فكر استراتيجيقراءات استراتيجيةمقالات منوعة

حوار حول العقيدة القتالية الأمريكية للمفهوم العملياتي المشترك للردع

متابعة لمسألة استراتيجية الردع وسد النهضة، هل هناك أدبيات تحكي عن المستوى العملياتي للردع؟
وما رأيك في العقيدة القتالية (الدوكترين) الأمريكي حول مفهوم العمليات المشتركة في عمليات الردع المرفق هنا؟

https://www.jcs.mil/Portals/36/Documents/Doctrine/concepts/joc_deterrence.pdf?ver=2017-12-28-162015-337

الحديث عن مستوى العمليات في الردع (سواء النووي أو التقليدي) ليس شائعا في الأدبيات الاستراتيجية لأن ملف الردع يتم اعتباره من بابه ملفا استراتيجيا.
أما العقيدة الأمريكية في المفهوم العملياتي المشترك (على مستوى المسرح والحرب المشتركة) لعمليات الردع هو حالة خاصة – إيجابيا وسلبيا،

إيجابيا – المذهب الأمريكي انحاز لتوسعة مفهوم فن العمليات عن إطاره التقليدي (سواء بمفهومه السوفيتي القديم القائم على المناورة، أو توسعته ليشمل الجمع بين نثريات التكتيك ليحقق نتيجة عسكرية متماسكة على مستوى الحملة أو المسرح)، ليشمل كل نثريات التنزيل التطبيقي للخيار الاستراتيجي، بالجمع بين خطوط عسكرية وغير عسكرية. وأول مرة يقوم الأمريكي بهذا كان في العقيدة القتالية لمكافحة التمرد في 2006.

سلبيا – مشكلته أن ضمّن مفهوم العمليات كثيرا من الاعتبارات الاستراتيجية.
وفضلا عن عدم وجود التأهل والتفويض السياسي للقيادة العسكرية العليا – فضلا عن قيادة مسرح العمليات المشتركة – للقيام بها، ستجد كثيرا ضياع العلاقة بين السبب والنتيجة، الهدف الاستراتيجي المتغير ضمن شروط التقييم الاستراتيجي،
ومفهوم وخطط العمليات التابعة له ولكن كذلك التي تتغير تبعا لاعتبارات البيئة العملياتية. وهي مشكلة معتادة في العقائد القتالية الأمريكية عموما وليس فقط في عقيدة الردع، وإن كان أثرها هنا أشد!

نعم.. عدم التأهيل السياسي فعلا مشكلة لكن أظنها في الردع أسهل في الإحاطة بها (حتى فيما يتعلق بالمستوى العملياتي الأعلى) من القتال الفعلى (الحرب).. أليس كذلك؟

طيب.. هل تعتقد أن التفكير السياسي، ودقة استيعاب تعقيدات البيئة السياسية والديبلوماسية، والتي تحكم على آثار مفرد الردع، أوسع في الردع – حتى لو التكتيكي/التقليدي، أم أضيق بالمقارنة بأنماط استخدام القوة العسكرية بشكل مباشر؟ بالتأكيد أوسع، وهذا أعلى من مدركات وتفويض القيادة العسكرية

هذا لأن البيئة السياسية التي يحصل فيها الردع، ويرتبط بها فهم آثاره، وطريقة توصيل الرسائل ومتابعة الرسائل المقابلة، وبناء مخروط تصاعدي وتقابلي في طريقة استخدام الأدوات – والدمج بين العسكري والديبلوماسي والاقتصادي والإعلامي والتحالفي.. كل هذا يجعل
1- الأمر لا يمكنه بحكم التأهل والتفويض (أي امتلاك القدرة على تحريك الأدوات) من مهمة القيادة العسكرية.
2- هناك تعقيد بين بناء القدرات، ونشرها
Deployment
، وأنماط تفعيلها بشكل دقيق ومحسوب.. غير مُعتاد في التفكير والممارسة العسكرية التقليدية.

كذلك، منطق عمليات الردع، كتعيين وتطبيق، هل هو مسئولية القيادة العسكرية بالنظر أنه يشتمل على أدوات كثيرة غير عسكرية؟ بالطبع لا

ثم راجع كثيرا ما وضعه الدوكترين كمفهوم عملياتي.. هل هو فعلا كذلك؟ مثلا أنماط الردع بالإكراه وال
Denial،
أو رفع التكلفة.. هل هذا فعلا المستوى العملياتي؟
بمعنى أدق.. هل الردع (عملية) كما عنونها الدوكترين، أم هي خيار استراتيجي شامل، وله شق عسكري، وتحته منطق عملياتي في التشبيك بين الخيارات العسكرية وغيرها – كنسق عملياتي أعلى، ثم أكثر تخصصية وتفصيلية في كل مساحة؟

ولكن أليست العمليات كتطبيق هي مسئولية العسكري؟

.لا! فقط تطبيق الشق العسكري منها (والذي يشمل أنماطا مختلفة ومتدرجة من النشاط العسكري – البناء والانتشار والتفعيل).

نحن بهذا نتغافل عن الإيجابية الأهم في تلك العقيدة الأمريكية وهي توسعة مفهوم فن العمليات ليشمل أدوات عسكرية وغير عسكرية، وأنماط مختلفة من التعامل مع الأداة العسكرية تتجاوز منطق التوظيف المباشر!

لكن مرة ثانية.. مشكلة تلك العقيدة أنها حين تتعامل مع الردع كإطار عملية مشتركة، فهي تتجاهل فعلا المنظور الاستراتيجي، وغالبا ستُفسده لأن غلبة التفكير العملياتي العسكري ستحصل.

مع إن الدوكترين فعلا أوضح مفهوم الردع وخياراته (المشكل أن كثير من هذه الخيارات يتم صنعها في مستوى الاستراتيجية).. ووسّعت مفهوم العمليات ليشمل الأدوات المختلفة – وهذا جميل .

ومن هنا التناقض!
فكان الأفضل أن يُميِّز بين المستويين الاستراتيجي والعملياتي. ثم يتحدث أن مستوى العمليات قد يكون على المستوى الشامل (وهذا تنخرط فيه الأداة العسكرية مع غيرها وتنشغل بتطبيق الخيارات الاستراتيجية.. مثلا خط التطويق العسكري والذي قد يشمل أدوات ديبلوماسية واقتصادية وتنموية فضلا عن عسكرية بنائية وانتشار وتوظيف)
والعمليات العسكرية الصرفة – كمستوى عملياتي أدنى وأكثر تخصصا.. (ملابسات الوظائف العسكرية السابقة فنيا وتطبيقيا)

لكن حين يُدخل الدوكترين المنطق الاستراتيجي في العملياتي، فهو:

1- جعل المستوى الاستراتيجي من مسئولية القيادة العسكرية المشتركة، والتي تفتقد التأهيل والتفويض الحقيقي للقيام به

2- خلط بين الوسائل والغايات، مما يُفقدنا حساسية مراجعة الفرضيات من فوق لتحت (الاستراتيجية تحكم منطق العمليات، وإن كانت لابد أن تُراجع حين تتغير بيئة العمليات بشكل يُعوّق التطبيق..
كمثال بسيط، تأخذ خيارًا بانتشار بحري في مضيق باب المندب وخليج عدن، بأدوات هجينة وتمتلك القدرة على دعم عمليات جوية مثلا، وفي ذات الوقت تدعم نفوذا عسكريا وسياسيا في القرن الأفريقي. .
هذا الخيار قد نُراجعه استراتيجيا، بتطويره أو تقزيمه تبعا لملابسات البيئة الإقليمية مثلا والأهم – مدى تلقي الأثيوبي له ورد فعله. حينها لابد أن يتغير منطقه العملياتي فورا. ولكن، لو جعلت الأمر مجرد (عملية) يقوم بها المُكوّن العسكري فأنت تفقد هذه الحساسية السابقة وتوابعها الضرورية. وهكذا

للمراجعة:

حول استراتيجية الردع والديبلوماسية القسرية: خيارات مصر وسد النهضة

حول فن العمليات، وعلاقته بالاستراتيجية


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى