فكر استراتيجيقراءات استراتيجيةمقالات منوعة

على هامش كتاب (الاستراتيجية ومحترفوا الأمن القومي) – 3

يقول الكاتب في الفصل الرابع “إن الجزء الأكبر من البيئة الاستراتيجية قطعي ويخضع لقواعد معينة، وصفات الاستمرارية

continuities

هي التي توجه السلوك العام للبيئة”

(ضرب أمثلة ب الجاذبية والجغرافيا والطقس وقواعد السلوك الدولي)

” وتسعى عوامل الاستمرارية دائما إلى ترسيخ نفسها ولكن صلاحيتها لا يمكن أن تعد امرا مسلما به” (ضرب أمثلة مثل اختراعالطائرات وبالتالي تغير أثر الجاذبية اختلف في الحروب)

فما هي صفات الاستمرارية في البيئة الاستراتيجية؟ ما فهمته أنه ضرب أمثله من البيئة الطبيعية وليس البيئة المتعلقة بالصراع ووضع الاستراتيجية، فما هي الأمور التي لها صفات الاستمرارية ينبغي تفهمها التعامل معها؟ هل المقصود مثل سنن علم الاجتماع، وحركة المجتمعات، وطبيعة النفس البشرية وما يؤثر في الأشخاص .. أقصد هل هي القوانين المتعلقة بالأفراد والجماعات والهيئات والدولة والتي يمكن ان يكون لها صفات الاستمرارية كما في الجاذبية وغيرها، أم المقصود شيء آخر؟

*******

 

بخصوص الخصائص الثابتة والمتغيرة للبيئة الاستراتيجية، فالفرضية السائدة في الدراسات الاستراتيجية أن هناك عوامل ديمومة (استمرارية وثبات) وأخرى متغيرة سواء في القواعد الاستراتيجية، أو خصائص البيئة الاستراتيجية.. يعني فعلا أمور كفكرة الصراع، وتدافع القوة، ومحركات الصراع (ماطرحه ثيودوديس في كتابه الشهير عن الحروب البلبونيسية من أن محرك الصراع الأساسي: الخوف والكبرياء والمصلحة، يبقى حاضرا في كل المشاهد وإن بتجليات ونسب مختلفة)، أو أن هناك عنوان وأثر سياسي لابد أن يسعى الصراع العسكري لتحقيقه ويقاس به، أو تحقيق الانتصار لايتأتي دون السيطرة – أو تحوير- الإرادة السياسية للخصم .. ونزولا حتى في مراتب الاستراتيجية: محورية القائد الفذ، وقواعد الحرب في المفاجئة والسرعة وتوفير القوة واستمرارية الهدف العسكري والأمن والحشد..، ومحورية الحسم البري، والموقف القوي للدفاع، والاحتكاك-التداعي، وخط الذروة في الهجوم والانتصار بحيث كل تجاوز عنه يأتي بنتيجة سلبية.
وحتى عناصر ديمومة في مفردات وأطراف البيئة الاستراتيجية (كماهية وليس فقط في تفسير فعلها استراتيجيا) مثل الجغرافيا وماتفرضه من مهيئات ومخاطر وفرص ومهام (أطروحة جمال حمدان مثلا عن وضع مصر، ومايفرضه الوضع الجغرافي شديد التهديد لإسرائيل وقبلها ألمانيا قبل الحربين من ضرورة الحسم العملياتي السريع ونقل المعركة لأرض الخصم وضرورة الانتقال بين المحاور)، وطبيعة الشعب، وخلفيته الثقافية والدينية، الخبرة التاريخية وماتحدثه من تحوير في الثقافة الاستراتيجية (هوس الإسرائيلي برهاب الأمن، محورية فكرة الدولة في الوجدان المصري، الاقتصاد في مصادر القوة والاعتماد على الكيف في حال البريطاني، والعكس عند الروسي – التعويض بالكم).. ومئات التفصيلات في كل جوانب البيئة الاستراتيجية مما تجد فيها درجة من الثبات.
ولعلنا ندرك الآن أن درجة الثبات تلك نسبية.. فحتى الكتاب أشار أن تجليات تلك الخصائص الثابتة (تتغير حسب الظرف الزمني)، وهذا ماأشار له كلاوزفيتس أن (لكل عصر نظريته في الحرب).. ولهذا فتقليله من قيمة المفاجأة على المستوى الاستراتيجي وكذلك من قيمة الاستخبارات مثلا – بل حتى طرحه الأساس في الكتاب أن هناك تغيرا جوهريا حصل في ظاهرة الحرب بحيث نقلها من الحرب المحدودة شديدة النظامية للحرب الشاملة ذات الاتساع الهائل في مستوى الأهداف والحشد والممارسة والتفلت من القيود السياسية – ماحصل مع الثورة الفرنسية، وهذا مثلا تغيير سياسي اجتماعي – و تجلى أيضا بشكل كبير في بقية مفردات البيئة الاستراتيجية (تضاعف الجيوش واتساع كبير في مسارح العمليات، ظهور مستوى العمليات في الحرب بالأساس، وظهور فكرة الأركان مع تعقد المهام العسكرية، وتطور الأسلحة المشتركة….)
وقل ذلك بشكل أوضح على مانسميه بالنظريات الاستراتيجية الخاصة (التي تُعنى بقواعد التوظيف الاستراتيجي لأفرع الأسلحة: برية وجوية وبحرية واستخبارات – ثم نووي ومعلوماتي – والآن شبكي وفضائي)، وأيضا النظريات العملياتية (القواعد الناظمة لتفعيل الأسلحة المشتركة كمنطق عملياتي وداخل كل سلاح)
تعبير الكتاب بلفظ (قطعي) عن خصائص البيئة الاستراتيجية غير سليم بالطبع، ويناقض كامل أطروحته في هذا الفصل بالأساس، التي تطنب كثيرا في تفصيل جوانب التعقيد والغموض والنسبية والتغير، والعلاقات التي تنشأ من تفاعل تلك الخصائص البيئية مع بعض، أو الآثار الثانوية والثالثية عليها من المواقف والآثار الاستراتيجي.
لكن النقطة الجوهرية هنا.. أن ندرك أن هناك عوامل ثبات (استمرارية) وتغيّر تطال كل مفردات وخصائص البيئة الاستراتيجية. ثانيا – أن ندرك أن الثبات درجات، فهناك قواعد ومفردات ثابتة مطلقا، وهناك أخرى تتغير ولكن بشكل شديد البطء وترتبط بتحولات سننية في مسار الظواهر السياسية والاجتماعية والتقنية (حين ظهرت القوة النووية، قال كثير من الاستراتيجيين حينها مثلا أن فكرة الحرب التقليدية انتهت. بالطبع هذا ثبت فشله مع حصول الحرب الكورية مباشرة، ولكن هذا يعطيك فكرة عن أثر بعض التطورات التقنية وأثرها.. قل مثل هذا عن التطور الشبكي السيبري الآن)، 
وأخرى تتغير بشكل أسرع لأنها مرتبط بتحولات جيوسياسية دينامية (مثلا بيئة مابعد الحرب الباردة، بيئة الربيع العربي وماتلاه، ماأحدثته حرب 67، أو ظهور حركة المقاومة في الستينات، أو تجارب حزب الله ثم حماس، أو انهيار سوريا والعراق…) فهذه تعطي جملة من المحددات التي تضبط تقييماتنا الاستراتيجية في مرحلة زمنية وإن لم تكن بالضرورة ستمتد لعقود..
ثم هناك أمور شديدة التغير (كالتوازن العسكري في أزمة ما يتغير أطرافها، أو تغير مواقف الأطراف وخياراتها الاستراتيجية ممايستدعي تعديلا دائما كذلك في فرضياتنا وخياراتنا…)
طيب لماذا فكرة الثبات والتغير مفيدة عمليا وليست مُغرقة في النظرية ؟ لأنك كيف ستقرأ الواقع الحالي، أو تفرض له سيناريوهات، أو تضبط خيارات استراتيجية (اعتمادا على آثار متوقعة لهذه الخيارات على أطراف المشهد ومجمل البيئة الاستراتيجية لتحقيق نهايات سياسية ما) إذا لم تمتلك قدرة ما على تمييز عنصر الثبات (فيسهل عليك القياس على تجارب ومواقف وخلاصات سابقة) من التغير
(فيصبح اعتمادك أكثر على عنصر الغموض ، والمفاجأة)
أن تقدر مواقف الإسرائيلي أو الأمريكي أو السيسي أو المؤسسة العسكرية أو الإخوان – أو مجمل الحالة الشعبية.أو أو .. بشكل مناسب اعتمادا على إعمالك لمخروط متدرج في عوامل الثبات تلك؟
فهناك خلاصات وقواعد شبه ثابتة تحكم فعل ورد فعل هذا الطرف (بناء على تركيبه السياسي، ومحركاته، وتحيزاته، والخبرة التاريخية، وموارده..) و أخرى (ممكن أن تتغير لأن هذه العوامل كلها تتحرك فيه، ويصعب عليك .. تحديد من سيترجح فيها بدقة بل الأخطر – هو تفاعل الأطراف مع بعضها، وحساب ردود الأفعال ليس في أول الأمر – 
first encounter
ولكن الثاني والثالث
Chain reactions
نعم الموضوع معقد، ولكن تخيل أنك بدأت تحلل الظاهرة وأنت خال تماما عن أي فرضيات مسبقة عن القواعد والخصائص التي تضبط حركة هذه الأطراف، أو العكس – أن تلك الفرضيات عندك خاطئة أو سطحية أو مصمتة (مغرقة في التنميط دون إدراك حدود التغير والتعقيد).. ستصل لنتائج كارثية!
مايجعل الأطراف تأخذ خيارات ما – سواء كمبادرة أو رد فعل – ليس هو منطق المصلحة كما قد نتخيل، ولكن (تصورها الذاتي) لمفهوم المصلحة فضلا عن إيمانها ببعد غيبي ما.. وهذا التصور الذاتي تحكمه كل التحيزات الممكنة (نفسية وتارخية وأيديولوجية، وتركيب داخلي وطريقة أخذ القرار، فضلا عن وفرة أدوات لرصد الواقع وفهمه بشكل صحيح).. لكن مايحصل في التحليل الاستراتيجي والسياسي – أننا غالبا مانقع في مرض شهير اسمه
Rationalizing Strategy
Rational Actor Problem
أي افتراضنا أن مانفهمه من نظر مصلحي ومنطقي – بفرض صحته – ستدركه ثم تتبعه بقية الأطراف.. مع أنها غالبا لاتدركه (للتحيزات السابقة)، وقد تدركه ولاتطبقه – لإدراك متأخر، أو طبيعة اتخاذ قرار، أو لترجيح عنصر غيبي أو معنوي (تذكّر أن ثيودودس لم يذكر فقط المصلحة ولكن أيضا الخوف والكبرياء).. ولهذا – فتقديرك لما سيقوم به النظام أو المؤسسة العسكرية أو السيسي أو الإخوان، أو الأمريكي (بمختلف مؤسساته وتفاعل وتصادم توجهاتها) ليس مسألة محسومة و(منطقية) ولكنها تعتمد على ماسبق من تحيزات وتركيب.. وهذا بالأخص فيه درجة ما من ثبات نسبي (وهذا يسهل بدرجة ماعملية التحليل مع الخبرة)، ولكن فيه كل عوامل التغير والمفاجأة والشخصنة (وهذا يجعل التبنؤ مهما كانت جودته غير مقطوع به)..
