لأن هناك محددات استراتيجية ومعوقات مُعتبرة أمام ذلك. الأمر أبعد ما يراه أصحاب التعصب المذهبي أنه نفاق من إيران والحزب.
نعم.. هذه الأطراف بذاتها هي ما أحدثت هذه المعوقات بمسار استراتيجي ملتبس – بالأخص كما أشرنا لأزمة الشرعية السياسيةعند حزب الله التي قطعت عليه مساحات واسعة من حرية الحركة لفتح الجبهة، وكما تسببت عنه سلسلة من الأزمات الممتدة منذ اغتيال الحريري وحسم بيروت 2008 ثم بشكل أقسى الاشتراك في أزمة سوريا مابعد 2011، وتوسع في أدوار عدائية في نظر دول الإقليم – الخليج.
كذلك إيران – مسلكها العدائي والتصفوي ساهم في تمهيد لبنات التقارب الخليجي الإسرائيلي وزيادة الاعتمادية على الأمريكي. نعم – في سوريا الأطراف الإقليمية كلها دفعت الأزمة بالتفجير واصطنعت وكلاء على حساب وحدة البلد والشعب السوري وإن كانت جرائم النظام هي الأفدح، ولكن الساحة العراقية بالأخص كان الدور الإيراني انتقاميا بشكل مفرط وتجاوز بمراحل التصدي للعنصر الإرهابي سواء بُعيد الاحتلال الأمريكي أو مع بروز داعش والحشد.

ولكن برغم هذا الشرح عن المسئولية التاريخية وفي ذات الوقت صدقية اعتبار الصراع مع إسرائيل مكونا مركزيا في السياسة الإيرانية استراتيجيا وعقائديا، فإنها تبقى مُعوقات معتبرة تُجبر الإيراني والحزب بشكل واضح ومبرّر على عدم فتح الجبهة الشمالية بشكل كامل، أو الانخراط في حرب مفتوحة (حراجة الأزمة على الإسرائيلي وطبيعة الدور الأمريكي فيها وتصميمه على ردع إيران عن المشاركة ، تجعل أي تصعيد إيراني غير محسوبة مدخل أكيد لهذه الحرب! وهذا أهمّ ما لم تعتبره قيادة حماس في التقدير الاستراتيجي لتداعيات 7 أكتوبر، والخطأ الجلي في ترقبها لفتح الجبهات بشكل يكبح رد الفعل الإسرائيلي المُدمر لغزة ككيان سياسي وبنية عسكرية وحتى نسيج اجتماعي وإنسانية.

وما حصل من هجوم إيراني متنوع بأكثر من ثلاثمائة طائرة مسيرة وصاروخ كروز وباليستي، ردا على الضربة الإسرائيلية المستفزة لملحق بقنصليتها في دمشق واغتيال أبرز قادتها بالمنطقة، لا يُمكن فهمه وتقييمه إلا على هذا السياق. هو تصعيد (محسوب) في الأزمة المفترض أنه يوصل رسالة ردعية إيلامية
punitive
لأجل ترميم حاجز الردع الذي تعداه الإسرائيلي مرارا في السنين الفائتة ضمن عملياته لتعطيل المشروع النووي في الداخل الإيراني، وكذلك في جبهة سوريا.

غير أن الطريقة التي تمت بها العملية، وديناميات الوضع تشي بأن إعادة الاعتبار
prestigue
لإيران داخليا و ضمن وكلائها، كان الهدف الأهم.
وبعد ذلك ينغلق سقف التصعيد بقبول ضمني للأطراف المتصارعة، كما حصل أيام سليماني. ولكن كذلك يومها، قبول الإيراني بذلك هو أخذ من منسوب قيمته الردعية عموما.

أسلفت في مواضع سابقة (مثلا – مقال الردع التقليدي وسد النهضة) تناولا موجزا لمنطق ودينامية الردع التقليدي، وما يهمني التوكيد عليه هنا، أن هذا النوع من الردع هو أعقد الأنواع، لأنه على عكس النووي يستلزم استخدامات متعددة ومتكررة لمساحات الاشتباك العسكري، وضبط بوصلتها دوما مع حزمة الرسائل المحيطة، وقياس مدى استلام العدو لها وتصرفه على أساسه،
بحيث ألا تقل الرسالة عن حد الردع المطلوب سواء العقابي (حزمة الإيذاء التي ستُعرض خصمك لها إن لم يمتنع عن فعل تهديدي) أو الإنكاري (أن أحرمه أصلا من فرصة التهديد النوعي في مساحات وأدوات بعينها)، وفي ذات الوقت لاتنفلت لحد فتح الحرب وفشل الردع.
وفي ذات الوقت، لأن النتيجة الأخيرة أم ممكن جدا، ولأن الردع التقليدي جزء منه مرتبط بالجاهزية، فلابد أن يكون مُصدّر الرسالة الردعية بالفعل جاهزا للحرب.
ولهذا فلايكفي مجرد المصداقية في رسالة التهديد الردعي
Credibility
بل الأعقد منها، الجاهزية للتفوق العسكري والإيذائي،
Capability

أولا) كإطار استراتيجي. استعادة الردع تقتضي درجة من الإيذاء الحقيقي يتناسب مع ماحصل، وبناء هاجس له
credibility
وبعض المؤشرات على ال
capabilities
التي تستخدم ضمن مصفوفة تصاعدية (على حسب استجابة العدو لمقتضى الرسالة الردعية). وهذا لم يحصل في غياب المباغتة، والاعتماد الأولي على المسيرات والكروز، وحتى مصفوفة النيران الصاروخي
Fire Pattern
والتي تسمح بوضوح بمدافعتها.
ولهذا فبالرغم من أن رد الفعل تجاوز الحد المرتقب أمريكيا وإسرائيليا، و أنه بالفعل أمر له دلالة معنوية فارقة بالنظر أنه أول استهداف إيراني مباشر صاروخي للداخل الإسرائيلي، وربما لا يقاربه في رمزيته غير صواريخ صدام ال63 في حرب الكويت في سياق وأهداف مختلفة تماما، وحينها كذلك ضغط الأمريكي بشدة على إسرائيل للحفاظ على التحالف، وأغراها بحزم واسعة من المعونات وتقوية جدراها الدفاعي بصواريخ باتريوت، وتطوير مشاركتها السابقة في صواريخ آرو، إلا أنه أقل كثيرا من الإيذاء المطلوب..
بل العكس – قدم خميرة بالطريقة التي تم بها لبناء إطار دفاعي حقيقي بتشاركية دولية وإقليمية ضدها بشكل فج.. حتى لو احتج الأردن ومعه الحق! أن دوره كان لحماية أمنه الجوي، واستترت دول أخرى تحتضن منصات الإنذار المبكر وفواعل القوة الجوية الغربية.

ثانيا) عملياتيا. الخيارات كانت واسعة حتى دون المخاطرة بفتح جبهة لبنان. مثل ما ذكرت..طريقة الاستهداف الصاروخي كما وكيفا بالأخص لها خيارات. عمليات سرية ونشاط
terrorist
في الساحة الدولية ولو بمنتوج محسوب ومحذر منه سلفا (مثل عمليات
IRA
زمان)، وتذكر حتى عمليات الحزب على اغتيال الموسوي 92,

عمليات من الجبهة السورية وهذا له دلالة ، وحتى نشاط بحري
(rocket boats suicudal )
تتم نقل أدواته عبر سوريا ولبنان وغيرها

ثالثا. عودة للإطار الاستراتيجي. ليس جيدا ترميم ردع وأنت تقول في الأمم المتحدة أنا أنهيت ردي، وإن كانت الرسالة من إيران واضحة بالاستعداد لتوسيع الاشتباك. 

ولكن الأفضل، كان ترك النية مفتوحة مع التأشير على منطق الدفاع للرد الذي حصل، حتى تتوالى الماكينة الدولية أو تخرج رسالة واضحة من الإسرائيلية باستعادة الصيغة السابقة (الي حصل فيها تدهور لل deterring posture لإيران في الكم سنة الماضية وليس فقط بعد آخر عملية.

وحتى ندرك الصورة جيدا، يهمنا فهم أن هناك اختلاف جوهري بين التصور الأمريكي وتصور إسرائيل نيتنياهو حول كيفية إدارة حرب غزة، فضلا عن الهوس الإسرائيلي بنظرية الأمن المطلق وغلبة التفكير العملياتي والتكتيكي على الاستراتيجية.. كما سماه مايكل هاندل – المفكر الاستراتيجي الأمريكي الصهيوني الراحل
Tacticization of strategy
والذي يُقدم تسكين مواطن التهديد والسعي للحسم على اعتبار الآثار والمآلات الاستراتيجية.

الأمريكي منذ بداية الحرب، كان يرى ضرورة القيام بعملية جراحية نظيفة ما أمكن ضد حماس لنزع سيطرتها السياسية على القطاع، وتدمير أغلب بنيتها العسكرية، ووضع خطوط حمر ضد التوسع في استهداف المدنيين لحماية صورة إسرائيل دوليا، مع تقديم حكم غزة لإدارة مغايرة – غالبا تطوير للسلطة الفلسطينية – مع دعم إقليمي، وهذا قد يقتضي مشروع سياسي وحل للدولتين – مع مراعاة كل الهواجس الأمنية لإسرائيل، وبالعكس – مع آثار حرب غزة، سيضرب هذا الحاضنة الشعبية لفكرة المقاومة فلسطينيا، قريب مما حصل في السنين القليلة التي تلت أوسلو
Getting to the train strategy
أن تقدم للشعب بديلا آخر مريحا وآمنا عن دعم حركات المقاومة (التمرد) وبهذا تعزلها، وهذا يعود لكلاسيكيات مكافحة التمرد القديمة لديفيد جالولو وروبرت تومبسون، وحتى التحول العقائدي المهم أمريكيا في مدونة مكافحة التمرد للجيش والمارينز 2006.
ولهذا فالأمريكي دائما زاوج بين الدعم الاستراتيجي والعسكري والسياسي لإسرائيل لكل ثوابت أي سياسة أمريكية داخليا وخارجيا، ولكن مارس ضغوطات متنوعة، وقدم تطمينات.. وأهمها ما قام به أول الحرب من دفع حاملتي طائراته بالمنطقة وتطوير صيغة تفاهمية واضحة أن لاتنزلق الحرب لمفتوحة أو تتخطى الجبهة الشمالية حدا معينا.

هذا التصور بالمناسبة هو عند الإيراني، ويعتمد عليه الآن أن يتدخل الأمريكي ويكبح نيتنياهو عن رد الفعل، والاكتفاء بما حصل، ولكنهم كانوا ومكونات محورهم بالمنطقة ينشرون صورة مغايرة تماما وأن الأمريكي هو من يقود الحرب ويدير غرفة العمليات الإسرائيلية!! وهذا لأسباب يغطون بها عدم انخراطهم الكثيف وللتعبئة الإعلامية.

بوضوح، هناك احتمال معتبر أن يستجيب الإسرائيلي (مؤقتا) للضغط الأمريكي في عدم الرد الصريح في الداخل الإيراني، ولكن لو عاد فقط للضرب في جبهة سوريا ولبنان أو بالداخل الإيراني بشكل مستتر – وهذا حتما حاصل – ، فندرك حينها أن الرسالة الردعية منقوصة،
ولكنه إذا ضرب في الداخل الإيراني بشكل صريح وهذا قد يحصل لطبيعة نيتنياهو وحكومته الحالية و هاجس الأمن السابق ذكره وإن خفّف منه إعادة اعتبار ملحوظ في السينين الأخيرة للسؤال الاستراتيجي، فهذا يستلزم ردا أقسى بالمقابل وإلا انهار السبك الردعي للإيراني تماما.

والرسالة التي طرحتها قيادة الحرس (من الآن وصاعدا سنستهدف الكيان الصهيوني انطلاقا من إيران إذا هاجم ممتلكاتنا أو رعايانا أو مصالحنا أو شخصياتنا في مكان بالعالم وبهذا قد نكون خلقنا معادلة ردع جديدة)، شديدة الإشكال والثمنية!!
كما أسلفت، حتما سيتحرك الإسرائيلي في مساره السابق قبل التصعيد لاستعادة حريته للحركة، ورغبته في ترميم الردع (كما تحرك وتحرش بالمسجد الأقصي في أول يوم بعد هدنة حملة سيف القدس)،
فلو تحرك ثانية الإيراني برتبة أعلى في مصفوفة الردع – حينها يمكن استعادة المعادلة السابقة قبل انخرامها السنين الفائتة؛ هي ليست معادلة جديدة..
وهذا – كما أشرت في الاقتباس أول المقال، سيفتح باب للحرب المفتوحة، ولكن المؤقتة كذلك تبعا لاختبار الأطراف مساحات الإيذاء وإعادة الاعتبار لصيغة أكثر استقلالا وبتفاهمات أكثر مباشرة.

ولو لم يتحرك الإيراني أو تحرك بشكل هزيل- وهذا احتمال وارد لأنه أعلى السقف بأشواط دون بالضرورة التحسب كجاهزية وسيناريوهات للنتائج، فهو تداع أكبر للتوازن الردعي الحاصل.

تقدير موقف لحرب غزة – ومنطلقات الاستراتيجية الإسعافية
مقال: على هامش تسريبات المشروع الصاروخي السعودي – آثاره وحدود المنطق الاستراتيجي للصواريخ البالستية
حول استراتيجية الردع والديبلوماسية القسرية: خيارات مصر وسد النهضة

Featured

مرثية على إحدى ضفتي البحر الميّت

أتيتُكِ في وهدةٍ ثكلى بأحجيةِ الدهور

لا شيء يحجزُ بيننا

غيرُ الهوى

وتلالِ أغرزها العدوُّ بأرضنا

كي لا أرى

غيرَ انتصابِ القهرِ

والترحالِ في بُسُطٍ تغورْ

                             *********

بيني وبين القُدسِ معراجان

فأولاها بمهبطِ قادمِ الإفرنجِ

ينكأُ سورَ عكّا من ذؤابتِهِ

فيخلُقُ في ربى المسرى

خنانيصًا وأقداحًا

وأسوارا من الفولاذِ

وأبراجًا وأتراحًا

وينسجُ ظلَّ خوذتِهِ

ويرفدُ سبيَ ضجعتِهِ

أخو العشيرةِ

وبنو الرذيلةِ

والكُماةُ النشامى

يصطرخون في سيفِ المُثنّى

ألا تُكَدِّرهُ الشرورْ

                        *********

هنيئًا لبُجَيْر طيبُ المعالي

قدّمَ الروحَ في أشَمِّ الجبالِ

كي تُرى ومضًا و برقًا يفاعًا

فيهيجُ الهوى بكريمِ الفِعالِ

         ——-

يا بُجيْر

نم قريرا وارتحل نحو العُلا

ذاك مجدٌ يُفتدى

ذانك الشسعُ وصاحبُهُ الذي

أرغمَ الكفرَ فأقنى واغتذى

قتلوك بالشسعِ

والشسعُ غالٍ

إن فدوى الكريمِ ليس تبورْ

                    ************

قَرِّبا مربطَ النعامةِ مني

هل يُصاخ الندا من أسيرِ التمنّي؟!

قَرِّبا مربطَ النعامةِ مني

أين ذلُّ الهوى من صرير المِجَنِّ؟!

قَرِّبا مربطَ النعامةِ مني

قرباها

فهي عودُ الأسيرِ

ووقعُ النفير

وبلُّ الصدى للقعيدِ المُعَنَّى

وصحوُ الأمالي لشيخِ ضرير

——-

قرباها 

وانحراها

وارأفا لجواها

أولما للعشيرةِ

ذاك عرسُ بُجيرِ

ارتقى مسرعا لمحاسنِ حورْ

————-

1 االجليلة درة عين أبيها كليب بن ربيعه الذي قتله جساس غدرا، وأقام لأجله أخوه المهلهل الزير سالم حرب البسوس. وكانت الجليلة دوما عنوان الثأر ووصية كليب لأخيه

2 ماكو أوامر، المقولة التي صارت ديدنا لجيوش العرب في احتجازهم عن نصرة قومهم ودينهم، من حرب 48 لما يليها

3 وبُجَير بن الحارث بن عباد (فارس العرب وشاعرهم) وكنز أبيه في الدنيا، وله عشق منسوب مع الجليلة. أرسله والده للمهلهل ليحقن دماء العرب، ولو حتى فدى دمه بدم كُليب. فأثار هذا كبرياء المهلهل وهو صاحب الثأر والحق، فغدر بالشاب النبيل، وقال قولته: بل بشسع نعلِ كُليب، أي أنه لا يجاوز قدر نعل أخيه فكيف يفديه؟!

ونحن هنا نصدرُ عن مرارة لقضاء بُجير واستنكارا لتهاوي فائدة بذل دمه وليس احتفاء. والحارث مقولته أجلى وأصدق :

قتلوه بشسع نعلِ كليبٍ * إن قتل الكريمِ بالشسع غالِ

4 النعامة، هي فرس الحارث بن عباد وصنو معزة وليده. لم يفتأ حين سمع بمقتل ابنه غدرا أن ينادي ويخلق في ذلك شعرا، وأشهر قصائده: قرّبا مربط النعامةِ مني

Featured

تقدير موقف لحرب غزة – ومنطلقات الاستراتيجية الإسعافية

28-10-2023

https://www.raialyoum.com/%d8%af-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d8%b1%d9%8a%d9%83-%d8%b3%d9%8a%d9%86%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d9%88%d9%87%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%af%d8%a7%d9%81%d8%b9-%d9%81%d9%8a-%d8%ad%d8%b1%d8%a8

في عملية واسعة على غلاف غزة، قام الجناح العسكري لحماس مع مشاركة أكثر محدودية لفصائل أخرى باختراق النطاق الدفاعي الإسرائيلي، واقتحام 8 مواقع عسكرية و12 مواقع استيطانية – برا بالأساس. وهذه العملية تم التخطيط لها بإحكام على مستوى تجاوز التقنيات الدفاعية والالكترونية الإسرائيلية، وتمام الإخفاء، مما مثل مفاجأة استراتيجية ساهم فيها مفهوم استخباراتي خاطيء داخل إسرائيل هوّن كثيرا من قدرة وإرادة حماس للقيام بهذه الخطوة، بالرغم من شيوع المعرفة بهذا التكتيك الاختراقي – بالأخص في الجبهة الشمالية.

ومع انهيار الحاجز الدفاعي، وتعويق الاتصالات الإسرائيلية، استطاع الفلسطينيون (التقدير الشائع 1200 عنصر في عملية الاقتحام، و2000 عنصر إسناد) أن يصولوا ويجولوا في المواقع المستهدفة لفترة طويلة نسبيا، ووصول موجات من شبه المسلحين وشيوع الفوضى عند الحاجز وداخل المستوطنات. أدى هذا لتصفية شريحة عسكرية واسعة من فرقة غزة وقاعدة سديروت، وأسر ما لايقل عن 150-200 عسكري (يشمل رتب رفيعة) ومدني، وصاحب ذلك انفلات تمثل في تصفية مدنيين، وأسرهم، وتعامل غير رشيد مع أسرى وجثث مما أثر بشكل فادح على صورة الحركة الفلسطينية ووصمها دوليا كإرهاب داعشي (مع وجود طرح إعلامي مغرض، وتصديق لروايات إسرائيلية تم تزييفها) ولكن بالتأكيد لذلك أصل في السلوك الفلسطيني، وما لقوة الصورة في هذا النمط من الصراع من تأثير ممتد وعميق.

وبالرغم من هذا التميز التكتيكي الكاسح، إلا أن عواقبه استراتيجيا على القضية الفلسطينية، وكذلك تداعياته شديدة الخطورة على الوضع الإقليمي تتمثل في نقاط محددة:

1  ما حصل هدد بشكل كبير منظومة الأمن القومي الإسرائيلي، وفكرة الثقة بالدولة وقدرة جيشها لمواطنيها، مما دفع بشكل حاسم الإسرائيلي للبحث عن فاتورة دم بشرية، واستعادة هيبة الدولة بعمل عسكري لابد أن يشمل اجتياحا بريا يشمل تحييد البنى العسكرية لحماس (هيكل قيادي، وقوات نخبة، وصواريخ وشبكة أنفاق) – بعد تنقية غلاف غزة من الاختراق الفلسطيني.

2 انتهاء استراتيجية غزة التي تقبلها الإسرائيلي وحرص على إبقائها منذ حسم حماس 2007، والتي تشمل إبقاء غزة تحت حصار، ومعادلة ردع يتم تجديده دوريا بعمليات عسكرية دون الحرب، والأهم – سياسة التمايز، أي الفصل بين غزة من ناحية والضفة والقدس والداخل من ناحية أخرى.
بمعنى أوضح، أصبح الإسرائيلي معنيا، فوق استعادة هيبة الجيش والدولة، بتغيير هذه الاستراتيجية بأخرى لا تسمح بحكم حماس في غزة. وبالرغم من ضرر استراتيجية السماح لحماس بحكم غزة مع (التمايز) على القضية الفلسطينية ونزع العنوان السياسي عنها وتكريس إمارة غزة في معزل عن المساحات الأكثر حيوية في القضية وتكريس اعتمادية حمساوية على الإيراني، إلا أن نجاح الإسرائيلي فيما يريد تحقيقه ينسف أي مساحة للممانعة الفلسطينية ويعيد نكبة أخرى في القطاع وإطلاق يده في بقية المساحات.

3 لأن ماسبق يشتمل على تجاوز حساسيات مستقرة إسرائيلية فكان لابد من تشكيل حكومة طواريء (وحدة وطنية). هذه الحساسيات تشمل إمكانية التضحية بالأسرى داخل القطاع، وتصاعد الإدماء كخسائر عسكرية بشرية أثناء الاجتياح البري (هذا شبه مؤكد تبعا لهذا النمط من المعارك الحضرية، وتجارب سابقة في 2014 والعراق وأفغانستان، والتمترس والتحضير الدفاعي لحماس منذ سنين) وكذا للتهديد الأمني (صاروخي وعمليات) على الجبهة الداخلية. وفوق هذا الغرض السياسي الحزب للحكومة الحالية من توسيع مستوى المسئولية عما حصل وسيحصل.

4 تصاعد الحشد الدولي (النظامي) الموالي لإسرائيل وحقها في إطلاق يدها لعمليات انتقامية وأمنية. وبالأخص – استنفار الدعم الأمريكي والغربي (البريطاني تحديدا) بأشكاله السياسية والعسكرية والأخلاقية.. مما عقّد كثيرا أي توازن دولي كان بطبيعته منحازا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والوزن الإقليمي والدولي لإسرائيل.

5 مع الفاتورة البشرية الهائلة من ضربات الجو الإسرائيلية، وقطع موارد الإعاشة في القطاع (ماء وكهرباء ومشافي..)، وموجات النزوح جنوبا التي دعى لها الإسرائيلي وفاقمها لتسهيل نشاطه البري في النصف الشمالي للقطاع وإثارة حالة من الفزع الشعبي، فإن المحصلة الإنسانية سيتأثر بها الطرف المصري بما لها من تداعيات سياسية (إقليمية وداخلية)، وإنسانية واقتصادية.
هذا التأثير لا يقتصر فقط على مشروع التوطين، مع وجود قابلية معتبرة لمنعه مصريا وفلسطينيا، ولكن على أفضل الأحوال – تحمل مصر مسئولية أساسية في إعاشة القطاع ، وربما إدارته، بالنظر لاهتمام الأمريكي بالأخص – وبدرجة ما الإسرائيلي – بوضع استراتيجية خروج وتعامل مستجد مع القطاع بعد انتهاء الحرب، ونفوره من أي صيغة احتلال وتحمل مسئولية أمنية ومعاشية فيه.

أولا) الإسرائيلي؛ يتحرك الإسرائيلي كما أسلفت لاستعادة هيبة الدولة داخليا وإقليما وارتباطها بفلسفة الردع التقليدي، ومنظومة الأمن والثقة الشعبية فيها، وهذا عبر استراتيجية عقابية لغزة، وحسم عسكري بري يزيل فيه مفاصل حماس العسكرية، وصولا لمعادلة جديدة في حكم غزة بعيدا عن تحمله لأي تكاليف، وبناء (نموذج أمني مستجد) سيقتضي إعادة انتشار على حدود القطاع الملاصقة لمستعمرات الغلاف غالبا (الشمال والشرق).
وفي ذات الوقت، سيكون مستعدا للتصعيد عبر مساحات أوسع (الجبهة الشمالية بالأخص لإحباط التهديد الهجومي واستعادة صيغة الردع، وإيران – ضربات عقابية وإجهاضية كذلك لاستعادة الردع ولكن ضمن مخروط أمريكي – إقليمي إذا شمل أطرافا خليجية).

ثانيا) الفلسطيني؛ في ظل غياب قيادة لمشروع وطني فلسطيني، ذات رؤية محددة، وقابلية استراتيجية بجوانبها المعرفية والمأسسية والتطبيقية، فنحكي نحكي عن أطراف فلسطينية ذات مصالح منفصلة ومفاهيم مختلفة لإدارة الصراع وارتباطات إقليمية غير متناسقة. وهكذا – فتغيب هنا القدرة على توظيف أي إنجاز عسكري ضمن سياق سياسي محدد، بل الفشل ابتداء في وضعه ضمن حساب استراتيجي يراعي التداعيات وما يحصل معها من تهديدات وفرص. وكذلك – ضعف القدرة لإدارة المرحلة المقبلة أثناء الاجتياح ومايليه من صيغة لحكم غزة وسائر مفردات القضية.

   أ. حماس – تعتريها تصورات فوضوية تبعا لمفاجأتها بحجم الإشكال الاستراتيجي الذي وقعت به، خصوصا قيادتها السياسية، وما يفرض عليها ذلك من منطق تهدئة، خصوصا مع وجود مظاهر إحباط لعدم فتح الجبهة الشمالية وتحرك إيران بشكل أوضح كغطاء رادع لإسرائيل. ولكن في ذات الوقت، بسبب التوجس من خسارة لشرعية سياسية وأخلاقية إذا تحركت في هذا، وما يفرضه الاجتياح من استنفار عسكري دفاعي، فتتحرك بنمط تصعيدي مسنودا بخطاب حشد سياسي، وشعبوي في الدول العربية.
منطق حماس كما كان يبدو هو عملية نوعية (يقولون أنها محدودة، مع أن ذلك يعاكس التصميم العملياتي الذي تبنوه) لزيادة شرعيتها السياسية والشعبية بالأخص في معرض الدفع لقيادة فلسطينية بديلة، وفي نفس الوقت، عملية تبادل أسرى ضخمة. ولكن الوضع الحالي – حتى مع النمط التصعيدي، فأقصى ما تطمح له هو استعادة الحال السابق، ومحاولة الاستفادة من صفقة الأسرى، ويبقى ما ترجوه هو عالة على نتيجة التدافع العسكري في العمليات البرية في غزة.

ب. الجهاد.. بوصلتها في الأخير متحكم فيها إيرانيا سواء بمنطق التصعيد أو التهدئة. ولكن لتداعي قدرتها القيادية والعسكرية بطبيعة الحال وتبعا للجولات السابقة، يبقى مستقبل وجودها عسكريا مربوطا بحماس بشكل تام، وكذا مطلبها السياسي. وإن كان هناك أفضلية أكثر لوضعها بالضفة وعلاقتها بالسلطة بالرغم أن هذا تعرض لشد وجذب العام الماضي.

ج. السلطة وفتح، بالرغم كذلك من افتراقات حاصلة بين الخطين، ولكن المنطلق الأساسي ذاتيا، هو محاولة استعادة شرعية شعبية تعرضت لانتكاسات حادة، وفي ذات الوقت التقدم لحيازة حالة سلطوية في غزة، وتطوير حالة تفاوضية مع الإسرائيلي (وهذا منطلق يبهت جدا مع نتاجات حرب غزة). وللتناقض الحاصل بين ما سبق، فإن حركتها وخطابها شديد الحساسية فيما يتعلق بالدفاع عن حركة ومعاناة شعب غزة ولكن عدم تجريم أو نقد حماس. ولكنها بالتأكيد ستكون أكثر من مستعدة للاستفادة من نكبة الأخيرة والدخول في إدارة غزة.

ثالثا) إيران وحزب الله؛ بالرغم من افتراض مبدئي عن علم وتوجيه مسبق للحملة على غلاف غزة، وأن ثمة مستهدف هام يرتبط بتعويق التطبيع الإسرائيلي السعودي مثلا، إلا أن طبيعة الحساب الإيراني لا تتناسق مع حجم القصور الاستراتيجي الشديد في تلك الحملة، مما يشي أن علمها ودورها كان محدودا. كمنطلق عام، هناك إدراك لصعوبة فتح الجبهة الشمالية (إشكال الشرعية الشعبية والإقليمية لحزب الله)، أو تطوير حرب إقليمية (مع الدخول العميق للأمريكي و هشاشة الوضع الداخلي الإيراني). ولكن في ذات الوقت، هناك مطلب لتطوير صيغة دنيا من الاشتراك (دور إشغالي للجبهة الشمالية) لمنع تهاوي أكبر في الشرعية الشعبية وعند حلفائها (هناك امتعاض واضح عند حماس من انحسار شديد لدور إيران والحزب). هذا لايمنع أن هناك تحسبا واستعدادا إذا تم فرض حالة الحرب ولكن نزوع مبكر لاستعادة صيغة ردع بعد اختبار متبادل لمحدودية القوة وتفاقم الإشكال الداخلي.

رابعا) الأمريكي (وعلى طرفه البريطاني ومساحات أوروبية متنوعة)؛ المسارعة لتقديم دعم استراتيجي وعسكري وسياسي كامل يمكن فهمه حسب طبيعة العلاقة الخاصة مع الإسرائيلي، والحسابات الداخلية، ومحافظة على صيغة ردعية. ولكن الأمريكي كذلك (بالأخص البنتاجون والخارجية) مشغولة بوضوح استراتيجية الخروج والتعامل الممتد مع غزة عند الإسرائيلي. ويظهر انفتاح الرئيس على صيغ فتح سياسي وتحويل في بنية القضية استغلالا لما حصل ويمكن أن يحصل – هذا قد يظهر في الضغظ لفكرة التوطين الآن، ولكنه كذلك سيكون منفتحا على مسار سياسي إذا فرضته موازين القوى (تعثر إسرائيلي مع خفوت تمظهر حماس كقيادة فلسطينية).
 وكمنحى استراتيجي في إدارة الأزمة يسعى الأمريكي لتطوير صيغة ردعية تقلل من إمكانية وحجم فتح جبهات أخرى على إسرائيل، مع استعداد لأدوار داعمة للمجهور الحربي بالأخص في الجبهة الشمالية، وكذلك التحسب لخيار الحرب الإقليمية مع الزهد فيه وقلة احتماليته. باختصار – يسعى الأمريكي بالأخص لنجاح المهمة الإسرائيلية في استعادة الهيبة والردع، وتطوير استراتيجية مرضية أمنيا لإدارة غزة، ومنفتحا على خيارات في تغيير بنية الصراع كمسب سياسي للرئيس وحكومته.

هناك أربع مفاتح أساسية تتشكل عليها سيناريوهات التدافع العسكري والاستراتيجي..
أ) طبيعة الاستعداد الإسرائيلي لهذا النمط من الحرب،
ب) حجم وصلابة الدفاع الفلسطيني وما قد يصاحبه قدرة عملياتية على استدامة لمخزون إكراهي
coercive
 فيما يتعلق بسلاح الصواريخ وعمليات نوعية،
ج) مفاعيل فاتورة الخسارة البشرية سواء على مستويات الضغط الشعبي والإقليمي على إسرائيل أو جبهتها الداخلية،
د) تدحرج العمليات لحرب إقليمية محدودة (الجبهة الشمالية) أو شاملة (تدخل الإيراني).

ويهمني الإشارة لجملة من الملاحظات على التوازن العسكري في حرب غزة المرتقبة، قبل عرض السيناريوهات:
أ. ما يفرق في المنتوج العسكري لهذا النمط مع الصراع، فضلا عن الاستراتيجي، ليس صافي المفارقة في القدرة القتالية (كمية وكيفية)، ولكن حساسية الجيش لمعدلات الإدماء البشري والسياسي والاقتصادي والقيمي. والتطور الحاصل، أن الجيش الإسرائيلي وقيادته السياسية تبعا لمخروط الأزمة وآثارها ومنطق استراتيجيته أصبحت حساسيته أقل، وقدرة احتماله أعلى كثيرا من السابق.
ب. حرب المدن والحواضر هي لعنة بالتأكيد على أي جيش نظامي خصوصا أمام عدو قوى ومتجهز وفي بيئته ويتحرك ضمن عوائق بشرية ومدنية، وكذلك على شبكة من الأنفاق المعقدة مثل حماس.
ج. هناك خط من الاضطراب والغموض إسرائيلي كسياسة عسكرية، وتوضيح المهام والوظائف التي يؤهل لها الجيش وما يستتبعها من مفردات عقائدية ومنظومات تسليح وهيكلية وتركيب داخلي – هل كان التركيز على العمليات بين الحروب؟ النسق النظامي التقليدي وأدواره الدفاعية والهجومية؟ استعادة مفهوم الحسم في الحروب الصغيرة (ما طرحه آفيف كوخافي في مفهوم الانتصار)؟ وأربك كذلك دروسا غير متسقة سواء لحرب 2006 أو ما تبعها من جولات.  
د. هناك محاولات مستمرة منذ سنين وتراكيب مستجدة سواء في القوات متعددة الطبقات أو الوحدات الشبحية (وحدات نوعية صغيرة ولكن لها قدرة تدميرية عالية بالتشبيك القتالي والأسلحة المشتركة والاستفادة من التفوق المعلوماتي) للتقدم في حرب المدن. ولكن لا توجد هناك تأكيدات على قيمتها الفعلية.
 ما يمكننا أن نقوله بدرجة أوثق – أن الإسرائيلي سيلجأ لنمط شبه تقليدي استفادة من ضعف الحساسيات للفقد البشري وتحت ضغط الحاجة ضمن سياسة الأرض المحروقة، ولكن سيُفعّل مع ذلك نمطين هناك دلائل قوية على فاعليتهما: التفجير الفراغي للتوغل في المساحة الحضرية داخل العمران، والاستراتيجية العملياتية المتراكبة لتدمير الأنفاق (المسئول عنها العمليات الخاصة لسلاح المهندسين 
Yahalom
، والمشاركة النوعية لوحدة
Samur،
والاشتباك الأوسع للقوات الخاصة
Sayerat Matkal ).
وكتصميم عملياتي؛ هناك احتمالات مختلفة، وهناك غموض حول التصميم الملائم والتي يخدم استراتيجية بعينها.. في كل الأحوال سيبني نسقا دفاعيا على طرف غزة – وسيكون مهما لمرحلة مابعد الحرب
Bridgehead
يتحرك منه إما على موجات تعاقبية توفية لممارسة ضغط سياسي متوالي على قيادة حماس ولغرض استكشافي وقاضم للبنية الدفاعية وبالأخص الأنفاق، أو في لحظة محددة التحول لموجة تقدم تدريجي لضرب الأنفاق و(تطهير البؤر الحضرية) كأسلحة مشتركة وبمجموعات صغيرة قادرة على التراكب بشكل لحظي تبعا للمتطلب التكتيكي، وبالتأكيد يرافقها عمليات خاصة سواء استهداف للقيادات أو تليين لدفاعات أو مصادر تهديد صاروخي أو تحرير رهائن خارج مساحة التوغل العسكري.
ه. كذلك هناك افتراض قوي على صلابة الدفاع الحمساوي تبعا لتطوره في السنين الفائتة واستعداده لهذا النمط، وتضافر البعد المعنوي لمعطيات الأزمة الحالية. ولكن ما يتحكم في ذلك – الإشكال الاستراتيجي الذي أضعف حساسية الإسرائيلي تجاه منسوب الإدماء (وهذا أهم من التوازن القتالي) ويعطيه عامل (الوقت) واستنفار سياسي وشعبي داخلي، ولم يكن هذا حاصلا في جولات سابقة.


وعلى هذا تكون السيناريوهات كما يلي:

أولا) مسار الحرب المحدودة:
          1 تقدم إسرائيلي في إنجاز مهمته المقصودة في تفكيك بنى المقاومة وشبكة الصواريخ والأنفاق، وهذا غالبا سيأخذ أسابيعا. وهو السيناريو الأرجح في هذا المسار ما لم يحدث اختراق في المفصلين الآخريين: تحوير بنية الأزمة لتفرض ضغطا سياسيا إقليمي ودولي وداخلي، و فتح جبهات أخرى.

2 تقدم إسرائيلي تدريجي دون الوصول لمستوى الإنجاز الشامل، يصاحبه انتكاسة في التصميم السياسي عند قيادة حماس مما يجعل الوضع كفيلا لصيغة تهجير حمساوي واستدعاء صيغة بديلة لحكم غزة.. وهذا يبقى ضعيفا لطبيعة الشمول في الهدف الإسرائيلي، وكذلك لطبيعة الجسد العسكري لحماس ودينامية العلاقة مع الرأس السياسي، وأن قيادة حماس السياسية ذاتها بالأساس بالخارج حتى لو مورست عليها ضغوط ما ولكنه يبقى انتحارا سياسيا لها(مفارقة تماما لحالة أبو عمار 82)

      3  تعثر إسرائيلي عسكري.. تبعا لاهتراء مفاجيء في قدرته القتالية، بالأخص إذا صاحبه تفاقم للإشكال في البيئة الداخلية.. ويبقى محدودا بالنظر للمتغيرات سالفة الذكر ولقابليته للنزوع الفوري للكسح النظامي.

    4 تعثر إسرائيلي استراتيجي؛ تفاقم الضغط الدولي والإقليمي تبعا لتطورات في ملف القيادة الفلسطينية وتحسين إدارتها السياسية والاستراتيجية للحرب وملف إدارة غزة، وتطور الوضع العربي النظامي، وهذا ممكن بشرط الالتجاء للاستراتيجية الإسعافية الآتي ذكرها.

ثانيا) مسار الحرب الإقليمية المحدودة (الجبهة الشمالية – حزب الله) يبقى مسارا أقل احتمالا لمعوقات الحساب الاستراتيجي والمتطلبات لفتح الجبهة. ولكن قد يفتحها حزب الله تبعا لخطأ في الحساب. وستكون أكثر فداحة على الإسرائيلي من 2006 بامتلاك مخزون من الصواريخ الدقيقة وعمليات الاختراق (هي بالأساس تطوير من حزب الله وإن فعّلتها حماس أولا.. وعلى هذا تفريغ المدن الملاصقة للشريط الحدودي إسرائيليا). مدى قدرة الإسرائيلي على إدارة حربين من هذا النوع، ليس فقط عسكريا ولكن كبيئة داخلية، صعب الحكم عليه، ولكن بظهور بادرة للتضعضع سيتدخل الأمريكي جوا، وستكون الاستفادة من المشكل الاستراتيجي الذي وضع حزب الله نفسه منذ 2008 (مشكل الشرعية الشعبية لبنانيا وإقليميا، وفشل الدولة الوظيفي) لتحصيل منتوج استراتيجي ضاغط على الحزب.

ثالثا) مسار الحرب الإقليمية المفتوحة.. على أوجه مختلفة بانخراط الإيراني تبعا لمخروط تصاعدي للأزمة (تبادل صاروخي ودفاع-صاروخي وسيصاحبه رد جوي أمريكي – إسرائيلي، انفتاح جبهة الخليج كعمليات تخريب بحري واستهداف تواجد أمريكي بالأخص إذا تحرك مكونات عسكرية أمريكية فيه، أو ساهمت دول خليجية في إطار الدفاع الصاروخي، وهذا سيدفع لتبعئة عسكرية أمريكية فيه).. لا أرى ممكنا تطور الحرب لنمط شامل يعتمد النسق البري ولكن تهدئة وإعادة صيغة ردع تبادلي ومع تدخل أطراف دولية للتوسط.

الخلاصة – يبقى الخيار الأكثر حضورا هو التقدم العسكري الإسرائيلي، ولكن تبقى هناك مساحة للتدخل الاستراتيجي في مساحتي تطوير قيادة فلسطينية برؤية سياسية واستراتيجية مستجدة لإدارة دولاب الحرب وتداعياتها، وإصلاح لخلل الصورة الدولية لحماس، وتطور ضغط نظامي عربي.

التصور الاستراتيجي الموجز يرتكز على جملة من المستهدفات، ثم منطلقات استراتيجية إسعافية، ثم حديث عن منظور الصراع وتفاعلاته بشكل أكثر امتدادا.

المنطق المطروح يسعى لتشكيل – وترميم – أدوات فعل استراتيجي في معادلة الصراع بحيث تضغط على إسرائيل – بغض النظر عن المنتوج الخام للتدافع العسكري – بحيث تتحقق هذه الأهداف:

أ. وقف العدوان، والرجوع للانتشار العسكري ما قبل 7 أكتوبر.

ب. أن تنتهي الجولة بموقف أفضلي لصالح الوضع الفلسطيني والعربي سياسيا وعسكريا.. في جوانب: الاحتفاظ بحضورية لبنية المقاومة في غزة وصيغة لإدارتها بقدر الإمكان تحافظ على ذلك، واختراق في ملف الأسرى، تهيئة لمنطلقات يمكن البناء عليها في المرحلة التالية من تطوير مساحات الفعل المقاوم في الضفة، تعزيز وتجريب مبدأ الوحدة الوطنية الفلسطينية وهدم صيغة التمايز والانفصال السابق، وتطوير الحراك الشعبي في الداخل والضفة والقدس والدول العربية، وتطوير الدور العربي على مستوى الأنظمة في الاقتراب من مستوى الممانعة ودعم المشروع الفلسطيني،

ج. حرمان الإسرائيلي بقدر ما يمكن من تحقيق أهدافه السياسية والتي هي جوهرية لاستعادة منظومة أمنه القومي والثقة الشعبية في الدولة ونظام الحكم، هذا سيعزز تلك المكتسبات التي تحققت في 7 أكتوبر، وتبقى مفصلية لمرحلة تالية من الصراع.

أولا) الضغط لتطوير رأس قيادي فلسطيني مصغر، بقيادة طرف مقبول من السلطة/فتح وعضوية حماس والجبهتين والجهاد لإدارة الحرب وملفات إدارة غزة بالتنسيق مع المصري، والمساحة العربية بافتراض انتظامها.. هذا الرأس السياسي هو حيوي لتطوير ركيزة عليها يتراكم الضغط العربي والشعبي، فضلا عن إدارته لعملية التفاوض أثناء الحرب في ملفات الرهائن، وفي نهايتها تبعا لتعاضد عناصر الضغط على الإسرائيلي.. وفوق هذا – هو تهيئة لتعامل أكثر أفضلية مع صيغة إدارة غزة..

ثانيا) متطلبات عاجلة وتصحيحية للمسار الفائت والحالي لمعالجة حجم الخسارة الفادحة دوليا التي تسببت فيها أحداث 7 أكتوبر..
هذا يشمل ملفات مثل تصحيح الصورة التي تكونت (مراجعة، والإعلان عن تبرؤ ومحاسبة داخلية، والإفراج عن الأسرى المدنيين، بالتساوق مع تصعيد فرضية مذابح الاحتلال وإرهاب دولته).. هذا تأثيره هائل على السياسة الدولية، والصورة التي تكرست على حماس الآن، ويمثل عنصر ضاغط في المخروط الزمني على إسرائيل لتتراجع (مبكرا) وتصبح أكثر حساسية تجاه عنصر الإدماء البشري.
مثلا قرار الأمم المتحدة الذي تحمس له الفلسطيني بقوة ورفضه الإسرائيلي، أدان ممارسات لا تلتزم بقوانين الحرب من كل الأطراف وشدد تحديدا على إطلاق سراح المدنيين، فالتزام حماس بهذا له دينامية شديدة التحسين للوضع الفلسطيني وضاغط على الخصم بالأخص مع اتساع حجم مجازره (وتوقع اتساعها مع الاجتياح)، وهناك من الرهائن العسكريين كفاية.

ثالثا) تصليب الموقف الدفاعي في شمال غزة (اعتماد مبدأ الإغراء الدفاعي لصندق قتل وتطويق للمجموعات بعد تراكبها، وعدم الدفاع عن أرض، وموجات تصعيد مفاجئة بعد تهدئات عرضية..)، مع الدفع فعليا لتطوير مساحات آمنة في جنوب القطاع للمدنيين.. وإقرار استراتيجية دفاعية مقبولة من هذا الجسد القيادي لإضفاء شرعية على مساحات الصواريخ والعمليات النوعية المصاحبة للنشاط الدفاعي.

رابعا) استنفار عربي نظامي لبناء موقف واحد -سواء بفعل قراءة ذاتية للتداعيات الخطيرة لخروج الإسرائيلي منتصرا بما يريج وخصوصا على المصري – أو تصاعد الضغط الشعبي بالدول العربي، وجهة إشرافية تتواصل في ملفات إدارة الأزمة بمراحلها الحرجة والتالية ، قبل الانفتاح على الساحة الدولية! وليس بالضرورة أن يكون هناك اتفاق تفصيلي على مفردات العمل العربي أو ما نقصده من الملف الفلسطيني، ولكن المستهدفات محددة:
أ. تخفيف المحنة المدنية لشعب غزة،
ب. تقليل مكاسب الإسرائيلي وقدرته على احتلال غزة ثم تخليه تماما عن مسئوليته كقوة احتلال،
ج.تغيير الصورة والمنطق الذي يحكم الأمريكي والقوى الغربية في دعمها الكاسح لإسرائيل،
د. تقليل التدخل الدولي والإقليمي في الشأن الفلسطيني وبنية الصراع، والتعامل مع تداعيات ذلك على الأمن العربي المشترك – وبالأخص الخليجي
وهذا مهم أن يشمل قبل الضغط المعنوي فيما يمثله التكتل والاستنفار العربي ذاته، ممارسة أوراق قوة حاضرة سواء فيما يتعلق بإدارة الأزمة (كما فعل المصري بشكل يسير بخصوص المعبر) أو تلك القوة الرئيسة تاريخيا اقتصاديا وجيوسياسيا، وحتى – بالأخص المصري في مقابل مشروع التوطين في لحظات معينة – بالتهديد بإعادة النظر في معاهدة السلام وطرح تعديلها شعبيا.

خامسا)، مع تطور آثار استراتيجية محابية في المساحة الدفاعية، واستهداف الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وتطور موقف عربي موحد وضاغط، إدارة مساحة التفاوض والتهدئة، بحيث تشمل الانسحاب الإسرائيلي، وإدارة القطاع بشكل فلسطيني مع دعم عربي، والاستعداد لمحطات تفاوضية أعلى في صفقة تبادل الأسرى، وبقية الملفات على حسب مستوى الإنجاز في بناء فائض القوة الاستراتيجي ذاك بمعناه الفلسطيني والعربي.

من بديهات النظر الاستراتيجي هو ضعف مساحة التنبؤ كما أسلفنا سابقنا، وأن القيمة الحقيقية في التعرف على منطق إدارة و محدودية وطرق توظيف القوة العسكرية وغيرها، وطرح الأسئلة المناسبة، وبناء القابلية الاستراتيجية لإدارة أدوات الصراع وتحويرها – معرفيا ومؤسسيا وتطبيقيا وليس التعلق بوصفات سحرية ثابتة. ولهذا – فيكون من الصعب أن نتخيل دوائر التفاعل في المستقبل الممتد، ونحن حتى الآن في مفترق التدافع العسكري والسياسي الحالي بكل احتمالاته..

ولكن يهمني إشارة عاجلة على بعض النقاط في هذه المرحلة، وربما نعود إليها تاليا:

1 انتهاء الجولة بحرمان الإسرائيلي من تحقيق أهدافه وادعاء الانتصار العسكري والسياسي هو مكسب هائل للقضية الفلسطينية، ليس فقط لأن مفهوم الانتصار للحركة المقاومة في ذلك النمط من الحروب يعتمد على حرمان القوة الأكبر من الانتصار (إفساد فرضية الاحتلال وديمومته، وبقاء مساحة المقاومة مستقبلا)، ولكن لأن الإنجازات التي حصلت في 7 أكتوبر – بغض النظر عما صاحبها من إشكالات استراتيجية جسيمة – يمكن البناء عليها في تحوير بنية الصراع مستقبلا، وتهاوي الأساس المعنوي والاستراتيجي لدولة الاحتلال. وأنه مهما يكن عندنا خلل استراتيجي، فقد يعتري الخصم خلل أشد، والعبرة في النجاح الاستراتيجي (كما كان يقول أستاذي الراحل) في أقل الطرفين خطأ وليس أكثرها تميزا !

2 لكن هذا في ذات الوقت، ليس بديلا عن تأسيس مشروع فلسطيني حقيقي، بقيادة سياسية ذات شرعية وطنية، ورؤية سياسية مرحلية مناسبة ترتكز على قضم مساحات سيطرة وحرية حركية سياسية، ومخروط استراتيجي يجمع بين أدوات القوة العسكرية وغير العسكرية ويعيد اعتبار مراكز الثقل الاستراتيجي والعملياتي (إنهاء ذاتي لمركزية غزة – ولكن أن تبقى بؤرة داعمة و أمان طرفي Sanctury )

3 التبادلية الساخرة لحالات الانتصار والهزيمة مقرة تاريخيا وفي الأدبيات الاستراتيجية.. بمعنى – قد يقود الانتصار لتكريس فرضيات استراتيجية وعسكرية خاطئة، ومفاهيم استخباراتية وسياسية يغزوها التعالي وتقزيم الخصم (إسرائيل 67) تقوده لانتكاسة تالية.. وقد تحصل هزيمة تقدم فرصا حقيقية للمهزوم (بشرط وجود الرغبة والقدرة عنده لتلمسها!) لإحداث تحوير بنيوي دفاعي وسياسي ومأسسي ومستفيدا كذلك من مرض انتصار الخصم ليعزز من قدرته في إدارة الصراع (مصر 67، وإسرائيل 73)

4 كما هو مقرر، بكل ما تقدمه التجربة المقاومة الفلسطينية من بطولات وانتكاسات، تميز وقصور، تاريخيا وحاليا، فإنها كحدود قوة استراتيجية ليس من قدرتها أو المطلوب منها التحرير الشامل، بل الدور النوعي فيه. بل الأصل – أن المشكل ليس صراع على أرض فلسطين وبسببها حصرا، فضلا عن ربطه بمسجد ومسرى مع قيمته الدينية (بل حتى التصور الديني نفسه يقول بذلك)، ولكنه مشكل على سيادة الأمة ووحدتها وتحررها.. فبطبيعة الحال، بالإضافة للمنظور الاستراتيجي فإنها وظيفة الأمة بعمومها .. وهذا يجعل هناك حراجة لملفات التغيير السياسي والاجتماعي بالأساس.

5 كما مرت بنا التجارب المريرة في الربيع العربي (مصر وتونس، سوريا واليمن والبحرين، العراق والجزائر والمغرب والسودان ولبنان ووو)، وصولا حتى لجل مشكلات بلادنا، وليس خليا عنها الحركات الفلسطينية، فإن هناك مشكل ضخم في ضمور النخب السياسية في بلادنا/ ضمورها القيادي والاستراتيجي ومن حيث الرشادة المؤسسية والأخلاقية،
وهناك مشكل في غياب النزعة العلمية والمثالية الأخلاقية وارتقاء الوعي السياسي والديني (الرشيد) في مجموع شعوبنا..
ولهذا – فمهمن يكن نتاج طوفان الأقصى وحرب غزة، فهي بالتأكيد مثلت زلزالا حقيقيا في بلادنا على مستوى الشعور والتناول، وحتى إذا أضحى المنتوج سلبيا – لا قدر الله – فنتأمل أن يكون هذا محثا لانتباهة عامة تعيد قطاعات الأمة فيها التعرف على مصادر الوعي الضروري لإدارة هذا الصراع، الوعي الاستراتيجي والديني والإنساني، وإعادة فرز الأولويات في جوانب التغيير السياسي والاجتماعي، ومواجهة الفرضيات الفاسدة وتجفيف الوعي والحس الأخلاقي الذي ابتلتنا به كل من الحركات المؤدلجة و كذلك غياهب التغييب تحت أسوار الاستبداد التي عاشت فيها شعوبنا أدهرا..

مسارات التدافع العسكري، واستدعاء الاستراتيجية في حرب غزة

مقاربة أولية لتقويم طوفان الأقصى استراتيجيا، ونوستالجيا أكتوبرية

حملة غزة مايو 2023 والمنطق الاستراتيجي: حدود التصميم، والتوظيف، والتراتب العشوائي

ندوة عن (التقييم الاستراتيجي لحملة سيف القدس)

Featured

ساحليات شعرية

كتب الأخ العزيز (حازم صلاح) من فلسطين، وأحد أنبه طلابي ممن ابتلي كذلك باقتراف الاستراتيجية والشعر :

لئن كَانَ تَالِ العُمْرِ أَرْجَاْهُ لِلْفَتَى  ….. فَخَيْرٌ لَهِ نَظْمٌ لِسِيرَةِ بَاسِلِ

وَخَيْرُ الحَيَاةِ العِلْمُ يَفْجُرُ زَمْزَماً  ….. يُرَوَّى بِهِ طُهْرٌ حَجِيجُ الوَسَائِلِ

فَذَاكَ لعَمْرِي الفَوْزُ وَالفَضْلُ وَالمُنَى ….. وَأَرْجَى إَذَا تُرْجَي صِحَافُ الأَفَاضِلِ

فعارضته قائلا:

وإن تَعمدِ الأنواءُ للضيمِ ماجدًا. …….. فمن طوقهِ الأفلاكُ ترجُفُ من علِ

وإن تملكِ الأشواق من لُبِّ آيسٍ. ….. بغير الحتفِ، بات في غير موئلِ

فلا تعتمر غير الوقيعةِ إنها ل …… قاصدِ وجه الحقِّ طِيبُ المنازل

****

نأيتِ فلم أجفَل، وأسرفتِ بالنوى
          وكلُّ خدينٍ إن تغب عنه يزهدُ

            رويدكِ ذاك الصبُّ تقريه بالجفا
        فتمضي سنونٌ وهو بالوصلِ آكدُ

          فإن أملِكِ الأفلاكَ والليلَ و الوغى
  فكلُّ بهـــاءٍ دون رؤيــاكِ أرمَــدُ

            وإن شقَّ طيُّ الأرضِ عن فيكِ حائلاً
  ففي دارِ بعثٍ أنسٌ، والخلدُ أجودُ

***

أويتُ إلى المكارهِ لستُ أدري
  أقصّابٌ مهادُكِ أم شفــوقُ

ولست على الوداد أرُدُّ قومي
          إذا ما قدَّ دارتَنا الصفيـــقُ

عهودٌ لم تبددْها الليالي
          و زودٌ لا يطفّفُــهُ العقــوقُ

وفي غسق أحنُّ إلى قَصيٍّ
        فتقرعُني من الدُّجَنِ البروقُ

فنعم الوصلِ ترقبُ هامُ حرٍّ
         إذا استهمت بمفرقِها الشقوقُ

أغسطس 2023

قصائد وأراجيز – مُجمّعة

Featured

حوار حول: العقيدة القتالية بين النظرية والتطبيق

لمزيد متابعة

حوارات رمضانية في الاستراتيجية (العقيدة القتالية – الحرب البرية) – مُجمّع

Featured

مرثيّتان

(1)

رافقيــني يا دروبَ النائبـــاتِ
واعقدي من مِفرَقِ البأسِ رُفاتي

لي بأكنافِ المباهِجِ كلُّ وعدٍ
يكتريني، غير أني لا أواتي

بارقٌ في ضيمهم إن يطمروه
أنكَدَت نزعاتُهُ في كلِّ عاتِ

(2)

بنبضكِ لم أحفَل على البرِّ حاويا
سفورَ البرايا إن تغب أو تجتلي

وقسماتُكِ الطّرّى تجول بمُصبِحٍ
فيبهُتُ في وجه النسيمِ المعلعَلِ

وحقِّكِ ما جاورتُ بالبيْنِ صبوةً
ولا أفردتني عن جواكِ عواذلي

فإن يسلُك النائون للوصل مغرماً
 فلست أُرجّى عنكِ دونَ مقاتلي

قصائد وأراجيز – مُجمّعة

Featured

تفريغ لمحاضرة (كتاب جسر الاستراتيجية لجراي)

الشكر الوافر للصديق محمد أبو ريان على جهده في تفريغ هذه المحاضرة وتنسيقها، وهي غير متاحة حاليا

العرض التقديمي

Featured

ندوة (تمرين استراتيجي في الحرب الروسية الأوكرانية: الدروس والمآلات)

مقالات ذات صلة:

في استفهام الاستراتيجية العسكرية الروسية: إشكال الفرضيات أم التطبيق؟

متابعة للأزمة الأوكرانية – خيارات روسيا والناتو ومنطق التدافع الاستراتيجي

مقال- تعقّب استراتيجي للأزمة الروسية الأوكرانية: مأزق ومحدودية خيار الحرب

Featured

قصائد وأراجيز – مُجمّعة

مرثية على إحدى ضفتي البحر الميّت

ساحليات شعرية

مرثيّتان

معارضات شعرية (متعجلة)

أرجوزة – فُسطاطَيْن

أُرجوزةٌ مبتورة

ملحمة شعرية : “مَدْفَنٌ لعِشْقٍ بلا مَعْشوقْ” – 5 أجزاء – بالشرح

أرجوزة جدلٌ شجِيّ

. قصيدة – خَلِّ العَذل

معارضات شعرية – مُجمّع

نجوى

قصيدة – أسيفٌ في أرضٍ غريبة

مقطوعة شعرية (زيارة خاطفة لسبيّةٍ حائرة)

مقطوعات شعرية قديمة

Featured

سيمنارات المجموعة الدراسية في الاستراتيجية بالقراءات – مُحَدَّث

جميع الكتب في هذا الكورس تقريبا يمكن تحميلها من هذا الموقع
https://libgen.li/

السيمنار السابع عشر – النظريات الاستراتيجية الخاصة – مكافحة التمرد .. 9 يناير 2022

مقارنة بين كتابي –
– Defeating Communist Insurgencies – Robert Thompson
– Counterinsurgency Warfare: theory and practice – David Galulu

  • US Marines and Army COIN Field Manual
  • The Counter-Terrorism Puzzle: Aguide for Decision Makers. Boaz Ganor
  • Combating Terrorism: Strategies of Ten Countries – Yonah Alexander
    ————————————————————

السيمنار السادس عشر – النظريات الاستراتيجية الخاصة – الحرب غير النظامية … 27 ديسمبر 2021

  • Mao: People war, Guerilla War
  • Taber: War of the Flea.
  • Guevara: Guerillar War
  • Does Terrorism Work: aa history. Richard English.
  • Strategy of terrorism: How it works and why it fails. Neumann and Smith
    ————————————————————–

السيمنار الخامس عشر – الاستراتيجية المعاصرة – الحرب الكورية … 28 نوفمبر 2021

1- الخلفية التاريخية، والأسباب والحراند استراتيجي، وإنهاء الحرب.
2- الاستراتيجية العسكرية، بحيث تتناول توظيف العمليات من المنظور الأعلى، والعلاقات المدنية العسكرية.
3- مسيرة العمليات، وفن العمليات، والحرب الجوية من منظور عملياتي.

  • Max Hastings: The Korean War
  • The Korean Air War. Napier
  • The Korean Showdown: National policy and military strategy in a limited war. Gibby
  • JSC and National policy in Korean War.
    ————————————————————–

السيمنار الرابع عشر – النظريات الاستراتيجية الخاصة – الحرب الجوية … 11 يوليو 2021

القراءات الأساسية:

  • The Paths of Heavens: The Evolution of Airpower Theory … The School of advanced Airpower Studies (Meilinger)
  • Understanding Modern Warfare (Part IV – Airpower Chapters 10,11,12)

التحضيرات :

أولا) لفصول التالية من الكتاب الأول 1-2-3-4-5-6-7-8
وكذلك الفصل 10 من كتاب Understanding

ثانيا) الفصول التالية من الكتاب الأول 8- 9- 10 – 11 – 15
وكذلك الفصل 11 – 12 من كتاب Understanding

3- ثالثا) الفصلان من الكتاب 12 , 13
وكذا Airpower and Space UK doctrine (2017) ستجده عالنت – فقط جزء ال Airpower
وكذا جزء ال Air Operation، من كتاب How To Make War

القراءات المندوبة:

  • Air Campaign, John Warden
  • Why Air Forces Fail: The Anatomy of Defeat, Higham and Harris
    ————————————————————–

السيمنار الثالث عشر – التاريخ الاستراتيجي – الحرب العالمية الثانية … 13 يونيو 2021

1- أسباب الحرب ومن 39 حتى نهاية 1941 على الجبهتين الغربية والشرقية، وحملة شمال أفريقيا بأكملها
2- ن 1942 حتى نهاية الحرب في الجبهتين الشرقية والغربية.
3- لحرب في ال pacific.
والتبادلية بينها وأوروبا

في كل تحضير، يكون النمط المتبع كالآتي:
١- مقدمة عن السياق السياسي
٢- المسار الاستراتيجي
٣- أهم الحملات العسكرية
٤- فن العمليات

بالنسبة للكتب؛ الأساس:،
Williamson Murray, A War to be Won
والأجزاء المصاحبة في كتاب:
The evolution of Operational Art.
اختياري:
Richard Overy, Why the Allies Won
————————————————————–

السيمنار الثاني عشر – النظرية الاستراتيجية الخاصة – الحرب البحرية … 23 مايو 2021

القراءات الواجبة:

1- Principles of Maritime Strategy. Julian Corbett
2- Understanding Naval Warfare. Ian Speller
3- UK Maritime Power. JPD 0-10

الاختيارية، ولكنها مهمة:

1- The Influence of Sea Power upon History. Mahan
2- Seapower: A Guide for the Twenty-first Century. Geoffrey Till
——————————————————–


السيمنار الحادي عشر – التاريخ الاستراتيجي – الحرب العالمية الأولى … 25 أبريل 2021

القراءات الواجبة
1-Hew Strachan – The First World War
2-من الفصل الثاني وحتى الفصل الخامس من كتاب The Evolution of Operational Art_ From Napoleon to the Present …لكن هذه الفصول تعرض الفن العملياتي على امتداد تاريخي واسع ولذا سنركز فقط على الفن العملياتي في الحرب العالمية الأولى وهو جزء يشغل فقط صفحات من كل فصل فنرجوا اتمامه لانه ليس بالكثير

القراءات المندوبة
1-Military Strategy and the Origins of the First World War
2-الفصل الثامن والتاسع من كتاب The Making of Peace_ Rulers, States, and the Aftermath of War
3-كتاب Britain’s Economic Blockade of Germany, 1914-1919-by Eric W. Osborne

مخطط اللقاء :
مقدمة مع الدكتور
2- عرض أسباب الحرب وكذلك جذورها العسكرية (الخطط والاستعدادات العسكرية وبنية القوات لحظة اندلاع الحرب) وأهم الأحداث في السنوات الأولى وحتى دخول الأمريكي 1917 \
3-عرض الأحداث على الجبهة الغربية من بدء دخول الأمريكي مرورا بwestern offensive 1917 وOperation Michael 1918 مع Hundred Days Offensive انتهاء بنهاية القتال على الجبهة الغربية والتطورات في فن العمليات في نهايات الحرب
4- عرض الجبهة الشرقية وكذلك جبهة الشرق الأوسط مع تفصيل في مسألة إنهاء الحرب من حيث الانتقال من العسكري إلى السياسي والاتفاقيات المصاحبة وتقييم لها
—————————————————-


السيمنار العاشر – بحوث النظرية الاستراتيجية العامة: سفيشن، ماو، لوتواك 10 أبريل 2021

مناقشة بحوث الدارسين حول الكتب الآتية:
1- Sveching: Strategy
2- Luttwak: Strategy: the logic of war and peace
3- Mao: Military Writings (his general theory of war)
————————————————————-

السيمنار التاسع – النظرية الاستراتيجية الخاصة – الحرب البرية 20 مارس 2021

القراءات الواجبة

1- Understanding Land Warfare, Christopher Tuck, part 1, pages (1-108)
2- How to Make WAR, James Dunnigan, pages (1-133) – Ground Combat
3- British Doctrine on Landpower- Operations


القراءات والمشاهدات المساندة:

1- حلقات العقيدة القتالية والحرب البرية

حول فن العمليات، وعلاقته بالاستراتيجية

حوار حول “نهاية عصر الدبابة؟” – مقاربة استراتيجية وتقني/عملياتية
————————————————————

السيمنار الثامن – التاريخ الاستراتيجي – حروب توحيد ألمانيا 6 مارس 2021

١- مقدمة لي
٢- المداخل والسياق: الجذور والسياق السياسي لحروب توحيد ألمانيا، ومقاربة بسمارك ومولتكة (طبيعة العلاقات، وجدلية السياسة والاستراتيجية وفن العمليات)
٣- الحرب البروسية النمساوية
٤- الحرب البروسية الفرنسية

القراءات الواجبة:
1- Dennis Showalter, The Wars of German Unification
2- Chapter “The Prussian Triangle of Leadership: A Reassessment of Conflict between Bismarck and Moltke”, Book: Föster and Nagler, On Road to Total War

القراءات المندوبة؛
Michael Howard, The Prussian-French War
————————————————————-

السيمنار السابع – النظرية الاستراتيجية – نظرية كولن جراي وجسر الاستراتيجية 20 فبراير 2021

القراءات الواجبة:

1- Colin Gray: The strategy bridge

2- الفصل الأول (the dimensions of strategy) والفصل الأخير (strategy eternal) من كتاب modern strategy
————————————————————

السيمنار السادس – التاريخ الاستراتيجي – الحرب الأهلية الأمريكية 7 فبراير 2021

أولا القراءات الواجبة
1- الفصل الخاص بالحرب الأهلية الأمريكية من كتاب The Practice of Strategy
2- كتاب The Grand Design_ Strategy and the U.S. Civil War

ثانيا القراءات المندوبة
1- A Savage War: A Military History of the Civil War
2- Battle Cry of Freedom: The Civil War Era

سلسلة الحرب الأهلية الأمريكية مترجمة بجودة عالية..
https://docarabic.wordpress.com/2018/11/17/the-civil-war/

————————————————————

السيمنار الخامس – النظرية الاستراتيجية – ليدل هارت، وايلي، وتشيللينج 23 يناير 2021

القراءات الواجبة
1-Liddell Hart: Strategy:The Indirect Approach
2-J.C. Wylie: Military Strategy: A General Theory of Power Control
3-Schillings: Arms and Influence
————————————————————–

السيمنار الرابع – التاريخ الاستراتيجي – حروب نابليون 9 يناير 2021

القراءات الواجبة:
Blundering to Glory Napoleon’s Military Campaigns

القراءات المندوبة:
1-The Napoleonic Wars_ A Global History
2- مقال فن العمليات للدكتور
3- فصل نابليون من كتاب The Evolution of Operational Art From Napoleon to the Present
4- Napoleon as a General: Command from the Battlefield to Grand Strategy- Jonathan Riley
————————————————————-

السيمنار الثالث – النظرية الاستراتيجية – جوميني وصن تزو 25 ديسمبر 2020

القراءات الواجبة:
-مشاهدة حلقات جوميني وصن تزو للدكتور
-كتاب فن الحرب لجوميني، ويمكن مجرد المرور على النقاط الآتية سريعا لارتباطها أكثر بوقت الكاتب
1- الفصل الثالث (تحديدا من الخطوط الاستراتيجية للمناورة وحتى الحملات البعيدة)
2- التركيز فقط على أول ثلاث نقاط من الفصل الرابع والمرور على الباقي سريعا
3- الفصل الخامس والسادس

-كتاب فن الحرب لصن تزو
– Michael Handel> Masters of War: the classic strategic theory

مخطط الحلقة:

1- مقدمة عن دور الاسهامات التنظيرية القديمة في النظرية الإستراتيجية العامة مع تمهيد موجز عن صن تزو وجوميني ..
2- مقتطفات من كتاب صن تزو عن الاستراتيجية بشكل أساسي
3- لتعريف بجوميني مع عرض السياسية العسكرية من منظوره
4- الاستراتيجية والتكتيكات الكبرى لدى جوميني
5- مقارنة بين صن تزو وجوميني وكلاوزفيتز من منظور مايكل هاندل

————————————————————–

السيمنار الثاني – التاريخ الاستراتيجي – الإسكندر الأكبر 11 ديسمبر 2020

https://www.mediafire.com/file/jyk5xkp419amzuk/audio_only.m4a/file

أولا القراءات الواجبة
1- الفصل الخاص بالاسكندر من كتاب (The Practice of Strategy_ From Alexander the Great to the Present)
2-كتاب (Conquest and Empire_ The Reign of Alexander the Great )
3-المحاضرة الأولى من النظرية الاستراتيجية العامة للدكتور، وننبه على مشاهدتها بتركيز ولا يجزيء عنها المشاهدة السابقة

القراءات المندوبة:
1-كتاب (Alexander The Great’s Art Of Strategy_ Lessons From the Great Empire Builder )
2-كتاب (Alexander the Great_ Lessons in Strategy )
————————————————————-

السيمنار الأول – النظرية العامة – كلاوزفيتس 27 نوفمبر 2020

http://www.mediafire.com/file/jyk5xkp419amzuk/audio_only.m4a/file

رابط كتاب (عن الحرب) لكلاوزفيتس
https://ia800109.us.archive.org/18/items/hamlaenglish_gmail_20180318_2118/%D8%B9%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8.pdf

وهذه نسخة انجليزية لنفس الكتاب لكن تم تجاوز كثير مما ليس له فائدة بالنسبة لنا -تقريبا نفس القدر الذي تم ذكره في مخطط القراءة بالأعلى …فهذا هو القراءة الواجبة (كتاب عن الحرب لكلاوزفيتس)
[Oxford World’s Classics] Carl von Clausewitz, Beatrice Heuser – On War (2007, Oxford University Press, USA) – libgen.lc.pdf

وهذا الكتاب قراءة اختيارية:
On Clausewitz_ A Study of Military and Political Ideas (2005) – libgen.lc.pdf

التحضير:
الكتب أرقام 1و2و3و8 من (عن الحرب)

ذات صلة
على هامش كتاب (عن الحرب) لكلاوزفيتس – الحدس واللمحة الخاطفة في باب السياسة
على هامش كتاب الحرب لكلاوزفيتس – ذروتا الهجوم والانتصار
حوارات استراتيجية 3: حول البيئات الاستراتيجية
على هامش كتاب (عن الحرب) لكلاوزفيتس – الحلقة الثانية (الاستخبارات)
على هامش كتاب (عن الحرب) لكلاوزفيتس – الحلقة الأولى



إعادة نشر – حول جدلية الخالق وسنة الانتصار

تحت وطأة الظروف والأزمة الطاحنة التي تعيشها بلادنا وشعوبنا ومستضعفونا، والفوضى والانفلات العارم في ترتيب أبعاد النظر والاستراتيجية، والعاطفة ، والإيمان وملاحظة يد الخالق سبحانه رأيت مناسبة في إعادة نشر هذا الحوار القديم، وكذا حكمة ابن عطاء الله

هو أراه من البدهيات الضابطة للعقل المسلم وإيمانه وسلوكه ولكن تغيب حتى عن الكثيرين.
وهذا من مسببات الانحدار الديني والحضاري والسيادي على السواء.

الجمع وكذا التمييز بين مناطات التكليف ومناهج النظر والتلقي والإعذار

رفع الله عن أمتنا البأس، وأمدنا بأسباب النظر والفعل، ويسر لنا سبيل الإعذار إليه والقبول.

مسارات التدافع العسكري، واستدعاء الاستراتيجية في حرب غزة

https://www.raialyoum.com/%d8%af-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d8%b1%d9%8a%d9%83-%d9%85%d8%b3%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%af%d8%a7%d9%81%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b3%d9%83%d8%b1%d9%8a%d8%8c-%d9%88%d8%a7


يلزمني إيضاحان في البدء

الأول) في هذا الظرف المشحون وجدانيا – بالمعنى العام والخاص – كم يثقل على المرء الحديث بمنطق ولغة (باردة) حول مسارات التدافع العسكري، وإعادة الاعتبار للأسئلة الاستراتيجية ومآلات تفعيلها وقد غابت عن جل الأطراف. ولكنه واجب حتمي؛ فعكسه خيانة لأمانة العلم والخبرة.
وإن الأمة التي تخوض صراعا، لن تفتقر أصحاب الهمم والعزائم وحاشدي العواطف وتمجيد الشهادة، ولكن كما يقرر تاريخنا القديم والحديث، أشد من تحتاجه في مفاصلها الهامة فوق هذا من يتناول هذه الأمور ويقضي (نعم كأنه قضاء، ولا يقضي القاضي وهو غضبان ومشحون بعاطفته) بحسم ودقة حول الموازين ومنتوج تدافعتها وجدواها، ويفصل كما الجراح بمقايسة منضبطة وحادة مسارات تفعيل وإدارة القوة مفصولة عن أي اعتبار غير قطعيات الشرع (إذا اعتبرنا خصوصيتنا).
والعقل الاستراتيجي لأي أمة أو دولة أو حركة، ليس محصورا بقائد أو مفكر أو أكاديمي، ولكنه نخبة تنداح فيها هذه المعارف والسمت والتجريب والعلم والفن، وبالتأكيد، ليس مطلوبا من كل أفرادها أن يقترفوا الاستراتيجية أو يستوعبوا مفرداتها، ولكن بالتأكيد تقدير قيمتها في الميزان والتقويم، ولعل في هذا نسبة لأحد أرفع علوم أصول الفقه تراثيا (المقاصد). ونتاج النظر الاستراتيجي مهما تعمق، فهو لا يقدر على التنبؤ بثقة عن المستقبل وهو قائم على اعتبارات بشرية يغمض قياسها وتدافعات مادية ومعنوية مفاجآت بيئية غير محسوبة، ولكن وظيفته تنظيم الفكر وموضعة القوة وتوظيفها السليم، وطرح الأسئلة المطلوبة وفتح مسارات البحث عن إجابتها برشد أكثر منه تقديم إجابات جاهزة.

الثاني) لا أخفي شعوري بمرارة شديدة حين عرفت أنباء الهجوم المُقاوِم في 7 أكتوبر، لأنه مباشرة أتت لي الأسئلة الاستراتيجية البدهية: ما الأهداف السياسية؟ كيف يمكن توظيف هذا الإنجاز العسكري الباهر في ظل غياب متطلباته الأساسية في مشروع فلسطيني وطني وقيادة برؤية سياسية واستراتيجية تُناوِر به وتضعه في تصميم محدد؟ بل وفي ظل الخلل البنوي في الأهلية الاستراتيجية عند الحركة الوطنية الفلسطينية في مساحاتها المعرفية والمؤسسية والتطبيقية – المؤسسية مثلا .. ضعف سيطرة القيادة السياسية وانتصابها كموجه استراتيجي لجسدها العسكري ونشاطه!
 فضلا عن خصوصيا الحدث في تجاوز واسع في مساحة الشرعية الأخلاقية لحركة التحرر في مسألة استهداف المدنيين وكيف يمكن شيطنتها دوليا وإقليميا وكارثية ذلك تبعا لقوة الصورة في هذا النمط من الحروب (كما هو على خصمك، يسري عليك)،
وأكثر إقلاقا عندي – الأثر الاستراتيجي (غير المقصود) وهو تهديد مصالح حيوية ووجودية عند الخصم تدفعه لتسكين كل الحساسيات في الحساب الاستراتيجي و عنصر الإدماء (وهذا ما يجعل لحركة المقاومة أفضلية استراتيجية وليس كسحها العملياتي!!)، وبهذا حتمية الدخول البري واحتلال غزة، وإلغاء المعادلة التي تقبلها هو نفسه من 2007 لأنها تحقق مقصوده الأمن قومي (بقاء حماس تدير غزة ضمن موازنة ردع وابتزاز يتم تجديدها دوريا، مع بقاء سياسة التمايز في فصلها عن الضفة والقدس).
 نعم، منذ 2007 وغيري – وحتى أنا – مؤمن بضرورة تغيير هذه المعادلة والتحرر من أسر السلطة لصالح مشروع مقاوم صرف يلزمه التماهي مع مشروع سياسي مؤقت فقط تحت بوصلة التحرر دون فقد المناورة الاستراتيجية، ولكن أن يحدث هذا بتهيئة وتدرج وبناء متطلبات استراتيجية في القيادة الوطنية والرؤية، وليس دفعا من المحتل على قارعة تخريب غزة.
ولوجود هذه المرارة، مع اتساع حالة الانتشاء المفرط في شعوبنا ، وهذا متفهم إنسانيا وقيميا، حاولت أن أتوسع كثيرا في مقالي السابق في المشابهة التاريخية لحرب أكتوبر والمساحة النظرية، لأخفف وقع ما أطرح.
أما ونحن الآن على مشارف الاجتياح البري لغزة، وظهور كثير من العوار السابق للعيان، فسأحكي بوضوح عما أراه من تقديرات تتمايز حجيتها، ولكن كلها تقع في دائرة النظر وقابلية الخطأ. ونسأله سبحانه أن ينصر مقاومينا ويرأف بشعبنا الممتحن في غزة بما قد لا تلحظه أبعاد النظر ومنطق التسبيب.

أولا) الهجوم الكاسح في 7 أكتوبر، ليس فقط مثّل ضربة لمنظومة الأمن القومي وفرضياتها ولكنه هدد فكرة الدولة والثقة الشعبية فيها وجيشها وقيادتها السياسية، ما لم يحصل ربما غير في حرب أكتوبر 73. وعلى هذا حصل أمران لا مناص عنهما:
أ. رغبة الإسرائيلي في توفية فاتورة انتقامية، بعد إزالة مكامن العدوان في الغلاف، وتتمثل في فاتورة ضحايا بشرية فلسطينية، والأهم تكسيح عسكري لحماس في بناها الحيوية وإمكاناتها (القيادة، قوات النخبة، الصواريخ، الأنفاق).

ب. إدراك فشل الاستراتيجية التي تبلورت منذ 2007، وهذا – بالإضافة للنقطة السابقة – يحتم الاجتياح البري، وإزالة حكم حماس عن غزة لصالح صيغة مختلفة (تكييفاتها عرضة للمنتوج العسكري، ومفاعيل فلسطينية وإقليمية كما سيأتي).

ثانيا) هناك إشكالان في المنظور الاستراتيجي الإسرائيلي، الأول خاص بالفرضيات العملياتية (إمكانية تحقيقها لما تتطلبه الاستراتيجية كمنتوج عسكري)، والآخر الفرضية الاستراتيجية (المنتوج النهائي نفسه ومدى صيانته وتوفيته لمقررات الأمن القومي.

  • عملياتيا – من السخف كما يقول كلاوزفيتس أن تكون هناك قراءة عسكرية بحالها منفصلة عن سياقها الاستراتيجي الخاص بالتوظيف والحساسية.. مثلا – الجيش النظامي في مواجهات مباشرة، وحتى في نمط غير نظامي ولكن طوّر حاله عقائديا وتركيبيا لمواجهته يسود – مهما تطورت القدرة العسكرية للحركة غير النظامية (إلا في مراحلها الأخيرة وغالبا أمام حكومة محلية أو قوة احتلال متراجعة، بحيث تتحول الحركة لحرب نظامية
    War of Position
     كما أشار ماو قديما).
    تمثيلا على ذلك، التوازن العسكري على مستوى القدرة القتالية للفرد بين حزب الله وإسرائيل (كما أشار أنتوني كوردسمان في دراسته) كانت حوال 5:1 في التسعينات (يعني من كل قتيل إسرائيلي – خمسة من الحزب)، ولكنها ارتفعت ل 2-1:1 في حرب تموز 2006.
    طبعا التوازن العسكري التكتيكي فضلا عن العملياتي أوسع كمعيار قياس من هذا كما نعلم (اعتبارات العقائد والفن التكتيكي والعملياتي والقيادة والانسجام الهيكلي، والتسليح وو)، ولكن هذا يساعدنا في ما نريد طرحه.
    طيب – هل هذا التوازن العملياتي هو ما سيحدد المنتوج العسكري ثم قيمته استراتيجيا ؟
    لا – لأنه دوما تكون هناك حساسية مغايرة للإدماء البشري والاقتصادي والسياسي من قبل جيش الاحتلال، مما يعجل في التسليم وإجهاض النشاط العسكري مبكرا قبل الكسح العملياتي، بما له من تقاصر عن تحقيق الأثر الاستراتيجي في الإرادة السياسية للعدو.
    وأذكر حوارا لي في ورشة عمل مع أحد العسكريين الإنجليز ذوي علاقة وثيقة بإسرائيل في 2009 حين ذكر أن عامل الوقت هو فقط ما منع تطوير الهجوم البري الشامل في جنوب لبنان ومنع الحسم العسكري. حينها ذكرت– بالضبط! لكن الوقت – كما كان يعده أستاذي كولن جراي-  أهم بيئات الاستراتيجية  
    Dimensions
    وهو في حالتنا عالة على السياق الاستراتيجي في تباين الحساسية والحساب  
    strategic interdiction
    ومتواليات الضغط الدولي والشعبي، وهذا مثل بالتالي وزنا استراتيجيا للإنجاز العسكري للحزب وليس التدافع العسكري ذاته ومنتوجه المبتور.

ثالثا) في ذات السياق العملياتي .. من ناحية، ما يصب في مصلحة إسرائيل الآن، هو تحييد جملة من هذه الحساسيات الأفضلية للمقاومة، بسبب ما قدمته المقاومة ذاتها في 7 أكتوبر من رفع الحراجة الوطنية لدرجة تتراجع فيها هذه الحساسيات سياسيا وشعبيا.
ولهذا فقرار الاجتياح البري استبعده الكثيرون بسبب وجود الأسرى الإسرائيليين خصوصا المدنيين منهم، ولكن هذا كما أوضحت في المقال السابق قياس مغلوط على سياق استراتيجي حكم الفترة السابقة، وقد تغير. ولهذا – كان الحرص على تشكيل حكومة الطواريء لإعطاء شرعية وتشاركية في تحمل الثمن السياسي تبعا لهذه الخطوة، وأيضا الخسائر العسكرية التي ستحصل مع الاجتياح البري. وهذا بالتأكيد يجعلنا أمام جيش مختلف – كمعايير توازن عسكري صرف. وهذه العلاقة الاضطرادية بين مستوى العمليات والاستراتيجية ، فكلاهما يؤثر في الآخر حرفيا.

رابعا) ولكن من ناحية أخرى، يبقى سؤال القدرة التكتيكية والعملياتية ذاتها لتحقيق حسم عملياتي في غزة (الأنفاق، القادة، النخبة، الصواريخ، التمدد الاستحواذي…). وهذا عمق الإشكال الإسرائيلي كنظرة عسكرية بحتة، وكانت تشغله طيلة العقدين السابقين: نوع القدرة القتالية التي يريد أن يقيم عليها جيشه (عقائد وتركيب وقيادة وتسليح) ومدى كفاءتها عند الاختبار..
وبالرغم من وجود جهد ضخم من الرؤى والخطط والمناورات، فهناك عدم حسم وسببه استراتيجي بالمناسبة.
خبرة حرب تموز أفادت بضعف القدرة التكتيكية للجيش، والعملياتية (ضعف القدرة على الحركة على مستوى الألوية) وربما تم ربط ذلك بوجود مفهوم عملياتي
Operational Concept
 يغلب عليه الغموض، والمفهوم الأمريكي
Effects Based Operations
الذي يلقي عبء المنتوج الاستراتيجي وليس فقط العملياتي على حسابات كمية لضربات الجو (وهذا تحيز رئيس الأركان الإسرائيلي حينها دان حالوتس، وتبنيه لعقيدة الضاحية – ضرب القاعدة الشعبية لبناء ضغط على الخصم وتحوير سلوكه).
ولهذا – حصل توسع أولي في الشق النظامي البري وترسيخ الحسم التكتيكي كما كان المفهوم العملياتي الذي ارتكزت عليه خطة تينف في عهد شاؤول موفاز 2008. ومع تنامي الخطر غير النظامي في غزة، وبعدها الأزمة السورية وتطور في مكونات معادية فيها، ظهر مفهوم العمليات بين الحروب
(CBW)  Campaigns Between Wars
، وفيه يقصد الجيش ضمن استراتيجية  استهداف متكرر ومحسوب القضم من البناء العسكري المعادي، وضربات لتمتين حاجز الردع التقليدي ورسم خطوط حمر للعدو، مما يحجّم الحاجة لاشتعال حرب شاملة على الجبهات. ولو تم وضع هذا المفهوم العملياتي في المنظور الاستراتيجي الخاص بترك غزة لحماس وسياسة التمايز، فهذا منطقي. وهذا ظهر في مفاهيم عمليات طرحها رئيس الأركن بيني جانتز، ثم غادي إيزينكوت في وثيقته حول (توظيف القوة
Force Employment
) وخطة جدعون 2015، ثم حتى تطويرها في وثيقة 2018 والتي حاولت التجميع بين أدوار الحسم العسكري والوقاية والعمليات بين الحروب.
لكن بمجيء آفيف كوخافي حدث تحوّل في النظرة الحاكمة – دون بالضرورة أن تأخذ مداها في تطوير البنية والقدرة والفاعلية. بعد استنفار قيادي داخلي، طرح كوخافي مفهوم الانتصار
Concept of Victory
، كنتيجة ليس فقط للنتيجة الملتبسة التي أدى لها
CBW
خصوصا في الجبهة السورية وبالعكس تمدد سيطرة الإيراني وعبر تماهيه مع المكون العسكري السوري، ولكن أيضا استعادة للنظرة التقليدية .. الجيش لابد أن ينتصر في أي مواجهة مفتوحة أو حرب جبهات، بغض النظر عن استدعاء الاستراتيجية لهذا السيناريو من عدمه. من الممكن فهم كثير من خطوات تدعيم القوات البرية والتشابك في الحرب المشتركة خصوصا مع الجو، والاستخبارات والدمج المعلوماتي والذكاء الاصطناعي (حلقة إدارة المعركة في تحديد مصادر التهديد الصاروخي والتعرضي وتصفيتها)، وعلى كانت الخطة العسكرية تندوف أو الزخم
Momentum.
المأزق هنا – أن الحرب الشاملة هي كذلك على حركات غير نظامية، بتشكيلها وتركيبها ومنطقها العملياتي
modus operandi
وترسخها في حرب المدن، تقتضي نمطا مختلفا عن الحرب المشتركة التقليدية على مستوى الأولوية، بل لابد من مطّ الهيكلية العسكرية للجيش الإسرائيلي وترسيخ الحرب المشتركة على قوات أصغر، ولكن لها قدرة تدميرية هائلة وذكية
Smart
، ولهذا طرحت الخطة مفهوما وتركيبا تجريبيا يسمى
Multi-Layer Forces أو Ghost Units.
ولكن من الواضح أن الجيش لا يزال بعيدا عن هذا المأمول.
ولكن في ذات الوقت – سيلجأ الجيش فضلا عما له من اعتبارات تقليدية في النشاط العسكري، وبعض الوحدات التي تدربت على النسق النوعي المحدود عددا ولكن المتسع كتشابك تسليحي وقوة نيران، على خطين تكتيكيين في حرب غزة.. ما يعرف قديما بالتفجير الفراغي
Hollow Explosions
– أي الانتقال الخطي في مسرح العمليات داخل التجمعات السكنية ذاتها عبر ما يقدمه سلاح المهندسين من خطوط داخلية. وكذلك ما راكمه بإنجاز ما في استهداف الأنفاق.. والأخير مسئول عنه عملياتيا وحدة العمليات في سلاح المهندسين
Yahalom
، والتي تدير مساحات تقنية متكاملة في اكتشاف الأنفاق وتحييدها صاروخيا وأرضيا – وبالأخص الوحدة التقنية
Samur
، وبمساندة تقليدية من قوات النخبة
Sayerat Matkal.

خامسا) من هذه التطوافة في المنطق العملياتي الحاكم للجيش، وبالنظر إلى تشكيل مرجح لقوات احتياج غزة واعتمادها على التشكيل التقليدي غالبا للقوات.. فيظهر لنا:
    أ.    ضعف الحساسية التي كانت تكبح الجيش في القيام بعملياته البرية وتقضم من معادلة التوازن العسكري.
   ب. الجيش فيه حالة ارتباك كثيفة على مستوى العقيدة والتركيب والوحدات، وطبيعة السلوك التكتيكي والعملياتي السائد، ولهذا – فالمرجح لجوؤه لمنطق القوة النظامية التقليدي
Brute Force
، مع إمكانية أوسع للتقدم بالأخص في مساحة التجويف المعماري، وتجفيف الأنفاق.
ج. كل هذا عالة بالأخير على عمق الدفاع العسكري المُقاوم، واستعداداته المسبقة، والتجائه لنمط غير تقليدي في الكمائن والفخاخ واستقلالية المسار الصاروخي عملياتيا وغيره.. ولكن كما أسلفت في سياق استراتيجي مختلف عما سبق.

ثالثا) استراتيجيا.. وهو الإشكال الأوضح، وربما أشار له الأمريكي مبكرا، وهو استراتيجية الخروج، وبمعنى أدق كما يراه الإسرائيلي لأنه هنا ليس في معرض خروج، استراتيجية مستجدة للتعامل مع مشكل غزة بعد الاجتياح وبافتراض تحقيق هدفه العسكري… وهنا يظهر أمام الإسرائيلي خيارات:
استدامة الاحتلال بتكلفة عالية، وقد يبحث مع الوقت عبر أقنية يقلل بها هذا العبء، كاختيار جزئي لما يأتي.
2 إعادة السلطة الفلسطينية، خصوصا مع التكلفة البشرية والمعاناة الإنسانية لغزة، وخسارة حماس عسكريا وكشرعية سياسية عبر تحميلها ما حصل، وبافتراض قبول السلطة ذاتها ودعم مصري وعربي. وفيها سيحصل غالبا إعادة انتشار لبعض قوات الاحتلال في شمال وشرق القطاع لتنتصب حاجزا دفاعيا أمام غلاف غزة.
3 صيغة أكثر تشاركية – عبر إشراك المصري، خصوصا إذا احتمل جزءا من عبء التهجير الغزاوي، ويظهر له هذا كبديلا أكثر قبولا من فكرة التوطين.
4 فكرة التوطين بالرغم من قدمها في ذهن الاحتلال، إلا أن هناك رفضا قاطعا مصريا، ويبدو أن الإسرائيلي لا يضعها الآن في أعلى سلم شغله استراتيجيا.. هي جزء من حل ممكن – بشرط قبول المصري – لمرحلة مقبلة. ولكن حاليا – كل ما يشغله وعلى هذا دفع لنزوح شعب غزة جنوبا ألا يعيق العمليات البرية.
5 بالطبع فكرة القبول بدرجة من الموضعة الحمساوية في صيغة إدارة غزة ممكنة نظريا، ولكن تقتضي خضوعا سياسيا من الأخيرة مستبعدا، وفي ذات الوقت – الهياج الداخلي في إسرائيل ضدها.

وكما نرى، في كل هذه الخيارات، بافتراض إسنارها بالمنتوج العسكري سالف الذكر، تبقى هناك مشكلة ضخمة إسرائيلية على المستوى الاستراتيجي. خيار الاحتلال بلاشك أكثرها كارثية خصوصا إذا استوعبت المقاومة الفلسطينية الدرس وصاغت حراكا مختلفا برؤية سياسية واستراتيجية مستجدة، وتطوير خطوط متكاملة بين حروب العصابات وإعادة بناء الهيكل التحتي والداعم، والاتكاء على مخزون الاستنفار الشعبي نتاج اجتياح غزة لتطوير النشاط المقاوم بالضفة وتوسعة الأطر الشعبية للمقاومة السياسية فيها والقدس والداخل.

حتى المسارات الأخرى – فدون انهيار الحس المقاوم فلسطينيا وتطويعه بنسق تنازلات سياسية وأمان اقتصادي، وإعادة الاعتبار للسلطة الفلسطينية بدعم عربي (إعادة أجواء أوسلو وما بعدها)، وهذا وضع بعيد حاليا عن التكوين السياسي الإسرائيلي ولكن ليس بالضرورة أن يبقى كذلك، فضلا عن تجريم حماس وشيطنتها داخليا، فقد يتجه بشكل تدريجي للمسار الأول (الاحتلال).

ثانيا) في ذات الوقت، فهناك تضخم لعناصر قوة بيئية لم تحصل في تاريخ الحراك الفلسطيني المقاوم بالأخص في الوضع الشعبي العربي (بما قد يقارب معركة الكرامة، والتي بالتأكيد لها سياق تاريخي مختلف أشد محاباة لها وتداعياتها في توسع الدعم الشعبي والنظامي العربي للمقاومة).
الأنظمة العربية التقليدية وضعها لايزال إيجابي لحد ما بالنظر للدفن (المؤقت على الأقل) لمشروع التطبيع مع السعودية، وخفوت صوت أطراف موجة تطبيع 2020، وتصلب للنظام المصري في نقد إسرائيل والدفع لمحور إنساني ورفض مطلق لمسألة التوطين، وفي ذلك الوقت عدم تجريم صريح للمقاومة (نظرة لموقف مبارك لحرب 2006 وهي كانت أكثر قبولا أخلاقيا دوليا تشي بالفارق)، وبالعكس تحميل التعنت الإسرائيلي المسئولية عن التصعيد الحالي والخسائر في المدنيين.

ثالثا) المأزق الاستراتيجي الحالي عناصره كالتالي:

1  غياب المتطلبات الوظيفية والبنائية للاستراتيجية ليس فقط حرمت المقاومة من ضبط بوصلة وحدود 7 أكتوبر، وتسكين نتائجها ضمن مخروط واضح من التدافع السياسي والعسكري وصولا لنتائج مرحلية أو بنائية، لكن هي تبقى عقبة الأن في طريق إدارة مرحلة الاجتياح وما يليها. وكما رأينا، هي شديدة التعقيد من حيث الخيارات والفرص والتهديدات، وهناك عدد هائل من الاعتبارات التي لابد من المفاضلة والمزاوجة بينها ضمن رؤية استراتيجية واضحة – كذلك اتكاء على المنتوج العسكري، وما قد يترشح عنه التدافع الاستراتيجي من وضع لغزة (احتلال، احتلال جزئي مع سيطرة وسيطة، أو صيغة تشاركية، أو حتى استعادة جزئية لمعادلة سابقة).

2 هناك ضرورة بالتأكيد للتصلب العسكري الدفاعي في غزة، وزيادة فاتورة الخسائر عند الإسرائيلي. وحقيقة – لايوجد بين أيدينا معطيات صلبة كما هي الحال عند تحليلنا لجيش الاحتلال تشي بالقابلية العملياتية والقدرة التكتيكية، خصوصا في ظل نمط عسكري يختلف في تقييداته الاستراتيجية عما سبق. ولا نعلم على وجه الدقة، حجم الخسارة البشرية والنوعية في القوة المشاركة في 7 أكتوبر. ولكن بالنظر لحجم الإشكال العملياتي والتكتيكي كذلك لقوات الاحتلال فإن حجم الخسارة ستكون واسعة عند الأخير، وهذا يزيد من حراجة وقيمة تشكيل رأس سياسي وطني يتولى مساحة التفاوض.

3 كما أشرنا على عجل في آخر المقال السابق، هناك خيار إسعافي لابد من التحرك فيه قائم على بناء تقارب مع السلطة الفلسطينية وبقية الفصائل، وتأليف هيكلية مشتركة لإدارة هذه الحرب بأبعادها السياسي والتفاوضي والإنساني على الأقل.
وهذا ضرورة استباقية كذلك لتحصيل متطلب أفضلي في مرحلة مابعد الاجتياح وإدارة غزة.
وأكيد كان هناك مطلب ضخم لحماس تحديدا لاستعادة شرعيتها الأخلاقية كحركة مقاومة في الفضاء العام – لايكفي فيه الخطاب الإعلامي، أو تبيان زيف الرواية الإسرائيلية في بعض النقاط، ولكن بتحييد المدنيين مطلقا والإفراج عن المختطفين منهم وإدانة أي سلوك متفلت حدث سابقا وتحمل مسئولية سياسية وإن ليست أخلاقية عن بعض ماحصل.
وهذا جوهري لتوسعة الحركة السياسية مع السلطة والنظام العربي الرسمي ودوليا في مرحلة تالية.
وبحصول ما سبق، يتساوق معه خيار استنفار شعبي في الضفة والقدس والداخل، وبالتأكيد الترميم الأخلاقي يساعد الأخير، وعلى مستوى الشعوب العربية وخصوصا دول الطول،
وكذلك التواصل مع النظام العربي الرسمي بفرض ترشح هذا الرأس الفلسطيني ولو بشكل مؤقت، ضمن مطالب محددة، وتفعيل أدوات ضاغطة فيها.. بالتأكيد – الأولويات هي في حماية المدنيين وحضانتهم، ومسألة إدارة غزة، وتبادل الأسرى.

4 خيار الحرب متعددة الجبهات يبقى كما أسلفت خيارا نظريا حتى الآن، بسبب مأزق حزب الله الاستراتيجي في الداخل اللبناني (مشكلة الشرعية السياسية والشعبية بدءا من 2008، وصولا للانهيار الوظيفي للدولة والعنت الشعبي) وكذلك في فقدان جزء كبير من شعبيته في الواقع العربي تبعا لحركته الإقليمية خصوصا في سوريا. وكذلك جبهة سوريا تبقى مرجوحة كقدرة إيذاء فعلي وكذلك ديناميات نظام الأسد نفسه وأمانه. فضلا عن إيران بكل إشكالاتها الداخلية وتوقيها انفراط صيغة الردع المتحسس مع الأمريكي.
ولكن مع ذلك – فإن تصاعد أدوار اشتباكية من هذه الجبهات – الشمالية بالأخص – تبقى مطلوبة كحيز إشغالي.


على عكس ما يتخيل البعض، فإن المنطق الحاكم أمريكيا بالأخص هو تقليل التداعيات الإقليمية، ولكن تقديم الدعم الكامل للحرب الإسرائيلية على غزة، وتأمين إطارها الردعي ضد دور إيراني محتمل.
علاقة التحالف العضوي استراتيجيا معلومة، ومهم أن ندرك أن إرسال حاملة الطائرات جيرارد فورد كانت توفية سياسية ومعنوية لهذه العلاقة وكذلك لاعتبار السياسة الداخلية وصورة القوة الكبرى دوليا مع تعرض حليفتها لمحنة في منظومة أمنها، دون بالضرورة أن يصل التعدي كميا وجغرافيا لمراكز الثقل في الدولة (شبيه بالدعم الذي تلقته أمريكا نفسها بعد أحداث 11 سبتمبر).
ولكن كما أشرت – كتوظيف استراتيجي بحت يبقى لتدعيم الرسالة الردعية ضد إيران، وأقل منه كثيرا تدعيم التواجد في شرق المتوسط، إذ أن الأمريكي متواجد بالفعل عبر أسطوله السادس بما فيه من 40 سفينة و 175 طائرة و20 ألف مقاتل ومساند، ووجود حاملة الطائرات هو بالأخير بشكل مؤقت كرادع ، ومشارك في الحرب الجوية ضد الجبهة الشمالية أو إيران إذا اقتضى الأمر.
كنتيجة معاكسة، فهي بالتأكيد تقلل من اعتبارات استعادة الردع والثقة في قدرة الدولة ذاتيا على ضمانة أمنها القومي، وبشكل متناقض أيضا، فرصة أوسع للضغط الأمريكي على إسرائيل في محطات تالية ترتبط بالصيغة السياسية المطروحة. تناقض حصل كذلك بعيد حرب أكتوبر 73، وساهم في إرغام الإسرائيلي للقبول بضغط أمريكي على صيغة لا تتواءم مع طبعته الاستراتيجية بعوارها، وإن ظهر فيها تاليا المصلحة الأكبر لكليهما.

كوضع إقليمي أوسع، فكذلك لا يظهر تحول عريض فوق نتيجة تأخير التطبيع وتقزيم تمظهر موجته السابقة لحين. وأعتقد أنه مع عدم تطور الوضع الفلسطيني لشكل أكثر حيوية في الرأس القيادي والخطاب العام، فلن يجد النظام العربي الرسمي الحاجة غير القيام بأدوار محدودة مراعاة للسياسة الداخلية، أو تعامل أكيد مع ملفات العبء الإنساني الغزاوي ومشكلة سيناء وبالتأكيد أدوار الوساطة وتوليد نسق نظامي لحكم غزة محابي كالنظام المصري.

متساوقا مع هذا الإطار، فتيقى تدافع وتلاقي المصالح الدولية ضمن معادلة محاولة تقييد كل طرف لنفوذ الآخر (الصين/الروسي – الأمريكي)، وهذا أربك مثلا معادلة الحساسية التي كانت قائمة بين الروسي وإسرائيل، ولكن كذلك دون اختراق في الأمر. وأيضا إمكانية الاستفادة غير المباشرة لتحويل ثقل الدعم العسكري الأمريكي إسرائيليا عن أوكرانيا (مع محدودية أثر ذلك على مسار الحرب).


لمزيد اطلاع

مقاربة أولية لتقويم طوفان الأقصى استراتيجيا، ونوستالجيا أكتوبرية

مقاربة أولية لتقويم طوفان الأقصى استراتيجيا، ونوستالجيا أكتوبرية

https://www.raialyoum.com/%d8%af-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d8%b1%d9%8a%d9%83-%d9%85%d9%82%d8%a7%d8%b1%d8%a8%d8%a9-%d8%a3%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%aa%d9%82%d9%88%d9%8a%d9%85-%d8%b7%d9%88%d9%81%d8%a7%d9%86

يهمني الإشارة لنقطة جوهرية قبل أن ندلف لما سنحكي عنه.. الإحساس بالفخر والانتشاء خصوصا من جيلنا الذي أزخمت معاناته الشخصية مرارات الانكسار وطيّ حلمه بالتحرر والوحدة وأوطان حرة وكريمة وديمقراطية، ولكن هذا لابد من تسكينه إذا تحدثنا بمنطق التقويم السياسي والاستراتيجي.

وكذلك – فإن كل أحاديثنا في هذا الباب لا تقارب الشرعية الأخلاقية لمن حملوا أرواحهم على أكفهم واقتحموا عرائص المجهول لايبالون في طريق العز لأمتهم والانتقام لكرامتها المسفوحة لعقود.. ولعل في هذا نسب لإشارة ابن تيمية القديمة عن استقلال أهل الثغور في التقدير.

 فقط – ما ندركه من قيمة الاستراتيجية وحاكميتها على كل مساحات الصراع ومنجزاته، سواء أدرك الناس هذا أم غفلوا عنه، وأنها بنت أهلية تتعدى كثيرا – وغالبا – حدود الاستغراق المكاني واستقلال النظر كشرعية استحقاق، وأنه دور المُقِل – هو ما يدفعنا لمثل هذا الحديث.

مبدئيا، ماحصل تحول كبير في مسار الصراع العربي الإسرائيلي يتعدى حدود التقويم السياسي والاستراتيجي لعملية أو حرب بشكل مباشر. وأنا لا أحكي هنا بشكل عاطفي، ولكن استراتيجي بحت.
في مسارات الصراعات الممتدة، نعم للجولات والحروب قيمتها، وضرورة خدمتها التراكمية والتعاقبية للأهداف الكلية كاستراتيجية عظمي، ولكن أحيانا تحصل نتائج فارقة تؤثر على المنظور الكلي – وعناصره النفسية والبنيوية فضلا عن موازين قوى للصراع ككل.. وحتى لو انتهت الجولة بمنتوج سياسي (نهايات مرحلية) أو استراتيجي (مفردات توزيع القوة وتوظيفها) مُحبِط وسلبي، تبقى المنجزات تلك قائمة.

وأوضح مثال على هذا – للمفارقة – هو حرب أكتوبر 1973، وبالتأكيد هناك أوجه نسبة وتشابه بين طوفان الأقصى معها، ولكن دون مبالغة كذلك، لأن حرب أكتوبر ونحن في ذكراها تتخطى في ميزان الكم والكيف والزلزال في مصفوفة الأمن القومي الإسرائيلي وبنية الدولة ما حصل من يومين..

الأهم هنا – حرب أكتوبر نتيجتها العسكرية كانت سلبية عربيا، بالنظر للعبور المعاكس، وحصار الجيش الثالث ومدينة السويس، وخضوع المصري تحت طائلة التفاوض في الكيلو 101 ثم فض الاشتباك الأول (فض الاشتباك الثاني تحديدا لم يكن لها علاقة بالتوازن العسكري وتصور الأطرف له، ولكن لتصور مغاير للسادات منتكسا عن تصور عبدالناصرلدور مصر الوجودي والإقليمي). ولكن، الانكسار الشديد الاستراتيجي الحاصل أول الحرب (ضرب نظرية الأمن القومي الإسرائيلي كما نص عليه التوجيه الاستراتيجي للحرب كما خطه هيكل) ، وحتى مفردات الانتشار العسكري بعد الحرب مقارنة بما قبلها .. يشي بدرجة ما من أفضلية المنتوج الاستراتيجي لصالح مصر (ليس نجاحا).

بعض المنظرين الاستراتيجيين – كالراحل مايكل هاندل، وهو أمريكي صهيوني، بما عنده من نضج استراتيجي، مهمن يكن متحيزا، فهو لا ينحصر في التقييم الغربي السائد أن الحرب هزيمة عسكرية لمصر، لأنه يدرك أن العلاقة بين المنتج العسكري والمنتوج الاستراتيجي ليست خطية (وهذا درس مبدئي هنا للإخوة في حماس، كما هو لإسرائيل.. وأوضح مثالا على هذا حرب 67، فمع عبقرية الحسم العسكري الإسرائيلي فنتاجه الاستراتيجي كان هزيلا بشكل قريب، وأفدح كمدى متوسط تبعا لحربي الاستنزاف وأكتوبر). ولكن هاندل في ذات الوقت، ربط خطأ بين حرب أكتوبر كمنتوج ومعاهدة السلام، والتي تمثل بحق – أوضح نجاح إسرائيلي على مستوى الاستراتيجية العظمي كما أشار، وفي رأيي حتى أهم من 48، لأن العرب لن يحاربوا كجيوش دون مصر.

ولكن ما لم ينتبه له هاندل، أن معاهدة السلام، وحتى قبلها فض الاشتباك الثاني كانت نتاج أشواط وأنماط متباينة من التدافع السياسي والديبلوماسي وتحولات بنية الأنظمة والوضع الإقليمي والدولي. وفي ذات الوقت – فحجم الانجاز المعنوي والقيمي للنصف الأول من حرب أكتوبر كان هائلا – في كسر أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لايقهر
invincible
 – داخل إسرائيل والأهم عند العرب..

هل ما حصل في اليومين السابقين يفوق أو يتقاصر عن هذا فيه نقاش آخر. لكن الأهم أنه حصل، ولن يمكن تغييره بعض النظر عن نجاح أو فشل الأطراف – وخصوصا حماس – في تحصيل منتوج سياسي واستراتيجي يمكن البناء عليه.

وما يهمني في هذه العجالة أن أتناول نقاطا محددة، من الأدنى للأسفل..
أولا – لانطلاق من عرض ما حصل تكتيكيا وعملياتيا، لأن هذا ما يسود الخطاب العام حاليا

ثانيا – إطلالة على المفاجأة الاستراتيجية والخلل الاستخباراتي

ثالثا – مقدمة في المقاربة الاستراتيجية لما حصل

رابعا – المسار الممكن والموصى به استراتيجيا

بوضح، كذلك – مثل حرب 73، ما حصل لم يشتمل على تكتيكات وأسلحة مفاجئة، ولكن الأهم هو المفاجأة الاستراتيجية والتصميم العملياتي وتراكب مسارات التكتيك بشكل يمثل منتوجا عملياتيا كاسحا.

نمط اختراق الحدود عبر مجموعات نوعية تسندها هجمات صاروخية، واحتلال مؤقت للمستوطنات وإنزال درجة من التخريب والترهيب كرسالة، والعودة بأسرى، معروف إسرائيليا. حتى أنا حين زرت لبنان في 2008 في وقت تحضيري لرسالتي للماجستير (الأداء الاستراتيجي في الحرب غير المتماثلة – دراسة حالة بين حزب الله وإسرائيل) تعرّفت عليه.

نعم، التصور الأكثر حضورا عنه هو أنه سيحصل في الجبهة الشمالية، وعلى هذا كانت كل التحضيرات والمناورات العسكرية وتغيير الهيكل الدفاعي هناك إسرائيلي في السنين الفائتة. طيب – مع الاتصال العضوي بين حزب الله وحماس، أليس من المفترض إمكانية حصوله بالجبهة الجنوبية؟ هنا يأتي الخلل الهيكلي في المفهوم الاستخباراتي كما سنفصله لاحقا– هناك درجة كبيرة من تقليل التقدير الفادح لقوة حماس، والأهم – ترسخ فرضية أن حماس محجوزة بردعها الذاتي تبعا للمأزق الاستراتيجي التي وضعت نفسها فيه بانكفائها على غزة وخضوعها للحصار بعد 2007.

بإنصاف – للتصور الاستراتيجي إسرائيلي درجة من الحجية، وهذا ربما منطق قلقنا كما سيأتي، ولكنه بالتأكيد، لاينفي ضرورة الاستعداد العسكري والأمني، وعدم أسر التحليل الاستخباري لفرضية يابسة، ونفترض- أنه بالنظر للاختراق المعلوماتي الواسع لغزة – ازدراء معلومات قد تكون تضافرت الفترة السابقة ، مهمن يكن جدية حماس في الأمان المعلوماتي تحضيرا لعملياتها.

تكتيكيا، حماس طبقت هذا النمط السالف ذكره بدرجة عالية من البراعة، ووسط انهيار دفاعي إسرائيلي كامل حتى كأننا نشاهد فيلما كارتونيا، والنتاج العسكري كان باهرا بدرجة غير متخيلة، استباحة ثماني قواعد عسكرية وقرى ومستوطنات غلاف غزة فضلا عن ستارة صاروخية كثيفة قادت لإشباع في القبة الحديدة وأحدثت تخريبا معتبرا، قتلى إسرائيليون يتجاوزون السبعمائة، وأسرى يتجاوزن المائة (نظرة لمعدل تبادل أسرى المقاومة اللبنانية والفلسطينة مع كل رأس إسرائيلي ينبئنا عن حجم الإنجاز).. وكل هذا يشتمل على عسكريين ورتب رفيعة!

ولكن يبقى عندي تحفظ  – حتى أنهي هذا الملف التكتيكي – عن ضعف الحساسية نحو المدنيين والأسرى العسكريين سواء كنشاط عسكري، أو تعامل شعبي غلبت عليه بعض مظاهر التفلت والانتقام، مفهوم إنسانيا، ولكن الحساب الأخلاقي والاستراتيجي له شأن آخر.

أنا لن أخوض في التناول الفقهي والأخلاقي المنضبط لهذا الأمر، وحتى محمد الضيف أشار في أواخر كلمته للقاعدة الدينية في عدم استهداف النساء والأطفال والشيوخ، ونزيد عليه الأسرى.. وبالتأكيد أن احتجازهم كرهائين واستخدامهم دروعا بشرية هو مناقض لتلك القاعدة.. وكما حكي د. وليد سيف على لسان صلاح الدين في روايته التمثيلية، حين تعجب أصحابه من سماحته الزائدة مع الصليبيين في استعادة القدس مع المجزرة التي ارتكبوها هم أول الأمر (الحرب بيننا ليست بالقتال فقط، ولكنها على الأخلاق والشرف، فإن ألزمونا أخلاقهم فقد انتصروا فيها وإن انتصرنا نحن في الأولى).

ولكني أشير إلى القيمة الاستراتيجية لقوة الصورة –
power of image –
في هذا النمط مع الصراع المعاصر
War Among People
كما سماها روبرت سميث.. الانفلات في الاستهداف الشعبي له نتائج وخيمة في مساحات التأييد الدولي والشعبي، وزيادة مساحة التشنج العدواني عند الخصم.. هذا الأمر كما له تأثير مُربك للقوى الكبري في الحرب غير النظامية (أمريكا مثلا في العراق وأفغانستان، وقبلها أفغانستان) فهو كذلك يعمل على حركات المقاومة. وهذا يتجلى على مساحات ترتبط بالتكييف الاستراتيجي للصراع:
أ. مستوى الدعم الدولي ليس فقط كحكومات ولكن كشعوب، حين تترسخ صورة إرهابية النشاط العسكري الفلسطين.. وبالنظر لحجم الإنجاز في مساحة المقاطعة الشعبية والأكاديمية حتى في الغرب، وبالنظرة الحالية حتى لاضطرار كثير من المتعاطفين مع قضيتنا غربيا لإدانة العمليات الفلسطينية بوضوح، فهذا أمر لا يجب التضحية به.

ب. من أهم اعتبارات الفرص الاستراتيجية كما ستناولها، ظهور حماس كطرف سياسي
Responsible,
, والحقيقة كثير من المكونات الدولية والإقليمية – حتى التي لا تكن ودا لحماس، كان تعتبرها هكذا بدرجة أو أخرى. وهذه قيمة أساسية لأي توظيف سياسي لمنتوج ما حصل في بناء نسق سياسي كشرعية داخلية وحركة بالإقليم ودوليا محابٍ للمشروع الفلسطيني، إلا إذا استبطنا النظرة الكليانية للقاعدة وبناتها في بناء نظام دولي شديد المغايرة والأن!
وفي ذات السياق، الإسرائيلي منذ عشرين عاما وهو يطرح فرضية أن حماس والقاعدة وبعدها داعش من صنو واحد، وهي فرضية ساقطة كما نعلم لكل الاعتبارات، ولكن بعض مشاهد ماحصل، وطريقة إدارتها إعلاميا في إسرائيل والغرب، وقلقي الشخصي من إتمام التهديد بالإعدامات المتكررة ستكرس الفرضية السابقة تلك.

ج. درجة ما من التوحش في السلوك العسكري والاستهدافي ليس بالضرورة مفيدة في بناء حاجز رادع. سلوك الدول غير سلوك الأفراد، بل بالعكس، كثيرا ما تقود لتصعيد أشد.. وهذا سأعود له لاحقا.

التقارب بين طوفان الأقصي وأكتوبر، وأصبح تيمة في بعض الخطاب العام عربيا ودوليا، له كذلك تفصيلات تتجاوز حجم الإنجاز في خط الصراع –  أهمها المفاجأة الاستراتيجية، ودينامية الخلل الاستخباراتي الإسرائيلي لارتكازه على مفهوم خاطيء –  ما جرى تعريفه في أدبيات الاستخبارات التي تناولت سلوك المخابرات الإسرائيلية قبل حرب أكتوبر ب
Concept  
.. فكما وضعت أمان مفهوما خاطئا أن العرب والمصريين تحديدا لن يقدموا على حرب إلا بعد امتلاك سيادة جوية أو حيازة صواريخ دقيقة التوجيه – كدرس مستفاد من حرب الاستنزاف حين استباحت إسرائيل بضربات العمق مصر، فكان ما سبق – هكذا استقر عند الإسرائيلي – ضروري لتأمين حاجز الردع لمستوى معين مع أي تصعيد عسكري..
فيتضح أيضا، أن هناك تقديرا شديد الدونية لقدرة ونية حماس على الانفتاح الاستراتيجي بهذا الحجم والمعدل، مع حضور معلومات قوية على وجود هذه التكتيكات عند الجبهة الشمالية والجنوبية كما أسلفت.

ولعل ما جعل هناك استقرار لهذا ال
Concept
 القائل بحتمية مراعاة حماس لتوازن الردع والانكفاء داخل غزة.. هو سلوكها في الردع الذاتي في مرحلة ما بعد سيف القدس، وبالأخص بعد أخر جولتين في غزة وقصف قيادة الجهاد، والتصعيد الاستثنائي منذ عقدين في الضفة.

وبذات النسق، هذا السلوك رسخ بالتأكيد المفهوم الاستخباري، كمثل ما رسّخ سلوك السادات في نكوصه عن الحرب بأنواعها المختلفة ( سواء عملية محدودة في 1972 تبعا لقراءته للانشغال الدولي بحرب بنجلاديش، أو تأجيل الحرب في مايو تبعا لتأخر محطات التنسيق مع السوري والاستعداد التسليحي).. وهذه الأخيرة – حين نقل معلوماتها أشرف مروان، وتحرك الإسرائيلي بتعبئة عامة، ليس فقط رسخت ال
Concept
، ولكن جعلت لأمان أسبقية في التزهيد في معلومات أشرف مروان، وهذا ظهر حين صدقت معلوماته قبل حرب أكتوبر الفعلية.

نعم – السادات صك خداع استراتيجي رائع، ولكن السلوك المتقاصر السابق لم يكن مقصودا ولكن كان له الدور الأوضج. كذلك – يصعب عليّ تقييم هل كان سلوك حماس الانسحابي العامين السابقين جزء من استراتيجية خداع دون معرفة طبيعة السياق الداخلي عندها والمنطق الذي دفعها لهذه الجولة. تقديري – أنها لم تكن، وأن هناك مستجدات دفعتها لهذه الخطوة الاستراتيجية الفارقة، ربما يكون للإيراني دور أساسي فيها. وهذا بصراحة يقلقني على المآل وإحسان التحضين والتوظيف الاستراتيجي لما حصل ويحصل وسيحصل. لماذا؟ لأن المهمة الاستراتيجية في توظيف هكذا عمليات ومتوالياتها من الصعوبة بمكان، ليس فقط لاقتضائه درجة عالية من التحكم والتخييل والمرونة، وتغيير المخروط العملياتي من أسفل، والمسارات الديبلوماسية الموازية تبعا للمستجدات وما تحدثه من فرص وتهديدات، ولكنه يقتضي كذلك الاستقلالية والالتزام الكامل بتعريف المصلحة الوطنية.
من أشد مخاطر السلوك الاعتمادي
Dependent
على قوى أخرى، حتى لو تتشارك في مصالح استراتيجية وأبعاد قيمية، هو ضعف الاستقلالية سواء في شق الأهداف السياسية والمنظور الاستراتيجي ابتداء وتحريكه، بل وحتى معارضة هذه القوى لأي مسارات أو منتوجات تقلل من هذه الاعتمادية.

المنطلق الأول، أن هناك حاكمية للسؤال الاستراتيجي.. ماذا نقصد سياسيا من استخدام القوة العسكرية وغيرها، وعبر أي منظور استراتيجي يقصد لترتيب وتكييف هذا الاستخدام وضبط تصميمه العملياتي والتكتيكي. ولأن أي صراع هو عرضة لتحولات حادة تبعا لتغيرات البيئة وردود أفعال الخصوم والأطراف المحيطة، فلابد من امتلاك القدرة المعرفية والمؤسسية والحزم لتعديل هذا المخروط تباعا، واقتناص ما تقدمه التحولات تلك من فرص، وتلافي التهديدات والمخاطر.

المنطلق الثاني تبعا لهذا، أن العلاقة بين النشاط العسكري، والأثر الاستراتيجي، والمنتوج السياسي المباشر لجولة الصراع أو الممتد ليس خطا تلقائيا ، ولكن تحصل فيه تناقضات ومفارقات
– Paradoxes –
كما أشار لوتواك في دراسته الشهيرة.. فرب انتصار عسكري ساحق يقود لتراجع استراتيجي عند المنتصر، واستفاقة وتحوير إيجابي عند المهزوم، لا يؤثر فقط على منتوج هذه الجولة، ولكن ما يتبعها من جولات.. ونظرة كما أسلفت لحروب 67، والاستنزاف، و73، و82، و تموز 2006، تقرر هذه العلاقة المعقدة والمتناقضة بشكل مطرد.

المنطلق الثالث، كما أشرت في مقالي الأخير (حملة غزة مايو 2023: حدود التصميم والتوظيف والترتيب العشوائي)، فهناك مشكلة في القابلية الاستراتيجية عند حركات المقاومة بمساحاتها المعرفية والمؤسسية والتطبيقية، وليس هذا فحسب، بل غياب السؤال الاستراتيجي ذاته في أحايين كثيرة. هذا السؤال للمفارقة كان حاضرا بشدة في تجربة حركة التحرر الفلسطينية فترة الستينات والسبعينات – لأسباب أيديولوجية، ولكن دائما كانت إجابته تتم بشكل خاطيء، لأسباب في فساد البنية المؤسسية والمصالح الضيقة وحتى الانسياق الأيديولوجي نفسه (عدم إدراك مشكلة التسييق، أن الحرب الشعبية بطبعاتها الشرقية واللاتينية قد لاتناسب الوضع الفلسطيني).
لماذا تحديدا الحركات المقاومة الإسلامية بها ضمور في هذا الأمر؟ أعتقد لاعتبارات خاصة بارتكازها على أبعاد الحشد العاطفي، وتضخم العنصر الغيبي مع أن مقصود التشريع قائم على التسبيب وضبط مناط التكليف إعذارا، والتلقين التربوي، وتقديس التجربة التاريخية والقيادية، وتحريم النقد والنظر المتحرر والمتشكك .. وهذه متطلبات ذهنية ومزاجية ضرورية لاقتراف الاستراتيجية.

المنطلق الأخير، أنه مع ضعف المكنة الاستراتيجية، فإن اتساع مساحة التصعيد في جولات الصراع وتعقيد ديناميتها، تؤدي إلى ضغط
straining
 على هذه المكنة، ويقود لانحسار أشد في إدارة الصراع ذاته.

وسأفصّل:

  1. لا توجد قيادة فلسطينية حاليا بمشروع محدد يتمثل في أهداف سياسية مرحلية، فيمكننا بالتفاوض أن نضغط على العدو والطرف الإقليمي والدولي للدخول فيه. الصيغة السائدة، أن هناك معادلة ردع قائمة مع غزة، وسيطرة عسكرية وأمنية على الضفة، وتحصل جولات مستمرة لاستعادة الردع من قبل الإسرائيلي، وكذلك تعزز حماس من شرعيتها كقائدة لغزة. ما قدمته (سيف القدس) من فرصة، لتطوير حركة فلسطينية جامعة، وإعطاء الأولوية للقدس والضفة والداخل كأهداف للصراع وساحات له، بحيث تقود تدريجيا لمنجز مرحلي – لم يحصل. وزاد عليه كما أسلفنا – تضافر الردع الذاتي عن حماية الجهاد في غزة، والتعاطي مع التطور في إعادة استباحة الضفة.
  2. هذا بحد ذاته، يجعلنا متحيرين في تعيين الهدف السياسي لهذه النقلة النوعية عسكريا، لأنها أتت من غير سياق ممهد، ولا طريق تال واضح. ما هو مقصودها؟ و من وراءها؟ فضلا أن نتخيل كيف يمكن تقود لتحقيقه. هناك هدف عليه اطراد – ليس فقط في التحليل الغربي، ولكن حتى خطاب المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وهو تعطيل مشروع التطبيع بالأخص مع السعودية.. وهنا قد يظهر الدور الإيراني في الدفع لهذه الجولة.
    ولكن بوضوح – لو صح هذا، فهذا هدف شديد التواضع، وسيحصل نعم ولكن بشكل مؤقت.. لأن هذا التطبيع له معطيات ترتبط بالصيغة الدفاعية التي يقوم عليها الخليج العربي وما حصل فيها من انحسار أمريكي، والسلوك غير الرشيد سواء لمكوناته وكذلك الإيراني في التدافع الذي حصل في جبهات متعددة في مرحلة مابعد الربيع العربي بالرغم مما حصل من تطور إيجابي الفترة السابقة وكان ينبغي البناء عليه، وإشكال الشرعية الداخلية للنظم ورغبتها في التسويق لنفسها أمريكيا.. وهكذا. فلا يعتمد بالضرورة على تصور لمنجز عسكري أو انكشاف دفاعي إسرائيلي في لحظة بعينها، فضلا أن الجولة تلك لم تنته بعد.. نتمنى بكل تأكيد النصر لمقاومتنا، ولكن ما حصل من إشكال حول رشادة السلوك السياسي والعسكري لها، وكذلك من تبعات جسيمة نسأل الله تجنيبنا إياها لها دلالات. بوضوح – أقصى ما يمكن أن تحدثه هذه الجولة هو تأخير التطبيع لا إنهاؤه، بغير العمل على تغيير المعطيات الإقليمية السابق ذكرها.
  3. هناك هدف آخر، يمكن تخيل تحققه، ولكن فقط بافتراض أن الجولة انتهت على ما هي عليه الآن، وهو تطور الشرعية السياسية والعسكرية لحماس في حكم غزة، وتعديها للسياق الفلسطيني الأوسع، وبالأخص بالنظر لما تحدثه الصفقة التاريخية لتبادل الأسرى من نتائج في تحرير الأسرى الفلسطينيين، ومكاسب في تخفيف حصار غزة، ولو واتت الظروف في تعديل السياسة من الاستيطان والقدس. العائق هنا، أن هذا للأسف لن يحصل، لذات المنطق الاستراتيجي الخاص بحجم الإنجاز الذي زلزل منظور الأمن القومي الإسرائيلي وبنية الدولة، ومنطق الردع وديناميته. وهذه نقطتي التالية.
  4. إذا لم تكن هناك قدرة على الحسم العسكري الشامل ضد إسرائيل، أو توفير ظروفه بشكل حتمي، فنحن أمام صراع محدود. وحركة المقاومة بطبيعتها تحاول إدماء العدو وتهديده بجملة من الخسائر التي تؤثر في حسابه السياسي فيتنازل، ولكنها غالبا لا تقدر أن تضرب بنيته الوجودية والحيوية، ولو استطاعت أن تهددها، فهي بهذا تلغي إمكانية مفاضلة الحساب الاستراتيجي تلك strategic interdiction..
    أي أن الإسرائيلي هنا، لن يجري هذا الحساب بأي يتراجع لأجل الحفاظ على مصالح سياسية واقتصادية وبشرية، لماذا؟ لأن مصالحه الحيوية والوجودية على المحك. وليس هذا فحسب، بل إنه سيحاول تهيئة كل المعطيات لأجل القيام برد فعل كاسح يستعيد هيبة الدولة، والمقرر الأمني الذي تقوم عليه حالة الاحتلال، والثقة الشعبية فيما سبق، وصورة القوة في الإقليم، فضلا عن المصالح الحزبية لنخبة الحكم.
    ولهذا – فلايمكن التراجع قبل إحداث فاتورة من الاستهداف البشري (المدني للأسف الشديد) في الحال الفلسطيني، والتدخل البري تبعا لسيناريوهات مختلفة، ولكن بالتطور المشار له في مقالي السابق حول تطول القابلية الاستراتيجية الإسرائيلية، فهناك نقاش حول سؤال استراتيجية الخروج ووضع غزة.
  5. الاستراتيجية الإسرائيلية التي استقرت بشكل متدرج بعد 2007، كان بالفعل إقرار سيطرة حماس على غزة مع إخضاعها للحصار، وتدعيم الردع التقليدي بحملات من وقت لآخر، والأهم – تبعا لذلك ومساوقة معه – تكريس سياسة التمايز (الفصل) بينها والضفة والقدس. وأن الأفضل إبقاء حماس حاكمة بكل تبعات ذلك السياسية والبشرية وحتى الأخلاقية وكابح لفوضى ممكنة. الإسرائيلي الآن أدرك – بسبب ما حصل – فشل هذه الاستراتيجية بشكل مرعب، وخيار احتلال غزة وتقديمها للسلطة حاضر، أو على الأقل – القبول بالصيغة السابقة ولكن بعد توفية فاتورة – ليس فقط استعادة الردع، ولكن استعادة منظومة الأمن القومي وهيبة الدولة ابتداء.
  6. من متطلبات ما سبق كزخم سياسي ودولي وعسكري، بناء حكومة طواريء وطنية، اتساع حجم الدعم الدولي والإقليمي وبالأخص تضخيم واستغلال الخسارة البشرية المدنية كقتلي و(مختطفين)، وصك أهداف سياسية محددة والتدقيق فيما تتطلبه من استراتيجية شاملة وعسكرية. ولعل هذا ما طرحه نيتنياهو من أهداف: تنقية غلاف غزة من جيوب الاختراق الفلسطيني، وفاتورة عقابية ضخمة، وتأمين الجبهات الأخرى تحسبا لتطور حرب متعددة الجبهات. من الممكن النظر أن كثيرا من هذه المتطلبات في طور التشكل، وربما فقط السلوك العربي – حتى السعودي – ولو حتى في شكله الرسمي كان إيجابيا ومغايرا بشدة لما تطمحه إسرائيل.
  7. فيما يتعلق بالأسرى الإسرائيليين في غزة، كذلك افتراض أن الحساسية الشديدة إسرائيليا نحوها كما كانت في الأربعين عاما السابقة كما هي افتراض خاطيء. لأن مساحة الحساسية تلك ومدى الصلابة
    Resilience
     تجاه هذا الملف شديد الارتباط بحراجة الملف الدفاعي وفكرة الدولة ذاتها. وهذا رأيناه بشكل واضح في حرب 1948 (نسبة الخسارة الشعبية في الحرب كانت عالية بشكل استثنائي)، وحرب 73، بل حتى بعض عمليات اختطاف الرهائن في السبعينات.. وخصوصا مع المكون اليميني الديني في الحكومة وضعف حساسيتهم تجاه هذا الملف (ليس مفاجئا أن أغلب التشكيل الاجتماعي لقوات النخبة بما فيها من مخاطر عالية من هذه الشريحة). ولكن بالتأكيد – هذا عبء شديد على الحكومة الحالية، ولهذا بالتحديد يريد نيتنياهو حكومة طواريء لعدم تحمله بشكل فردي للفاتورة البشرية تلك. هذا السلوك الإسرائيلي يتكرر فقط حوالي الحروب الكبرى لتكريس الحشد ومحدودية التنازل السياسي معها (كقبيل حرب 67). وهناك أيضا التحسب من انفتاح الجبهة الشمالية بشكل مصاحب، ولكن الإلحاح الشديد في ملف حكومة الطواريء الآن مرده بالأساس حرب غزة.
  8. ولكل ما سبق، الإشكال في تعريف الأهداف السياسية فلسطينيا، التصعيد الذي ضرب مصالح حيوية وهدد بضرب أخرى وجودية مما يبطل معادلة التمايز في الحساب الاستراتيجي عند العدو ويجعله يتجاوز مساحة الإدماء تلك، وليس فقط يتوقف ردعه عن الفعل العسكري أو تصعيده، بل يفرض عليه ذلك التصعيد وما يستتبعه من فاتورة خسائر ضخمة فلسطينيا، وإعادة ترتيب وضع غزة جذريا، والضعف البنيوي فلسطينيا في إدارة الصراع استراتيجيا، وغياب متطلبات جوهرية لتسكين المنجزات العسكرية فيه وتحصيل منتوج سياسي منها، وزيادة الممانعة الشعبية والعسكرية وحرية الحركة إقليميا ودوليا (قيادة فلسطينية موحدة بمشروع سياسي واضح وقدرة على التفاوض ورشادة الصورة) .. كل هذا هو سر قلقنا الشديد وما نراه مأزقا استراتيجيا تقع فيه حماس والقضية عموما حاليا.

مهم أن ندرك أنه في تلك المفاصل الحرجة يصعب علينا التحرك في أدوار بنائية، سواء تلك في تطوير القابلية الاستراتيجية، أو إنضاج المشروع الفلسطيني بمفرداته القيادية وكشرعية سياسية وأخلاقية وشعبية ومأسسة وصك مشاريعي.. هذه غالبا تكون مواسم الحصاد لا الزرع في هذه المساحة.

كذلك – أحيانا تكون هذا الفورات في مسار الصراع بطلقات يصعب إرجاعها ثانية، بالرغم من متوالياته المُقلقة والمُهددة، ويكون أمامنا غالبا خياران:

الأول) هو كبح مساحة التصعيد، وتوثيق فقط الإطار الدفاعي لتحسين المنتوج العسكري داخل غزة، وإصلاح كثير من جوانب العطب الحاصلة خصوصا في مساحة التكتيك والتصميم العملياتي (إزاحة العنصر المدني من بيئة الصراع، وحتى إعادة تكريس كود أخلاقي وإدانة بعض الممارسات)، ولكن الأهم هنا: تغيير محدود في البوصلة السياسية وطريقة التفاوض، وبالعكس – قد يكون في المأزق الحالي فرصة لتحسين البنية الفلسطينية لمشروع مستجد، بالأخص في:

     أ. التقارب مع السلطة، وتصديرها كرأس تفاوضي خارجي، مع الاحتفاظ بالورقة العسكرية داخليا.. وهذا لا مناص عنه حاليا. وهنا بالتأكيد أثمن مثلا خطاب السفير الفلسطيني في لندن، وهو دلالة بالضبط على ما تحتاجه القضية الآن وليس فقط حماس.

    ب. التقارب مع المكوّن العربي، وليس فقط المصري، ولكن السعودي، وإعطاؤه حتى بعض الاعتبارية في مرحلة التفاوض، وما لهذا من قيمة على المستويين الإقليمي والدولي..
ولكن بالتأكيد ضمن صيغة مضادة للتطبيع، وتعديل الخطاب والسلوك الاعتمادي على الإيراني مع تصدير منطق التهدئة الإقليمية بين الأخير والخليجي.
حماس، والحركة الفلسطينية عموما، شاءت أم أبت داخلة في هذا الملف. وإحسان خطابها وسلوكها، ولحد ما متابعتها للسلوك العراقي في السنين الماضية، ليس فقط ضروري لمجاوزة الأزمة الحالية وبالعكس تحصيل نتائج سياسية معقولة منها، ولكن لتوهين مسببات حالة التطبيع ذاتها. والحقيقة – دائما كانت مشكلة الحركة الفلسطينية – وحماس ليست نشازا – أنه لا تدقق في ضبط استراتيجيات التحالف مع الدول الداعمة حتى لا تصل لاعتمادية، فضلا عن تبعية. وأعتقد أن درجة من التخييل السياسي وإحداث مراجعة لهذا الملف قادرة على تحصيل منتجات ذاتية وإقليمية هامة.

ج. وضع مستهدفات سياسية معقولة في ملفات الأسرى والاستيطان والقدس، وإعادة تعيير إدارة غزة بشكل جماعي.. وبالتأكيد لابد أن يصاحب هذا التوحد السياسي – وإن كان جزئيا – توحد أوضح في النسق الدفاعي لغزة، لإطالة مدى المقاومة العسكرية وزيادة إدماء الخصم، والأهم – انفتاح للمقاومة الشعبية في الضفة والقدس والداخل، مع بعض السلوك الإشغالي من الجبهة الشمالية لفائدة رصيد معتبر من المخزون العسكري الإسرائيلي والتأهب السياسي والشعبي. ولكن كل هذا كما أسلفت لابد أن يكون مسنودا بإعادة الاعتبار للشرعية السياسية والأخلاقية.

الثاني) وهو الحقيقة يبقى خيارا نظريا لكثير من اعتبارات الإشكال الإقليمي الفادح في دول الطوق كقدرات عسكرية واستراتيجية وإرادات سياسية، وطبيعة الإشكال الشعبي والداخلي في غزة والضفة ولبنان، ومنطق التبعية للإيراني بحساباته المصلحية الذاتية المتسيد في تلك الجبهات، وهو الحرب متعددة الجبهات. ضرورة لهذا، وتبعا له كذلك، فلابد من تأسيس قيادة سياسية موحدة لإدارة هذا الصراع، فضلا عن تدقيق في المفردات التكاملية والمناوِرة بالجبهات وأولوياتها كاستراتيجية عسكرية وتصميم عملياتي.. ولكن هذا فوق ما قدمنا بذكره، يقتضي درجة من تجاوز المسحة الوطنية المباشرة لمنظور أكثر قومية هو غير حاضر حاليا كمفاعيل، ولا يكتفي به حديث ما يسمى (الإعلام المقاوم) عن وحدة الساحات وما شابهها..

حملة غزة مايو 2023 والمنطق الاستراتيجي: حدود التصميم، والتوظيف، والتراتب العشوائي

https://www.raialyoum.com/%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D9%83-%D8%AD%D9%85%D9%84%D8%A9-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D9%85%D8%A7%D9%8A%D9%88-2023-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3

:يهمنى ابتداء التوكيد على

أ. قيمة الحس والمنطق الاستراتيجي في فرز أكوام التفاصيل والأحداث التكتيكية لفهم أوسع لمنطق المآل الاستراتيجي لها.. أي : كيف تقود أو لا تقود هذه التطورات سواء كانت مبادرات أو ردود فعل لتحقيق الأهداف المرحلية وطويلة المدى في استراتيجية إدارة الصراع، وبشكل بدهي: ضرورة شق هذه الاستراتيجية ابتداء وتحقيق متطلباتها البنائية الغائبة (بالأخص في الحال الفلسطيني مثلا: وجود حركة فلسطينية موحدة ذات مشروع سياسي شامل ومرحلي، وتصميم استراتيجي واضح وإن كان دائم المراجعة والتعديل، وتطوير قابلية استراتيجية معرفيا ومؤسسيا وتطبيقيا للقيام بهذا الدور المتجدد)

:ب. في الأدبيات والممارسة الاستراتيجية يمكننا تعريف ثلاثة نماذج فيما يتعلق بالمقاربة الاستراتيجية للصراع

            التصميم الاستراتيجي
Design
عند القيادة السياسية والعسكرية (المجتمع الاستراتيجي بشكل أوسع) ليضبط الأهداف والخيارات والوسائل والفرضيات سواء على مستوى الاستراتيجية العظمى طويلة الأمد أو توظيف أدوات القوة عسكريا – وغيرها – لتحقيق الأهداف المرحلية.

           ونموذج أكثر ارتجالية وتفاعلية للتعامل مع الصراع – قد يبدأ بأهداف سياسية بالطبع ولكن خيارات على درجة واسعة من المرونة والعموم بحيث يعتمد صانع القرار على ماتتكشف عنه الحوادث لتخليق تصميم مرحلي يعتمد على توظيف وتحريك مسارات الفعل العسكري وغيره – وما تقدمه البيئة الاستراتيجية (الخصوم والحلفاء والبيئة..) من فرص ومخاطر – لتلاحق الأهداف. وهذا النموذج الاستطلاعي والتوظيفي – له تسميات مختلفة سواء ماطرحه مولتكة قديما عن أن الاستراتيجية هي دولاب من الاستطلاعات أو
expeditions
، أو مصطلحات مثل الاستراتيجية المُغامِرة
Adventurist
 أو الاستكشفاية
exploratory
 أو المتخلقة
Emergent

.. وكما أسلفت في حوار سابق؛ فالتمايز بين النموذجين يبهت كثيرا عند التطبيق. ولكن مُهم للاستراتيجي أن يستوعب الفروقات الجلية والمتطلبات لأي من النموذجين أو يُهجّن بينهما بما يناسب طبيعة النظام وخلفياته السياسية والتاريخية والثقافية والاجتماعية وطبيعة الصراع بشكل أدق (الصراعات الممتدة تحتاج أكثر لنموذج تصميمي على مستوى الاستراتيجية العظمى، والصراع غير النظامي ينحاز أكثر لنموذج استطلاعي على مستوى الاستراتيجية المرحلية والعسكرية..وهكذا.

أسوأ ما يحصل، هو نموذج غياب النموذج، أو ضمور المهمة الاستراتيجية ذاتها؛ كأن تُبتلى الشعوب والأمم بأجساد قيادية ليست معنية أو مؤهلة أو عالمة لتُحرّك خطوط الحوادث والصراع تبعا لنهايات واضحة على المستوى المرحلي والممتد. هل معنى ذلك غياب أثر استراتيجي ما (أي صافي التأثير في مساحة الإرادة السياسية للخصوم وتشكّل البيئات تبعا لذلك؟) – بلى يحدث ولكنه غير مقصود وغير مضبوط ، مجرد تراتب عشوائي للآثار التكتيكية والعملياتية – للنشاط العسكري مثلا، تترتب عليها آثار استراتيجية ما – غالبا سلبية ، والانحسار في خانة رد الفعل – أي المفعولية، خصوصا عند امتلاك الخصم قابلية استراتيجية وحسا استراتيجيا ما. وفي نمط الصراع غير النظامي بالأخص؛ المفترض أن تتحلى الحركة غير النظامية بدرجة أعقد وأعمق وأشمل من المنظور الاستراتيجي وتفعيله مرحليا وتحكيمه على نثريات العمليات والتكتيك لتضحد الفجوة العسكرية القاهرة لدولة الاحتلال وجيشها.

ج. الحقيقة أني تناولت في مواضع متعددة بمنطق استقرائي ونقدي المنظور الاستراتيجي للصراع بين حركات المقاومة الفلسطينية وإسرائيل بشكل تاريخي وآني؛ بالأخص مع حملة سيف القدس، وكذا حملة أغسطس 2022، وكان واضحا فيما أطرحه مأزق استراتيجي دخلت في المقاومة بعد حسم غزة 2006 (انحسارها في خانة رد الفعل والحصار، والتحول لنمط الحرب الحدودية الدنيا التي تفقد المقاومة بعد بنائي وإدمائي في خاصرة المحتل، والانخراط في سياسة المحاور، وحاكمية ملف حكم غزة على الملفات الأخطر في الصراع – القدس والضفة والداخل وغياب أهداف سياسية مرحلية يُفترض أن يخدمها النشاط المسلح والمقاوم الشامل بشكل أولى)، وكيف أن حملة سيف القدس قدمت فرصا ذهبية للانعتاق من كل ماسبق، بشرط وجود متطلبات بنائية للقابلية والممارسة الاستراتيجية – الحركة والمشروع السياسي المرحلي والتصميم والمناورة الاستراتيجية).
وفي الحملة السابقة، أوضحت كذلك أن ثمة مشكلات مستجدة وبسبب تطور الحس الاستراتيجي الإسرائيلي، ليس فقط لها نتيجة سلبية بحد ذاتها ولكن في إضاعة الفرص التي قدمتها (سيف القدس) :
          . تكريس سياسة التمايز والفصل بين غزة والمواقع الأخطر بالميزان العملياتي والاستراتيجي لإدارة الصراع (الضفة والقدس – فضلا عن الداخل)،
           . تصفية حركة الجهاد وهي بكل مشكلاتها الذاتية وكموضعة ورعاة مخزون صافٍ من المقاومة غير المستأنسة ضمن معادلة توازن ردع وتفويض ضمني للحكم – فضلا عن دورها المعتبر لاحقا في إنبات نشاط مقاوم في الضفة وكذلك كشفت عن عوار قيادي واستراتيجي وبنيوي عسكري بها كان يجب تصحيحه،
         . وبالتالي ضرب وحدة المقاومة والثقة المتبادلة بينها وبالأخص شرعية حماس كحركة قائدة – وهي بكل مشكلاتها وبالأخص تلك التي تراكمت بسبب التماهي بين مشروع المقاومة ومشروع الإمارة هي الوحيدة المنتظر منها والمؤهلة للقيام بدور إيجابي في تصحيح وإعادة بناء المشروع المقاوِم الفلسطيني بمتطلباته السابقة.

ويسعني الآن تناولٌ متعجل لتطورات المنظور الاستراتيجي لإسرائيل، ثم ألقي بملاحظات موجزة على الجولة الحالية للصراع:

أولا) المنظور الاستراتيجي إسرائيليا

المعلوم عن الحال الإسرائيلي هو غياب تاريخي (بالأخص بعد بن جوريون) للرغبة والتأهل والقدرة على ممارسة المهمة الاستراتيجية بالرغم من قدرة غير مسبوقة على إحراز الحسم العملياتي الكاسح – بالأخص على خصوم تتقازم عندهم مساحات القابلية الاستراتيجية والقدرة القتالية على السواء (مع وفرة مصادر القوة الخام بالمفارقة)، وهذا ما وصفه أحد أبرز المفكرين الاستراتيجين الأمريكيين (والصهاينة في ذات الوقت)  – مايكل هاندل – بتكتكة الاستراتيجية    
Tacticization of Strategy
، وسوّق المصطلح داخل إسرائيل رئيس أمان في الستينات يهوشيفات هركابي الذي درس زمالة في الاستراتيجية بأمريكيا في السبعينات بعد انتهاء خدمته أسفرت عن كتاب معقول
Arab Strategies and Israel’s Response
.المقصود بالمصطلح هو: ملاحقة آثار ومعطيات الحسم التكتيكي دون إنشغال بالمنطق الاستراتيجي تصميما أو توظيفا ومخرجات.

ونعم، يمكننا فهم الجذور البنيوية لهذا الانحياز الإسرائيلي مبكرا حتى من أيام بن جوريون – وإن كان الأخير كان عنده قدرة فارقة على التوظيف المرحلي الاستراتيجي وتوفية متطلباته المؤسسية بالأخص والحساسية السياسية ولكن في مخروط ممتد يعتمد على حتمية تأبّد الصراع
indefinite Battle
 بحيث تصبح الفجوة الدائمة بفعل الانتصار العسكري مطلوبة إسرائيليا وتزهد في التفكير الوصول لنهايات سياسية مستدامة والتي هي قيمة الاستراتيجية. هذه الجذور تشتمل فضلا عن توارث لفكرة بن جوريون على طبيعة النظام الفسيفسائي الذي يُعقّد أي تنازل سياسي – خصوصا مع غلبة اليمين بعد حرب أكتوبر، والهوس التاريخي والواقعي والجغرافي والاقتصادي صهيونيا بسؤال الأمن وعدم الاستعداد للحروب والاحتشادات النظامية المُطوّلة.

وهذا الخرق الإسرائيلي الفادح في إدارة الصراع أخفاه وعوّضه كما ذكرت التهاوي العربي استراتيجيا وعسكريا. وكنتاج للتراكم العشوائي للكسح العسكري، وأحيانا بتدخل أطراف خارجية ربما قاد أحيانا لقفزات استراتيجية. مثال على هذا الضغط الغريب عن الحس والاهتمام الإسرائيلي ما مارسه كيسنجر مثلا والأمريكي عموما أثناء حرب أكتوبر واتفاقية فض الاشتباك الثاني وصولا لمعاهدة السلام لتحجيم السلوك العسكري الإسرائيلي وقاد لآثار استراتيجية إيجابية لم تكن متخيلة (مثل خروج مصر من الصراع وانهيار التهديد النظامي؛ لأن العرب لن يقاتلون دون مصر).

ولكن حين حصلت بعض التطورات المحدودة بالأخص في المدار الاستراتيجي وربما العسكري عند العرب، كانت لحظات كارثية على الإسرائيلي- مثل النصف الأول لحرب أكتوبر وتجربة حزب الله تحديدا حتى 2006، وهوامش في التجربة الفلسطينية في انتفاضة الحجر وانتفاضة الأقصى.

ولكني – كشخص متابع للحال الإسرائيلي في هذه المساحة منذ خمسة عشر عاما ورسالته للدكتوراة كانت تلح وتدلل على المعنى السابق وفي وسط غربي متحيز للإسرائيلي (الأكاديميا في هذا المجال غير بقية المجالات التي فعلا فيها نفس متأفف ضد إسرائيل خصوصا في أوروبا) – رأى كذلك تطورا ملحوظا عند الأخير. ربما روّاد مثل هاندل وقبله إيجال آلون وبعده هركابي – قيادات عسكرية احتكت غربيا بالشأن الاستراتيجي كانوا إرهاصا، ولكن ظهرت طبقة من الرواد الأكاديميين في المساحة الاستراتيجية ومعارف محيطة كالعلاقات المدنية العسكرية مثل دان هورويتز ويهودا والاش ويهودا بن مائير وموشيه ليزاك ومارتن فان كريفيلد، ومستوى أكثر اتساعا من تناول الشأن الاستراتيجي والتقويمي لجيش الدفاع أكاديميا وفي ال
discourse
 السياسي بالأخص بعد انكسار هالته الوظيفية في 1973 وكذا الأخلاقية في 1982، وثمرات من الجيل الثاني كآفي كوبر ويورام بيري وشيمون نافيه والثالث أكاديميا في أواخر التسعينات والألفية، لكن حقيقة – حرب تموز 2006 ولجنة فينوغراد التي أبرزت قيمة الاستراتيجية – حين قيمت الحرب كفشل سياسي وعسكري- وقادت لتفعيل مجلس الأمن القومي كانت فارقة في تطور إسرائيلي ملحوظ.. وبالتأكيد فإن خطايا لحركات المقاومة سياسيا واستراتيجيا (سواء حماس في حسم غزة، أو حزب الله بعد 2006) فضلا عن انهيار السياق العربي (بدءا من سقوط العراق، ثم سوريا وفشل النخبة العربية كحركات ونخب وأنظمة في إدارة الربيع العربي الذي مثل فرصة تاريخية لإحداث تغيير حقيقي في البنية والقدرة العربية سياسيا واستراتيجيا) سمحت بفرص و (براح) أوسع للإسرائيلي أن يتسع نفوذه ويُجرّب معادلات استراتيجية لإدارة الصراع وإنضاج (تصميم) ما وإن تتخلله وكثيرا ما تعطله عناصر غير استراتيجية (الحسابات الشخصية لنخبة الحكم، والاعتبارات الحزبية والداخلية بالأخص)..

هذا التصميم بوضوح أخذ وقتا في الإنضاج: كأهداف –  استدامة الاحتلال ودفن أي تنازل سياسي (يقود لدولة فلسطينية حقيقية) وتسكين الهاجس الأمني محليا وإقليميا ، وتوسعة النفوذ الإقليمي والدولي– عبر خيارات استراتيجية بعينها:
          – استدامة سياسة الفصل والتمييز بين الضفة والقطاع ويشتمل على القبول بسيطرة حمساوية على غزة، ولكن تعريضها لحصار دائم بمحفزات مشروطة، وعمليات دورية  
operations between Wars
لترميم الردع الإيذائي (ضربات عقابية لمنع المبادرة بالفعل العسكري أو تقليل مستوى التصعيد كرد فعل) والإنكاري (تجريف دوري للقدرات القيادية والصاروخية والبنى التحتية).
          –  عزل القدس والداخل عن وتيرة الصراع وتمكين التجريف الديمغرافي في الضفة والقدس، واستدامة السيطرة على الجولان.
         – إقليميا ، محاصرة الخطر الأهم – بتقييم المجتمع الاستخباري وهو إيران بتشجيع حصار دولي لإجهاض برنامجها النووي والصاروخي، وتوسعة التطبيع لبناء تحالف عربي إسرائيلي مواجه، والسياسة التخريبية كعمليات سرية لبنيتها النووية. إيران نعم هي الأخطر بالتقييم الدوري للمجتمع الاستخباراتي الإسرائيلي ولكن على المدى القريب. توسعة التطبيع وتمكين نفوذ إسرائيل الإقليمي وتخريب البنية العربية – خصوصا في دول الطوق كمصر واستفادة من انهيارات بنيوية في سوريا والعراق – كفيلة بتأخير التطور الوجودي الأخطر – على منظور أشمل بالزمان – وهو تطور مشروع عربي مواجه كإرادة وقدرة وتحالف.
        – على مستوى بنائي عسكري؛ الحفاظ على الفجوة الكيفية الفاصلة بينها وأي قوة عسكرية عربية (بشكل فردي أو تحالفي )، ودعم ذلك بتطور مستمر تقني (ليس فقط في الأرصفة التقليدية ولكن الحرب الالكترونية وال
AI
 والدرونز، والدفاع الصاروخي) وبنى اتخاذ القرار والقدرة القتالية، وبقاء البعد النووي محتكَرا إقليميا للردع الشامل.

ج. هذا التصميم بالصيغة السابقة أبعد ما يكون عن الصفاء والمثالية، ولكنه على درجة من الهيمنة والرسوخ المؤسسي خصوصا في المجتمع الأمني، وبشكل يتجاوز الاختلافات الحزبية. وفي مسألة الحسابات الشخصية والحزبية تحديدا، فهي بالطبع متواجدة دوما وإن كان حضورها يختلف كقوة وتمظهرا بين محطة تصعيدية وأخرى (حرب تموز 2006، حملة 2009، حملة 2012، 2014، سيف القدس، تصعيد أغسطس 2022، وهذا التصعيد).

:ثانيا) متابعة مبدئية للجولة الحالية

التصعيد الحالي الذي أسمته إسرائيل (الدرع والسهم)، وأسمته المقاومة الفلسطينية (ثأر الأحرار) بدأ بانطلاق 100 صاروخ من غزة ردا على استشهاد الأسير خضر عدنان، وما تلى ذلك من ابتزاز ومناكفة لليمين المتطرف (حزب بن غفير بالأخص) لنتنياهو والتهديد بمقاطعة تصويت الكنيست بما يكفل ليس فقط سقوط تشريعات الحكومة ولكن سقوطها نفسا، وذلك لنقدها تخاذل نيتنياهو أمام (الإرهاب) الفلسطيني وقبله تجميد مشروع الزلزال التشريعي.

أكيد هناك عنصر أمني موضوعي تمثل بالأخص باستكمال منجزات الحملة السابقة في تحطيم الجهاد وتجريف شرعية حماس، وأيضا تجفيف منابع الدعم للنشاط المسلح المزعج بالضفة كذلك عبر ضرب الجهاد وتكريس الردع الذاتي لحماس في غزة، ولكن العنصر الشخصي (تجاوز نيتنياهو تهديد أزمته الشخصية) وحزبية (أزمة الحكومة، وكذلك التمرد الشعبي الواسعة ضده بعد مشروع التشريعات) هو الحاكم. وبالفعل – بغض النظر عن منتوجات الحملة استراتيجيا، فنيتنياهو له قدرة عالية على المناورة السياسية (القذرة في معظم الأحيان) داخليا، وبالفعل  – فبالرغم أن نيتنياهو تعمّد اتخاذ القرار دون أن يدْع أو حتى يُعلم المجلس الأمني المصغر، وبالرغم من عزل بن غفير فعليا عن دائرة اتخاذ القرار إلا أن الأخير اضطر لمدح قرار نيتنياهو وانطوت مؤقتا صفحة التمرد تلك في المعسكر اليميني المتطرف.

ليس معنى هذا أنه كان في معزل عن التصميم الذي تتحرك وتبني متطلباته الجماعة الأمنية بالكيان، ولكن حدود التصعيد وطريقته ومخرجاته الأولية هي خادمة بالأساس لمصلحته (ضربة جراحية أخرى للجهاد بتصفية قيادته العسكرية بغزة – ستة قادة حتى الآن، ولكن دون تصعيد يجبر حماس على التدخل توسيع مساحة الاشتباك في غزة أو حتى فتح جبهات أخرى في جنوب لبنان وحتى سوريا، وما ينعكس على الداخل الإسرائيلية من تبعات أمنية قريبة أو تفوق سيف القدس).

على حسب المطروح إسرائيليا – كتقدير استخباراتي، فإن عدم دخول حماس كان الأكثر رجحانا، ليس فقط لاعتبارات حسابات تمديد سيطرتها على غزة والحفاظ على محفزات اقتصادية (مثلا ال 17 ألف غزاوي بتصاريح لدخول إسرائيل يوميا، والدعم المصري لإعادة البناء وتمرير الدعم القطري) وأمنية (عدم المساس بقيادات وبنية المنظمة بشكل مباشر)، ولكن حتى كما أشارت هذه التقديرات – وإن كنت لا أراها على درجة من الحقانية على الأقل بهذا التكييف اللاأخلاقي – التخفف من شريك أصغر مشاكس بغزة. ولكن كتقدير جاهزية عسكرية؛ فإن هيئة الأركان قدمت استعدادا لأي من سيناريوهات المخروط التصعيدي وصولا حتى لحرب إقليمية.

من ناحية، نعم التهيؤ النفسي والخططي وحتى القدراتي لجيش الدفاع كان حاصلا قبل أي حرب خاضها الكيان، بغض النظر عن التدقيق في توظيفها استراتيجيا وهذا لم يكن حاصلا حتى في 1967 أو 1982، وحتى جودتها كمناسبة للحسم العملياتي واستعدادا للمفاجآت على هذا المستوى إما لمشكل استراتيجي (عدم توقع هجوم عربي في 73، أو تصلب مقاوم بعد 82، أو نمط لا يصلح معه الجيش كبنية وأداء كما في الانتفاضتين أو حرب تموز – هناك دراسة جيدة لكاتيجناني بعنوان  
Israeli Counter-insurgency: the Dilemma of regular army
 أو في تشوه البنية العملياتية ذاتها تبعا لاستخلاص خاطئة من الحرب السابقة وتعميمها (الهوس المدرعاتي على حساب الأسلحة المشتركة قبل 73 تبعا لحرب 76، أو فقر القدرة النظامية للجيش في 2006 تبعا لتجربة انتفاضة الأقصى), وهكذا

المُستجدّ الآن كما أسلفت، هو حساسية إسرائيلية أوضح وأشد لتناول السؤال الاستراتيجي في إدارة جولات الصراع، وبشكل ممتد. بكل الإشكال الداخلي سياسيا خصوصا مع الأزمة الحالية بعد الهبة الشعبية ضد نيتنياهو، وحتى مايحصل أحيانا من مستجدات معاكسة للتقدم الاستراتيجي إقليميا (التقارب السعودي الإيراني، ودور مصري أكثر جدية وحضور إقليمي، وبعض التحسينات الجزئية في ملفات سوريا والعراق عربيا، ودور صيني أكثر احتكاكا وتمددا في فراغ يتركه الأمريكي، وزيادة التداخل العربي مع الروسي تبعا لورطته بأوكرانيا) تبقى للإسرائيلي الكلمة العليا استراتيجيا في رسم مسار الصراع بالأخص فلسطينيا، لأن المقابل لم ينخرط بشكل حقيقي وجاء في تغيير المعادلة السابقة كما ، ولايزال هناك شوط واسع تفصل المقاومة الفلسطينية عن مقاربة الصراع استراتيجيا:

  1. سواء على مستوى بناء حركة وطنية بأهداف سياسية مرحلية، بأنماط ممكنة بالطبع، ولكن تقتضي تجاوز الشق الطولي الحاصل منذ 2006
  2. بناء رصيف واضح لتناول الشأن الاستراتيجي ومتابعة فرضياته مرحليا وبشكل أوسع
  3. تأهيل معرفي استراتيجي للقيادات السياسية والعسكرية، وحل بعض المشكلات المؤسسية بشكل يجعل هناك حاكمية للمستوى السياسي على الشأن العسكري (بافتراض تأهله وحساسيته استراتيجيا)،  
  4. تقليل الاعتمادية على المحاور أو مركزية غزة – تبعا للتطور السياسي المنشود في الجسد المقاوم الفلسطيني – لصالح نظر استراتيجي مستقل وينحاز بشكل جوهري للقضية الفلسطينية واعتباراتها الوظيفية.

ولكن ماذا عن هذه الجولة كمآل، وفرص ومخاطر؟

بطبيعة الحال، كقراءة استراتيجية دون روافع للانتقال لواقع مغاير وأفضلي، فنحن أمام استنساخ للجولة السابقة للأسف الشديد. نعم – يبدو هناك بعض التحسن من حيث مشاركة حمساوية في النشاط العسكري تبعا لإبراز (الغرفة المشتركة) وربما بعض الاشتراك التكتيكي واللوجستي ولكنه ما يظهر أنه بشكل رمزي وكتطييب للخاطر الداخلي والفصائلي، وهذا يتحدث عنه الإسرائيلي بوضوح. المؤسف حقيقة – أننا نجد حركة مثل الجهاد وهي رصيد وطني وقومي لا غنى عنه يتم سحقها بهذه الطريقة المجرمة (نحن الآن في القصف الرابع لمجلسها العسكري على التوالي
decapitation
  ، ومن منازلهم، بشكل لايعكس فقط اختراقا واهتراء مرعبا على المستوى المعلوماتي والأمني لها، ولكن يقود لنقدنا الحاد للقوة المسئولية وطنيا وسياسيا وعسكريا وأمنيا عن القطاع. وهذا في رأيي أشد المخاطر على قاعدة شرعية حماس، ومبدأ الثقة الوطنية والكل للواحد والواحد للكل، فضلا عن هدم القدرة الوظيفية للجهاد (في هذا النمط من الحركات فإن استهداف القيادات يؤثر كثيرا على القدرة ونجاعة اتخاذ القرار لاحقا، وهذا حتى ظهر في حماس بعد 2005 حين خسرت شطرا معتبرا من نخبتها القائدة حتى مع وجود رصيد إنجاز عسكري وسياسي تحقق).

الفرص طبعا – يأتي اقتناصها بتوسعة المشاركة المحسوبة لزيادة الشرعية ودرعا أمام استهداف أوسع للجهاد، وتقوية قدرة الرصيف الوطني (وليكن الغرفة المشتركة) على استخدام الخسارة الحاصلة لمزيد من التراكب القيادي على النتوءات والمعوقات الفصائلية أمام الوحدة العسكرية وحل مشكلات الجهاد البنيوية. والأهمّ، الانخراط جديا في روافع تغيير ماهيّة الصراع استراتيجيا.

نعم – من المصلحة حقيقة التحكّم في مستوى التصعيد لعدم وجود المقدرة الضامنة لإحسان إدارته، ولكن مُهمّ التفكير في كل احتمالاته كما يفعل الإسرائيلي تماما – إذا تدحرجت الأزمة لمستوى قريب من سيف القدس، وحتى مع بعض الخيال لجبهات خارجية.

وتبقى نقطتان لابد من الاهتمام لها كتداول استراتيجي جادّ ومستقصٍ:

  • بقية الساحات (الضفة والقدس والداخل)، ليس فقط من الاهتمام بظاهرة البذور العسكرية الارتجالية فيها كدعم وتأطير وضبط لبوصلة التوظيف، مع تطوير لأنماط الاحتجاج الشعبي والاقتصادي والسياسي.
  • آثار التصعيد العسكري وغير العسكري على ديناميات الداخل الإسرائيلي – السياسي والشعبي – في ظل الأزمة الحالية. هل تكون المصلحة البحث عن نسق يدفع الحكومة يمينا أو يسارا؟ تفتيتا أم تجميعا طلبا أو دفعا لسياسة بعينها؟ الصمت أم التصعيد خدمة لتفجير التمرد الشعبي والمؤسسي بالداخل؟

المشكل – أنه في غياب نسخة من التصميم الاستراتيجي الشامل، وتهيء وحساسية قيادية فلسطينية للتعامل المرحلي، وتهيؤ قيادي واستعداد نفسي ومعرفي لاقتراف سؤال الأثار والمآلات الاستراتيجية للنشاطات العسكرية مُدمجة مع النشاطات الغير العسكرية الممكنة، لا يمكن تحديد المطلوب أصلا في النقطتين السابقتين فضلا عن كيفية إدارتها.

ذات صلة:

إطلالة مؤسفة وتقويمية على حملة غزة – أغسطس 2022
ندوة عن (التقييم الاستراتيجي لحملة سيف القدس)
مقال – على هامش (سيف القدس): استشراف الرؤية الاستراتيجية للحراك الفلسطيني المُقاوِم
حوار حول التقييم الاستراتيجي لحملة (سيف القدس)
حوارات على هامش حملة (سيف القدس) -1- الاستراتيجي والعملياتي والتكتيكي في عملية الصواريخ
مقال: هل تُعيد (سيف القدس) المبادرة الاستراتيجية لحركات المقاومة الفلسطينية؟
حوارات استراتيجية 2: حول تحوير الاستراتيجية العظمى، والنظام المصري في ليبيا