قراءات استراتيجية

حول وثيقة حماس.. وأمور أخرى

1 – بخصوص وثيقة حماس..

فبلاشك المعاني التي تطرحها إن قيمناها بشكل مجرد تبقى جيدة؛ بل هو تجديد في الرؤية والخطاب حل أوانه منذ أكثر من عقد ويزيد:

(تأكيد وطنية وخط المقاومة  والمرجعية الإسلامية في مقابل الميثاق القديم الممتليء بشعارات وأوهام أيديولوجية تحمل صبغة قداسة أثبتت  التجارب المتعاقبة عدم قدرتها على صنع مشروع – أعني الدولة الإسلامية،

وكذلك فتحت مجالا لهدف سياسي معقول إقليميا ودوليا – دولة في حدود الرابع من حزيران – دون التخللي عن الحق التاريخي والمقدس في كامل الأرض وعدم الاعتراف بإسرائيل،

وكذلك اعتبرت المنظمة بتعديل تمثيلي لابد من حصوله فيها – الممثل السياسي للقضية – في مقابل أيضا المصادمة الأيديولوجية غير الرشيدة معها في الميثاق،

ونقطة هامة جدا وهو الفصل الحاسم بين المسألة اليهودية والصهيونية وهذه من أشد سوءات الميثاق القديم وتجاوزها النضج الأيديولوجي والأخلاقي كثيرا،

بالإضافة لمسألة تأكيد الانفصال التنظيمي مع بقاء الرابطة الفكرية مع الإخوان –   وربما أتحفظ على تلك النقطة لأنها على خلاف الحقيقة كما نعلم)

مشكلة الوثيقة في رأيي – هي مانقص منها (تحديدا تحرير مسألة الإرهاب واستهداف المدنيين وهي هامة كواجب رسالي وحتى للباعث البراجماتي الأساس في تحسين صورة الحركة دوليا، وأيضا وضع إطار رؤية لاستراتيجية المقاومة ومراحلها خصوصا مع المأزق الوطني والاستراتيجي في استدامة إمارة غزة والانقسام الوطني)

خصوصا في ظل المشكلات الاستراتيجية العميقة التي أفرزها مسار حماس مابعد 2006، والتي تناولناها من قبل:

والمشكلة الأخرى هي مايُمكن أن تكشف عنه الوثيقة من نوايا ودوافع وآثار قد لاتستقيم مع الحس الوطني والرسالي.

مسألة تعديل الخطاب في حد ذاتها ليخرج من نطاق الخطاب الأيديولوجي التصفوي والكُلي – غير المنضبط بقواعد الشرع وتمييزه عن خيارات البشر، وغير المنسجم مع مقتضيات الواقع – هي خطوة حصلت في حماس على مدار السنين، بشكل تسارع حينا وتباطأ حينا، ولكن بقي الميثاق يمثل تناقضا وعبئا (حتى مسألة الإخوان مثلا – فخطاب حماس والإخوان كان يلح – على غير الحقيقة بالطبع – على الانفصال التنظيمي، وإن كانوا داخليا لهدف الحشد يقولون الحقيقة ويبالغون فيها!).. ولهذا فتعديله كان واجبا تأخر كثيرا.

وأمر كهذا أيضا حصل مع حزب الله.. وتأخرت خطوة تعديل رؤية الحزب لعام 2010 تقريبا.. مع أن وقتها المناسب كان في 1992 حين دخل الحزب العملية السياسية اللبنانية.

أيضا حماس – كان ممكن أن تعيد تعديل الميثاق في أواخر التسعينات، وبالتأكيد بعد دخولها في خط العملية السياسية في 2005.

حتى مسألة دولة في حدود الرابع من حزيران:

فكرة وضع هدف سياسي مرحلي ومناسب بمعيار القانون-دولي شيء جيد بلاشك، حيث يمكن التحرك الاستراتيجي لتحقيقه أو استخدامه كخطاب سياسي ضمن استراتيجية مقاومة.. ولكن لاحظ أن الوثيقة صمتت عن قابلية تحقيقه استراتيجيا، وبأي استراتيجية غير حديث عام على أصالة المقاومة والحفاظ على سلاحها.

والمشكلة كما ذكرنا فيما قد يختبيء خلف ذلك من نية ويعقبه من أثر.

لماذا الآن؟!

القراءة الطيبة للأمر – أنه بسبب التخلص من الضغط الدولي والإقليمي والمصري في موضوع الإخوان (وإن كنت لاأبالغ في أثر هذه النقطة)، فجاءت الفرصة لتسديد فاتورة للتجديد متأخرة في بقية القضايا.

وربما – استباقا لماراثون عبثي في ملفات التفاوض والتقارب العربي – الخليجي مع إسرائيل  .. خصوصا في مرحلة ترامب.. فتريد أن تقدم حماس قدما إيجابية للتصالح الداخلي وتطوير صورتها السياسية إقليميا ودولية، ولكن أيضا حاجزة عن تنازلات متوقعة. وهذا الأوقع.

ولكن القراءة الشريرة – أنه محاولة تسويقية لحماس لتلحق هي ذاتها بالماراثون التفاوضي، وهذا في رأيي مستبعد.