وعلى هذا تدرك ماذكره كلاوزفيتس عن القائد الفذ (أو مانذكره عن القدرة الاستراتيجية القيادية) أنه الحاسم، وليست وصفة نظرية ما أو خطة تطبيقية.. لأن الأول – ليس فقط عنده قدرة  لمحية كما ذكر كلاوزفتس
Coup D’oeil
لبناء انطباعات وأخذ قرارات سليمة، ولكن عنده قدرة نفسية على العيش في بيئة الغموض (هذه نقطة هامة مذكورة في الكتاب)، وعنده قدرة نفسية وصرامة عقلية لتعديل مخروط قراراته (استراتيجية وعملياتية – فضلا عن التكتيك – وربما تصل للهدف السياسي) حين يلامس تحولات في البيئة أو فرصا وتهديدات مفاجئة.
وهناك أمر آخر في قيمة استكشاف عنصر الثبات..
إذا قلنا أن كل شيء متغير (بغض النظر أن هذا صحيح أو غير صحيح) فهذا يناقض مبدأ النظرية بالأساس (سواء المعتمدة على دراسة التاريخ، أو التجربة، أو المقاربة المنطقية..) لأن النظرية تعني درجة من الثبات وقابلية التكرار في العلاقة السببية.. إذا فعلت  (س) ستحصل على (ص).. ولكن لماذا النظرية الاستراتيجية (وقل مثل هذا عن السياسية والاجتماعية) لاينبغي أن يكون دورها التنبؤ؟ لأن هناك جملة كبيرة من المتغيرات (حتى في تجلي القواعد الثابتة وتفاعلها غير المُقدّر مع بعضها البعض) تحكم المشهد.
إذن مافائدتها؟ كما ذكر كلاوزفيتس، أنها تعد العقل الاستراتيجي بدرجة عالية من فهم الظاهرة، وتنظيمها، والقدرة على طرح الأسئلة السليمة وتنظيم الإجابات، فلايبدأ من الصفر في كل مرة يتعاطى فيها مع الظاهرة الاستراتيجية في الحرب والسلم.
شيء كهذا يعرفه كل من يحتك بأصول الفقه وعلوم كالقواعد الفقهية وتخريج الفروع على الأصول والمقاصد.. أنك لاتستطيع أن تستخدم قاعدة فقهية في الفتوى (حتى بافتراض إدراكك للواقع وقمت بما يُسمى بتحقيق وتمحيص المناط – أي التأكد من انطباق شروط الفتوى النظرية على الواقعة)، لأن القواعد الفقهية قد تتصادم في ذات المسألة – فأيها تُرجح (هل قاعدة الضرر يزال؟ أم سد الذريعة؟ أم العادة محكمة؟ أم … أم؟)، ثم المصادر الافتائية أيضا قد تتصادم.. فهل تقدم التفكير المقاصدي؟ أم النصي؟ أم القاعدة؟ أم اعتبار المآل؟..
ولكن قيمة دراسة الأصول وعلومه هي ماأشار له الأصوليون أن فائدته الأساس هو (تكوين العقلية الفقهية).. هذا بالضبط مانقصده في الاستراتيجية وقيمة نظريتها..
ومن هنا ندرك أن القائد الفذ (أو القابلية القيادية الاستراتيجية) تعتمد في شق معتبر منها – وليس وحيدا – على إلمام جيد بالنظرية الاستراتيجية وتحولاتها. وتمييز بين الثابت والمتغير، وبين الأهم والمهم.
وهناك قيمة أخرى فيما يتعلق بالثبات والتغير أنها لك تتيح تعامل استراتيجي أفضل من حيث الخيارات والأثر، سأحكي عنها حين أتناول سؤالك التالي.
————
أخيرا – هناك مشكلة ابستمولوجية ومعرفية في مجمل (العلوم السياسية والاجتماعية) ولن تجدها في الدراسات الاستراتيجية، وهي انجرار الأولى مبكرا (مع بدايات عصر النهضة) إلى فكرة مماهاة العلم الطبيعي والامبريقي..
ففكرة التقعيد والتنبؤ والموضوعية والقابلية لتكرار خلاصات التجربة (فكرة القانون المنظم للظاهرة بالأساس) كلها سادت – ولاتزال- في التيار العريض للعلوم السياسية والاجتماعية..
مع أن كل شيء هنا يختلف عن العلوم الطبيعية.. أنت مثلا في العلوم الطبيعية وحتى التطبيقية (كالطب والهندسة…) قادر أن تصنع لحد كبير تجارب منعزلة تعتمد نتيجتها على تقييمات كمية (التجربة هنا هي أساس بناء المعرفة العلمية).. ولكن كيف تصل لهذا العزل التجريبي – بشكل معتبر – في البيئات البشرية والسياسية والاجتماعية؟ كيف يمكن أن تعبر بأريحية عن أمور جلها كيفية ومُجهّلة بلغة الأرقام؟ كيف تُنحي بيقين انحيازات الباحث ومادة التجربة؟ كيف تصل لانطباعات قوية حول أفعال مستقبلية لواقع بشري شديد التغير والمفاجأة (هذه نظرية تعقيد، وليست فوضى – بلغة الكتاب).. نظرية الفوضى بالأساس منشؤها العلم الطبيعي، لأن الأصل فيه النظامية والتقعيد، وليس العكس.
من أجمل ماحصل لنا في مسيرة التنظير الاستراتيجي – بالرغم من كل مشكلاته والقصور فيه وأبسطه عدم وضوح بعض المصطلحات البديهية كما يتبدى لك فضلا عن نضج الأطر البحثية والتطبيقية بشكل تراكمي وعليه قدر من الاتفاق – أننا رُزقنا مبكرا بكلاوزفيتس، لأنه حسم هذه النقطة بشكل بديع وفي مواجهة منهج جوميني مثلا.. حين تكون الظاهرة الاستراتيجية مبنى ثلاثة أرباعها على الغموض والشك والعنصر الكيفي (كيف تقيس إرادة الخصم السياسية كميا، فضلا عن آثارها فعلك العسكري والسياسي عليها مثلا؟فضلا عن تعرفها بشكل معقول من الأساس؟).. فهذا معناه غياب فكرة التنبؤ كوظيفة للاستراتيجية، وغياب إمكانية صياغة (روشتات) موجهة للحركة – خصوصا على المستوى الاستراتيجية وبدرجة أقل العملياتي والتكتيكي.
أما العلوم السياسية والاجتماعية – عدا اتجاهات نقدية بدأت تظهر من أول الثمانينات لأنها اقتربت أكثر من الدراسات التاريخية والخبرة الميدانية- فلاتزال مهووسة بالنظرية المعيارية، وفكرة التنبؤ.. ولأن أغلب المختصين لم يحتكوا بالعلوم التطبيقية والطبيعية، فلم يدركوا
أصلا حجم النسبية والتحيز في تلك العلوم، فكيف تكون في البييئة الانسانية والسياسية؟
بمعنى – ما طرحه توماس كون عن التأثيرات التحيزية للباراديم (القواعد المنظمة للتجريب والممارسة العلميتين -سواء كانت سياسية واجتماعية وتقنية ومؤسسية)، شكك بشكل كبير في (علمية) العلم، مع قيمة وضرورة التحرك نحو تلك (العلمية).  ثم نظرية الإحصاء نفسها (التي يعتمد عليها أي قياس تجريبي) هي مجرد محاولة تقديرية للواقع حتى بمثاليتها (وليس عكسا له)..
والأهم – أننا في العلوم التطبيقية نميز جدا بين العلم الطبي مثلا والفن الطبي.. فالتجارب الطبية تحصل في بيئات معزولة (تزيح عنها كثيرا من العوامل التي قد تعطي تأثيرا متداخلة على التجربة.. مانسميه
co-founding factors
مثلا – في تجربة ما تحتم اختيار مريض ليس عنده سكر، لأن مرض السكر سيؤثر على المادة العلاجية التي تستخدمه (السبب) أو أثرها (النتيجة) أو العوامل المؤثرة .. وبهذا يشوه تجربتك.. أو أنك تريد دراسة عنصر كيميائي في الجسم، فتحاول عزل بقية العناصر الموجودة والتي قد تشترك في صنع التأثير سلبا إو إيجابا..  لكن في الواقع الطبي، ليس عندك واقع معزول! فكيف ستتصرف.
ولهذا فالفن الطبي – ليس فقط تطوير قدرة التشخيص والعلاج (القدرة على تنزيل واستكشاف الخلاصات النظرية على الوقائع المُفردة – بتعبير أصول الفقه عن عملية الإفتاء) والتي تحصل مع الخبرة والتدريب والزمن، ولكن أيضا في التعامل مع وقائع أشد تعقيدا آلاف المرات من أكثر التجارب نضجا وإحاطة!
فمابالك ثانية وثالثة ورابعة بالوسط الإنساني والسياسي والاجتماعي والعسكري!!

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى