حول قرار القدس، وكلمة عن المصادر التاريخية للصراع
حوار مع صديق، ومحاولة للإجابة عن سؤالين:
بخصوص موضوع القدس.. فلاحظ أن شخصية مهووسة كترامب، ليس بالضرورة أن ماتقوم به هو ثمرة تفكير منطقي – فضلا أن تكون نتاج البحث المؤسسي المتكامل بين أجنحة أخذ القرار الأمريكي كما هو معتاد.
بوضوح – هذا وعد انتخابي أصبح تطبيقه ممكنا لتردي الوضع العربي وانتكاسته، في وقت اصطدمت وعوده الانتخابية الأخرى بعقبات داخلية وخارجية.
ولاشك أن مأزقه الداخلي حاليا (ليس فقط أزمة التواصل مع الروس للتأثير على مسار الانتخابات، ولكن انكشاف وعوده باختراق اقتصادي ومؤسسي ما أمريكيا) هو عامل حاث أيضا، بالنظر إلى استمالة قدر مؤثر من مؤسسات المال والأعمال ذات النزعة الصهيونية.
ولكن كما ذكرت – العنصر المتغير ليس وجود الدافع، ولكن انعدام المانع.
بمعنى – قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أقره الكونجرس منذ 1995، ولكن تعاقب الرؤساء الأمريكيون (كلينتون وبوش وأوباما) على تعطيله (بل حتى ترامب نفسه في يونيو الماضي) بدعوى الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي.
ماذا جدّ إذا من يونيو حتى الآن؟
الضغط السياسي عليه بسبب عجزه عن الوفاء بوعوده كما ذكرت، ولكن الأهم –
هو حالة الانبطاح الكامل للقادة العرب، ووصولنا لوضع غير مُتصور من قبل، من قيادات أكبر دول عربية (مصر والسعودية – ومن ورائهما الإمارات والأدرن) تعترف بترامب كقيادة كونية (في مقابل حالة الاستخفاف الكامل به حتى بين حلفائه الأوروبيين)، وأيضا انخراط تاريخي في تطبيع مع إسرائيل وترحيل كامل لملف القضية الفلسطينية (فضلا عن الصراع العربي الإسرائيلي الذي تحدث عنه السيسي مثلا أنه تم إغلاقه منذ تجربة السلام الرائعة مع إسرائيل) خلف ملف الصراع العربي-الإيراني.
في ذات السياق، مايظهر جليا من انعدام صفات الجدارة القيادية (من حيث الحس القومي، والمُكنة السياسية والخبرة) عند هؤلاء النفر ..
ثم الوضع الفلسطيني الداخلي في حالة الإفلاس المزدوج لمشروعي السلطة وحماس، حتى مع تطور المصالحة الذي لن يستمر طويلا لأنه بلاأفق أو تقارب في رؤية الصراع، أو حتى امتلاك أي من الطرفين لمنظور استراتيجي متماسك.
وفوق كل ذلك، انهارت مكونات كبرى في الميزان العربي.. خصوصا العراق وسوريا.. وأطراف رديفة في ليبيا واليمن… وجثة تحكم الجزائر، ووضع مغاربي تزيده أزمته الداخلية بعدا في المكان والتأثير.
هذا الوضع الدرامي في أمة العرب، هو مايرفع أي حاجز أمام خطوة نقل السفارة للقدس – بغض النظر عن الدواعي العامة والشخصية خلف هذه الخطوة.
وفي تقديري – أن تلك الخطوة قيمتها الحقيقية هي ماتمثله من رمزية قاسية على انهيار الأمة، وانحطاط حكامها دينا ووطنية وخصائص قيادة، ولكنها لاتضيف شيئا ماديا على المأزق السياسي العام، أو مخروط ابتلاع القضية الفلسطينية، سواء في توسع الاستيطان ودفن أي فرصة لتسوية أو دولة فلسطينية، أو التطبيع الفعلي وانهيار مفهوم الصراع العربي الإسرائيلي كخلفية جيوسياسية وأخلاقية، أو المأزق الفلسطيني الداخلي كما أسلفت.
من الطبيعي أن نرى حُمى من المسيرات الشعبية الرافضة، وربما فواتح انتفاضة ثالثة.. ولكن للأسف في غياب رؤية واضحة للصراع وإدارته، وحل شيفراته الأساسية، وبناء كتلته القيادية.. فالنتائج تبقى محدودة وجزئية.
الحل بالتأكيد في كل ماسبق هو إعادة تشكيل بنية الوضع العربي سياسيا وعسكريا واستراتيجيا، ولكن هذا لايُمكن تصوره بأي حال دون تغيير سياسي داخلي في الدول التي قد تمثل رافعا حقيقيا لهذا المشروع العربي المُفتقد (الانجذاب الطبيعي لأي محاولة لبعث تحرري ووحدوي ونهضوي هو إحياء فكرة الصراع العربي الإسرائيلي، وإعادة تكييف الموقف مع إيران وتركيا ضمن خارطة التدافع الإيجابي القائم على مزاوجة بين التفاهم والتدافع الإيجابي على المساحات، وحل الملفات العالقة في سوريا ولبنان واليمن والخليج)
وهذا يُذكرنا جميعا،ـ بما مثله ربيع الثورات من فرصة مُهدرة، بالتأكيد أكبر المسئولين عن تضييعها هو القوى السياسية فاقدة الأهلية والاستقامة والوعي القومي والرسالي.
***
بخصوص قراءات الصراع العربي الإسرائيلي.. أُعلمك أني سأبدأ جهدا متواضعا في تحويل رسالتي للدكتوراة لسلسلة محاضرات على يوتيوب قريبا جدا إن شاء الله…