حوار حول المصالحة الفلسطينية ومايأتي
حوار مع صديق حول المصالحة الفلسطينية:
هل رفض بعض قيادات حماس للمصالحة بناء على موقف رافض لدحلان؟
لا أعتقد.. لاحظ أن بعض هؤلاء القيادات كانوا راضين باللجنة الإدارية التي تم تشكيلها منذ أشهر بالتوافق مع دحلان لإدارة شئون القطاع. كما أن الرغبة في المصالحة كانت حاضرة منذ سنين، وأصبح شبه حتمي بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية بالقطاع خصوصا مع قطع أبومازن لشطر من الدعم، وإلحاح الوضع السياسي العام والدور المصري.
إذن لم يرفضونها الآن وقد كانوا رعاة لها من قبل؟ بسبب تغير الظرف السياسي والهاجس القوي من المآل السياسي سواء لوضعية حماس في غزة والضفة، أو على مشروع المقاومة إجمالا.
هل يتوقف نجاح المصالحة على اشتراطات إسرائيل (الاعتراف، ونزع السلاح)؟
ليس فقط اشتراطات إسرائيل، ولكن المشكلات الأساسية التي أعاقت محاولات المصالحة سابقا (أعني ملفات كالقوى الأمنية وتسكين الفصائل بها، وهيكل الموظفين الذي تضخم لصالح حماس في غزة وفتح في الضفة، ثم أيضا وضع حماس في الضفة خصوصا مع التنسيق الأمني، ووضع أي فصيل عسكري ممكن لفتح في غزة مع سيطرة حماس)، . مافعلوه الآن هو أن رحلوا تلك الملفات لمرحلة تالية! ويزيد على ذلك الآن الآن قضية جوهرية: الأفق السياسي وهاجس صفقة القرن.
حتى مع إدراك حماس أن صفقة القرن تخلو من أي رؤية متماسكة، وأن إسرائيل لايمكن بتركيبتها الحالية وميزان القوى الحالي أن تقبل بفكرة الدولتين (مهما كانت الدولة الفلسطينية فاقدة لأي سيادة، ومنزوعة السلاح إلا في إطار تنسيق أمني محدد، وقبول بيهودية الدولة مع التخلي عن حق العودة والقدس، وتبادل الأراضي). وأيضا صدورها من أشخاص وإدارة أمريكية يغلب عليها جهل كامل بواقع وتاريخ المشكلة الفلسطينية.. أقول حتى مع إدراك حماس لكل هذا، ومع انخراطها في المصالحة – فإن ضغط الإلحاح على اشتراطات تلك الصفقة – أو استعادة أي سبيل تفاوضي إليها، سيستدعي المشكلات الجوهرية الخاصة بمشروع المقاومة والرؤية الاستراتيجية للقضية، ويلقيها على مسألة يمكن علاجها بأي سبيل آخر: التخلص من عبء مشكلة غزة وإعاشتها. وهذا ماقد يورث القلق عند بعض قياداتها أو من هو معني بمسألة المقاومة ومستقبلها من الخارج – أن يدفع ذلك الضغط، ومتوالية مسار المصالحة والتفاوض إلى تنازلات تغير من التوازن العسكري والسياسي في القطاع تحديدا، خصوصا مع تهاوي الوضع الإقليمي العربي والتعقيد الذي حدث في الأعوام الخمس الماضية.
وماذا بعد؟ لو طلبت حماس منك أو مصر ورقة فبماذا تنصح؟ ولا تقل لي أن الواقع الذي أفرزته مشكلات منهجية لايمكننا التعامل معه (كما كان يقول سيد قطب عن المناهج البعيدة عن الله والمشكلات الجزئية!)؟
بالفعل هناك مسألة أن كمية كبيرة من الأخطاء الاستراتيجية ارتكبتها حماس (دعك من النظام المصري فإن حالته مستعصية في انهيار الرؤية الكونية للصراع ودور مصر قبل أي خرق استراتيجي وضعف قدرة داخلية) أفرزت واقعا ضاق فيه مع الوقت هامش المناورة الاستراتيجية كثيرا إلا إذا تم إحداث تغيير جذري في الممارسة والبيئة الداخلية، وهذا يقتضي وقتا وأيضا نوعية قيادية مختلفة..
ولكن في المقابل – منطق الاستراتيجية هو براجماتي بالأساس .. يُلح على التغييرات الجذرية، ولكن يعرض أيضا استراتيجية إنقاذ وإدارة أزمة ليحقق أفضل النتائج بما هو متاح من إرادات وموارد، ولتتيح الوقت المطلوب كذلك لأي تصحيح شامل. لعلك تذكر مثلا ورقتي عن (أزمة سيناء ومكافحة الإرهاب) في 2014.
فيما يتعلق بحماس فأمامها خيارات. في كل هذه الخيارات لابد أن تتحالف سياسيا مع الفصائل الرافضة لأوسلو، وتدعو لإعادة تشكيل منظمة التحرير.. ثم تقوم:
1 إما حل السلطة رسميا في غزة، وتدعو أومازن للدخول وتخوض مرحلة تفاوض على ترتيب الوضع الداخلي.
2 تتخلى أيضا عن السلطة ولكنها تشكل لجنة محلية توافقية لإدارة القطاع. وقد تلجأ لهذا الخيار حتى يحصل الخيار الأول.
بمعنى – أن تعود كحركة مقاومة صرفة، وجناحها السياسي لاينشغل بغير ملف النضال السياسي للتحرير، وملف إعادة تشكيل منظمة التحرير لضبط البوصلة السياسية.
وكاستراتيجية عسكرية – وبتحررها من الضغط السياسي والاقتصادي عليها،وبعد تحسين العلاقة مع المصري عبر ضبط الحدود وتحويل تركيز الفصائل المتشددة لأجندة نضالية ماأمكن، يمكنها حينها أن تُصعّد في الضفة وداخل الخط الأخضر بعمليات نوعية (تُحرم استهداف مدنيين)، وتتهيأ لماقد يُسفر ذلك بالضرورة عن حملات على غزة – دون استدعائها إعلاميا – مع التحضير للاشتباك البري غير النظامي وتطوير الرادع الصاروخي كفرصة استراتيجية في هذا الوضع وليس ثمنا يُدفع.. للتخديم على خارطة أهداف سياسية تصاعدية وفق المنتوج الاستراتيجي خصوصا إن توافق ذلك مع تصعيد في الجبهة الشمالية.. أقلها تهدئة مشروطة في الضفة وغزة معا، وتتصاعد لانسحابات في الضفة مع الوصول لتسويات طويلة الأمد ذات وضع سيادي – غير نهائي – مع فتح معابر دائمة مع الأردن ومصر، ووضعية أكثر تماسكا مع عرب الداخل.
وكتركيب عسكري وفن عمليات – أن تعيد النمط غير النظامي بحيث يكون هو الأساس في عقيدتها وتشكيلاتها، مع قدرة على التراكب النظامي خصوصا كنسق دفاعي مرن اعتمادا على مهيئات جغرافية وتقنية، وبما قد يناسب التحرك في بيئة متنافرة، وأن تفصل تماما عملياتيا ولوجستيا بين وحداتها المقاتلة، ووحدات العمل النوعي، وجناح الصواريخ – مع توفير مصادر إعاشة وتفويض للقيادة التكتيكية في المفارز الطرفية (كما في تجربة حزب الله),
من منظور الاستراتيجية طويلة الأمد (العليا) – أقصى مايُمكن تحقيقه مرحليا هو وضع يسمح بتطوير الكيان السياسي الفلسطيني، ويُصقل إمكانات ودور المقاومة – في كل من الضفة وغزة معا – لتحقيق قدر من توازن ردع يحتفظ بمساحة للمناورة والمبادأة بحيث يفرض على الإسرائيل التعايش مع صيغة سياسية (غير نهائية) وأيضا عسكرية عبر تهدئة طويلة الأمد – بعد تراكم لحس الخسارة والخطر عند الأخير في تجربة أو اثنتين.
وهذا يقتضي بالتأكيد إعادة صياغة صورة المقاومة دوليا وإقليميا، وتطوير صدقيتها من حيث القدرة والالتزام السياسي والأخلاقي.. وكل هذا له فائدة متعددة أقلها تحسين العلاقة مع المصري دون بالضرورة التعرض لابتزازه، فضلا عن تطوير ثقة دولية في الالتزام السياسي دون تنازل أو ابتزاز.
وبالتأكيد تطوير التحالف مع الجبهة الشمالية تحديدا (بشكل أكثر عمقا عن المحور الإيراني بشموله) هو مطلب هام بما يحمله من مصلحة للطرفين ليس فقط لأهميته كاستراتيجية عسكرية من منطق الجبهتين، ولكن – بالإضافة لعوامل أخرى – كمحاولة لتجنب الدخول على خط الاشتباك الإقليمي والغرق في سياسة المحاور (هذا ماأفاد حماس مثلا أثناء حرب الكويت ومابعدها – على عكس المنظمة).
ذات صلة
حوارات حول غزة وليبيا والموقف المصري وداعش
حصاد حملة غزة ومفهوم الانتصار ومايأتي
ورقة سياسات عن (استراتيجية مكافحة الإرهاب بسيناء).. أكتوبر 2014