تحليل استراتيجيقراءات استراتيجيةمقالات منوعة

حول قرار القدس، وكلمة عن المصادر التاريخية للصراع

حوار مع صديق، ومحاولة للإجابة عن سؤالين:

أولا –  مافعله ترامب اسبابه وتداعياته ؟
ثانيا – أقرأ الان كتاب الجيوش والعروش لهيكل، والبعض يتهمه بتزوير التاريخ – في رأيك هل يستأهل القراءة له وما هي محاذير التعامل مع مايقول؟
…………………………….

بخصوص موضوع القدس.. فلاحظ أن شخصية مهووسة كترامب، ليس بالضرورة أن ماتقوم به هو ثمرة تفكير منطقي – فضلا أن تكون نتاج البحث المؤسسي المتكامل بين أجنحة أخذ القرار الأمريكي كما هو معتاد.

بوضوح – هذا وعد انتخابي أصبح تطبيقه ممكنا لتردي الوضع العربي وانتكاسته، في وقت اصطدمت وعوده الانتخابية الأخرى بعقبات داخلية وخارجية.

ولاشك أن مأزقه الداخلي حاليا (ليس فقط أزمة التواصل مع الروس للتأثير على مسار الانتخابات، ولكن انكشاف وعوده باختراق اقتصادي ومؤسسي ما أمريكيا) هو عامل حاث أيضا، بالنظر إلى استمالة قدر مؤثر من مؤسسات المال والأعمال ذات النزعة الصهيونية.

ولكن كما ذكرت – العنصر  المتغير ليس وجود الدافع، ولكن انعدام المانع.

بمعنى –  قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أقره الكونجرس منذ 1995، ولكن تعاقب الرؤساء الأمريكيون (كلينتون وبوش وأوباما) على تعطيله (بل حتى ترامب نفسه في يونيو الماضي) بدعوى الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي.

ماذا جدّ إذا من يونيو حتى الآن؟

الضغط السياسي عليه بسبب عجزه عن الوفاء بوعوده كما ذكرت، ولكن الأهم –

هو حالة الانبطاح الكامل للقادة العرب، ووصولنا لوضع غير مُتصور من قبل، من قيادات أكبر دول عربية (مصر والسعودية – ومن ورائهما الإمارات والأدرن) تعترف بترامب كقيادة كونية (في مقابل حالة الاستخفاف الكامل به حتى بين حلفائه الأوروبيين)، وأيضا انخراط تاريخي في تطبيع مع إسرائيل وترحيل كامل لملف القضية الفلسطينية (فضلا عن الصراع العربي الإسرائيلي الذي تحدث عنه السيسي مثلا أنه تم إغلاقه منذ تجربة السلام الرائعة مع إسرائيل) خلف ملف الصراع العربي-الإيراني.

في ذات السياق، مايظهر جليا من انعدام صفات الجدارة القيادية (من حيث الحس القومي، والمُكنة السياسية والخبرة) عند هؤلاء النفر ..

ثم الوضع الفلسطيني الداخلي في حالة الإفلاس المزدوج لمشروعي السلطة وحماس، حتى مع تطور المصالحة الذي لن يستمر طويلا لأنه بلاأفق أو تقارب في رؤية الصراع، أو حتى امتلاك أي من الطرفين لمنظور استراتيجي متماسك.

وفوق كل ذلك، انهارت مكونات كبرى في الميزان العربي.. خصوصا العراق وسوريا.. وأطراف رديفة في ليبيا واليمن… وجثة تحكم الجزائر، ووضع مغاربي تزيده أزمته الداخلية بعدا في المكان والتأثير.

هذا الوضع الدرامي في أمة العرب، هو مايرفع أي حاجز أمام خطوة نقل السفارة للقدس – بغض النظر عن الدواعي العامة والشخصية خلف هذه الخطوة.

وفي تقديري – أن تلك الخطوة قيمتها الحقيقية هي ماتمثله من رمزية قاسية على انهيار الأمة، وانحطاط حكامها دينا ووطنية وخصائص قيادة، ولكنها لاتضيف شيئا ماديا على المأزق السياسي العام، أو مخروط ابتلاع القضية الفلسطينية، سواء في توسع الاستيطان ودفن أي فرصة لتسوية أو دولة فلسطينية، أو التطبيع الفعلي وانهيار مفهوم الصراع العربي الإسرائيلي كخلفية جيوسياسية وأخلاقية، أو المأزق الفلسطيني الداخلي كما أسلفت.

من الطبيعي أن نرى حُمى من المسيرات الشعبية الرافضة، وربما فواتح انتفاضة ثالثة.. ولكن للأسف في غياب رؤية واضحة للصراع وإدارته، وحل شيفراته الأساسية، وبناء كتلته القيادية.. فالنتائج تبقى محدودة وجزئية.

الحل بالتأكيد في كل ماسبق هو إعادة تشكيل بنية الوضع العربي سياسيا وعسكريا واستراتيجيا، ولكن هذا لايُمكن تصوره بأي حال دون تغيير سياسي داخلي في الدول التي قد تمثل رافعا حقيقيا لهذا المشروع العربي المُفتقد (الانجذاب الطبيعي لأي محاولة لبعث تحرري ووحدوي ونهضوي هو إحياء فكرة الصراع العربي الإسرائيلي، وإعادة تكييف الموقف مع إيران وتركيا ضمن خارطة التدافع الإيجابي القائم على مزاوجة بين التفاهم والتدافع الإيجابي على المساحات، وحل الملفات العالقة في سوريا ولبنان واليمن والخليج)

وهذا يُذكرنا جميعا،ـ بما مثله ربيع الثورات من فرصة مُهدرة، بالتأكيد أكبر المسئولين عن تضييعها هو القوى السياسية فاقدة الأهلية والاستقامة والوعي القومي والرسالي.

ولايُمكن تصور إعادة لفكرة حلم التغيير – فضلا عن مكابدة محطاته الإصلاحية والجذرية – دون تجديد بنيوي في النخبة السياسية العربية – وخصوصا في مصر.
https://drive.google.com/open?id=0B3R3f5iENLhfTjRCNDdWSUhsbkU

***

بخصوص قراءات الصراع العربي الإسرائيلي.. أُعلمك أني سأبدأ جهدا متواضعا في تحويل رسالتي للدكتوراة لسلسلة محاضرات على يوتيوب قريبا جدا إن شاء الله…

وإن كان المنظور الحاكم في التناول هو الاستراتيجي، ولكن بالتأكيد ستكون هناك محاولة لبعض التدقيق في الخميرة التاريخية لهذا الصراع ومنحنياتها، وبالتأكيد تقويم أدبياتها التاريخية على تنوعها.
والحقيقة – أنه على تنوع هذه الأدبيات (عربية، وإسرائيلية، وغربية) تجد التحيز حاضرا فيها جميعا..
وهذا التحيز ليس فقط في مسألة الحق التاريخي، أو الشرعية السياسية والأخلاقية لممارسات الصراع، بل حتى الأهواء الشخصية أو الجمعية في تناول مفهوم الانتصار واستراتيجية الحرب والسلم .. كما هو متوقع..
على أن هيكل – بتراثه المكتوب والمرئي – لايمكن لأي مهتم بالصراع إلا أن يتعمق فيه.
وهيكل لم يُزيّف التاريخ – بالمعنى الحرفي – أي ينقل وقائع مغلوطة..
وهذا الحقيقة نادرا أن تجده في أغلب المصادر، خصوصا في ظل الوفرة التاريخية من مصادر متعددة للأحداث (لاتزال هناك فجوات معلوماتية بلاشك)، ولكن مشكلة هيكل – والآخرين – هو التحريف بمعنى تأويل التاريخوأحداثه لتُدلل عن نظريات منسجمة مع مصلحة الشخص أو انحيازه.
وهيكل بالأخص كتابته هي أشبه بالفعل بالكتابة الصحفية الموسوعية في ذات الوقت..
ومشكلة هذا النوع من الكتابة:
1- أنها ليست بالضرورة تتبع منهجية ما، ليس فقط في عدم ربطها والاستفادة منها في تطوير الإطار السياسي والاستراتيجي التنظيري (هذه خصيصة أكاديمية لا ينبغي أن نطلبها منه على كل حال) ولكن أيضا ضعف الصرامة التأريخية والتحليلية في اختبار الفرضيات، والجمع بين المصادر ومحاكمتها ببعض.
2- أنك ستجد – بالحس الصحفي – تضخيما لبعض مواطن الإثارة السياسية والشخصية، واستغراقا في تناولها، دون أن يكون لها بالضرورة ثقلا تفسيريا أو حتى في صنع الحدث.
(مثلا كتاب العروش والجيوش – ممتاز بلاشك، والتحيز فيه قليل لأنه كان قبل الفترة الناصرية على كل حال، ولكن انظر مثلا تضخيمه لعلاقات فاروق الشخصية.. فضلا أنه من حيث التزاوج التحليلي بين المستوى السياسي والعسكري .. أي اختبار الأطروحات الاستراتيجية – من حيث الوجود والعدم، والنجاعة والفشل – ضعيف جدا.. ولكن الأفكار العامة موجودة بلاشك، وكافية)
أوصيك أيضا بقراءة دراسة اللواء د. إبراهيم شكيب عن الحرب، فهي شديدة الرصانة، وإن كانت تركز على الشق العسكري..)
وهناك مجموعة جيدة أيضا من الكتابات الغربية.. وأيضا للمؤرخين الجدد في إسرائيل (خصوصا كتب آفي شلايم، وإيلان بابي)
لا أعلم هل هي مترجمة أم لا.
باختصار، اقرأ هيكل، ولكن اقرأ غيره معه.. فليس هو صاحب الكلمة الأخيرة، أو الأصدق، ولكنه بالتأكيد قدم تراثا هاما جدا (وممتعا في نفس الوقت) يساعدنا في ادراك جزء كبير من السبك التاريخي للأحداث، وتفسيرها أيضا.. فقط إذا جعلناه جزءا من مصادرنا التاريخية، وخاضعا لمنهجية تحليلية أكثر صرامة، وأكثر حساسية وكشفا لمواطن التحيز وآثارها على المنتج التحليلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى