التدافع الاستراتيجي التركي والمصري في ليبيا، وأزمة شرق المتوسط
النظرة المباشرة للأزمة الحالية مابعد الاتفاقية البحرية، وتلك الخاصة بالتعاون العسكري والأمني، بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية – المعترف بها دوليا، توصّفها في قضيتين أساسيتين.
الأولى، توسعة الحيز البحري التركي لاستغلال الثروات المعدنية إلى 200 ميل، بدلا من 12 ميل كما وضعتها فيه الاتفاقيات الثنائية بين قبرص واليونان ومصر وإسرائيل.. والحقيقة أن كل هذه الاتفاقات ليس لها منطق قانوني فاعل بذاته لأنها تجاهلت دولة محورية في حوض البحر المتوسط (تركيا)، وذات الأمر ينطبق على الاتفاقية التركية مع حكومة الوفاق. هناك مبدآن اعتمدت عليه الاتفاقيات القبرصية – الأول هو التقاسم بخط المنتصف، والثاني هو توقف الحيز البحري لتركيا – سواء بمفهوم المنطقة الاقتصادية، أو الجرف القاري- بأي عائق أرضي (هناك جزر يونانية ثلاث بالقرب من تركيا قطعت تمدد هذا). وفي المقابل – طرح تركيا التي أعلنته مرارا يؤكد ضرورة التقسيم (العادل) وليس تحكما بمسألة خط المنتصف – كما نص قانون البحار 1982، وأيضا عدم قطع مجالها البحري بجزر ثلاث صغيرة ولكن الدوران حولها. وبالتأكيد – فالمنطق التركي له درجة حجية قوية، خصوصا بالنظر إلى عزلها عن الاتفاقيات السابقة، وهذا يخالف المبدأ القانوني الواضح بتسوية النزاع.
ولكن في المقابل، كذلك الاتفاقية الجديدة ليس لها أي قيمة قانونية بحد ذاتها، غير دعم ثانوي للحجة التركية القانونية مستقبلا – اتفاقية أمام أخرى ولكليهما نفس الحجية تبعا للمادة 38 من لائحة محكمة العدل الدولية.. وهذا النوع من النزاعات هو منتشر حاليا كما في قضية بحر الصين الجنوبي، والحل الوحيد نظريا في هذا النزاع هو بالتوافق، أو طرح الأمر لمحكمة العدل الدولية على شرط قبول الأطراف. ولكن في واقع الأمر، هذا الملف خاضع لموازين القوى والتدافعات والترتيبات الديبلوماسية كما هو معروف.
الثانية، هو شرعنة التدخل العسكري التركي في معرض الحرب الأهلية الليبية لصالح طرف حكومة الوفاق المتحالفة مع الإسلاميين وقطر، ضد المعسكر المناقض (حفتر، وحلفاؤه مصر والإمارات بالأخص، وكذلك روسيا، والسعودية). صحيح – أن التدخل العسكري التركي الكثيف يظل أمرا مستبعدا نظرا للتعقيدات اللوجستية، وعدم أولوية الملف عند المؤسسة العسكرية التركية أو الشعب (حتى مع تفاقم هيمنة أردوغان على المؤسسة العسكرية وبنية النظام السياسي التركي)، ووجود محاذير ضد التصعيد مع أطراف تحاول تركيا الاقتراب منها (روسيا) أو تبقي على مساحة محفوظة من الخطوط الحمر (السعودية). ولكن يبقى التدخل، قيمة معنوية وشرعية سياسية، وفي ذلك الوقت – يفرض درجة من الردع كذلك على طرف حفتر. وهذا يقلل مستوى تهاوي حكومة طرابلس. وبالنظر إلى ضعف القابلية العسكرية وترهّل قوات حفتر (التي يغلب عليها الطابع الميليشوي أكثر منها جيش احترافي) فهذا قد يوقف بالفعل مستوى التصاعد العسكري، ويفتح بابا أكبر للتفاوض. ولكن في كل الأحوال.. تركيا تعزّز بشكل واضح شرعية وجودها، وفرصة حركتها، بالداخل الليبي كعنصر حاكم.
ولكن لايمكننا استيعاب محركات هذه الأزمة وسيناريوهات تطورها وحلها دون إدراك معمق لخلفيات الموقفين التركي والمصري.
بالنسبة للموقف التركي، فتركيا استفتحت الربيع العربي بهلاوس استعادة السيطرة العثمانية، عبر شرق أوسط إخواني برعايتها وقطر، وبمراعاة بكل تأكيد لمصالح الأمريكي، وصيغة تفاهم طويلة الأمد مع إسرائيل، ولكن أيضا كانت هناك المحرك الاستراتيجي المباشر سواء في تحجيم الخطر الكردي ومايحمله من تهديد انفصالي بالجنوب، وكذلك – توسع مساحة الهيمنة الإقليمية في ظل الفراغ الاستراتيجي الذي أحدثه الربيع العربي، وبطبيعة الحال ماتقدمه هذه الهيمنة من متواليات للمصالح الاقتصادية والسيادية.. وكل هذا دفعها لتدخل حاد وغير منضبط أو أخلاقي في سوريا، واصطناع ولاءات لتشكيلات عسكرية، وتفاهم ودعم حتى مع ظاهرة داعش في وقت ما، وكذا – دعم واحتضان الإخوان المسلمين، خصوصا بعد محنتهم بمصر. ولا ننس – أن العنصر الأيديولوجي حاضر بلاشك عند أردوغان، ولكن يغلب عليه الاستخدام الوظيفي لبناء شرعية داخلية (تعتمد تعبئة الشعور الديني عند قطاعات تركية أفرزها تحول اجتماعي في العقدين الفائتين)، ومساحة حركة خارجية للتدخل والاستعمال في ملفات المنطقة.
جزء كبير من الموجة التركية فشلت بالطبع مع تدخل الروسي واستعادة النظام مع حلفائه للسيطرة على قطاع واسع، وانهيار تجربة الإخوان بمصر، وتحجيمها بتونس (وإن أفاد هذا مجمل التجربة هناك بما فيها حزب النهضة)، ولاقت نقدا حادا من الناتو مثلا أثناء كوباني، فضلا عن تعرضها لهجمات حادة داعشية في الداخل التركي.. هنا – تم إعادة التوجيه الاستراتيجي لمنطق أكثر انضباطا وواقعية. أولا) قدّم المحركات الاستراتيجية المباشرة في الشق الكردي وتوسيع للهيمنة عن البعد الأيديولوجي والوهم التاريخي. وثانيا) استعمال ماتراكم من أدوات دون تدخل مباشر، واقتناص للفرص المتاحة في توسيع التدخل ولكن بشكل منضبط.. والتطبيق على هذا كان في: عملية نبع السلام، القواعد التركية في قطر والصومال..، والآن ليبيا.
فقط – بقي النزاع الحاد الذي غلب عليه طابع العناد الشخصي فيما يتعلق مع النظام المصري، وإن خف كثيرا بلاشك. وهذا لايمكن فهم سر التدافع الحالي كمحرك، وتمظهر دون اعتباره.
أما الموقف المصري، فبشكل مباشر لا تضر الاتفاقية البحرية حظوظه في المتوسط، بالعكس – تزيد حصتها بشكل ما في الترتيب التركي الليبي، ومع ذلك عارضت مصر الاتفاقية بشكل صريح، وأشارت لنقطة موضوعية، أنه ليس من صلاحية حكومة الوفاق عقدها في معزل عن البرلمان (وهو برلمان طبرق وله شرعية)، وبالفعل – في وضع تفتت الدولة الليبية وتنازع فرقها العسكري وحول الشرعية، لايوجد معنى لمشروعية هذا الاتفاق وغيره. ولكن السبب الأعمق هو خلفية الاحتقان بين النظامين واختلال التوازن الإقليمي.
وفي المقابل – النظام المصري يرى مصالحه تتضرر بشكل بالغ من التدخل العسكري التركي في ليبيا، لأنها تقف مع حفتر وهذا التدخل نظريا يقلل من فرص سيطرته على الوضع بليبيا. وأيضا يجعل لنظام معاد (تركيا) يد في التحكيم في بيئة حيوية استراتيجية لمصر ومصدر تهديد حقيقي.
ليبيا في كل الأحوال هي مجال حيوي استراتيجي لمصر، نعم ليس من طبع التهديد الاستراتيجي تاريخيا أن يأتي من قبلها – على عكس جبهة الشام ، ولكن هذا تغيّر في السنين الفائتة بعد انهيار الدولة وتشرذم منظومتها التسليحية، تحولت ليبيا (قطاعها الشرقي بالأخص) لممرات تسليحية ولوجستية ومحضن عازل لجماعات إرهابية (داعش والقاعدة) تقوم بعمليات كبرى بالداخل المصري. ولكن فوق ذلك، ليبيا هي إضافة نوعية وكمية للمجال الحيوي الاستراتيجي لمصر (كنقل بعد التشكيلات والمدارس العسكرية لليبيا لحمايتها من ضربات العمق بالاستنزاف، أو المشاركة المشرفة في حرب أكتوبر) بالرغم من التنازع الحاد بين نظامي السادات والقذافي والمناوشات الحدودية 1977. مصر لاتستطيع احتمال ضياع ليببيا، أو تحولها لبيئة معادية. وللأسف، التداعي المُزمن في القوة الاستراتيجية المصرية وحدود حركتها بالإقليم، شهد تفاقما حادا بعد ثورة يناير وانكفاء ذاتيا، في وقت حرج تم فيه تدمير الدولة الليبية – مع ما بها من عوار بينوي – بتدخل عسكري غربي، ثم احتراب سياسي وعسكري وتفتت. في تلك المرحلة الحيوية من تشكيل ماهية ليبيا فقدت مصر فرصة حقيقية للقيام بدور ناظم سياسي وأمني، ووسيط نزيه وراع لحوار سياسي مفتقد.
وحين قدم نظام السيسي، وجد ليبيا كابوسا حقيقي أمنيا واستراتيجيا، ولعل حادثة ذبح الأقباط المصريين في 2015 مثلت الذروة في ضرب شرعية النظام المصري التي تصدرتها عناوين كاستعادة قوة الدولة وحمايتها لمواطنيها ومحاربتها للإرهاب وموالاة الكنيسة لحفظ مصالح الأقباط.. حينها تصرف النظام بشكل غير رشيد عبر ضربات جوية انتقامية، وكان الأمر يستدعي تدخلا أكثر حزما وتدقيقا في نفس الوقت، كسياسة دفاعية مطلوبة كان يلزم التدخل في مهمتين ويحظر في أخرى. استهداف بنية القواعد الارهابية في المنطقة الشرقية، والقيام بعملية انقاذ مدني تلزم انشاء ممرات آمنة للمصربين ونقل بحري في الغرب والاستعداد لعمليات خاصة محدودة.. وكان يحظر التدخل في الوضع الداخلي بمعنى نصرة طرف على طرف، ولكن محاولة شق الدور السياسي الراعي والوسيط لحل التناحر الليبي الداخلي.
هذا نظريا، ولكن عمليا هناك عوائق وشروط.. توسيع هذه المهمات كان يستلزم درجة من الاستقرار السياسي والدعم الشعبي كانت غير موجودة، ويستلزم تأهيل للقوات المسلحة على هذه المهام النوعية مفتقد، ويستلزم التمهيد بحملة قانونية وديبلوماسية وشعبية مع الطرف الليبي لم تحصل. ثم هناك إدراك داخلي -بعض النظر عن مدى نضجه- بصعوبة المهمة كقدرة عملياتية خصوصا وأن الجيش قام بثلاث عمليات متوسطة منذ حرب أكتوبر.. ليبيا 77 والعراق 91 وسيناء.. وأعتقد أن القيادة المصرية كانت تدرك جيدا طبيعة التقييم لهذه العمليات يعيدا عن البروباجندا المعتادة.
وفي هذا السياق تحديدا – وتحت العجز الذي شعر به النظام لمواجهة هذا المأزق الأمني، ظهرت سياسة دعم حفتر. هناك بلاشك العامل الخليجي (الإماراتي تحديدا) والذي دفع نظام السيسي لدور أكثر فعالية في دعم حفتر.. فبسبب الضعف في بنية الشرعية السياسية للنظام واقتراب الانهيار الاقتصادي، ارتمى بشكل يتجافى مع منطق الشرف المصري وحجمه التاريخي في حجر الإمارات بالأخص ثم السعودية قدم تنازلات في مساحات متعددة، ولكنه في ذات الوقت كانت له حدود تحجزه عن الدوران خلفهما دون تمحيص، وظهر هذا تحديدا فيما يتعلق بسوريا واليمن.
وكان جزء مهم من طرح السيسي فيما يتعلق بسوريا بالمخالفة للخليجي، وكذلك خلف دعمه حفتر تصور ساذج حول أهمية استعادة (الجيوش الوطنية) كمحاولة لاستنساخ التجربة المصرية، دون إدراك أن الأهم هو توفير الظروف السياسية والاجتماعية والدستورية لاستعادة الدولة بالأساس ومعالجة الاحتقانات والتدخلات الخارجية التي مزقتها، وإدراك أن لا جيش (حفتر) أو جيش (بشار) يمتلكون أدنى معايير الجيش الوطني على عكس الجيش المصري مع كل إشكالاته. بل حتى قبل الربيع العربي، الجيش السوري كانت تحكمه قاعدة الطائفية، والليبي قاعدة الارتزاق.
وهناك عامل آخر، دفع نظام السيسي لفشل في تحليل الواقع الليبي وإدراك الفرص لصك استراتيجية صالحة فيه، وهو النفور الحاد الشخصي والنظامي من أي مكون إقليمي له علاقة بالإخوان المسلمين، خصوصا أن بناء شرعيته الداخلية قائم على شيطنة الإخوان وعملقة دورهم وخطره، واستخدم ذلك بالأساس لقتل الحياة السياسية المصرية وتضخيم الوصاية العسكرية والأمنية. هذا لاينفي بالطبع أن الإخوان ارتكبوا خطايا وطنية وأخلاقية، وبالفعل تورطت فصائل منهم في إرهاب، وتحالفوا مع قوى إقليمية وخارجية ضد أوطانهم، ولكن القياس الأخلاقي والوطني كذلك يصم نظام السيسي وبشار (مع فارق كبير بينهما) بجرائم غير مُتصورة وأفدح. والعبرة في حديثنا هنا ليس هذا المعيار الأخلاقي، ولا هو الحاكم لحركة النظام المصري، ولهذا – فموقف النظام مثلا مع حماس اختلف في النصف الأخير لحملة 2014.. فحماس بلاشك تورطت بشكل غير شريف أو مبرر استراتيجيا في الداخل المصري، جزء بسبب تعصب أيديولوجي، ولكن كذلك – لحساب ضيق أن الاضطراب الأمني والسيادي بسيناء يمثل فرصة ما لتسليح وتموين غزة، وراهنت بشكل أخرق على دور قطري في بداية الحملة. وكذلك النظام المصري رد على حماس بشكل متشنج دون مراعاة الحساسيات القومية والاستراتيجية، ولاننس كذلك التقارب مع إسرائيل تحت ضغط الوضع بسيناء كما تجلت أبشع صوره في فضيحة سحب مشروع قرار إدانة الاستيطان من مجلس الأمن في أواخر عهد أوباما. ولكن كلا الطرفين – تحت ضغط المصالح الصلبة المتبادلة، طويا الملف بشكل كبير، وبالفعل توسطت مصر لإنهاء الحرب بشكل معقول حفظ قدر من ماء وجه حماس وساعدها في ترجمة نضالها المُشرف بالحرب لأثر سياسي ما وإن كان أبعد عن أي مفهوم للانتصار بالطبع، وتم تثمين دورها بشدة من حماس، وبالتأكيد خرجت العلاقة بعد ذلك من طور العداء إلى نمط أقل قليلا مماكان سائدا أيام مبارك.
ومن كل ذلك ندرك – أن إشكالات النظامين المصري والتركي بنيويا تجلت في محركات الأزمة وطريقة التعامل معها.. فهو محرك إقليمي بحثا عن الهيمنة وحماية المصالح البحرية عند التركي بشكل أساس، وهو محرك أمني مهووس بالمعادلة الداخلية عند المصري.
وهناك ثلاثة سيناريوهات تبعا لذلك:
الأول مستبعد.. وهو تصعيد عسكري تركي بالداخل الليبي يقابله انخراط عسكري مصري يقود لحرب ثنائية… هو مستبعد لكل التعقيدات السياسية واللوجستية المذكورة سابقا. ومبدئيا، فالتوازن العسكري يميل بشكل مُجرد بالتأكيد للجيش التركي، خصوصا بمستوى احترافه وتواجده داخل الناتو لنصف قرن، والنضج العالي للبيئة التصنيعية والأكاديمية الخادمة له. ولكن تبقى نوعية وكم أسلحة الطيران التقليدي والمدرعات لصالح المصري. ولكن الجيش المصري يعاني منذ أوائل الثمانينات من مشكلات معقدة وترهل نوعي في البنية والتشكيل والفكر العملياتي وخامة القادة. وكلا الطرفين أدركا بشكل ما أهمية تحوير جانب مهم في السياسة الدفاعية – وهو تنويع مصادر السلاح وتقليل التبعية العسكرية. ولكن كلاهما كذلك يعاني من مشكلات مستجدة تضعف من قدرته الاستراتيجية والقتالية: الهيمنة السياسية الحادة لأردوغان على المؤسسة العسكرية التركية، وتداع أكبر في البنية الاحترافية للجيش المصري تبعا لتضخم دوره الاقتصادي، وفقدانه لجزء من قاعدته الاجتماعية تبعا لمسئوليته عن احتقان عند شريحة كبيرة، وإن لم تكن غالبة في الشعب المصري.
ولكن التوازن العسكري لايمكن فهمه بمعزل عن السياق الاستراتيجي الذي تتفاعل فيه؛ الأهداف السياسية ومحدودية استخدام القدرة العسكرية فنيا وبيئيا. وهنا – تظهرمشكلة ضعف بناء زخم عسكري تركي داخل ليبيا، وشبه استحالة نظرا للتقييدات الدولية والإقليمية على هذه النقطة. وكذلك – فقدان الجيش المصري لفائض كمي ذي نوعية عسكرية تقليدية، فضلا عن تأهلها لنمط عسكري هجين يسمح بتدخل كبير وشامل في ليبيا. (تحليلنا فقط لتجربة 1977، وكان الجيش لايزال على قدر كبير من احترافيته وخبرة حرب قريبة، وباستخدام قوات تقليدية وفي نمط نظامي، وأمام قدرات عسكرية شبه بدائية، تؤكد هذا). وهذا التساوي – في العجز العسكري- واضح لكلا الطرفين، وحاجز لهما عن التصعيد.
ثانيا) سيناريو حرب بالوكالة، عبر زيادة معدلات الدعم التسليحي والاستشاري والتدريبي.. وهذا بشكل مايحصل حاليا بالفعل. والأرجح استمراريته لفترة، لأن المشكلات البنيوية وحجم النزاع الحاد بين الطرفين المصري والتركي، وتلبسهما بالمشكلات الإقليمية المحيطة بهما (هاجس الهيمنة عند التركي، والتبعية الخليجية عند المصري)، سيعقد مساحة التسوية أو حتى التفاهم البيني.
ثالثا) صيغ تفاوض حقيقية على إعادة اللحمة السياسية، وفك حاسم للنمط الميليشوي عند كلا طرفي النزاع، وتدشين مرحلة انتقالية جادة بإشراف إقليمي متوازن. وقد يظهر أن حل المشكل المصري التركي البيني هو ضرورة لهذا بحيث أن يكون كل طرف داعم وضاغط لتسوية هذه الإشكالات. ولكن في اعتقادي، أن المصري لوحده يمكنه القيام بدور حاسم في الداخل الليبي، إذا استطاع بالفعل، تغيير بنية سياسته تجاه الملف، وتخلصه من عقدة الإخوان – كما فعل مع حماس – ووقوفه بشكل ما حاسم أمام الضغط الخليجي (وهذا فعله مثلا في ملفات أقل أهمية له كالسوري واليمني)، خصوصا أن الطرف الروسي كذلك قريب من النمط البراجماتي الذي يقصد فقط حفظ قدر من مصالحه. فالتركي أولا وآخرا جسم غريب على تلك البيئة، وهناك حد أقصى لتدخله، ولم تلجأ له حكومة الوفاق وحلفاؤها الإسلاميون على هذا النحو إلا تحت مستوى من الضغط الكبير على طرابلس. والجميع يدرك – أن ليبيا لايمكن أن تعود دولة، فضلا عن استعادة وظيفتها ومصالحها الوطنية والاقتصادية، دون توافق سياسي حقيقي وردم لمرحلة النزاع البيني، ودور مصري داعم.
تعليق واحد