صحيح أن حماس قد تقبل بهدنة طويلة الأمد بحيث تحافظ على حكمها في غزة مع الانفصال عن الضفة، أو حتى فعليا بصيغة المقاومة الشعبية كممارسة – مع عدم تفكيك البنية العسكرية – في إطار اندماج مع المنظمة للدخول في مسار تفاوضي هي تعلم باستحالة الوصول لنتيجة مقبولة فيه. (بل هذا كان شقا مطلوبا في مشروع الشرق الأوسط الإخواني برعاية قطرية – تركية مع الربيع العربي)

ولكنها تدرك جيدا – أن الكثير من بنود وثيقتها الجديدة، بل حتى الحد الأدني المقبول في داخل الحركة وكوادرها كمنتوج تفاوضي – هو شديد التناقض والمصادمة لأي صيغة جادة أو هزلية قد يطرحها ترامب أو يمكن التعايش معها في الترتيب الإقليمي الجديد.

وعلى هذا فلست مقتنعا مثلا بماجاء في مقال السناوي

http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=03052017&id=1a31b82f-4157-4b85-b74f-08054e23afb1

أنا أرجح مساحة وسطى بين القراءتين؛ فهناك بواعث إيجابية وهي ضرورة رسالية وواقعية بالطبع، وأخرى براجماتية مقبولة تفلتا من ضغوطات أو طلبا لمصلحة فصيل دون تصادم مع القضية الوطنية،

ولكن أيضا ربما حماس تتلمس بشكل حذر جدا إعادة إنتاج صيغة محسنة لها في أي سياق تفاوضي مقبل، ولكنها تدرك جيدا شبه استحالة إفرازه لأي نتيجة ملموسة، أو حتى القبول بها كحركة إن تحققت.

ومايجعلني لاأحسن النية على إطلاقها، أني أعلم أن مسألة إعادة إنتاج حماس والقبول بدولة الرابع من حزيران – مع الاعتراف الفعلي بإسرائيل والتخلي عن

المقاومة المسلحة – كانت حاضرة بشدة إخوانيا ومن قبل حتى الربيع العربي..

بل حتى دشنت لأجلها تبريرات شرعية (فتوى الريسوني الشهيرة)،

.ولكن حماس كانت ترفض بشدة

ولا أستبعد أن ثمة ضغط إخواني قد حصل في بعض جوانب تلك الوثيقة أو حتى في توقيتها.

——————–

أما النقاط الأخرى .. فإجابات سريعة:

2- سوريا كما ذكرنا من قبل – هناك أطروحتان: الأصعب هي إنهاء الصراع العسكري (بعد القضاء على داعش، ثم يليها مشكلة تنظيمات خط القاعدة كفتح الشام وحلفائها) ثم الوصول لشكل فيدرالي، أما الأوقع للأسف – فهي توسيع سلطة واستقرار نظام الأسد على الأرض، مع وصول لصيغة تفاهم سياسي مع المعارضة (الديمقراطية) – المقبولة أمريكيا -على وضع حكم ذاتي ، مع بقاء الجزء المسيطر عليه من تنظيمات السلفية الجهادية مثار اشتباكات وأخذ ورد.

في الحالتين، لن تعود سوريا كدولة موحدة، أو يتم إسقاط نظام الأسد (ربما في مرحلة تالية يتم التضحية به كشخص بعد التأكد من استقرار الوضع)، وستتصاعد المشكلة التركية الكردية (سيزيد بقاؤها الدعم المختلط أمريكيا وروسيا لكل من الطرفين).

3- فكرة الوطن البديل مرفوضة بشكل قاطع من كل مكونات شبه النظام المصري وخصوصا السيسي والمؤسسة العسكرية  ولأسباب عديدة جدا- بل حتى مجرد التفكير فيها غير موجود. ودعك من أي ضلالات منتشرة في هذا الشأن.

وأي حديث عن تبادل أراضي فالمقصود به داخل فلسطين، وهو مبدأ للأسف قبله أبومازن منذ زمن، وهو بالتأكيد ركن أساس في مشروع ترامب ويقبل به النظام المصري والعرب.

4- التعديلات التركية – للأسف تمثل بواعث لسلسلة من الأزمات الداخلية والسياسية والأمنية المقبلة.. كما تحدثنا في رسالة سابقة حين أشرنا لسياسة أردوغان عقب محاولة الانقلاب، وهي بالطبع تدلل على ما أشرنا له حينها من وجود خطة ومنهجية متكاملة على إنتاج دولة شمولية تكرس من حكم الفرد – مع عدم وجود أي معطيات في الحال التركي تجعل من هذا إمكانية قابلة للعيش.

طبعا من المضحكات المبكيات البيان المبتذل سياسة وديانة لاتحاد علماء المسلمين الذي أيد التعديلات، ودللوا ماشاء الله بأن الفقه السياسي يجعل الرئيس هو المتصرف الأول في شئون الدولة..

ذكرني هذا بتمامه – بعبقرية المرحوم شيخ الأزهر كذلك في التدليل على شرعية التوريث بفعل الخلفاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى