Featured

حملة غزة مايو 2023 والمنطق الاستراتيجي: حدود التصميم، والتوظيف، والتراتب العشوائي

:يهمنى ابتداء التوكيد على

أ. قيمة الحس والمنطق الاستراتيجي في فرز أكوام التفاصيل والأحداث التكتيكية لفهم أوسع لمنطق المآل الاستراتيجي لها.. أي : كيف تقود أو لا تقود هذه التطورات سواء كانت مبادرات أو ردود فعل لتحقيق الأهداف المرحلية وطويلة المدى في استراتيجية إدارة الصراع، وبشكل بدهي: ضرورة شق هذه الاستراتيجية ابتداء وتحقيق متطلباتها البنائية الغائبة (بالأخص في الحال الفلسطيني مثلا: وجود حركة فلسطينية موحدة ذات مشروع سياسي شامل ومرحلي، وتصميم استراتيجي واضح وإن كان دائم المراجعة والتعديل، وتطوير قابلية استراتيجية معرفيا ومؤسسيا وتطبيقيا للقيام بهذا الدور المتجدد)

:ب. في الأدبيات والممارسة الاستراتيجية يمكننا تعريف ثلاثة نماذج فيما يتعلق بالمقاربة الاستراتيجية للصراع

            التصميم الاستراتيجي
Design
عند القيادة السياسية والعسكرية (المجتمع الاستراتيجي بشكل أوسع) ليضبط الأهداف والخيارات والوسائل والفرضيات سواء على مستوى الاستراتيجية العظمى طويلة الأمد أو توظيف أدوات القوة عسكريا – وغيرها – لتحقيق الأهداف المرحلية.

           ونموذج أكثر ارتجالية وتفاعلية للتعامل مع الصراع – قد يبدأ بأهداف سياسية بالطبع ولكن خيارات على درجة واسعة من المرونة والعموم بحيث يعتمد صانع القرار على ماتتكشف عنه الحوادث لتخليق تصميم مرحلي يعتمد على توظيف وتحريك مسارات الفعل العسكري وغيره – وما تقدمه البيئة الاستراتيجية (الخصوم والحلفاء والبيئة..) من فرص ومخاطر – لتلاحق الأهداف. وهذا النموذج الاستطلاعي والتوظيفي – له تسميات مختلفة سواء ماطرحه مولتكة قديما عن أن الاستراتيجية هي دولاب من الاستطلاعات أو
expeditions
، أو مصطلحات مثل الاستراتيجية المُغامِرة
Adventurist
 أو الاستكشفاية
exploratory
 أو المتخلقة
Emergent

.. وكما أسلفت في حوار سابق؛ فالتمايز بين النموذجين يبهت كثيرا عند التطبيق. ولكن مُهم للاستراتيجي أن يستوعب الفروقات الجلية والمتطلبات لأي من النموذجين أو يُهجّن بينهما بما يناسب طبيعة النظام وخلفياته السياسية والتاريخية والثقافية والاجتماعية وطبيعة الصراع بشكل أدق (الصراعات الممتدة تحتاج أكثر لنموذج تصميمي على مستوى الاستراتيجية العظمى، والصراع غير النظامي ينحاز أكثر لنموذج استطلاعي على مستوى الاستراتيجية المرحلية والعسكرية..وهكذا.

أسوأ ما يحصل، هو نموذج غياب النموذج، أو ضمور المهمة الاستراتيجية ذاتها؛ كأن تُبتلى الشعوب والأمم بأجساد قيادية ليست معنية أو مؤهلة أو عالمة لتُحرّك خطوط الحوادث والصراع تبعا لنهايات واضحة على المستوى المرحلي والممتد. هل معنى ذلك غياب أثر استراتيجي ما (أي صافي التأثير في مساحة الإرادة السياسية للخصوم وتشكّل البيئات تبعا لذلك؟) – بلى يحدث ولكنه غير مقصود وغير مضبوط ، مجرد تراتب عشوائي للآثار التكتيكية والعملياتية – للنشاط العسكري مثلا، تترتب عليها آثار استراتيجية ما – غالبا سلبية ، والانحسار في خانة رد الفعل – أي المفعولية، خصوصا عند امتلاك الخصم قابلية استراتيجية وحسا استراتيجيا ما. وفي نمط الصراع غير النظامي بالأخص؛ المفترض أن تتحلى الحركة غير النظامية بدرجة أعقد وأعمق وأشمل من المنظور الاستراتيجي وتفعيله مرحليا وتحكيمه على نثريات العمليات والتكتيك لتضحد الفجوة العسكرية القاهرة لدولة الاحتلال وجيشها.

ج. الحقيقة أني تناولت في مواضع متعددة بمنطق استقرائي ونقدي المنظور الاستراتيجي للصراع بين حركات المقاومة الفلسطينية وإسرائيل بشكل تاريخي وآني؛ بالأخص مع حملة سيف القدس، وكذا حملة أغسطس 2022، وكان واضحا فيما أطرحه مأزق استراتيجي دخلت في المقاومة بعد حسم غزة 2006 (انحسارها في خانة رد الفعل والحصار، والتحول لنمط الحرب الحدودية الدنيا التي تفقد المقاومة بعد بنائي وإدمائي في خاصرة المحتل، والانخراط في سياسة المحاور، وحاكمية ملف حكم غزة على الملفات الأخطر في الصراع – القدس والضفة والداخل وغياب أهداف سياسية مرحلية يُفترض أن يخدمها النشاط المسلح والمقاوم الشامل بشكل أولى)، وكيف أن حملة سيف القدس قدمت فرصا ذهبية للانعتاق من كل ماسبق، بشرط وجود متطلبات بنائية للقابلية والممارسة الاستراتيجية – الحركة والمشروع السياسي المرحلي والتصميم والمناورة الاستراتيجية).
وفي الحملة السابقة، أوضحت كذلك أن ثمة مشكلات مستجدة وبسبب تطور الحس الاستراتيجي الإسرائيلي، ليس فقط لها نتيجة سلبية بحد ذاتها ولكن في إضاعة الفرص التي قدمتها (سيف القدس) :
          . تكريس سياسة التمايز والفصل بين غزة والمواقع الأخطر بالميزان العملياتي والاستراتيجي لإدارة الصراع (الضفة والقدس – فضلا عن الداخل)،
           . تصفية حركة الجهاد وهي بكل مشكلاتها الذاتية وكموضعة ورعاة مخزون صافٍ من المقاومة غير المستأنسة ضمن معادلة توازن ردع وتفويض ضمني للحكم – فضلا عن دورها المعتبر لاحقا في إنبات نشاط مقاوم في الضفة وكذلك كشفت عن عوار قيادي واستراتيجي وبنيوي عسكري بها كان يجب تصحيحه،
         . وبالتالي ضرب وحدة المقاومة والثقة المتبادلة بينها وبالأخص شرعية حماس كحركة قائدة – وهي بكل مشكلاتها وبالأخص تلك التي تراكمت بسبب التماهي بين مشروع المقاومة ومشروع الإمارة هي الوحيدة المنتظر منها والمؤهلة للقيام بدور إيجابي في تصحيح وإعادة بناء المشروع المقاوِم الفلسطيني بمتطلباته السابقة.

ويسعني الآن تناولٌ متعجل لتطورات المنظور الاستراتيجي لإسرائيل، ثم ألقي بملاحظات موجزة على الجولة الحالية للصراع:

أولا) المنظور الاستراتيجي إسرائيليا

المعلوم عن الحال الإسرائيلي هو غياب تاريخي (بالأخص بعد بن جوريون) للرغبة والتأهل والقدرة على ممارسة المهمة الاستراتيجية بالرغم من قدرة غير مسبوقة على إحراز الحسم العملياتي الكاسح – بالأخص على خصوم تتقازم عندهم مساحات القابلية الاستراتيجية والقدرة القتالية على السواء (مع وفرة مصادر القوة الخام بالمفارقة)، وهذا ما وصفه أحد أبرز المفكرين الاستراتيجين الأمريكيين (والصهاينة في ذات الوقت)  – مايكل هاندل – بتكتكة الاستراتيجية    
Tacticization of Strategy
، وسوّق المصطلح داخل إسرائيل رئيس أمان في الستينات يهوشيفات هركابي الذي درس زمالة في الاستراتيجية بأمريكيا في السبعينات بعد انتهاء خدمته أسفرت عن كتاب معقول
Arab Strategies and Israel’s Response
.المقصود بالمصطلح هو: ملاحقة آثار ومعطيات الحسم التكتيكي دون إنشغال بالمنطق الاستراتيجي تصميما أو توظيفا ومخرجات.

ونعم، يمكننا فهم الجذور البنيوية لهذا الانحياز الإسرائيلي مبكرا حتى من أيام بن جوريون – وإن كان الأخير كان عنده قدرة فارقة على التوظيف المرحلي الاستراتيجي وتوفية متطلباته المؤسسية بالأخص والحساسية السياسية ولكن في مخروط ممتد يعتمد على حتمية تأبّد الصراع
indefinite Battle
 بحيث تصبح الفجوة الدائمة بفعل الانتصار العسكري مطلوبة إسرائيليا وتزهد في التفكير الوصول لنهايات سياسية مستدامة والتي هي قيمة الاستراتيجية. هذه الجذور تشتمل فضلا عن توارث لفكرة بن جوريون على طبيعة النظام الفسيفسائي الذي يُعقّد أي تنازل سياسي – خصوصا مع غلبة اليمين بعد حرب أكتوبر، والهوس التاريخي والواقعي والجغرافي والاقتصادي صهيونيا بسؤال الأمن وعدم الاستعداد للحروب والاحتشادات النظامية المُطوّلة.

وهذا الخرق الإسرائيلي الفادح في إدارة الصراع أخفاه وعوّضه كما ذكرت التهاوي العربي استراتيجيا وعسكريا. وكنتاج للتراكم العشوائي للكسح العسكري، وأحيانا بتدخل أطراف خارجية ربما قاد أحيانا لقفزات استراتيجية. مثال على هذا الضغط الغريب عن الحس والاهتمام الإسرائيلي ما مارسه كيسنجر مثلا والأمريكي عموما أثناء حرب أكتوبر واتفاقية فض الاشتباك الثاني وصولا لمعاهدة السلام لتحجيم السلوك العسكري الإسرائيلي وقاد لآثار استراتيجية إيجابية لم تكن متخيلة (مثل خروج مصر من الصراع وانهيار التهديد النظامي؛ لأن العرب لن يقاتلون دون مصر).

ولكن حين حصلت بعض التطورات المحدودة بالأخص في المدار الاستراتيجي وربما العسكري عند العرب، كانت لحظات كارثية على الإسرائيلي- مثل النصف الأول لحرب أكتوبر وتجربة حزب الله تحديدا حتى 2006، وهوامش في التجربة الفلسطينية في انتفاضة الحجر وانتفاضة الأقصى.

ولكني – كشخص متابع للحال الإسرائيلي في هذه المساحة منذ خمسة عشر عاما ورسالته للدكتوراة كانت تلح وتدلل على المعنى السابق وفي وسط غربي متحيز للإسرائيلي (الأكاديميا في هذا المجال غير بقية المجالات التي فعلا فيها نفس متأفف ضد إسرائيل خصوصا في أوروبا) – رأى كذلك تطورا ملحوظا عند الأخير. ربما روّاد مثل هاندل وقبله إيجال آلون وبعده هركابي – قيادات عسكرية احتكت غربيا بالشأن الاستراتيجي كانوا إرهاصا، ولكن ظهرت طبقة من الرواد الأكاديميين في المساحة الاستراتيجية ومعارف محيطة كالعلاقات المدنية العسكرية مثل دان هورويتز ويهودا والاش ويهودا بن مائير وموشيه ليزاك ومارتن فان كريفيلد، ومستوى أكثر اتساعا من تناول الشأن الاستراتيجي والتقويمي لجيش الدفاع أكاديميا وفي ال
discourse
 السياسي بالأخص بعد انكسار هالته الوظيفية في 1973 وكذا الأخلاقية في 1982، وثمرات من الجيل الثاني كآفي كوبر ويورام بيري وشيمون نافيه والثالث أكاديميا في أواخر التسعينات والألفية، لكن حقيقة – حرب تموز 2006 ولجنة فينوغراد التي أبرزت قيمة الاستراتيجية – حين قيمت الحرب كفشل سياسي وعسكري- وقادت لتفعيل مجلس الأمن القومي كانت فارقة في تطور إسرائيلي ملحوظ.. وبالتأكيد فإن خطايا لحركات المقاومة سياسيا واستراتيجيا (سواء حماس في حسم غزة، أو حزب الله بعد 2006) فضلا عن انهيار السياق العربي (بدءا من سقوط العراق، ثم سوريا وفشل النخبة العربية كحركات ونخب وأنظمة في إدارة الربيع العربي الذي مثل فرصة تاريخية لإحداث تغيير حقيقي في البنية والقدرة العربية سياسيا واستراتيجيا) سمحت بفرص و (براح) أوسع للإسرائيلي أن يتسع نفوذه ويُجرّب معادلات استراتيجية لإدارة الصراع وإنضاج (تصميم) ما وإن تتخلله وكثيرا ما تعطله عناصر غير استراتيجية (الحسابات الشخصية لنخبة الحكم، والاعتبارات الحزبية والداخلية بالأخص)..

هذا التصميم بوضوح أخذ وقتا في الإنضاج: كأهداف –  استدامة الاحتلال ودفن أي تنازل سياسي (يقود لدولة فلسطينية حقيقية) وتسكين الهاجس الأمني محليا وإقليميا ، وتوسعة النفوذ الإقليمي والدولي– عبر خيارات استراتيجية بعينها:
          – استدامة سياسة الفصل والتمييز بين الضفة والقطاع ويشتمل على القبول بسيطرة حمساوية على غزة، ولكن تعريضها لحصار دائم بمحفزات مشروطة، وعمليات دورية  
operations between Wars
لترميم الردع الإيذائي (ضربات عقابية لمنع المبادرة بالفعل العسكري أو تقليل مستوى التصعيد كرد فعل) والإنكاري (تجريف دوري للقدرات القيادية والصاروخية والبنى التحتية).
          –  عزل القدس والداخل عن وتيرة الصراع وتمكين التجريف الديمغرافي في الضفة والقدس، واستدامة السيطرة على الجولان.
         – إقليميا ، محاصرة الخطر الأهم – بتقييم المجتمع الاستخباري وهو إيران بتشجيع حصار دولي لإجهاض برنامجها النووي والصاروخي، وتوسعة التطبيع لبناء تحالف عربي إسرائيلي مواجه، والسياسة التخريبية كعمليات سرية لبنيتها النووية. إيران نعم هي الأخطر بالتقييم الدوري للمجتمع الاستخباراتي الإسرائيلي ولكن على المدى القريب. توسعة التطبيع وتمكين نفوذ إسرائيل الإقليمي وتخريب البنية العربية – خصوصا في دول الطوق كمصر واستفادة من انهيارات بنيوية في سوريا والعراق – كفيلة بتأخير التطور الوجودي الأخطر – على منظور أشمل بالزمان – وهو تطور مشروع عربي مواجه كإرادة وقدرة وتحالف.
        – على مستوى بنائي عسكري؛ الحفاظ على الفجوة الكيفية الفاصلة بينها وأي قوة عسكرية عربية (بشكل فردي أو تحالفي )، ودعم ذلك بتطور مستمر تقني (ليس فقط في الأرصفة التقليدية ولكن الحرب الالكترونية وال
AI
 والدرونز، والدفاع الصاروخي) وبنى اتخاذ القرار والقدرة القتالية، وبقاء البعد النووي محتكَرا إقليميا للردع الشامل.

ج. هذا التصميم بالصيغة السابقة أبعد ما يكون عن الصفاء والمثالية، ولكنه على درجة من الهيمنة والرسوخ المؤسسي خصوصا في المجتمع الأمني، وبشكل يتجاوز الاختلافات الحزبية. وفي مسألة الحسابات الشخصية والحزبية تحديدا، فهي بالطبع متواجدة دوما وإن كان حضورها يختلف كقوة وتمظهرا بين محطة تصعيدية وأخرى (حرب تموز 2006، حملة 2009، حملة 2012، 2014، سيف القدس، تصعيد أغسطس 2022، وهذا التصعيد).

:ثانيا) متابعة مبدئية للجولة الحالية

التصعيد الحالي الذي أسمته إسرائيل (الدرع والسهم)، وأسمته المقاومة الفلسطينية (ثأر الأحرار) بدأ بانطلاق 100 صاروخ من غزة ردا على استشهاد الأسير خضر عدنان، وما تلى ذلك من ابتزاز ومناكفة لليمين المتطرف (حزب بن غفير بالأخص) لنتنياهو والتهديد بمقاطعة تصويت الكنيست بما يكفل ليس فقط سقوط تشريعات الحكومة ولكن سقوطها نفسا، وذلك لنقدها تخاذل نيتنياهو أمام (الإرهاب) الفلسطيني وقبله تجميد مشروع الزلزال التشريعي.

أكيد هناك عنصر أمني موضوعي تمثل بالأخص باستكمال منجزات الحملة السابقة في تحطيم الجهاد وتجريف شرعية حماس، وأيضا تجفيف منابع الدعم للنشاط المسلح المزعج بالضفة كذلك عبر ضرب الجهاد وتكريس الردع الذاتي لحماس في غزة، ولكن العنصر الشخصي (تجاوز نيتنياهو تهديد أزمته الشخصية) وحزبية (أزمة الحكومة، وكذلك التمرد الشعبي الواسعة ضده بعد مشروع التشريعات) هو الحاكم. وبالفعل – بغض النظر عن منتوجات الحملة استراتيجيا، فنيتنياهو له قدرة عالية على المناورة السياسية (القذرة في معظم الأحيان) داخليا، وبالفعل  – فبالرغم أن نيتنياهو تعمّد اتخاذ القرار دون أن يدْع أو حتى يُعلم المجلس الأمني المصغر، وبالرغم من عزل بن غفير فعليا عن دائرة اتخاذ القرار إلا أن الأخير اضطر لمدح قرار نيتنياهو وانطوت مؤقتا صفحة التمرد تلك في المعسكر اليميني المتطرف.

ليس معنى هذا أنه كان في معزل عن التصميم الذي تتحرك وتبني متطلباته الجماعة الأمنية بالكيان، ولكن حدود التصعيد وطريقته ومخرجاته الأولية هي خادمة بالأساس لمصلحته (ضربة جراحية أخرى للجهاد بتصفية قيادته العسكرية بغزة – ستة قادة حتى الآن، ولكن دون تصعيد يجبر حماس على التدخل توسيع مساحة الاشتباك في غزة أو حتى فتح جبهات أخرى في جنوب لبنان وحتى سوريا، وما ينعكس على الداخل الإسرائيلية من تبعات أمنية قريبة أو تفوق سيف القدس).

على حسب المطروح إسرائيليا – كتقدير استخباراتي، فإن عدم دخول حماس كان الأكثر رجحانا، ليس فقط لاعتبارات حسابات تمديد سيطرتها على غزة والحفاظ على محفزات اقتصادية (مثلا ال 17 ألف غزاوي بتصاريح لدخول إسرائيل يوميا، والدعم المصري لإعادة البناء وتمرير الدعم القطري) وأمنية (عدم المساس بقيادات وبنية المنظمة بشكل مباشر)، ولكن حتى كما أشارت هذه التقديرات – وإن كنت لا أراها على درجة من الحقانية على الأقل بهذا التكييف اللاأخلاقي – التخفف من شريك أصغر مشاكس بغزة. ولكن كتقدير جاهزية عسكرية؛ فإن هيئة الأركان قدمت استعدادا لأي من سيناريوهات المخروط التصعيدي وصولا حتى لحرب إقليمية.

من ناحية، نعم التهيؤ النفسي والخططي وحتى القدراتي لجيش الدفاع كان حاصلا قبل أي حرب خاضها الكيان، بغض النظر عن التدقيق في توظيفها استراتيجيا وهذا لم يكن حاصلا حتى في 1967 أو 1982، وحتى جودتها كمناسبة للحسم العملياتي واستعدادا للمفاجآت على هذا المستوى إما لمشكل استراتيجي (عدم توقع هجوم عربي في 73، أو تصلب مقاوم بعد 82، أو نمط لا يصلح معه الجيش كبنية وأداء كما في الانتفاضتين أو حرب تموز – هناك دراسة جيدة لكاتيجناني بعنوان  
Israeli Counter-insurgency: the Dilemma of regular army
 أو في تشوه البنية العملياتية ذاتها تبعا لاستخلاص خاطئة من الحرب السابقة وتعميمها (الهوس المدرعاتي على حساب الأسلحة المشتركة قبل 73 تبعا لحرب 76، أو فقر القدرة النظامية للجيش في 2006 تبعا لتجربة انتفاضة الأقصى), وهكذا

المُستجدّ الآن كما أسلفت، هو حساسية إسرائيلية أوضح وأشد لتناول السؤال الاستراتيجي في إدارة جولات الصراع، وبشكل ممتد. بكل الإشكال الداخلي سياسيا خصوصا مع الأزمة الحالية بعد الهبة الشعبية ضد نيتنياهو، وحتى مايحصل أحيانا من مستجدات معاكسة للتقدم الاستراتيجي إقليميا (التقارب السعودي الإيراني، ودور مصري أكثر جدية وحضور إقليمي، وبعض التحسينات الجزئية في ملفات سوريا والعراق عربيا، ودور صيني أكثر احتكاكا وتمددا في فراغ يتركه الأمريكي، وزيادة التداخل العربي مع الروسي تبعا لورطته بأوكرانيا) تبقى للإسرائيلي الكلمة العليا استراتيجيا في رسم مسار الصراع بالأخص فلسطينيا، لأن المقابل لم ينخرط بشكل حقيقي وجاء في تغيير المعادلة السابقة كما ، ولايزال هناك شوط واسع تفصل المقاومة الفلسطينية عن مقاربة الصراع استراتيجيا:

  1. سواء على مستوى بناء حركة وطنية بأهداف سياسية مرحلية، بأنماط ممكنة بالطبع، ولكن تقتضي تجاوز الشق الطولي الحاصل منذ 2006
  2. بناء رصيف واضح لتناول الشأن الاستراتيجي ومتابعة فرضياته مرحليا وبشكل أوسع
  3. تأهيل معرفي استراتيجي للقيادات السياسية والعسكرية، وحل بعض المشكلات المؤسسية بشكل يجعل هناك حاكمية للمستوى السياسي على الشأن العسكري (بافتراض تأهله وحساسيته استراتيجيا)،  
  4. تقليل الاعتمادية على المحاور أو مركزية غزة – تبعا للتطور السياسي المنشود في الجسد المقاوم الفلسطيني – لصالح نظر استراتيجي مستقل وينحاز بشكل جوهري للقضية الفلسطينية واعتباراتها الوظيفية.

ولكن ماذا عن هذه الجولة كمآل، وفرص ومخاطر؟

بطبيعة الحال، كقراءة استراتيجية دون روافع للانتقال لواقع مغاير وأفضلي، فنحن أمام استنساخ للجولة السابقة للأسف الشديد. نعم – يبدو هناك بعض التحسن من حيث مشاركة حمساوية في النشاط العسكري تبعا لإبراز (الغرفة المشتركة) وربما بعض الاشتراك التكتيكي واللوجستي ولكنه ما يظهر أنه بشكل رمزي وكتطييب للخاطر الداخلي والفصائلي، وهذا يتحدث عنه الإسرائيلي بوضوح. المؤسف حقيقة – أننا نجد حركة مثل الجهاد وهي رصيد وطني وقومي لا غنى عنه يتم سحقها بهذه الطريقة المجرمة (نحن الآن في القصف الرابع لمجلسها العسكري على التوالي
decapitation
  ، ومن منازلهم، بشكل لايعكس فقط اختراقا واهتراء مرعبا على المستوى المعلوماتي والأمني لها، ولكن يقود لنقدنا الحاد للقوة المسئولية وطنيا وسياسيا وعسكريا وأمنيا عن القطاع. وهذا في رأيي أشد المخاطر على قاعدة شرعية حماس، ومبدأ الثقة الوطنية والكل للواحد والواحد للكل، فضلا عن هدم القدرة الوظيفية للجهاد (في هذا النمط من الحركات فإن استهداف القيادات يؤثر كثيرا على القدرة ونجاعة اتخاذ القرار لاحقا، وهذا حتى ظهر في حماس بعد 2005 حين خسرت شطرا معتبرا من نخبتها القائدة حتى مع وجود رصيد إنجاز عسكري وسياسي تحقق).

الفرص طبعا – يأتي اقتناصها بتوسعة المشاركة المحسوبة لزيادة الشرعية ودرعا أمام استهداف أوسع للجهاد، وتقوية قدرة الرصيف الوطني (وليكن الغرفة المشتركة) على استخدام الخسارة الحاصلة لمزيد من التراكب القيادي على النتوءات والمعوقات الفصائلية أمام الوحدة العسكرية وحل مشكلات الجهاد البنيوية. والأهمّ، الانخراط جديا في روافع تغيير ماهيّة الصراع استراتيجيا.

نعم – من المصلحة حقيقة التحكّم في مستوى التصعيد لعدم وجود المقدرة الضامنة لإحسان إدارته، ولكن مُهمّ التفكير في كل احتمالاته كما يفعل الإسرائيلي تماما – إذا تدحرجت الأزمة لمستوى قريب من سيف القدس، وحتى مع بعض الخيال لجبهات خارجية.

وتبقى نقطتان لابد من الاهتمام لها كتداول استراتيجي جادّ ومستقصٍ:

  • بقية الساحات (الضفة والقدس والداخل)، ليس فقط من الاهتمام بظاهرة البذور العسكرية الارتجالية فيها كدعم وتأطير وضبط لبوصلة التوظيف، مع تطوير لأنماط الاحتجاج الشعبي والاقتصادي والسياسي.
  • آثار التصعيد العسكري وغير العسكري على ديناميات الداخل الإسرائيلي – السياسي والشعبي – في ظل الأزمة الحالية. هل تكون المصلحة البحث عن نسق يدفع الحكومة يمينا أو يسارا؟ تفتيتا أم تجميعا طلبا أو دفعا لسياسة بعينها؟ الصمت أم التصعيد خدمة لتفجير التمرد الشعبي والمؤسسي بالداخل؟

المشكل – أنه في غياب نسخة من التصميم الاستراتيجي الشامل، وتهيء وحساسية قيادية فلسطينية للتعامل المرحلي، وتهيؤ قيادي واستعداد نفسي ومعرفي لاقتراف سؤال الأثار والمآلات الاستراتيجية للنشاطات العسكرية مُدمجة مع النشاطات الغير العسكرية الممكنة، لا يمكن تحديد المطلوب أصلا في النقطتين السابقتين فضلا عن كيفية إدارتها.

ذات صلة:

إطلالة مؤسفة وتقويمية على حملة غزة – أغسطس 2022
ندوة عن (التقييم الاستراتيجي لحملة سيف القدس)
مقال – على هامش (سيف القدس): استشراف الرؤية الاستراتيجية للحراك الفلسطيني المُقاوِم
حوار حول التقييم الاستراتيجي لحملة (سيف القدس)
حوارات على هامش حملة (سيف القدس) -1- الاستراتيجي والعملياتي والتكتيكي في عملية الصواريخ
مقال: هل تُعيد (سيف القدس) المبادرة الاستراتيجية لحركات المقاومة الفلسطينية؟
حوارات استراتيجية 2: حول تحوير الاستراتيجية العظمى، والنظام المصري في ليبيا

Featured

تفريغ لمحاضرة (كتاب جسر الاستراتيجية لجراي)

الشكر الوافر للصديق محمد أبو ريان على جهده في تفريغ هذه المحاضرة وتنسيقها، وهي غير متاحة حاليا

العرض التقديمي

Featured

ندوة (تمرين استراتيجي في الحرب الروسية الأوكرانية: الدروس والمآلات)

مقالات ذات صلة:

في استفهام الاستراتيجية العسكرية الروسية: إشكال الفرضيات أم التطبيق؟

متابعة للأزمة الأوكرانية – خيارات روسيا والناتو ومنطق التدافع الاستراتيجي

مقال- تعقّب استراتيجي للأزمة الروسية الأوكرانية: مأزق ومحدودية خيار الحرب

Featured

قصائد وأراجيز – مُجمّعة

معارضات شعرية (متعجلة)

أرجوزة – فُسطاطَيْن

أُرجوزةٌ مبتورة

ملحمة شعرية : “مَدْفَنٌ لعِشْقٍ بلا مَعْشوقْ” – 5 أجزاء – بالشرح

أرجوزة جدلٌ شجِيّ

. قصيدة – خَلِّ العَذل

معارضات شعرية – مُجمّع

نجوى

قصيدة – أسيفٌ في أرضٍ غريبة

مقطوعة شعرية (زيارة خاطفة لسبيّةٍ حائرة)

مقطوعات شعرية قديمة

Featured

سيمنارات المجموعة الدراسية في الاستراتيجية بالقراءات – مُحَدَّث

جميع الكتب في هذا الكورس تقريبا يمكن تحميلها من هذا الموقع
https://libgen.li/

السيمنار السابع عشر – النظريات الاستراتيجية الخاصة – مكافحة التمرد .. 9 يناير 2022

مقارنة بين كتابي –
– Defeating Communist Insurgencies – Robert Thompson
– Counterinsurgency Warfare: theory and practice – David Galulu

  • US Marines and Army COIN Field Manual
  • The Counter-Terrorism Puzzle: Aguide for Decision Makers. Boaz Ganor
  • Combating Terrorism: Strategies of Ten Countries – Yonah Alexander
    ————————————————————

السيمنار السادس عشر – النظريات الاستراتيجية الخاصة – الحرب غير النظامية … 27 ديسمبر 2021

  • Mao: People war, Guerilla War
  • Taber: War of the Flea.
  • Guevara: Guerillar War
  • Does Terrorism Work: aa history. Richard English.
  • Strategy of terrorism: How it works and why it fails. Neumann and Smith
    ————————————————————–

السيمنار الخامس عشر – الاستراتيجية المعاصرة – الحرب الكورية … 28 نوفمبر 2021

1- الخلفية التاريخية، والأسباب والحراند استراتيجي، وإنهاء الحرب.
2- الاستراتيجية العسكرية، بحيث تتناول توظيف العمليات من المنظور الأعلى، والعلاقات المدنية العسكرية.
3- مسيرة العمليات، وفن العمليات، والحرب الجوية من منظور عملياتي.

  • Max Hastings: The Korean War
  • The Korean Air War. Napier
  • The Korean Showdown: National policy and military strategy in a limited war. Gibby
  • JSC and National policy in Korean War.
    ————————————————————–

السيمنار الرابع عشر – النظريات الاستراتيجية الخاصة – الحرب الجوية … 11 يوليو 2021

القراءات الأساسية:

  • The Paths of Heavens: The Evolution of Airpower Theory … The School of advanced Airpower Studies (Meilinger)
  • Understanding Modern Warfare (Part IV – Airpower Chapters 10,11,12)

التحضيرات :

أولا) لفصول التالية من الكتاب الأول 1-2-3-4-5-6-7-8
وكذلك الفصل 10 من كتاب Understanding

ثانيا) الفصول التالية من الكتاب الأول 8- 9- 10 – 11 – 15
وكذلك الفصل 11 – 12 من كتاب Understanding

3- ثالثا) الفصلان من الكتاب 12 , 13
وكذا Airpower and Space UK doctrine (2017) ستجده عالنت – فقط جزء ال Airpower
وكذا جزء ال Air Operation، من كتاب How To Make War

القراءات المندوبة:

  • Air Campaign, John Warden
  • Why Air Forces Fail: The Anatomy of Defeat, Higham and Harris
    ————————————————————–

السيمنار الثالث عشر – التاريخ الاستراتيجي – الحرب العالمية الثانية … 13 يونيو 2021

1- أسباب الحرب ومن 39 حتى نهاية 1941 على الجبهتين الغربية والشرقية، وحملة شمال أفريقيا بأكملها
2- ن 1942 حتى نهاية الحرب في الجبهتين الشرقية والغربية.
3- لحرب في ال pacific.
والتبادلية بينها وأوروبا

في كل تحضير، يكون النمط المتبع كالآتي:
١- مقدمة عن السياق السياسي
٢- المسار الاستراتيجي
٣- أهم الحملات العسكرية
٤- فن العمليات

بالنسبة للكتب؛ الأساس:،
Williamson Murray, A War to be Won
والأجزاء المصاحبة في كتاب:
The evolution of Operational Art.
اختياري:
Richard Overy, Why the Allies Won
————————————————————–

السيمنار الثاني عشر – النظرية الاستراتيجية الخاصة – الحرب البحرية … 23 مايو 2021

القراءات الواجبة:

1- Principles of Maritime Strategy. Julian Corbett
2- Understanding Naval Warfare. Ian Speller
3- UK Maritime Power. JPD 0-10

الاختيارية، ولكنها مهمة:

1- The Influence of Sea Power upon History. Mahan
2- Seapower: A Guide for the Twenty-first Century. Geoffrey Till
——————————————————–


السيمنار الحادي عشر – التاريخ الاستراتيجي – الحرب العالمية الأولى … 25 أبريل 2021

القراءات الواجبة
1-Hew Strachan – The First World War
2-من الفصل الثاني وحتى الفصل الخامس من كتاب The Evolution of Operational Art_ From Napoleon to the Present …لكن هذه الفصول تعرض الفن العملياتي على امتداد تاريخي واسع ولذا سنركز فقط على الفن العملياتي في الحرب العالمية الأولى وهو جزء يشغل فقط صفحات من كل فصل فنرجوا اتمامه لانه ليس بالكثير

القراءات المندوبة
1-Military Strategy and the Origins of the First World War
2-الفصل الثامن والتاسع من كتاب The Making of Peace_ Rulers, States, and the Aftermath of War
3-كتاب Britain’s Economic Blockade of Germany, 1914-1919-by Eric W. Osborne

مخطط اللقاء :
مقدمة مع الدكتور
2- عرض أسباب الحرب وكذلك جذورها العسكرية (الخطط والاستعدادات العسكرية وبنية القوات لحظة اندلاع الحرب) وأهم الأحداث في السنوات الأولى وحتى دخول الأمريكي 1917 \
3-عرض الأحداث على الجبهة الغربية من بدء دخول الأمريكي مرورا بwestern offensive 1917 وOperation Michael 1918 مع Hundred Days Offensive انتهاء بنهاية القتال على الجبهة الغربية والتطورات في فن العمليات في نهايات الحرب
4- عرض الجبهة الشرقية وكذلك جبهة الشرق الأوسط مع تفصيل في مسألة إنهاء الحرب من حيث الانتقال من العسكري إلى السياسي والاتفاقيات المصاحبة وتقييم لها
—————————————————-


السيمنار العاشر – بحوث النظرية الاستراتيجية العامة: سفيشن، ماو، لوتواك 10 أبريل 2021

مناقشة بحوث الدارسين حول الكتب الآتية:
1- Sveching: Strategy
2- Luttwak: Strategy: the logic of war and peace
3- Mao: Military Writings (his general theory of war)
————————————————————-

السيمنار التاسع – النظرية الاستراتيجية الخاصة – الحرب البرية 20 مارس 2021

القراءات الواجبة

1- Understanding Land Warfare, Christopher Tuck, part 1, pages (1-108)
2- How to Make WAR, James Dunnigan, pages (1-133) – Ground Combat
3- British Doctrine on Landpower- Operations


القراءات والمشاهدات المساندة:

1- حلقات العقيدة القتالية والحرب البرية

حول فن العمليات، وعلاقته بالاستراتيجية

حوار حول “نهاية عصر الدبابة؟” – مقاربة استراتيجية وتقني/عملياتية
————————————————————

السيمنار الثامن – التاريخ الاستراتيجي – حروب توحيد ألمانيا 6 مارس 2021

١- مقدمة لي
٢- المداخل والسياق: الجذور والسياق السياسي لحروب توحيد ألمانيا، ومقاربة بسمارك ومولتكة (طبيعة العلاقات، وجدلية السياسة والاستراتيجية وفن العمليات)
٣- الحرب البروسية النمساوية
٤- الحرب البروسية الفرنسية

القراءات الواجبة:
1- Dennis Showalter, The Wars of German Unification
2- Chapter “The Prussian Triangle of Leadership: A Reassessment of Conflict between Bismarck and Moltke”, Book: Föster and Nagler, On Road to Total War

القراءات المندوبة؛
Michael Howard, The Prussian-French War
————————————————————-

السيمنار السابع – النظرية الاستراتيجية – نظرية كولن جراي وجسر الاستراتيجية 20 فبراير 2021

القراءات الواجبة:

1- Colin Gray: The strategy bridge

2- الفصل الأول (the dimensions of strategy) والفصل الأخير (strategy eternal) من كتاب modern strategy
————————————————————

السيمنار السادس – التاريخ الاستراتيجي – الحرب الأهلية الأمريكية 7 فبراير 2021

أولا القراءات الواجبة
1- الفصل الخاص بالحرب الأهلية الأمريكية من كتاب The Practice of Strategy
2- كتاب The Grand Design_ Strategy and the U.S. Civil War

ثانيا القراءات المندوبة
1- A Savage War: A Military History of the Civil War
2- Battle Cry of Freedom: The Civil War Era

سلسلة الحرب الأهلية الأمريكية مترجمة بجودة عالية..
https://docarabic.wordpress.com/2018/11/17/the-civil-war/

————————————————————

السيمنار الخامس – النظرية الاستراتيجية – ليدل هارت، وايلي، وتشيللينج 23 يناير 2021

القراءات الواجبة
1-Liddell Hart: Strategy:The Indirect Approach
2-J.C. Wylie: Military Strategy: A General Theory of Power Control
3-Schillings: Arms and Influence
————————————————————–

السيمنار الرابع – التاريخ الاستراتيجي – حروب نابليون 9 يناير 2021

القراءات الواجبة:
Blundering to Glory Napoleon’s Military Campaigns

القراءات المندوبة:
1-The Napoleonic Wars_ A Global History
2- مقال فن العمليات للدكتور
3- فصل نابليون من كتاب The Evolution of Operational Art From Napoleon to the Present
4- Napoleon as a General: Command from the Battlefield to Grand Strategy- Jonathan Riley
————————————————————-

السيمنار الثالث – النظرية الاستراتيجية – جوميني وصن تزو 25 ديسمبر 2020

القراءات الواجبة:
-مشاهدة حلقات جوميني وصن تزو للدكتور
-كتاب فن الحرب لجوميني، ويمكن مجرد المرور على النقاط الآتية سريعا لارتباطها أكثر بوقت الكاتب
1- الفصل الثالث (تحديدا من الخطوط الاستراتيجية للمناورة وحتى الحملات البعيدة)
2- التركيز فقط على أول ثلاث نقاط من الفصل الرابع والمرور على الباقي سريعا
3- الفصل الخامس والسادس

-كتاب فن الحرب لصن تزو
– Michael Handel> Masters of War: the classic strategic theory

مخطط الحلقة:

1- مقدمة عن دور الاسهامات التنظيرية القديمة في النظرية الإستراتيجية العامة مع تمهيد موجز عن صن تزو وجوميني ..
2- مقتطفات من كتاب صن تزو عن الاستراتيجية بشكل أساسي
3- لتعريف بجوميني مع عرض السياسية العسكرية من منظوره
4- الاستراتيجية والتكتيكات الكبرى لدى جوميني
5- مقارنة بين صن تزو وجوميني وكلاوزفيتز من منظور مايكل هاندل

————————————————————–

السيمنار الثاني – التاريخ الاستراتيجي – الإسكندر الأكبر 11 ديسمبر 2020

https://www.mediafire.com/file/jyk5xkp419amzuk/audio_only.m4a/file

أولا القراءات الواجبة
1- الفصل الخاص بالاسكندر من كتاب (The Practice of Strategy_ From Alexander the Great to the Present)
2-كتاب (Conquest and Empire_ The Reign of Alexander the Great )
3-المحاضرة الأولى من النظرية الاستراتيجية العامة للدكتور، وننبه على مشاهدتها بتركيز ولا يجزيء عنها المشاهدة السابقة

القراءات المندوبة:
1-كتاب (Alexander The Great’s Art Of Strategy_ Lessons From the Great Empire Builder )
2-كتاب (Alexander the Great_ Lessons in Strategy )
————————————————————-

السيمنار الأول – النظرية العامة – كلاوزفيتس 27 نوفمبر 2020

http://www.mediafire.com/file/jyk5xkp419amzuk/audio_only.m4a/file

رابط كتاب (عن الحرب) لكلاوزفيتس
https://ia800109.us.archive.org/18/items/hamlaenglish_gmail_20180318_2118/%D8%B9%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8.pdf

وهذه نسخة انجليزية لنفس الكتاب لكن تم تجاوز كثير مما ليس له فائدة بالنسبة لنا -تقريبا نفس القدر الذي تم ذكره في مخطط القراءة بالأعلى …فهذا هو القراءة الواجبة (كتاب عن الحرب لكلاوزفيتس)
[Oxford World’s Classics] Carl von Clausewitz, Beatrice Heuser – On War (2007, Oxford University Press, USA) – libgen.lc.pdf

وهذا الكتاب قراءة اختيارية:
On Clausewitz_ A Study of Military and Political Ideas (2005) – libgen.lc.pdf

التحضير:
الكتب أرقام 1و2و3و8 من (عن الحرب)

ذات صلة
على هامش كتاب (عن الحرب) لكلاوزفيتس – الحدس واللمحة الخاطفة في باب السياسة
على هامش كتاب الحرب لكلاوزفيتس – ذروتا الهجوم والانتصار
حوارات استراتيجية 3: حول البيئات الاستراتيجية
على هامش كتاب (عن الحرب) لكلاوزفيتس – الحلقة الثانية (الاستخبارات)
على هامش كتاب (عن الحرب) لكلاوزفيتس – الحلقة الأولى



معارضات شعرية (متعجلة)

في الطريق بالسيارة لعملي في المستشفى بالقاهرة، والذي يمرُّ بقلعة صلاح الدين ومزارات مصر القديمة، يرسل صديقي بأبيات استدعاءً لمعارضتي إياها – لايخلو من استفزاز لمفارقة حال المُعارَض للمُعارِض

يقول المتنبي

“أُغالِبُ فيكَ الشّوْقَ وَالشوْقُ أغلَبُ
وأعجبُ من ذا الهجرِ وَالوَصْلُ أعجبُ”

فأقول:

ولو أن مثلي للحنين مُقدرٌ
لطاب الجوى والوصلُ أزكى وأرحبُ

ولكن أرماح المنايا تقدّني
وشوقٌ إلى غوْرِ الوقيعةِ أغلبُ

————————————–

وينقل عن شاعرٍ غير مُعرَّف


“أفنيتُ عمري في هواكَ ضحيةٌ
‏ واللهُ أدرى بالنفوسِ وأعلمُ
‏ أشقيت قلبي والهيامُ يقول لي
‏ مِن أجل عينٍ ألف عين تكرم
‏لو كنتَ تخشى الله ما أشقيتني
‏لا يرحمُ الرحمنُ مَن لا يَرحمُ
‏شرع المتيم قَد تبين حُكمهُ
‏الوصلُ فرضٌ والفراق محرمُ”

فأردّ قاطعا:

الوصل فرضٌ والفراق محرّمُ
إن كان في صدرِ المُعنّى مُغرَمُ

تقضي الشريعةُ أن يُؤبّدُ وصلُنا
فيغيضَ إيمانٌ ويدنسَ مَحْرَمُ

—————————————

وينقل عن شاعر آخر قوله:

وسَارقَةٍ،تُلاحِقُني كَظِلِّيْ
حَظِيتُ ببعضِها،وفقَدْتُ كُلِّيْ

وقبلَ الرُّوحِ،ضَاعَ القلبُ منِّي
فقُلتُ:سرَقْتِهِ؟..قالتْ:لَعَلِّيْ

فأردّ:

فإن تَرْجُ الهوى يطربْك حينا
وأفتكُ ما بدارتنا التملّي

فليثٌ يُسترَقُّ من ابن آوى
ووصلُ الخُلْدِ مبدؤه التخلّي

قصائد وأراجيز – مُجمّعة

أرجوزة – فُسطاطَيْن

أُقَبِّلُها بعَسفٍ واصطبارٍ
قُبلتَيْن
فأولاها .. من التكوينِ منشؤها
وثانيها
ترُافقُني .. لتسميرِ اليدَيْن

***

أوافيها على شرط اللِّقا
يوميْن
فمبدؤها
بوَعْدٍ قد أقمتُ
وآخرُها
أُقيمُ بغيْرِ بَيْن

***

أُفارِقُها
و أحْدُدُ بيننا شَطْريْن
فمَقْدِمُهُ
وفاءٌ لا يُمَدُّ
ومَبْلَغُهُ
بِشِقِّ المِفرَقَيْن

قصائد وأراجيز – مُجمّعة

إطلالة مؤسفة وتقويمية على حملة غزة – أغسطس 2022

بطبيعة الحال، فإن الصراع بين حركات المقاومة الفلسطينية وإسرائيل – كأشباهه من نمط الحرب غير المتماثلة – يبقى صراعا ممتدا بجولات من التصعيد وتسكينه. وأي تفاعل عسكري له أثر استراتيجي ما بفعل التراكم وتداعي الحوادث وآثارها على إرادة وحسابات المتصارعين وظروف البيئة. الفارق – أن الطرف الحائز على رؤية استراتيجية مبدئية لإدارة الصراع بخطه الممتد، وعنده قابلية معرفية ومؤسسية وتطبيقية لشق مستهدفات مرحلية يوجه لها نثريات أدائه العسكري – وغير العسكري – بدأب ومراجعة، هو من يتحرر من قدر عشوائية الأثر الاستراتيجي ويحقق نجاحا. وفي أغلب الأحايين، يبقى التقدم الاستراتيجي عالة على أخطاء الخصم في الحساب والخيار والبنية والتصميم بأكثر منه نجاحا ذاتيا.

وبوضوح.. فالإطلالة العاجلة على الحملة الأخيرة على غزة 5-7 أغسطس والتي أسمتها إسرائيل (الفجر الصادق) في إشارة إلى محو السواد -اللون الرامز لسرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد)، وأسمتها الجهاد في مفارقة مؤسفة ترمز كذلك لعُمق الخلل البنيوي والتطبيقي لمسار المقاومة الفلسطينية (وحدة الساحات!)، لا تدع أي مجال للشك في نجاح واضح لإسرائيل في تحقيق أهدافها من الجولة، وكذلك تقدم استراتيجي معتبر على الخط الممتد، في مقابل خسارة استراتيجية للمقاومة الفلسطينية – هذه الخسارة أوسع كثيرا من آثارها على حركة الجهاد الإسلامي مع أنها تبدو أكبر المتضررين منها والمسئولين عنها!

وحين نحكي عن النجاح والفشل هنا فنقصد بالأساس المستوى الاستراتيجي، القدرة على شق أهداف سياسية قابلة للتحقق، وتحريك وتوجيه الأدوات العسكرية – وغيرها لتحقيقها، بالمقابلة مع قابلية ومستوى نجاح الخصم.

ويهمني الآن تناول أهداف الحملة المُعلنة إسرائيليا، عبر رئيس حكومتها، ومدى تحققها، قبل تقويم استراتيجي للوضع العام ولما يأتي:
1- الهدف العسكري المباشر، وهو تسكين وتحجيم التهديد العسكري للطوق الشمالي لغزة من قِبل الجهاد الإسلامي – مضادات الدروع بالأساس والتحرش الصاروخي بمستوطنات الغلاف. وهذا كما هو واضح هدف عملياتي مرتبط بالجولة، ولكن له آثار سياسية داخلية (الرصيد الشعبي للحكومة الحالية)، واستراتيجية (تدعيم الشق الإنكاري
Deterrence by denial
في معادلة الردع التقليدي التي تحاول إسرائيل تمديدها وتدعيمها – إنكاري بمعنى تحجيم فرص الخصم في الحركة والإيذاء). وقد نجح هذا فيما يتعلق بمضادات الدروع. أما الصواريخ، فقد أطلق الجهاد وبعض الفصائل حوالي 600 صاروخ وقذيفة خلال الأيام الثلاثة، ونعم تم التصدي لأغلبها عبر منظومة القبة الحديدية، ولكن كما أسلفنا سابقا، فإن منظومة مواجهة الصواريخ إسرائيليا أوسع من الدفاع الصاروخي، ولكن عبر مستويات أربعة (الردع – وهما كما سيأتي نجح بشكل معتبر فيه تبعا لعدم اشتراك حماس وإنهاء الحملة سريعا، والدفاع الإجهاضي – ويغيب عن يدينا تفصيل دقيق لحجم التدمير للبنية الصاروخية للجهاد ولكن واضح أنه ليس قليلا فضلا عن ظهور مشكل بنيوي وتكتيكي ذاتي عند الأخيرين، والدفاع الإيجابي بالقبة ومقلاع داوود للمتوسطة وآرو للطويلة، والدفاع السلبي وهو المنعة الشعبية والأمان المدني وهذا واضح أنه حصل به تطور كذلك).

2- الحفاظ على سياسة التمييز  
Differentiation
والفصل بين غزة والضفة – بقاء الضفة بعيدة عن متواليات الصراع وجولات استعادة الردع مع غزة
وهي السياسة التي استطاع الإسرائيلي أن يستكشف نجاعتها، بعد أن مهّد له الخصم شروطها واستمراريتها بعد حسم غزة 2006.

3- ضربات موجعة للبنية العسكرية والقيادية للجهاد – بدأت كممارسة تقليدية لمنطق الردع الإيذائي
punitive
– فضلا عن القصقصة الدورية لمصادر التهديد تكتيكيا وعملياتيا. ولكن تطورت مع الوقت للوصول لنتيجة موجعة في فقدان قائدي المنطقة الشمالية والجنوبية للجهاد في القطاع (تيسير الجعبري وخالد منصور)، وقائد مضاد الدروع وشريحة هامة من رفاقهم. وللأسف – فإن هناك مساحة أخرى من خسارة الجهاد أكثر خطورة وهي مسئولية تراجعها التكتيكي عن إحداث ضحايا في مدنيي القطاع، في الوقت الذي حرصت فيه إسرائيل بعض الشيء على مراعاة الأضرار الجانبية على المدنيين وسوقت لذلك إعلاميا وحتى بلجنة تحقيق في نشاط الجيش حاولت رفع مصداقية جيش الدفاع حين حملته مسئولية مقتل 5 أطفال في إحدى الضربات

4- بقاء حماس بعيدة عن النشاط العسكري التبادلي مع الجهاد في غزة. وهذا الحقيقة أخطر وأهمّ هدف تبعا لآثاره على الخط الممتد للصراع!
 من ناحية مرحلية، فهو فرض لقاعدة الردع الذاتي
self-deterrence
 على حماس في غياب رسائل معلنة وجهها الإسرائيلي للحركة للإحجام عن التدخل، وتطوير وتمديد قاعدة الردع – هنا ليس فقط فصلا بين الضفة وغزة، ولكن إحجام الحركة عن التدخل رغم تصفية للرأس العسكري لحركتها الرديفة بالمعنى الوطني والمُقاوِم داخل القطاع. ولأنها المسئولة السياسية عنه، فهذا يأخذ من صورتها كحامٍ للقطاع، ومن رصيدها الطامح لقيادة الحركة الوطنية الفلسطينية سياسيا وعسكريا.
وهذا يُخفف بعض المعضلة التي تعانيها الاستراتيجية الإسرائيلية في استيعاب حماس وإغرائها برفع درجة الأمان الاقتصادي في غزة، فحزمة التحفيز والأمن هذه تزيد من الردع الذاتي للتصعيد حفاظا على المكتسب السياسي والاقتصادي من ناحية، ولكنها كذلك تزيد من شعبيتها السياسية في القطاع على الأقل. ولكن هنا، بالنظر للبنية الاجتماعية والسياسية للقطاع، بالرغم من التململ للضغط الاقتصادي جراء دعم المشروع المقاوِم، فتداعي العُنوان المُقاوِم يقود لتراجع سياسي.

ولكن هناك بعد استراتيجي أهمّ، وهو عكس فرص الانعتاق من المأزق الاستراتيجي للمقاومة في غزة بعد 2006 كما تناولنا بتفصيل في معرض مناقشتنا لحملة (سيف القدس). هذا المأزق يتمثل في: انحسار مشروع المقاومة الفلسطينية لحرب حدودية دنيا في قطاع غزة تحت الحصار وعمليات إسرائيلية بين الحرب لتمتين حاجز الردع، وخسارة الضفة والقدس والداخل وما لذلك من قيمة وجودية بالمعنى السياسي والاستراتيجي والعقائدي للصراع (وهذا المقصود بسياسة التمييز الإسرائيلية، وكذلك الارتهان لمحاور الإقليم لبقاء مشروع غزة قائما عسكريا واقتصاديا على حساب النظر المستقل للمصلحة الوطنية التي قد تقتضي تحالفا استراتيجيا مع جهة خارجية ولكن تمايزا عنها في صراعتها الأخرى ورسم حدود التصعيد ذاتيا.

(سيف القدس) ليس فقط قدّمت فرصا حقيقيا للانعتاق من كل ماسبق؛ استعادة مشروع المقاومة بأبعاده السياسية والشعبية والعسكرية الشاملة، واستعادة للمركزية السياسية والاستراتيجية وبوادر (العملياتية) للضفة والقدس – والأخطر – الخط الأخضر، وترقّي في الوضع الإقليمي لبناء علاقات أكثر صحية مع كل الأطراف كالمصري والأردني وربما الخليجي لاحقا.. ولكنها هيأت لإحداث اختراق استراتيجي في مسار الصراع وتصحيح عيبه الخِلقي – أعني: فرصة لتطوير قيادة سياسية وعسكرية للمشروع الفلسطيني، مما يتيح فرصة ممكنة ل: أ. تطوير رؤية سياسية مرحلية واستراتيجية بمفرداتها المختلفة. ب. تطوير القابلية الاستراتيجية بمساحاتها المعرفية والمؤسسية والتطبيقية. ج. تطوير البنى التحتية في مسارح الصراع الأهم – الضفة والقدس وداخل الخط الأخضر.

النقطة التي أثارت عندي بعض التفاؤل حينها، ولكن المُحيّرة كذلك، أن ما سبق ذكره، ظهر ولو بشكل مبسط في خطابات بعض قيادات حماس حينها خصوصا السنوار. ووجه الحيرة – أن التوظيف الاستراتيجي المرحلي للحملة كمُخرج
end point
، والأهم – البناء عليها بالاستمساك بما أتاحته من مكتسبات وفرص وتطويرها (بالأخص في جوانب بناء القيادة السياسية والعسكرية والتي تقتضي تعاملا وطنيا وسيطا مع القطاع، تطوير القابلية الاستراتيجية، والبنى التحتية في الضفة والقدس والداخل)، لم يحصل بعد ذلك بشكل جدي. وبشكل أو آخر – تمت العودة ثانية للمنطق الذي كان حاكما في محورية وتمديد السيطرة على غزة. ولعل تعمّد الإسرائيلي أول أيام التهدئة بإعادة الزيارة المتحرشة للحرم الأقصى – وهي ما أشعلت الحملة ابتداء – وتأكده من صمت المقاومة أوسع من مجرد مكسب صوري تلقفته وسائله الإعلامية لاستعادة قدر من ماء الوجه المُهدر للحملة، إلى استعادة ضمنية لمعادلة الردع السابق، وإجبار الطرف الآخر على قبوله ليس فقط كنهاية حملة، ولكن الإحجام عن مسلك الاختراق الاستراتيجي المُشار إليه.

ومن هنا ندرك قيمة هذا الهدف السياسي المُعلن بوضوح إسرائيليا من منع حماس من الاشتراك في الحملة الفائتة، ولتحقيق هذا – فبالرغم من نجاحه العسكري الباهر في ضرب قطاع معتبر من قيادة الجهاد، وتحجيم التهديد على الغلاف الشمالي، إلا أنه كان متعجلا في الوصول لتهدئة وحتى بشروط فيها بعض تنازل (النظر في الإفراج لاحقا عن بسام السعدي واعتقاله هو ما أشعل رد الجهاد ابتداء بالتهديد الأمني للغلاف الشمالي). لماذا؟ لينهي الحملة قبل تغيّر حسابات حماس!

تقويم استراتيجي ونظرة لما يأتي:

من ناحية، فهذه الجولات في صراع ممتد نتائجها لا تكون نهائية، لا أعني فقط الخسارة العسكرية بالمعنى العملياتي والتكتيكي فهذه هينة بالطبع ويسهل تعويضها، ولكن حتى بمنطق آثار الحملة كتوظيف استراتيجي وفق رؤية ممتدة. فكما رأينا في (سيف القدس) قد تضيع المكتسبات وحتى تتراكم خسائر تبعا لتهاون التصميم السياسي والاستراتيجي عند الطرف المتقدم للبناء على ماحققه، أو يُصاب بسكرة الانتصار، أو تكون فرصة للطرف الخاسر في إحداث تصحيحات بنيوية ترفع من رصيده في إدارة الصراع ككل وتطوير قابليته الاستراتيجية. وحتى قبل سيف القدس، حملة 2006 أفادت كثيرا إسرائيل في إحداث تغييرات بنيوية في ميزان القدرة الاستراتيجية وورّطت حزب الله في عقبات ومثالب. وبالطبع 67 بالنسبة لإسرائيل، و73 لمصر. وهذا عين ما أشار له المفكر الاستراتيجي الأمريكي– ذو الخلفية الصهيونية – إدوارد لوتواك،
Strategy paradox
، أي التناقض والسخرية اللازمة في الاستراتيجية كمنطق وتجربة.

بوضوح، هذه خسارة بالميزان الاستراتيجي لحركات المقاومة الفلسطينية، ليس فقط كنتائج الحملة العسكرية وتحقيق الإسرائيلي أهدافه منها، ولكنها ضربت موارد أساسية في التصحيح الاستراتيجي والبناء على مكتسبات (سيف القدس):

  • تكريس التمايز بين غزة (فلسفة الحفاظ عليها كإمارة تحت الحصار والمكافآت والحملات المحسوبة) والضفة والقدس والداخل.
  • ضرب الثقة في حماس كقائدة للمقاومة الفلسطينية، وللثقة المتبادلة الضرورية لبناء أي جسد قائد عسكري وسياسي، وهو ضرورة وجودية لتطوير رؤية سياسية واستراتيجية، وبناء أطر وقابليات استراتيجية قادرة على تحريك وتوجيه وتحوير مصادر وتمظهرات الصراع الشامل – بالأخص بعده العسكري – لتحقيقها مرحليا وبشكل ممتد.
  • الخسارة الفادحة العسكرية والقيادية للجهاد، وخسارة شعبية لم تتضح معالمها بعد. وكذلك وصمة ممكنة على مستوى القاعدة الشعبية لحماس.

هل كانت ثمة بدائل بالنظر للمأزق الذي كان ماثلا أمام حماس للرد؟

هذا المأزق لايظهر فقط أنه بسبب معادلة الردع القائمة، وتبعات التصعيد على الرصيد الشعبي والسياسي للحركة بالقطاع والتخلي عن بعض المكتسبات الاقتصادية التي سمح بها الإسرائيلي (تراجع الحصار، وتصريحات ل 20 ألف غزاوي للعمل بالداخل)، ولكن لسلوك شديد السلبية والخرق من قيادة الجهاد. من الواضح أن سلوك التصعيد كان أحاديا، وخطاب رئيس الحركة (زياد النخالة) كان سيئا الحقيقة وصادما للحد الأدني من الوعي السياسي والاستراتيجي (خطابات يتقازم أمام بؤسها الخلل السياسي للقيادة الإسرائيلية في حملتي 2006 على لبنان و2009 على غزة!)، والأمر ليس فقط خطابات مع قيمتها في هذا النوع من الصراع لكن لأنه من يقود الحركة فعليا.

وهناك أمرٌ آخر قد يُزهّد حماس في الانجرار خلف الجهاد في تصعيدها، فوق انفرادها بقراره بالمخالفة لمبدأ الوحدة العسكرية للمقاومة (عنوان وحدة الساحات الذي رفعته الجهاد وخالفته برفعه!)، وهو التضعضع التكتيكي والعمليات للجهاد والذي كان صادما لي الحقيقة وعلى اعتبارات عدة – خصوصا وأنا منذ زمن طويل أُثَمّن الموقف والموضعة السياسية للجهاد في رفضها لمنطق السلطة وآثار أوسلو، وحتى الاستراتيجي في تحفظها على حسم غزة وبقاء معادلتها، مع وجود سلبيات وقصور يتمثل بلاشك في ضعف قاعدتها الشعبية لعدم تركيزها على العمل الاجتماعي بالمفارقة لحماس، ودرجة أوسع كثيرا من الاعتمادية على إيران أوهنت بدرجة كبيرة استقلال قرارها السياسي والاستراتيجي.
وبالرغم أنه ليست بين يدي معلومات محددة عن هذا التضعضع، ليست كالتي مثلا عند فصيل مرافق ومسئول عن القطاع كحماس، ولكن الشواهد أمامي كمراقب من الخارج واضحة: الفصل القيادي عملياتيا بين الشمال والجنوب ابتداء لتسهل السيطرة عليه من الخارج، الخرق الأمني بحيث وجود قيادته العسكرية ضمن بنك الأهداف الإسرائيلية على هذا النحو، مشكلة الصواريخ ليست فقط تكتيكية أو تقنية كما يتراءى لأن أي مشكلة من هذا النوع إذا توسعت لمستوى الجبهة يتم اعتبارها مشكل عملياتي بنيوي ووظيفي، وإذا قاد لآثار استراتيجية فادحة (كما حصل تبعا للتصعيد مثلا دون إدراك القدرة الذاتية ومحدداتها) يتم اعتبارها مشكل استراتيجي بنيوي أو وظيفي!

أقول، أني أتفهم جيدا اعتبارات حماس في صمتها في هذه الحملة، ولكن كذلك لكل الاعتبارات الاستراتيجية؛ سواء تلك في متطلبات تخليق وبناء قدرة استراتيجية للتعامل مع الخط الممتد للصراع  (تطوير الثقة فيها كحركة قائدة، والثقة المتبادلة وتكريس مبدأ الكل لأجل الواحد والواحد لأجل الكل، وإعادة المركزية للضفة والقدس والداخل، والتخلي عن حاكمية صيغة غزة)، أو تلك الخاصة بالتعامل والتوظيف الاستراتيجي لجولات التصعيد (تدعيم معادلة الردع الأفضلي، وامتلاك زمام المبادرة ورسم مسار الحرب، واستغلال التصعيد لتحقيق شروط تطوير القابلية الاستراتيجية وتجريبيتها والبناء القيادي والعملياتي عسكريا وفي الساحات)، أو التعامل الإيجابي وحتى التصحيح لسلوك وبنية المقاومة بالداخل وبالأخص الجهاد (الوقوف مع الجهاد كان يتيح فرصة أكبر ودالة لفرض حزمة تصحيحية وإعادة التزام بالقيادة العملياتية المشتركة)، فإن موقف حماس يُعتَبَر خطأ فادحا استراتيجيا!

من ناحية، هناك اختبار بسيط تستطيع حماس أو أي مراقب القيام به. هل لو حصل الاستهداف العسكري الذي تعرضت له الجهاد بنفس النوع والكم لحماس، هل كانت ستتحرك؟ حديثي هنا ليس في خانة الواجب الوطني والأخلاقي مع أهميتهما، ولكن الحساب الاستراتيجي البحت الخاص ببناء الثقة فيها كحركة قائدة، والتمهيد للقيادة الجامعة.

هل كان أمامها بدائل؟ بالتأكيد ولكن ضمن قاعدة الاشتراك والتصعيد! أنا لن أسرد هنا تفصيلات لخيارات استراتيجية، ليس فقط لأنها تحتاج لمعلومات عن الموارد والمعطيات العملياتية والبيئية لا أملكها، ولكن كذلك لأن الخيارات الاستراتيجية التفصيلية ليست وصفات طبخ جاهزة لأنها تعتمد على ردود أفعال ومبادرة الخصم والبيئة المحيطة ومتغيراتها ومقايسة الفرضيات الاستراتيجية والعملياتية خلفها عند التطبيق..

ولكن أقول بشكل عام، أن المخروط التصعيدي خصوصا إذا تم ربطه بوسائل ديبلوماسية وإعلامية وشعبية، يضع عددا واسعا الحقيقة من التخيّرات.. منطق حماس في الحملة ينبغي له أن يكون الانخراط الرسمي مع محاولة تفعيل الوسيط الديبلوماسي والشعبي وتوسعة الساحات غير العسكرية للوصول لصيغة تهدئة مناسبة، ولكن الاستعداد النفسي والقيادي لدرجة أوسع من التصعيد إذا أراده الخصم، والذي سيكون بشكل وآخر استنساخا مصغرا من سيف القدس.

الإسرائيلي يدرك بوضوح، أن تطوير التصعيد العسكري لما هو فوق استعادة معادلة الردع والتي يحتاج – هو وحماس – للوسيط المصري ينهي التبادل العسكري بشكل يحفظ ماء وجه الطرفين كسياسة داخلية ومنتوج استراتيجي، يعني التدخل البري في غزة. وهذا له حسابات مختلفة حاضرة خططيا وبشكل أقل كاستعداد عسكري، ولكن ليس كقرار سياسي وقدرة على تحمل كلفتها استراتيجيا. وأكيد لابد أن تتحرك الدائرة الخططية للمقاومة لاعتبار هذا المستوى عملياتيا، والأهم منه كتوظيف استراتيجي مرحلي وامتدادته واستراتيجية الخروج المناسبة، ولكن المقصد –  أن كلا الطرفين لايريدونه الآن.

وكما أسلفت، سيقود المخروط التصعيدي لحماس لمنجزات على الثلاثة خطوط التي لابد وأن يتحرك فيها النظر الاستراتيجي: مسلتزمات الخط الممتد لاستراتيجية الصراع وبالأخص بناء القيادة الموحدة وتطوير القابلية الاستراتيجية، التوظيف الاستراتيجي المرحلي للحملة، وفرصة أكبر لعلاج المشكل الداخلي مع الجهاد.

أما وقد حصل ما حصل، فهل هناك سبيل للحل؟ بالتأكيد.. ولكن إن كنا قد أوصينا بُعيد حملة سيف القدس أن يحصل استنفار حقيقي للمراجعة السياسية والاستراتيجية لحركات المقاومة وعلى رأسها حماس، كمطلب لبناء وتطوير وتصحيح القيادة الاستراتيجية للصراع فضلا عن ضرورة الشروع في تطوير القابلية الاستراتيجية لإدارته معرفيا ومأسسيا وتطبيقيا، فهو في حالنا الآن أكثر إلحاحا، وبالعكس، قد تقود مرارة الأسف والخسارة لتحريك الضمير الرسالي والوطني عند جميع الأطراف لهكذا مراجعة وتصحيح بأكثر مما يدفع له انتشاء الانتصار.


لمزيد مراجعة:

مقال – على هامش (سيف القدس): استشراف الرؤية الاستراتيجية للحراك الفلسطيني المُقاوِم

ندوة عن (التقييم الاستراتيجي لحملة سيف القدس)

مقال: هل تُعيد (سيف القدس) المبادرة الاستراتيجية لحركات المقاومة الفلسطينية؟

https://www.inss.org.il/publication/breaking-dawn-strategy/

ملاحظة حول التصعيد الصيني حول تايوان

3 August
بخصوص التوتر الصيني التايواني، وردا على زيارة رئيسة الكونجرس الأمريكي، أعلنت الصين مناورات بالذخيرة الحية في 6 نقاط محيطة بتايوان.. هل ممكن تطور الأمر لنزاع عسكري؟ وما وضعية معادلة الردع؟

بداية – مهم إدراك سياق الأزمة بأبعاده التاريخية وماحصل فيها من تطور بعد 2000 (وجود قيادة سياسية تنحاز للاستقلال من خارج الكومنتانج)
وكذلك في الكم سنة الماضية في مساحات مختلفة
(حكومة الحزب الديمقراطي التايواني المؤيدة للانفصال بعد فترة من التقارب السياسي النسبي، التمدد العسكري الصيني ويصاحبه بعض التشددات التي أثارت قلق تايوان بالأخص قانون الأمن القومي لهونج كونج الذي يمثل إنذارا – في نظر تايوان – حول استحكام سيطرة الصين عليها مستقبلا، فضلا عن تصاعد التنازع الأمريكي الصيني، وحضور شبح التدخل الروسي في أوكرانيا الذي أعاد مبدأ النزوع الحاد لقوة رئيسة للتدخل العسكري المباشر في تحقيق المصالح القومية والإقليمية، وكذلك تدهور واضع في ال
strategic posture
الأمريكي – كمصداقية في نجاعة وجاهزية المبادرة الاستراتيجية والقدرة على توظيف الأداة العسكرية أكثر منها تراجع المعادلات الكمية)..
هناك أيضا التشتت وغلبة بعض التحيزات السياسية على عناصر صنع السياسة الأمريكية، وهذا شيء معتاد في الحال الأمريكي خصوصا في الأزمات دون الوجودية وحتى بعض الحيوية.. مثلا – هناك تصريح بايدن العام الماضي بدعم سلامة تايوان ووضعها المستقل فعليا ولو بتدخل عسكري، ولكن كذلك معارضته لزيارة بيلوسي لما تسهمه في توتير الوضع، وفي نفس الوقت تصريح مجلس الأمن القومي بأن أمريكا سياستها لاتزال لمبدأ صين واحدة الذي تم الاتفاق عليه في 1979.
وكتوازن عسكري واستراتيجي، فهناك غلبة واسعة صينية في المحيط الإقليمي القريب (وهذا عقدة استراتيجيتها الأمن القومي والدفاعي) ولكن تفوق أمريكي واسع في المحيط الأشمل باعتبارات كيفية، وكمية نسبية
projection of power

من ناحية تاريخية كما أسلفت، ملف تايوان يبقى مستندا دافعا للتصعيد دوما.. فهناك الالتباس في وضعية تايوان نفسها وطبيعة الغموض في ترتيب هذا دوليا (بعد فترة من احتلالها مقعد الصين الدائم، تم طردها وإعطاء مقعدها للصين الشعبية، وتوقف الاعتراف بها دوليا.. ولكن في ذات الوقت – مبدأ صين واحدة ونظامين مستقلين كان قائما ومُقر صينيا وكاتفاق مع الأمريكي منذ 1979، ولكن تعريف مساحة الأمن القومي والسيادة الدولية والإطار الخارجي وما يتصل به من تعديات وتجاوزات على وحدة الصين واستقلالها بهذه المساحة تبقى دوما عرضة للشد والجذب – والاستغلال من قبل القوى الإقليمية – اليابان مثالا – والأمريكي)

، ولكن كذلك حجم التداخل والاعتمادية الاقتصادية، وطبيعة تفكير مؤسسات صنع القرارا الاستراتيجي عند الأمريكي والصيني (الذي يحتاج لفترة زمنية تختمر فيها متواليات منظوماته التحديثية بالأخص في المعايير النوعية للقدرة القتالية التقليدية).. فكل هذا يجعل الطرفين أبعد ما يكونان عن استدعاء نزاع عسكري شامل

ولكن هذا لا يعني، أنه لا يمكن أن تتدهور الأزمة من قِبَل تايوان مستقبلا، كقراءة خاطئة لعمق وطبيعة الالتزام الأمريكي بتأمينها دفاعيا. ولو حصل هذا، فالصين يقينا ستتحرك عسكريا لحيازة تايوان، ولكن حينها كذلك – ستدعم أمريكا الأخيرة بوسائل دون التدحرج لأزمة نووية. قريبا مما حصل في أوكرانيا مع اختلاف في كم ونوعية الجدوى لتصليب الدفاع التايواني.

ما يحصل حاليا بعيد عن هذا، ولكن قد يؤدي لتقديرات خاطئة عن حكومة تايوان فيما يتعلق بعمق الدعم الأمريكي وكذلك بمستوى وصدقية التهديد العسكري الصيني.
مناورات الصين بالذخيرة الحية هي مجرد إشارة – حصلت بالمناسبة منذ عامين بعد زيارة مسئول للخارجية الأمريكية كذلك – في معرض سياسة تحذيرية
warning
تبادلية- لا تصل حتى لدرجة أن تكون قسرية
coercive
لأنه لا الطرف الأمريكي ولا الصيني يريد تحريك ملفات الأن..
ولعل هذا ما وراء تصريح رئيس هيئة الأركان المشتركة أنه لا نية عند الصين لتعدٍ عسكري وشيك.

أُرجوزةٌ مبتورة

بترها إشفاق الصاحب، وانتباهةُ الطريق، والزّهدُ فيما هو منه وما ورائه

راوغيني .. من ندوبِ الغَدْرِ دهرًا

.. وانثريني

فوق أبدالِ الطَّرافةِ والتّحَنُّنِ

واسلُكي في جنبيَ المسكونِ

بأوهامِ الرَّهافةِ

نصلاً .. من يقين

قصائد وأراجيز – مُجمّعة

في استفهام الاستراتيجية العسكرية الروسية: إشكال الفرضيات أم التطبيق؟

https://www.raialyoum.com/%d8%af-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d8%b1%d9%8a%d9%83-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%81%d9%87%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%aa%d9%8a%d8%ac%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84/

كما قال كلاوزفيتس قديما، “فإن أول وأعلى تقدير – والأكثر إحاطة – الذي ينبغي أن يصل له القائد السياسي والقائد العسكري يتعلق بطبيعة الحرب التي يريدان شنّها (بفحص مدى خدمتها للغرض السياسي منها)، كي لايخطئا في هذا، أو يحاولا تبديلها لشيء آخر مغاير لطبيعتها. هذا هو السؤال الأول والذي يسبق ماعداه في الاستراتيجية”.

وهي تدخل أسبوعها الرابع، تبقى الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا مصدر جملة من الإشكالات. روسيا اختارت مسار التصعيد الشامل عسكريا ضد أوكرانيا بنسق إحاطي من الأطراف واستهداف مبكر لكييف من الشمال على جانبي نهر دنيبرو. الهدف السياسي الواضح أنه محاولة لتغيير بنية النظام السياسي في أوكرانيا، وعلى الأقل تغيير سلوكه السياسي فيما يتعلق بقضيتين جوهريتين: منع التوجه غربا بالأخص الانضمام للناتو وبدرجة أخرى الاتحاد الأوروبي، وكذلك استيعاب معتبر للدونباس داخل الإطار السياسي والدستوري – بنسق فيدرالي – وكذلك ثقافيا واجتماعيا، وبالتأكيد الإقرار بتبعية القرم لروسيا.

المأزق الأكثر مباشرة، أن سلوكها العسكري في الأسبوع الأول ليس فقط قاد لجملة من الخسائر على المستوى العسكري ؛ بل والاستراتيجي. مهم تذكُّر أن الخط الاستراتيجي العام لموسكو بعد صحوتها في الألفية كان فعالا بشكل كبير في حماية أمانها الدفاعي في محيطها القريب
Near Abroad
، وتمثّل في تطوير البنية العسكرية (بالأخص مشروع التحديث العسكري الذي بدأ في 2008 بعد أداء تكتيكي متواضع في جورجيا)، وفي ذات الوقت – مسار يدمج ما بين الديبلوماسية الإكراهية والردع التقليدي (تهديد واستخدام محدود ورمزي للقوة العسكرية التقليدية مع قفزات عسكرية محسوبة كما في جورجيا والقرم) للتأثير على السلوك السياسي للناتو وأطرافه المحلية، وحرب معلوماتية وتموضع ديبلوماسي يهدف لتفكيك وحدة الناتو بما يشمل تعميق الخرق الحاصل به وتسهيل تحوّل أنظمة حكم في دوله لأنظمة (التيار اليميني المتشدد) تكرس العزلة الوطنية على حساب تمتين التحالف، وبقاء وتحسين وتوظيف الردع النووي لكفح مستوى التصعيد
De-escalation.

لكن طبيعة المأزق الاستراتيجي الحالي تتلخص في نقطتين:

أولا) محدوديات خيارات العمل العسكري التي كانت متاحة أمام الروسي ابتداء وتناولناها في مقال (تعقّب استراتيجي للأزمة الأوكرانية: مأزق ومحدودية خيار الحرب)، ليس من حيث قدرته العسكرية على إنفاذها، ولكن فاعلية هذه الخيارات في تحقيق الأثر الاستراتيجي والسياسي المنوط بها؛ فإن التعثر العسكري يزيد التورط الاستراتيجي الروسي إشكالا!
سواء: أ) احتلال الدونباس وتوسعة نطاقها الدفاعي والذي سيدفع أوكرانيا للناتو أكثر، أو ب) مزج ذلك بضربات عسكرية (جوية وصاروخية وكوماندوز عقابية) للضغط السياسي على نظام كييف وقد يعطي ذريعة للتصلب السياسي الذي يؤدي لتصعيد عسكري بثمنية عالية وتفاقم العزل الاقتصادي والدولي لروسيا،  ج) الحملة العسكرية الشاملة التي تقصد احتلال كييف وإسقاط نظامها وزرع نظام موالي) والذي ليس فقط سيورط الروسي في احتلال عالي التكلفة وتطوير حرب مقاومة ضدة، بل يقدم للناتو فرصة لإعادة الحشد السياسي والشعبي تقدِمة لتغيير بنيوي في تطويره كحلف دفاعي كموارد وتوظيف وعنوان مشروعية وتكريس تفكك وتشقق الناتو كان في مركزية الخيار الاستراتيجي الروسي طيلة العقدين الفائتين.  نعم – المنتوج الاستراتيجي يعتمد بالأساس على التقابلية بين طرفين الصراع كما أشرنا في مقال (خيارات روسيا والناتو)، والناتو قد يعجز عن انتهاز الفرصة لتطوير بنيته ووضعه في أوروبا بشكل يقلب طاولة الصراع لصالحه، ولكنه على الأقل – حتى اللحظة – نجح في عزل روسيا، وتطوير بنية وقدرة المقاومة المسلحة الأوكرانية لإدماء الروسي في هذه المرحلة وما قد يعقبها من احتلال سيتم جعله بثمنية عالية.

ثانيا) الخسائر هنا ليست تكتيكية بالأساس، ولكنها – حتى باعتبار خسارة روسيا للفضاء الشبكي والإعلامي والذي كان عنصر تميز في المسار الروسي السابق وما فيه من مبالغات تخصم من كفاءة الجيش الروسي– فالصورة الردعية لروسيا كقوة سياسية قادرة على المبادأة الحاسمة
 Aggressive Initiative
لتفعيل الأدة العسكرية الكفؤة – ضمن خيارات القوة الشاملة – قلّت كثيرا. وفوق هذا – تصاعد الضغط الاقتصادي الخانق،

التفسير الظاهري ليعض جوانب التعثر العسكري تكتيكيا سهل نسبيا، فالتمدد العسكري كان عبر وحدات متناثرة من الدروع بخطوط ضيقة ونمطية
Methodical
، أثّر غياب وحدات المشاة المساندة والدعم الجوي أو مضادات الطيران بشكل واقعي على أمانها
convoy security
، وهذا قاد لخسائر واسعة في المعدات والأفراد بضربات جوية وكمائن. هذا المشكل تفاقم بالطبع تبعا لتنامي القدرة الأوكرانية على هذا النمط بفعل طبيعة الدعم العسكري في المعدات والخبرة من الناتو كما سيأتي.
كذلك ظهرت مشكلة اللوجستيك (عدم شق واستدامة خطوط دعم معقولة بالأخص في الوقود)، وضعف للروح القتالية عند قطاع من الجنود.

لكن وإن كانت هذه تبدو مشكلات تكتيكية، فهي بالأساس انعكاس لمشكل عملياتي :

أولا) في تشكيل وتوظيف مسارات الفعل العسكري
force structure and employment.
لأن المشكلة التكتيكية تلك تشمل جلّ القوات المشاركة في الحملة. كذلك – غياب منطق الأسلحة المشتركة بالأساس هو مشكل عملياتي.

ثانيا)  بعد تفعيل جيد للقوة الجوية والصاروخية في استهداف الرادارات والدفاعات الجوية الأوكرانية أول يومين، حصل شبه كمون للقوة الجوية الروسية (حوالي 300 طائرة حواليْ أوكرانيا) وتقاصر عن استكمال تحقيق السيادة الجوية أو الدعم التكتيكي.

ثالثا) ثم مشكلة التعامل مع المدن ومسارات العمليات
lines of operations
، وهي من أهم بنود التصميم العملياتي المُفترض للحملة
Operational design
؛ ولكن عدم وضوح منطق التوظيف الاستراتيجي لها يجعل المشكلة أكثر تعقيدا.. محاولات اقتحامها واستهدافها جويا والتقدم البطيء حواليها لا يتناسق مع أي غرض عسكري (فضلا عن توظيفه استراتيجيا)، هل المقصود هو تجاوز المدن (عدا المخانق الاستراتيجية أو ذات قيمة كرمزية سياسية أو عزل أوكرانيا بحريا والوصلة البرية بين القرم والدونباس: كخاركيف وماريوبول وأوديسا) وصولا لكييف؟ أم الإحاطة بالمدن وحتى اقتحامها بغرض الإكراه السياسي؟ أم اقتحامها والسيطرة عليها تبعا لمخطط أوكرانيا بديلة؟ – في كل هذه الأحوال – من وجهة نظر تصميم وتوظيف القوات عملياتيا – فإنه يقتضي:
         1  تشكيلا أوسع من حيث القوات المسخرة للعملية. فالتقدير العددي يتراوح بين (80-160 ألف مقاتل تتراوح كثيرا نوعياتهم، ولكن الواضح أن هناك قدر لابأس به من قوات تجنيد غير محترفة)، وهذا أقل كثيرا مما تتطلبه هذه العملية بمنطق معادلة التكافؤ العسكري البحت بين قوات الهجوم والدفاع (نحكي عما لايقل عن 200 ألف مسلح أوكراني)، فإن وضعنا معايير أخرى مثل المفارقة بين النسق النظامي وغير النظامي الذي لجأ له الأوكراني دفاعيا وتعطي أفضلية للأخير، وأيضا الاحتياج لمهام حشدية وتحريكية وسيطة (سواء حصار المدن، أو اقتحامها، أو تأمين الأرداف والمخانق ومناطق الارتداد)، فالعدد أقل كثيرا مما هو مطلوب.
       2  تكريس مبدأ الحرب المشتركة كبنية وتوظيف وبحيث يكون التشكيل الأدنى قائما على كتيبة مدرعة مدعومة Augmented Battle Group – ABG
– كما ينص المذهب العسكري
Doctrine
 الروسي، في خطوط التمدد النظامي والالتحام المباشر، ولكن عندها قدرة على التفتت المنهجي دون فقدان السيطرة، للقيام بأدوار الانتشار واشتباكات المدن والتحكم في نقاط السيادة المدنية. 
      3 وحين يكون اقتحام المدن عاملا مركزيا في التصميم العملياتي فهذا يفرض التشبيك بدقة بين الكتائب المدرعة والضربات الجوية والصاروخية (بالأخص تحويلها للدعم التكتيكي أو التادخلي
Interdiction
 بضرب مصارد البناء والتحريك العسكري داخلها، أكثر منه الضرب العقابي والنفسي
moral bombing
، خصوصا في السياق الاستراتيجي الذي على الأقل يدرك الروسي مدى حساسيته لأي فاتورة خسائر مدنية كما يتضح من بعض قواعد الاشتباك المتحفظة خصوصا لقوات المشاة والأمن داخل المدن!
    لكن بوضوح، يظهر أن هناك قصورا في الفرضية الاستراتيجية التي على أساسها يتأسس التخطيط العملياتي.

بمعنى:
أ. لو الخيار الاستراتيجي يقتضي سرعة حيازة كييف لتحقيق هدف سياسي مرتبط بتغيير النظام (الهدف الذي أعلنه بوتين بخصوص تغيير بنية وتوجه النظام يشي بذلك)، فهذا كان يقتضي مسارا عملياتي مختلفا يتم تصحيح ما سبق ذكره، وفقط ينشغل بحيازة السيادة الجوية، وتكثيف المسار العسكري من الشمال، مع أو بدون حيازة بعض المناطق الحيوية في الجنوب وتأمين الدونباس دفاعيا.

ب. لو الخيار الاستراتيجي هو وسيط، بتوسعة النطاق الدفاعي للدونباس مع ضغط عسكري شامل، فهذا كذلك يقتضي ذات التطوير العملياتي العام، مع محاصرة المدن دون اقتحامها، مع مسارات دعم إنساني وانفتاح ديبلوماسي، وضبط مفرط لقواعد الاشتباك والضربات الجوية لتجنب أي خسائر مدنية، مع الاستعداد لطول مدة العمليات.

ج. لو الخيار الاستراتيجي هو فقط توسعة نطاق الدونباس دفاعيا، فهذا معناه التهيؤ الاستراتيجي والعسكري لأوكرانيا تلتحق بالناتو، وحينها يتم تفعيل أدوات أخرى ترتبط بتطوير الردع النووي، والتحرك على مستوى العقاب الاقتصادي والتكتل الدولي. ولكن الحقيقة، أن هذا أسوأ الخيارات لأنه يعني هدما للصيغة الردعية، وفي ذات الوقت تقديم ذريعة لخسارة أوكرانيا.

هذا لايعني أن الخيار الأول، والثاني ليس بهما معوقات استراتيجية -كما أشرنا، أهمها ليس فقط العقوبات الاقتصادية، ولكنه يعطي للخصم (الناتو) فرصة للحشد وتعديل بنيته الدفاعية وعنوانه السياسي وقابليته الاستراتيجي بشكل جذري وتجاوز كثير من مشكلاته السابقة في الخلاف الداخلي وفقدان الإرادة السياسية والشعبية خلف تطوره كمؤسسة حلف عسكري، والتي استغلها وفاقمتها الاستراتيجية الروسية خلال عقدين. ولكن نحكي هنا عن كيف تتدخل الاستراتيجية في هيكلة وتحوير بنية وتوظيف العمليات العسكرية.

والمأزق الأدق هنا هو تحليلي، في استفهام منطق التعثر العسكري وآثاره الاستراتيجية وكيف حدث؟ هل المشكل في مستوى الأهداف السياسية، أم الخيار الاستراتيجي، أم القدرة العملياتية في تحقيقه؟

وكما هو واضح، فإن الأهداف السياسية الخاصة باستدامة فائض الردع النووي والتقليدي وتحوير السلوك السياسي الأوكراني هي ممكنة استراتيجيا، سواء باستدامة الخيارات الاستراتيجية السابقة، مع إضافة الحشد العسكري مع خيارات الضغط الاقتصادي والاستيعاب السياسي والتكتل الدولي، وحتى الخيار القائم على توسعة الضغط العسكري الشامل دون دخول المدن أو كييف مع تغيير في بنية المسلك الإعلامي والديبلوماسي لروسيا لنمط أكثر استيعابا وحساسية للعنصر الأوكراني، وإن كان يقتضي التطوير العملياتي السابق ذكره لجعله ممكنا.

لكن اللغز هنا يقع في تفسير الخلل العملياتي الفادح، هل هو عالة على مشكل بنيوي عسكري، أم خلل في الفرضيات الاستراتيجية. حتى لو الأول، فالاستراتيجية عليها مسئولية بلاشك، لأنها  توصيل بين تلك القدرة العملياتية وأنماطها وما يترشح عنها من آثار استراتيجية تحقق الهدف السياسية.

لكن بالإضافة إلى اضطراب مسار التصميم العملياتي وعدم انسجامه مع الخيارات الاستراتيجية الرئيسة، فإذا كان مأزق القدرة العملياتية شاملا  وبالأخص -يخالف مستوى التكييف والكفاءة التي تقرره العقيدة القتالية والتجارب السابقة، فهو بيقين عالة على خلل في التكييف الاستراتيجي ابتداء. نعم، قد يحصل الاضطراب العسكري بسبب المفاجآت في بيئة العمليات التي تُدحض صوابية الفرضية الاستراتيجية المبدئية التي أسست لبنية وتوظيف المسار العملياتي – من حيث إمكانية تنفيذ الخيار عسكريا، هذا من طبيعة أي حرب..  ولكن حتى في هذه الحالة، فواجب الاستراتيجية أن تعيد تعديل مخروط الخيار الاستراتيجي (الصلة بين الأهداف، والخيارات، والأدوات).

نعم، هناك مشكلات بنيوية في الأداة العسكرية الروسية، وربما حتى السوفيتية قبلها، ونتاج أسباب أعقد في طبيعة النظام السياسي، والبنية الاجتماعية والتقنية للجيش والدولة عموما، وما يُعرف بالثقافة الاستراتيجية (أثر المركبات والتحيزات الثقافية على بنية القابليتين الاستراتيجية والعسكرية).. مشكلات: كالمركزية المفرض، والضعف الأصيل في المبادأة التكتيكية وحرب الأسلحة المشتركة والقيادة بالمهام، والتراجع التقني-اجتماعي في بناء وتوظيف منظومات التسليح، واللوجستيك. ولعل كتاب
Armies of the Sand
من أوسع الدراسات في هذا الشأن، ولكن بالأخص بعد اهتراء الممارسة التكتيكية في حملة جورجيا 2008، قام الروسي بما أشرنا بمشروع واسع للإصلاح العسكري في كل مفردات القابلية القتالية (عقائد، ومنظومات قيادة وسيطرة وحرب مشتركة، وتقنيات). ونعم، هناك شواهد على تركيز على مساحات الردع النووي، والتقنيات، وبقاء بعض المشكلات الهيكلية قائمة. ولكن كما في أوكرانيا 2014، وسوريا، والعديد من العروض التدريبية ومشاريع الحرب، فهناك تطور كبير في بنية والقدرة التوظيفية للأداة العسكرية، بشكل يناقض بفجاجة الأداء العسكري في الأسابيع الثلاث الماضية.

بل أوضح من هذا، ماحصل يخالف المذهب العسكري الروسي، وال
Order of Battle
 في الحرب المحدودة. في التصور الاستراتيجي الروسي كما نصت وثائق متعددة، هناك مستويات للتصعيد العسكري ضمن المخروط الاستراتيجي؛ بدءا من نزاع عسكري دون الحرب، وحرب محلية، وحرب إقليمية (قد يتم توظيف السلاح النووي التكتيكي ردا على التقدير الروسي للفجوة العسكرية التقليدية لصالح الناتو والخشية من ضربات عالية الدقة على مراكزه الحيوية السياسية والعسكرية
Comprehensive high precise strikes
، ولكن الاستعداد للرد النووي الاستراتيجي في مواجهة نزوع الناتو لهذا الخيار تبعا لمذهبه العسكري بالتالي)، وحرب شاملة نووية. وعلى مستوى الحرب المحدودة، فهي كتكييف عملياتي وقواتي مبدئي قائمة بالأساس على حرب عالية القوة والتشكيلات المشتركة، ولكن الواضح أن عملية أوكرانيا تقع روسيا تحت عنوان (العملية مادون الحرب)، وهذا التفسير الوحيد الذي يفك اللغز السابق: (لماذا تحركت روسيا عملياتيا – بغض النظر عن مأزق الخيارات الاستراتيجية في توظيف الأداة العسكرية – بشكل أقل كثيرا كما وكفاءة مما هو مطلوب فضلا عن تفسيخ مجمل ومنطق التشكيل التكتيكي والعملياتي المُقرر مذهبيا).

المسألة ليست أن هذا ما أعلنه بوتين، أنها (عملية أمنية) وليست حربا، أو أن معظم القيادات التكتيكية لم تعرف بأنهم مقبلون على حرب إلا ليلتها!، وبقيت معظم القوات من الجنود وضباط الصف تتخيل أنها في تدريب أو عملية حفظ سلام! وهذا أثر بالتالي على انخفاض حاد في روحها القتالية في الأسبوع الأول كرد فعل للدفاع الشرس من الأوكراني. ولكن للخلط الشديد في تكييف هذه الحرب حين يربط بين (عملية أمنية) وتشكيل وأداء عسكري مهتريء، ونزع سلاح أوكرانيا والحيازة السيادية عليها (كما يقتضي مطلب محاكمة المتورطين في استهداف الروس ونزع النازية) فضلا عن ضمان عدم التوجه للناتو. هذا الخلط لايأتي إلا من فرضة قللت كثيرا من قدرة الأوكران على الفعل العسكري، وتلمس الناتو في هذا المسار الدفاعي المُربك والمُورّط للروسي في التزام عسكري عالي الثمنية – في طريق الوصول لكييف وبعد السيطرة عليها، حتى إذا لم يقم بالتطوير الممكن في بنيته ووظيفته. وهنا نستحضر ما استفتحنا به المقال من قول كلاوزفيتس حول أن تعريف طبيعة الحرب وتوظيفها لخدمة الغرض السياسي هو أساس الاستراتيجية.

والتناقض الشديد بين مايقصده الروسي سياسيا وخياره الاستراتيجي وتنزيله في مفردات الوجه العملياتي والتكتيكي للحرب، ظهر نقيضه في وضع الناتو. نعم هو حتى الآن لم يقم بالتطوير الممكن في بنيته ووظيفته كحلف عسكري استغلالا لما حصل، ولكنه بتنى الدعم النوعي للمقاومة الأوكرانية لمسار من الدفاع المرن والمرتكز على نمط غير نظامي وقليل الحدة
low intensity operations
، وعلى هذا كان دعمها بتقوية النشاط الدفاعي والإدمائي للمجاميع الصغيرة بالأسلحة المضادة للطائرات والصواريخ والدروع، والحرب الالكترونية وتطوير دائرة القيادة والسيطرة والاتصال، وليس مثلا الأسلحة الثقيلة والطائرات التي تصلح لنمط عسكري مختلف سيتفوق فيه الروسي قطعا، فضلا عن سهولة ومعرفة نقل المعرفة والخبرة الفنية في النمط الأول.

الروسي بلاشك قام بتحسينات شديدة بدءا من الأسبوع الثاني للحرب على مستويات التكتيك والعمليات، وهو يتقدم على الأرض، وسيحوز كييف وإن بدرجة من المشقة وتراكم الخسارة العسكرية والإنسانية وفي صورة الردع، وهذه التحسينات هي ليس بناء تجديديا ولكن عودة لخطه التقليدي الذي أزاحه عنه فرضيات استراتيجية خاطئة في طبيعة المواجهة التي هو مقبل عليها. ولكنها لن تزيح المشكلات الاستراتيجية في التوظيف والتداعليات الاستراتيجية للحملة بالأخص بعد سقوط كييف. هذه المشكلات جعلت فرصة تميزه الاستراتيجي الممكن، والأصعب، مرتهنة بمدى الخلل الممكن وتهالك الإرادة السياسية للخصم (الناتو)، بأكثر منه قدرة ذاتية على رسم مسار الحرب والسيطرة على مفاصلها.


متابعة للأزمة الأوكرانية – خيارات روسيا والناتو ومنطق التدافع الاستراتيجي

https://www.raialyoum.com/%d8%af-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d8%b1%d9%8a%d9%83-%d9%85%d8%aa%d8%a7%d8%a8%d8%b9%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%a3%d8%b2%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%83%d8%b1%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9/

في متابعة لمسار الأزمة الأوكرانية، ومع تصاعد الاجتياح العسكري الروسي، يهم التنبيه على قاعدتين تفسيريتين قبل أن ندلف لطبيعة الخيارات أمام الروسي والناتو والتطورات المحتملة في مسار الأزمة.

أولا) الاستراتيجية مُعقدة عموما – وبالأخص في هذا الأزمة. نعم – قد يسهل علينا إدراك خلفية الصراع وبدرجة أصعب – مُحددات الخيارات الاستراتيجية أمام الأطراف، ولكن يصعب بشكل كبير التنبؤ الحاسم بأي خيار سيتم اتباعه. وكما أسلفنا في مقال سابق، فإن المنطق الذي يحكم بوتين روسيا هو التعامل مع أوكرانيا كجزء من أزمة أوسع لاستعادة وضع الأمان الجيواستراتيجي لروسيا والذي حصلت تعديات كبيرة فيه بعد انتهاء الحرب الباردة. وبالأخص – المفارقة بين الصعود السياسي ومحاولة ابتعاث قوة الحركة الإقليمية والدولية لروسيا ، وبين تفاقم أزمة توسع الناتو، وضرب قاعدة النظام الدولي القائم على اعتبارات العدالة وهيمنة القانون الدولي (حتى مع تحيزاته ومساحات قصوره الفجة المعروفة).
بمعنى – تظهر الأزمة على المسرح الدولي ليس فقط بتجاوز منطق العدالة والقانون والتعدي على مصالح وأمان الأطراف المقابلة، ولكن بصعود قوة مضادة من حيث الإرادة والقدرة ترى في هذا التعدي أزمة وتتحرك لصدها.

ولهذا فبعد تبني روسيا لمنطق صراع وتطويرها لقدرة على المضي فيه، كان الخيار الاستراتيجي المُعتمد على الديبلوماسية القسرية والردع التقليدي (بوسائل هجينة) لتطويع السلوك السياسي لأوكرانيا والناتو بشكل أوسع فيما يتعلق بدفن خطة توسع الناتو لأوكرانيا، وكذا لدول أخرى وبالأخص جورجيا ومولدوفا والبوسنة، وكذا دفعه للتراجع في البنية التحتية للصواريخ الدفاعية في المحيط القريب لروسيا بما لها من قدرة لضرب الصاروخ الاستراتيجية الروسية ومعادلة الردع النووي بالتبعية أو تحويرها لأنساق صواريخ بالستية، ثم الوصول لحل بخصوص دانباس بأبعاده الشعبية والسياسية والعسكرية.

ولكن كما أسلفنا سابقا، فإن خطورة هذا الخيار هو احتمالية وضرورة تفعيل الأداة العسكرية إذا فشلت عملية التطويع تلك، وبالأخص – صعوبة تبريد الأزمة دون تحقيق المطلوب. والأخطر – أن كل الخيارات العسكرية – وإن كانت قابلة للتنفيذ – بما فيها حتى الغزو الشامل واحتلال كييف – إلا أن المأزق بها ليس فقط كيف أن تُترجم لنهايات سياسية مقبولة (وهذا مأزق الاستراتيجية بالأخص)، بل ما قد ينتج عن العمليات العسكرية من بيئة استراتيجية وأمنية لعوامل مختلفة هي غير مُحابية لروسيا.

ثانيا) الاستراتيجية تدافعية،  وهذا له أكثر من انعكاس. فإن بنيتها الأساسية ومسارها يعتمد على مبادرات وردود فعل الخصوم، وهذا ليس فقط يجعل من البيئة الاستراتيجية وتقديرات ماسيحصل تاليا أو كمسار أبعد شديد الصعوبة، بل كذلك يجعل مركز ثقل الإجادة الاستراتيجية ليس الخطة المُحكمة؛ إذ أي خطة للحرب – كما ذكر مولتكة الأكبر رئيس أركان حرب بروسيا ثم ألمانيا في حروب التوحيد – لا تحتمل ثلث الحرب أو حتى أول رصاصة فيها. ولكن هناك جملة من الأفكار لمسارات استراتيجية ممكنة، ويتم التحرك بينها لتطويع المسارات العسكرية والديبلوماسية والتلاقح بينها بما قد يقود لأثر استراتيجي على إرادة الخصم السياسية وطبيعة بيئة مابعد الحرب، ثم إعادة تدوير وتعديل هذه المعادلة على حسب مبادرات وردود فعل الخصوم بشكل دوري مستمر. وهنا يصبح مايعتمد عليه الإنجاز الاستراتيجي ليس الخطة أو حتى الأفكارالمؤسسة لها، ولكن حساسية القائد الاستراتيجي للمتغيرات وقابليته في المقايسة المستمرة بين الأدوات (بالأخص العسكرية) ومسارات تفعيلها مع الأدوات الأخرى وبين الآثار والنتائج مع التحفز الشديد لردات فعل الخصم.

ومن الممكن القول، أن بوتين عنده درجة ما من الحساسية تلك، وهذا مثلا يتضح في مسارات سابقة سواء في جورجيا – بالتصعيد المفاجيء ثم التوقف المحسوب على خط الأزمة بعد توصيل رسالة ردعية وتوسعة مساحة الأمان الدفاعي، وكذا في ضم القرم ولكن التوقف أمام التدخل المباشر في دونباس لثماني سنوات. ومثلا في حواره المتلفز مع قياداته الأمنية، وبالأخص إلحاحه في تقويم مايصدر من فم رئيس استخباراته – بما يُظهر قاعدة جوهرية عنده: هناك تصعيدات محسوبة ومتدرجة بالمعنى السياسي والعسكري، وجزء منها قائم على الآثار وردود فعل الخصم (الناتو بشكل أساس) .. (رئيس المخابرات: عندي استعداد لضم الدونباس للاتحاد الفيدرالي الروسي – بوتين: ليس ضم – ضحكة، تقصد فقط اعتراف باستقلال. – نعم اعتراف باستقلال. بوتين: عندك استعداد مستقبلا أم تقصد الآن. -–الآن)

ولكن في ذات الوقت، فخطوة تفعيل مساحات الاشتباك العسكري لها مخاطر واسعة وأكثرها هو في بيئة مابعد الحرب، وأن ميدان التفاعل الاستراتيجي هو مفتوح لجوانب الإجادة والقصور لكل الأطراف، وأن الأصل في السلوك الاستراتيجي هو القصور لأسباب متعددة، ولهذا فكما قال أستاذي كولن جراي في أحد كتبه: غالبا من يتفوق هو أقل المتصارعين قصورا وليس أكثرهم تميزا، وفي قول آخر (النجاح الاستراتيجي هو ليس بإجادة فعل كل شيء، ولكن الأمور الكبيرة التي تؤثر على مجمل المسار). ونعم – فالإجادة الاستراتيجية (في التوصيل بين الأدوات العسكرية وغيرها والنتيجة السياسية) هي المظنة الراجحة للانتصار، ولكنها لا تقود له بشكل حتمي. لماذا؟ لأنها قد تتقاصر عما يقوم به الخصم، وللتغيرات المفاجئة في البيئة الاستراتيجية التي تفتح وتقفل فرصا لهذا أو تُنشيء معوقات لهذا الطرف أو ذاك.

وبالاستفادة مما سبق: تعقيد الاستراتيجية والتعامل مع أوكرانيا كجزء من سياق أزمة أوسع، والتركيز على خيار الديبلوماسية الإكراهية والردع التقليدي ولكن اقتضاء كليهما لقفزات عسكرية محسوبة، وكذلك اعتماد الاستراتيجية كبنية ومسار ونتائج على مبدأ التفاعل، ووجود بعض الحساسية  الاستراتيجية لبوتين، ولكن في ذات الوقت ليست ضمانة على تفوقه في كل محطة أو مجمل المسار، فيمكننا فهم أن خيارات روسيا والناتو يُمكن أن تكون على هذا النحو.

خيارات روسيا في هذا التصعيد العسكري: 

من الواضح سواء من خطاب بوتين الذي ألح بوضوح على إخصاء القدرة العسكرية لأوكرانيا، ونزع (نازيتها)
Denazification
 أي عدائيتها القومية للروس، وحتى محاكمة الأفراد الذي لهم دور في ما وصفه اعتداء وحرب عرقية، فضلا عن خطوط العمليات من الشرق بالأساس والشمال والوسط واتساع الضربات لكييف ومدن كبرى، أننا أمام غزو شامل. ولكن مهم الانتباه لما ذكرناه في النقطتين المؤسستين: هذا جزء من سياق إدارة أزمة أوسع من أوكرانيا وأن منطق الديبلوماسية الإكراهية والتصعيد المرحلي عسكريا وسياسيا هو الحاكم، وكذا تفاعلية الاستراتيجية بحيث أن الروسي سيتحرك في مخروط الأزمة كتصعيد وخيارات تبعا لردود فعل الناتو وبدرجة أقل البيئة الأوكرانية. ومن هنا – نرى أمامه ثلاثة خيارات أساسية:

أ. الاجتياح العسكري للدونباس مع ضربات عقابية جوية وصاروخية، وبغرض تنعيم الأداة العسكرية النظامية المواجهة.  وهذا سيقصد من ناحية أوكرانيا (نظامها الحالي) للوصول لاتفاق بوساطة دولية لأجل حل شامل يمنع دخول أوكرانيا الناتو، وحينها سيمكن إدماج الدنباس بمنطق دستوري معطل لأي تحول جيوسياسي، فضلا عن الاستيعاب العرقي وتفعيل شراكة سياسية ودفاعية (بدرجات مختلفة) واقتصادية مع أوكرانيا. ولكن تبني هذا الخيار يعتمد بشكل كبير على رد فعل الناتو والوضع الأوكراني الداخلي كما أسلفت. نعم ستكون هناك مبادرة بحزمة عقوبات ولكن الأهم – هل سيتحرك الأوروبيون والأمريكي في مسار فك الأزمة لتصل للنهاية المطلوبة – ولو بقدر معقول – روسيا.

ب. إذا تمنع الأوروبيون وأوكرانيا عما سبق – فأمام الروسي إما ضم الدونباس وتوسيع نطاقها الدفاعي، ولكنه سيكون أمام أوكرانيا تنضم للناتو، وهذا سيُعيد منطق الحشد العسكري التقليدي بشكل قريب مما كان في الحرب الباردة، بما له من تكلفة اقتصادية وسياسية داخلية كبيرة، بالأخص مع تفاقم العقوبات. أو – بشكل أرجح:

ج. توسعة الاجتياح العسكري للدخول في كييف، وتغيير النظام السياسي، أو توجهه بشكل جذري بحيث أن يكون تابعا، ومعاهدة ثنائية وبقاء قوات عسكرية روسية كحامية. في حال تقبل الوضع الأوكراني لهذا، فهذا سيقلل من متطلب الحشد العسكري في هذه الساحة، ولكنه بالتأكيد سيُفاقم منطق التصعيد العسكري والاقتصادي والسياسي للناتو ضده في مجمل الساحة الأوروبية.

ويزداد المأزق هنا في مسألة توسعة الاجتياح لكييف، أنه سيستدعي بدرجة كبيرة لمنطق الاحتلال الكامل، وهذا ليس فقط سيفرض الحشد العسكري، ولكنه سيُعرّض الجيش الروسي لحرب غير نظامية تبعا لتصاعد العداء والفاعلية ضده من الشعب الأوكراني، ويُضاف على ذلك دور الناتو إذا أراد استغلال هذه المساحة

أما فيما يتعلق بخيارات الناتو:

فلابد أن ندرك بوضوح، أن هناك أزمة كبيرة في الناتو، ليس فقط كخيار ومسار ولكن كبنية في عالم ما بعد الحرب الباردة. نعم، في حال روسيا ضعيفة كما كان في التسعينات، فهناك مُسوّغ – استراتيجي وليس بالضرورة عدالي أو أخلاقي – للتوسع في محيطها القريب وقضم مواطن نفوذها، ولكن مع تراجع بنية الناتو ذاتها (مايُعرف بظاهرة تقليل العسكري
Demilitarization

 لشعوبه تبعا لانقضاء الحرب الباردة وعدم القدرة الاستراتيجية والأخلاقية على استبدالها بما كان يُطلق عليه بلير الحرب لأجل
النظام والخير
Force for Good
 كما حصل في حروب العراق وأفغانستان وليبيا ) وكذلك صعود روسيا بوتين، فيكون من الحماقة الاستمرار بل التوسع في النهج العدائي والقاضم كما حصل. ويزيد عليه، التضعضع أمام الروسي في محطتي جورجيا ثم القرم. وفي الأزمة الحالية، فكذلك – قرأ الناتو المسار بشكل غير دقيق حتى الآن، بالإلحاح أن الروسي عنده نية أساسية في الغزو، ولكن التمنع عن الاستجابة الديبلوماسية لمخاوفه الأمنية الأساسية في أوكرانيا مع تصعيد خطابي، وهذا جعل نذارة السوء واقعا بالتبعية!، وعدم القيام بخطوات مضادة لكسر مسار الأزمة التصعيدي من ناحية أخرى.

نعم، قد يُدرك الناتو أن خطوة اجتياح أوكرانيا عسكريا قد تُصبح توريطا لروسيا، ولكن المُضي في خيار ما قبل الهاوية الذي يتبعه بوتين، حتى بافتراض نجاح الناتو في الاستفادة منه، سيكون بثمنية عالية تقتضي تحويرا عسكريا وسياسيا بنيويا في تمظهر وجوده الأوروبي، فضلا عن الثمنية البشرية والاستراتيجية في خسارة أوكرانيا، وهذا كان يُمكن تجنبه.

وفي الوضع الحالي، فيبقى أمام الناتو ثلاثة خيارات بالتفاعل مع ما للروسي:

أ.  العقوبات والتدخل الديبلوماسي لحل الأزمة.. وهنا الروسي سيكتفي بمساره الأول، ونعم تنفك أزمة أوكرانيا، ولكن سيُعيد بشكل أو آخرتفاقم وضع روسيا كقوة مهيمنة في محيطها. هذا ليس بالضرورة سلبيا للوضع الأمني الأوروبي، ولكنه تغيير المعادلة القائمة منذ أول التسعينات.

ب. خيار مدافعة وسيط، بحيث يفك الأزمة ولكن بحيث تنتهي لوضع مُحابي. هنا، سيتحرك الناتو باستغلال الأزمة كغطاء دولي لتوسعة إطاره وبنيته: ضم جورجيا ومولدوفا والبوسنة بشكل عاجل، تفاقم العقوبات الاقتصادية وغلق خط الغاز الشمالي بالأخص، وحشد قوات في بولندا ودول البلطيق، ثم السعي الجاد لخيار ديبلوماسي أو الاكتفاء باستعادة منطق الحرب الباردة، مع توسعة خيار العمليات غير النظامية في أوكرانيا. وهذا – بالفعل سيجعل موقف روسيا صعبا إجمالا في المحيط الأوروبي، وكذا في أوكرانيا، وهذا سيقود لردع عكسي على المستوى الاستراتيجي (إدراك روسيا أن خيار الديبلوماسية الإكراهية المصاحب لقفزات تصعيدية هو ضار استراتيجيا).

ج.  خيار تصعيدي لاستعادة مسار الحرب الباردة بكل مساحاتها الخاصة بالحشد التقليدي الشامل، والتصعيد في معادلة الردع النووي والاحتواء السياسي والعسكري والاقتصادي ضد الروسي دوليا. هذا بالطبع سيقود لنتائج حاسمة، ولكنه يقتضي بشكل كبير استغلال الأزمة في صنع عنوان سياسي وتجييشي لدول وشعوب الناتو لتعود ثلاثين عاما للوراء، والاستعداد للتعامل مع المشكلات المعقدة بالمعنى السياسي والاقتصادي والشعبي  الداخلي.

في قول لنابليون، (القائد العسكري إما تصنعه ممارسة الحرب، أو استلهام قدر من الخبرة من قراءة التاريخ). وكذلك، فإن جزء معتبر من الفن الاستراتيجي يتم بناؤه من خلال الممارسة، أو قراءة التاريخ بشكل نقدي – كما ذكر كلاوزفيتس، بما في ذلك الواقع المعاصر. ومن هنا، مع فداحة الثمن الإنساني لأي صراع وحرب، بما في ذلك ما يحصل الآن في أوكرانيا، فإن فيها جملة مفتوحة من الدروس التي تقدح الذهن الاستراتيجي، وهذا ما تحتاجه أوطاننا في مسارات الصراع التي تخوضها، وليس فقط فيما يتعلق بتعاملها مع الصراع الدولي الحالي، بشرط التفاعل المستمر والتمحيصي بين الفكرة الاستراتيجية ومسارات الحوادث، دون استسهال للقفز للنتائج، والكفر بذهنية اليقين، وتقدير قيمة الاستراتيجية في ضبط مسارات الصراع لنهاياته بشكل أعقد كثيرا مما تقود إليه القوة المفرطة والحسم العسكري.