قراءات استراتيجية

العلاقات المصرية السورية

25 – 11- 2016

جوابا على سؤال: هل تمثل تصريحات السيسي الأخيرة عن (دعم الجيش الوطني السوري) تطورا نوعيا في العلاقة بين النظامين؟ خصوصا مع توارد أنباء حول زيارات عسكرية مصرية لسوريا؟

———————–

كالعادة.. كل المواقف والتصريحات والتحليلات السطحية (أو التي تنتحل صفة العمق) في الأخير تخضع غالبا لتحريف هذا الطرف أو ذاك وأجندته.. هذا تعليق على الضجة في الميديا والفضاء الالكتروني على كلمة السيسي عن دعم الجيش السوري.

مع أن الالتزام الأخلاقي للقضايا التي يؤمن بها أي طرف نحو (سوريا، ليبيا، اليمن، وحدة الأمة، حقوق الدماء،  التغيير السياسي في مصر، ضد إسرائيل، الموقف من إيران، الديمقراطية، الإسلام، الاقتصاد..) ، وبمقتضى البحث عن الحقيقة وحتى المصلحة – يفرض تعاملا مختلفا.

وهذا نعيشه منذ سنين بالفعل، ويصعب تصور أي مراجعات أو حتى حوارات تقود لها – فضلا عن أي إنجاز وتحول سياسي أو فكري أو اجتماعي أو إقليمي– دون فك هذه الملهاة.

أولا – بخصوص الموقف المصري من سوريا..


لاأرى أي جديد.. موقف النظام المصري داعم سياسيا لنظام بشار،  ولكن إن كان عجزه الإقليمي (عجز نتاج ضعف إرادته المستقلة في صنع خيارات فضلا عن التأثير بها، ونتاج ضعف قدرته الدفاعية والاقتصادية والسياسية على التدخل وأزمته الداخلية) منعه عن التدخل العسكري الحقيقي في اليمن مثلا أو حتى ليبيا مع تأثيرهما المباشر (خصوصا الثانية) على بيئته الحيوية، ومع وحدة حلفائه – على الأقل كأهداف- فيهما، وقلة نسبة المخاطر والكُلفة.. فهو في سوريا أكثر حرصا على عدم القيام بأي تدخل .. دعك من صلات أمنية محدودة لأن بيئىة سوريا هي منطلق استراتيجي مهم للإرهاب الإقليمي والمصري.
حاول تراجع الحوار (بدءا من دق 2:50) – المزري والمضحك فعلا – مع السيسي، وستجد الرد جاء في سياق محدد.
رده على سؤال سوريا كان: (احترام إرادة الشعب، والبحث عن حل سياسي للأزمة مع الحفاظ على وحدة سوريا ومكافحة الإرهاب).. فلما سأله المذيع عن إمكانية اشتراك مصر في قوات حفظ سلام تحت الأمم المتحدة (يعني الحقيقة تدخل آمن كثيرا على الأقل كحساب سياسي إقليمي ودولي).. قال:
الحل ليس في التدخل الخارجي ولكن في دعم الجيوش الوطنية كالجيش الليبي وكذلك في سوريا والعراق!
يعني هو لم يعرض الأمر بحيث أنه تطور نوعي في الموقف من سوريا، لأنه بالفعل ليس عنده استراتيجية واضحة في التعامل مع سوريا (ولا حتى القدرة لتخليقها أو تطبيقها) – وإنما بسذاجته – اعتبر أن الموقف الذي يشغله ولحد ما عنده تصور وفعل نحوه في ليبيا (ولذلك أقحمها أولا في السياق) يمكن نقله بتمامه لسوريا والعراق.
يمكن أنا لفت نظري  (العراق) أكثر من سوريا!، ولكني أعلم أنه مجرد كلام سطحي وتهرب من حوار (شوف رده على موضوع ترامب مثلا!)، ويخيل له أن خلطة العبط والتعالم والمُحْن التي يقولها في الداخل تصلح للخارج كذلك.
ممكن البعض يقول أنه أصبح أكثر شجاعة في التعبير عن دعمه الحاسم لبشار وإنهاء الأزمة السورية من هذا المنطلق – تبعا لفرضية أن ثمة تغير واضح سيحصل في السياسة الأمريكية مع ترامب تدفع لهذا الأمر (وهي فرضية صحيحة)، ولكني لاأتخيل وجود درجة من النضج في تفكيره وصياغة خطابه تتيح له هذه الحسابات والتعديلات فعلا. ودليلي – شاهد إجاباته على بقية الأسئلة ذات الأهمية لصورة نظامه والتسويق له، وهو هدفه الأهم من زيارته أصلا.
——————————————————————–
ثانيا – بخصوص سوريا:

 

 
أعتقد للأسف أن موضوع سوريا محسوم منذ بدايته في 2011 ،..
الفارق بين السيناريوهات التي كانت ممكنة في ذات خط الثورة على النظام، هو في تنويع فصول المأساة:
1- الغربي لم يكن ليتدخل عسكريا لإنهاء نظام بشار. الحقيقة حتى لو تدخل – كما سعى لذلك الإخوان وبعض فصائل المعارضة بالأساس ودُشنت لأجل هذا التعهدات والفتاوي والنداء المقدس من على منبر القرضاوي – فلم يكن لينتج لنا هذا سوريا ديمقراطية ولا مقاوٍمة ولا موحدة.
2-  تغير سلوك وحجم التدخل الخليجي والتركي أو الإيراني والروسي كان ممكن فقط يفيد مواقع الأطراف في التوازن العسكري – و ممكن أن يُقلل فاتورة الدم السوري وهذا شيء هام في حد ذاته، أو يزيده كذلك لو كان التقدم للمعارضة – ولكنه كذلك لم يكن ليعيد لنا سوريا موحدة أو مقاوٍمة فضلا عن ديمقراطية،
3- منطق الدعم الخارجي الأخرق وبطش النظام وفجوات النظام الإقليمي  – كانت لتقودنا لتطرف المقاومة المسلحة وصولا لظاهرة داعش حتى تمثل داعش وجبهة النصرة وحلفاؤها أكثر من 80% من القوات المسلحة التي لاتخضع أو تتحالف مع نظام بشار داخل سوريا (ونحسب فيها حتى قوات الأكراد وسوريا الديمقراطية) وهذه حقيقة لا تستطيع أن تغطيها أي بروباجندا وتوظيف أعلامي.
الخاسر الوحيد في كل هذه السيناريوهات من (التاريخ البديل) ، وهو الذي يجب لوحده أن نرثى لحاله إنسانيا، هو شعب قُتل منه مئات الآلاف وتهجرت الملايين،
وسقوط الجبهة الشرقية من أمام إسرائيل لعقدين كاملين مقبلين على الأقل،
وانهيار الشرعية الأخلاقية والقومية – فضلا عن إنهاك  كبير –  لحزب الله (القوة العربية الوحيدة التي أحرزت نجاحا استراتيجيا ضد إسرائيل)،
وأيضا اضطرام الصراع الإقليمي الحدي بين إيران والخليج دون رجعة.
ننسى كذلك أننا في ظروف أفضل كثيرا في مصر، فشلت حالة الثورة المصرية وقادت لانتكاسة مريعة.. مع أن ظروف النجاح لاتُقارن بسوريا: سقوط رأس النظام دون فاتورة دم كبيرة ودون الدخول في نزاع مسلح، خطوط التدخل الإقليمي والخارجي محدودة، القوة النظامية الأهم (الجيش) بقيت سالمة، قوى سياسية لها خبرات متراكمة ودعم شعبي لاشك فيه..
لماذا نجحت تونس لحد ما؟ بالتأكيد موقف الغنوشي وخطه المناقض تماما للكارثة التي اقترفتها يد (إخوانه) في مصر لها سبب، ولكن أيضا عدم أهمية تونس في الساحة الإقليمية وكذلك قلة سقف الطموح والتأثير من تحول ديمقراطي حقيقي يحصل فيها .. أي (قوة التجربة التونسية للمفارقة كانت في ضعف وزنها)!
——————————
أما لو تبحث عن كلام شبه استراتيجي عما يمكن أن يحصل ويترجح في سوريا:
 
فتقديري أن نظام الأسد سيتلقى دعما – على الأقل سلبيا – من ترامب، والجميع الآن من كل الأطراف تخلى عن هدف إسقاط بشار أصلا (بما فيهم الخليجي والتركي!) – فقط يريدون تحسين الصفقة.
إحكام الحرب على داعش والنصرة سيقلل كثيرا من مستويات حفاظها على الأرض، ولكن سيدفع الظاهرة لتستعيد نمطها غير النظامي، وفي تلك المرحلة يمكن أن يتم الوصول لحل سياسي.. ولكنه كذلك – لن ينجح في أن يحفظ لنا سوريا موحدة فضلا عن ديمقراطية، وستبقى غالبا – أشبه بنمط فيدرالي لدولة فاشلة.
الحقيقة – وإن كنا نقدر ونرجو حصول تغيير إيجابي في الحالة المصرية على مدى متوسط مثلا – نتاج إفلاس مسارات ، والأهم تراكم فاتورة الوعي المجتمعي والأخلاقي بهذا الإفلاس، وتحولات اجتماعية.. فالحالة السورية للأسف ستبقى لفترة طويلة..
ربما التواءات معينة تحدث وتسرع بنا في اتجاه ما  (نتاج اشتباك إسرائيلي مع حزب الله مثلا، أو تغير حاد مفاجيء في بنية النظام السوري – كاغتيال بشار، أو انهيار مفاجيء للمعارضة المسلحة قبل حتى تضافر القوة الخارجية ضد النصرة، أو انتقال نويات داعش لتهديد السعودية والخليج وتركيا، أو حتى تصاعد احتكاك روسي أمريكي تسمح به أيضا طبيعة ترامب الخرقاء وخطابه الفاشي على خلاف سياسته المعلنة من سوريا)
ولكن الشروط الإقليمية والوطنية لتحقيق حل سياسي حقيقي يدعمه تغيير نخبوي واجتماعي ليست حاضرة، ولم تكن، ولن تكون – لأمد غير معلوم.
 وللأسف  – قل مثل هذا عن العراق!  تنسينا الكارثة الحالّة الكارثة القديمة مع أنها أهم بمقياس التاريخ والاستراتيجيا.. حتى تنسيناها الكارثة المستجدة (وعساها لا تكون الخليج).
أما مصر – فبكل ماحصل ويحصل وسيحصل، فلتت!
وهكذا مكتوب علينا أن تكون الرمضاء خير لنا – وخيار وحيد – من نارها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى