على هامش كتاب (عن الحرب) لكلاوزفيتس – الحلقة الأولى
رابط الكتاب مترجما للعربية
https://drive.google.com/open?id=0B3R3f5iENLhfYlo4T2RyZnJBQzQ
هناك بعض استفسارات من الفصل الأول:
(١)
في النقطة المتعلقة بالهدف السياسي:
– استفاض في طبيعة الحرب التي جوهرها تجريد العدو من قوته تماما وجعله لا حول له ولا قوة وفرض مشيئتنا عليه
– كما أنه في مرحلة لاحقة -خاصة في ختام الفصل- يركز على سيادة الهدف السياسي على الحرب وأن الحرب هي وسيلة لتحقيق الهدف السياسي (لو تم فهم الأمر بشكل صحيح) وسيكون بالطبع للوسائل تأثير عليه في طبيعة تمثل الأهداف والغايات السياسية عمليا، كما سيكون الهدف السياسي مدركا وشاملا لكل وسيلة تتعلق بالحرب، كما يقول هو: “”لو تذكرنا دائما أن الحرب تنبع من هدف سياسي ما، فمن الطبيعي أن يظل للسبب الرئيسي لوجودها الاعتبار الأعلى في إدارتها.. إذا عليها أن تنسجم مع الوسائل المختارة وهي عملية يمكن أن غيرها جذريا، مع بقاء الغاية السياسية كاعتبار أول. عندها ستنفذ السياسة إلى جميع العمليات العسكرية..”
– غير أنه في المنتصف وتحديدا في الفقرة رقم ١١ بعنون (عاد الهدف السياسي الآن إلى الصدارة ثانية)، يتحدث عن بداية التراجع عن العزم القوي لبلوغ التطرف الأقصى للغاية من الحرب وبداية فقد قوة هذا القانون لنفوذه مع تراخي العزم.. يبدأ الهدف السياسي بتأكيد نفسه
– هو يؤكد بعد ذلك مرارا أن الهدف السياسي في جوهر الحرب ليس غائبا وهو الدافع والباعث، ولو تم إحسان فهمه وفهم الحرب فسيكون طبيعي مهيمنا عليها والحرب وسيلة له، غير أنه في هذه الفقرة كأنه أحدث عندي لبس نسبي، فكأنني فهمت كأنه يقولأن الغاية الأساسية للحرب وللسياسة يجب أن تكون اولا في البداية (وفق قانون التطرف) قهر العدو تماما وجعله بلا حول ولا قوة وفرض مشيئتنا عليه وتجريده من السلاح ومن المقاومة،
غير أن الواقع قد لا يؤدي بالضرورة إلى تحقيق هذه الغاية،لكن وجود هذه الغاية أيا كانت الاهداف الاخرى للحرب مهمة جدا في بداية الحرب وتقوية الاندفاع والزخم، لكن بعد قليل يبدأ حدوث نوع من الواقع الاقل نسبيا من غاية التطرف ليبدأ التفكير الأوسع في الاهداف السياسية الاخرى في الظهور بقوة
(فهل هذا الفهم صحيح وهو المقصود؟ لان ما قبلها يؤكد غاية الحرب وفق قانون التطرف، وما بعدها يؤكد ان الغايات السياسة هي المهيمنة وان الحرب مهما كانت مجرد وسيلة او استمرار للسياسة بوسائل اخرى)
بداية موفقة مع كلاوزفيتس.. :
أولا) لاحظ أن كلاوزفيتس يتبع الطريقة الديالكتيكية.. وهي الانطلاق من فرضيات متناقضة، فتجده يطرح لك ويناقش لك أولا فرضية الحرب المطلقة
Absolute War
وهي الحرب في تصورها المنطقي الصافي كعلاقة تصادم بين إرادتين، وتفتح لها قوانين ردود الأفعال الثلاثة طريق الوصول للغاية القصوى حتى إفناء إحدى القوتين تغليبا لإرادة القوة المنتصرة..
ثم تجده يطرح مايناقض ذلك.. سواء لمحددات استخدام المسلحة أو طبيعة الحرب ذاتها التي تمنع الوصول للحد الأقصى، أو المنطق الاستراتيجي ذاته:
فهناك الهدف السياسي ومايفرضه من محددات
وهناك المسار الاستراتيجي الذي يجعل الوصول للهدف النهائي في تحطيم الخصم، ليس بالضرورة حتميا (خصوصا في حال الحرب المحدودة) لتحقيق الهدف السياسي، وليس دائما حتى محبذا (إما لعدم القدرة على الوصول له، أو لارتباطه بنتيجة سلبية في الوضع السياسي أو الإقليمي المنشود).. مثال صغير – تحطيم العراق كقوة استراتيجية وعسكرية، وبما يحمله من تسييد للطبقة الشيعية السياسية – قاد بالضرورة لتمدد هائل للإيراني في محيطها الجيواستراتيجي.. أحكي من وجهة النظر الأمريكية.
– وطريقة كلاوزفيتس الديالكتيكية هذه استخدمها في معظم مايطرحه: طبيعة الحرب، الاستراتيجية والعمليات، الهدف الأساسي في الحرب (مثلا تحطيم قوة الخصم العسكرية) – أم ليس بالضرورة هذا وهناك مخروط من الأهداف الممكنة أو المحبذة دون هذا، ماهو مركز الثقل في الحرب؟؟…
ولهذا فكلاوزفيتس من أشد ماحصل فيه تشوه في الفهم والتفسير للأجيال التالية عسكرية وحتى أكاديمية، وهناك تناقضات حادة في مدرستين في فهم كلاوزفيتس، ولكل منهما استدلالات من كلامه..
وكان يقال أن كلاوزفيتس هو أشهر من تم اقتباس كلامه ولكن أقلهم فهما (من وجهة نظر القاريء والمقتبس).. لأن الناس لاتصبر على قراءاته أو تتحمل منهجه الديالكتيكي ذاك.
والحقيقة – ستجد كلامه وخلاصاته فاقعة وواضحة في فقرات أو نهايات فصوله.. ولكن من يصبر ويفهم؟!
فالحرب المطلقة تلك هي تأطير نظري وتجريدي وضعه كلاوزفيتس، ولكن (التاريخ العسكري، والواقع السياسي والاستراتيجي) يقفون عائقا جليا أمام تحققها.
وفي رأيي أن هناك نمطان من الحرب النظرية طرحهما كلاوزفيتس وليس نمط واحد، فبالإضافة للحرب المطلقة هي فعلا حرب نظرية، ولكن أيضا على الطرف الآخر تماما (الحرب الاستراتيجية أو التي يمكن التحكم في كل مدخلاتها ومنتوجاتها) هي أيضا غير واقعية.. لماذا؟
بسبب كل عوامل التفجر العاطفي والإنساني، وطبيعة الحرب والقتل ذاتها بقوانين التصاعد المتبادل.. ولكن الحرب الحقيقية بين الإثنين..
ولكن كلما تتجه الحرب لأهداف مطلقة
War with Total aims
كالحربين العالميتين مثلا، تقترب من النوع الأول،
وكلما تكون حربا ذات أهداف محدودة.. تتجه للنوع الثاني.
ولهذا – فماطرحته أن هدف الحرب القصوى لابد أن يكون حاضرا مبدئيا غير سليم، فهذا يعتمد على نمط الحرب استراتيجيا..
وهذا أهم شيء في النظرة الاستراتيجية للقائد..
ولهذا فهناك فقرة في الفصل الأول يتحدث فيها عن خيارين عسكريين، يكون احدهما مفضلا إن كان الهدف هو تحطيم الخصم عسكرياـ أما الآخر فيكون هو الأفضل إذا كان هذا الهدف غير ممكن أو محبذ.
وأيضا تحدث أن أهم وأول مهمة استراتيجية في الحرب، أن ندرك أي نوع من الحرب نحن داخلون فيه..
وأنه لاينبغي لأحد أن يدخل في حرب دون الوضوح التام عنده لمايريد أن يحققه وكيفية ذلك.
——————–
(٢)
لم أفهم بدقة إشارته لأن الدفاع هو الشكل القتالي الأقوى من الهجوم وبحسب وصفه (إذا فهم جيدا)؟
– هو يقصد أن الدفاع – بالحس التكتيكي والعملياتي – هو أقوى من الهجوم..
بمعنى لو افترضنا قوتين عسكريتين بذات الخصائص المادية والكيفية، أحدهما تدافع والأخرى تهاجم، فحال الدفاع تضع عوامل حماية ومنعة للقوة الأولى..
ليس فقط الحماية الدفاعية ونتاج التحصينات، ولكن انكشاف العدو وضرورة اجتيازه في مناطق نيران معادية وثقيلة لايمكن توفير مقابل لها بحكم أنه على الحركة..
ولهذا فيشيع في الأدبيات العسكرية مثلا، أن القوات المهاجمة لابد أن يكون عددها وقوة نيرانيها 2-4 إلى 1 من قوة المدافع لتغلب هذا الحاجز المفترض.
في رأي طبعا أن هذه أيضا وصفة تجريدية، لأن هناك عوامل نوعية شديدة التغير دائما مايمكن اعتبارها: عنصر المفاجأة والسرعة، عنصر الفن العملياتي القاصد لتحريك القطعات العسكرية بشكل مربك وصادم للقيادة المقابلة ومركزية أخذها للقرار، نوعية القيادة التكيتيكية وفارق التسليح نوعيا.. وهكذا
والأهم – طبيعة الخيار الاستراتيجي والعملياتي ذاته.. هل حرب محدودة أم شاملة، هل نمط عملياتي مناور، أو استنزافي..؟
ولكن بمنطق الصيغة النظرية المبدئية – فهذا صحيح.
ومقصده من (إذا فُهم جيدا) أي اعتبار الدفاع مرحلة عملياتية لابد أن يليها الهجوم المضاد لتحقيق أهداف عملياتية أو استراتيجية إيجابية.. كما كان دائما يدعو.
في تلك الحالة، يمكن الاستفادة من عملية الدفاع بتشتيت العدو المهاجم وفرض خسارة ضخمة عليه في الأفراد والسلاح والنظام العسكري وأهلية القيادة، للانتقال سريعا لخيار الهجوم..
Exploitation
وهذه أيضا قاعدة نظرية سليمة..ولكن نلاحظ أيضا اعتبارات الظروف والخصوم والمنطق الاستراتيجي..
مثلا – في حرب 73، طبعا الشاذلي بروايته ينكر أن فكرة تطوير الهجوم مابعد خط الدفاع الصاروخي الجوي كان مطروحة بالأساس، وأن هذا كان من صلب المنطق الاستراتيجي للحرب المحدودة تلك، وللدوران حول نقاط قوة الخصم الإسرائيلي الحاسمة في الجو والمناورة بالمدرعات..
أنا طبعا – أرجح لأسباب عديدة صحة روايته..
ولكني توقفت عند رؤية الجمسي، وهي مفيدة في بابنا.
الجمسي طبعا أكد صدق التوجه المصري في تطوير الهجوم، ولكنه انتقد تأخير الهجوم ليوم 14، وكان رأيه أن يحدث يوم 9 أي بعد فشل الهجوم المضاد الإسرائيلي على رءوس الكباري في سيناء (نفس منطق كلاوزفيتس هنا!)، وأن الأمر عملياتيا كان ممكنا بالانتقال السريع للاشتباك مع قوات العدو مما يُحجم من قوة الطيران المعادي على استهداف القطاعات البرية، وبالاستفادة من صواريخ مضادة للطائرات المحمولة على الكتف وإن تكن قليلة..
لكنه طبعا لم يوضح لماذا لم يكن المنطق العملياتي -فضلا عن الاستراتيجي واضحا – تجاه هذه الخطوة الخطيرة واضحا منذ البدء.. ولماذا لم يُناقش أصلا هذا القرار بتطوير الهجوم يوم 9، ولماذا بالتالي لم يكن هناك استعداد لوجيستي لتلك العملية كزحزحة حائط الصواريخ وقطع المدفعية، والأخطر.. أنه كان سيطور بالدفاع الاستراتيجي للمدرعات المتواجد غرب القناة، وكان الأولى أن يفك القطاعات المدرعة شرق القناة من دورها المتصلب (كمدفعية ثابته) لتقوم بعملية تطوير الهجوم تلك ومع إعداد جيد حتى لاينهار النسق الدفاعي لرءوس الكباري..
المشكلة الأخطر – أن المسئول الأكبر عن تحطم القطاعات العسكرية المصرية المهاجمة يوم 14 لم يكن السيادة الجوية الإسرائيلية ولكن مدرعات العدو! لأن مايعرفه الجمسي والشاذلي وصرح به الثاني ضمنيا على استحياء، أنه لم يكن عندنا القدرة لمجاراة الإسرائيلي في حرب المدرعات ولو بتحييد السلاح الجوي! وهذا كان فعليا من ضمن العوامل الحاثة لتبني استراتيجية عملياتية كالتي نظر لها الشاذلي.
لكن من نظرة أخرى – عودة لنقطتنا، قاعدة أفضلية الهجوم المنطلق من دفاع هي مسألة ظرفية.. ففي الوضع الإسرائيلي تحديدا، بما يمتلكه من مبادأة تكتيكية وفن عمليات وقيادي بارع على المستوى التكتيكي وبطبيعته هو أبعد عن المركزية المفرطة في النظام العسكري والتحرك.. أثر فشل هجومه على بنيته ونظامه لم يكن كبيرا..
ولكن الأخطر هنا، هو مرحلة الانهيار المبدئي لنسقه الدفاعي (الضعيف أصلا في سيناء) يوم 6 و 7 أكتوبر، وعدم اكتمال تعبئته الاستراتيجية (لأنه جيش معتمد في قوامه على الاحتياط بنسبة 70%)..
فلو يكن هناك احتمال لنجاعة خيار تطوير الهجوم، فيمكن تخيلها كعملية (عالية الخطورة
High risk)
يوم 7 أكتوبر وليس يوم 9، أي قبل توافد قطاعاته الاحتياط لسيناء، وفي وقت كان جل تركيزه على جبهة الجولان (مما كان سيساهم فيها بشكل كبير، وفي ذات الوقت يقوي الأثر الاستراتيجي القاصم على نفسية القيادة الاسرائيلية بالإشراف على الهلاك) ..
ولعل المناقشة السابقة تعطيك إشارة لصحة ماطرحه كلاوزفيتس إجمالا عن صعوبة وضع قواعد نظرية للحرب.. هي مهمة، ولكن ينبغي في فهمها بظروفها وشروطها.
(3)
في نهاية الفصل ذكر العقل المؤهل لعرض سجايا العبقرية العسكرية:
“العقل الباحث وليس الخلاق، والشمولي وليس ذو المسلك المحدد، والعقل الهادئ وليس السريع الهياج”
توقفت عند تفضيله العقل الباحث على الخلّاق، أنا متفهم جدا اهمية البحث والتحقق والاستفسار لكن هذا ليس نقيضا للعقل الخلاق والمبدع، وأعتقد ان العبقرية بحاجة ماسة إلى الإبداع .. ؟؟
لست متأكدا من دقة الترجمة لكلمتي (الباحث) و(الخلاق).. ولكني أتذكر ماكان يقصده كلاوزفيتس..
طبعا هو يتكلم على القائد العسكري، وبالنظرة لمستويات الحرب في عصره وعصرنا، هي يقصد القيادة العملياتية الأعلى (مستوى مابين الاستراتيجية العسكرية واستراتيجية العمليات).. أي المستوى المنوط ليس بوضع المنطق الاستراتيجي للحرب، والخيارات الكلية على مستوى تأثير العمل العسكري في تحقق الهدف السياسي، ولكن تخير وإدارة قواعد عمل وخطط وقيادة القطاعات العسكرية المشتركة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية العسكرية.
ولهذا، فلتنظر لكل النقاط المذكورة في ذلك الفصل، وإن كان معنونا تحت اسم الاستراتيجية، فستجدها من هذا النوع!
ولهذا، فهناك اتجاه قوي جدا أكاديميا وعسكريا، يقول أن كلاوزفيتس حين يستخدم لفظ الاستراتيجية يقصد به مانفهمه الآن كمستوى العمليات للحرب..
ولهذا فهو مثلا يقول في المقدمة حين يستخدم لفظ (الاستراتيجية) أو فن (قيادة العمليات العسكرية)!
ويستدلون بالأخص أنه وضع كثيرا من النقاط حول الدفاع والهجوم (بالحس العملياتي)، والاحتكاك
Friction
والقائد العبقري بالحس العملياتي، تحت كتاب الاستراتيجية.
لكن في المقابل، هو استخدم الاستراتيجية في جل المواضع، أنها ليست فقط الوصول للنهايات العسكرية (هذا هو حد العمليات) ولكن تحقيق الهدف السياسي..
وخصوصا في الكتاب الأخير، تناول بوضوح جلي موضعة الاستراتيجية، وطرح مصطلح (الاستراتيجية الصافية)
Pure Strategy
لوصف منطق إدارة الحرب استراتيجيا مع فرزه عن المعطيات العملياتية، وذلك لأن مستوى العمليات لم يكن واضحا مفاهيميا في عصر كلاوزفيتس،
فلفظ الاستراتيجية كان يشمل أيضا كل ماهو فوق التكتيك، أي العمليات!
ولكن ليس معنى هذا أن كلاوزفيتس استخدم الاستراتيجية كما نستخدم نحن العمليات!
عودة لنقطة العقل (المتحري والمستقصي) أكثر من العقل (المبتكر).. ليس لأن عملية صنع الاستراتيجية، وحتى العمليات لاتحتاج لابتكار، ولكن لأنها عملية شديدة التعقيد ومتعددة المساحات وضبط التأثيرات المتبادلة والجانبية..
فقيمة الاستقصاء والتحري مع الثبات الانفعالي وسهولة التوصيف.. هي الأكثر أهمية من مسألة الإبداع كقيمة مجردة، في هذا الجانب.
بمعنى – عمليات صنع الاستراتيجية تحديدا تحتاج لعقول شديدة التعقيد بالطبع ومبتكِرة، ولكن القائد الاستراتيجي والعسكري تحديدا، يكون أحيانا تعقده الذهني و(عبقريته) عامل مُعوّق للخروج بصيغ سليمة وسريعة وسهلة التطبيق.
والحقيقة، كلام شخصي، أنا منذ زمن طويل أدركت هذا الأمر بشكل كبير..
فقد وجدت من نفسي وقدراتي الذهنية والنفسية جوانب إيجابية، ولكنها أشد تعقيدا مما تحتاجه وظيفة القائد، ولكن يمكنني الإفادة بالطبع أن أمدها – ومن هم على شاكلتي – بما نصل له من خيارات نتاج التعقيد في التفكير الاستراتيجي .. وهكذا.
طبعا – ممكن أن أجمع أنا أو أنت ويجمع غيري بين هذا وذاك.. العقل المستقص والصلابة النفسية وسهولة التعبير وحسمه، وبين المعرفة الموسوعية والعقل المُعقد..
ولكن دائما ماتطغى أحدهما على الأخرى وكل ميسر لماهو له.
والقيادة الاستراتيجية للأمم والجيوش، تحتاج لتلك الخصيصتين (أو الدورين بشكل أدق) معا، وغالبا لايتواجدا في نفس الشخص، وهنا في الغرب هذا الأمر معلوم جدا..
كلاوزفتيس نفسه، لم يكن قائدا عسكريا ألمعيا، صحيح أنه وصل لرتبة جنرال ولكن من الدرجة الثانية.
والمفارقة – أن جوميني مثلا كان أكثر منه ألمعية كثيرا في مستوى القيادة العسكرية (ليس فقط أنه كان في الطرف المنتصر!) ولكن كما نعلم فهناك فرق هائل بين عقلية كلاوزفيتس ونظريته وتلك الخاصة بجوميني في الاتجاه العكسي!
الشاذلي فعلا كان قائدا عسكريا ألمعيا، ولكني مثلا أقيم عقله الاستراتيجي والقيادي (أعني القدرات العقلية والنظرية والعلمية بالحس الاستراتيجي وحتى العملياتي) كدرجة متوسطة.
من أهم وظائف القيادة الاستراتيجية للدولة، أن تخرج عبر المنظومة التعليمية والعملية قيادات بها حد أدنى مقبول من التعقد المعرفي والاستراتيجي، مع لمعانها في الخصائص التي حكاها كلاوزفيتس في العقل الاستقصائي والتوازن النفسي والحسم (العناد النفسي)..
بمعنى (أي خلطة معرفية ونفسية وخبراتية) تريد أن تُصنّع بها جنرالاتك؟ هذا من أهم أسئلة القيادة الاستراتيجية العليا (وليس فقط منطق ومناهج التعليم الاستراتيجي والعسكري الأعلى) في الغرب منذ عقود، والموضوع يطول.
تعليق واحد