حول فن العمليات، وعلاقته بالاستراتيجية
متى ظهر (فن العمليات) كمفهوم، وما هي العوامل التي تؤثر عليه، وعلاقته بالاستراتيجية؟
أولا) تعريفنا لمفهوم فن العمليات يُفسر توقيت ظهوره (فلو هو تجميع لنثريات التكتيك والعمليات وصولا لأهداف عسكرية وسيطة، وربط بين مستويات من الفعل والهدف العسكري تعاقبيا وتراكميا – فظهر مع حروب نابليون،
ولو نقصد به تفسير محدد يشمل الدفاع والهجوم في العمق، وتطوير الاختراقات التكتيكية بوتيرة تصاعدية
Tempo
ومدى
Reach
بحيث يتم تحطيم مركز الثقل القيادي لجبهة العدو – فقد ظهر بين الحربين أساسا مع توكاشوفيسكي كمصلطح فن العمليات – أو نماذج قريبة: كالشلل العملياتي لجي سي فوللر، أو الاقتراب غير المباشر لليدل هارت.. أما الحرب الخاطفة فتتباين فيها الآراء هل هي نموذج تكتيكي أم عملياتي)
وكيفية تطوره في العقائد الغربية (أول ماظهر كان في
FM 100-5 عام 1986،
وقبله ال
Air-Land Battle
عام 1982 كان ظهور مفهوم مستوى العمليات في الحرب).
ثانيا) طبيعة فن العمليات وتطبيقاته والعوامل التي تؤثر فيه وعليه:
– فهو بالأساس منهاج لكيفية ترتيب أدوات التكتيك في مسرح عمليات للوصول لنتيجة عسكرية متماسكة. وهو على هذا الأساس يعتمد ابتداء على النموذج الاستراتيجي للحرب (هل هي حرب عالية القوة في الصحراء، حرب في جبهة برية بحرية، أم الثقل الأساس للقوة البحرية أم الجوية، أم حرب محدودة، أم حرب مكافحة تمرد .. أو أو)
– النموذج التقليدي بالتأكيد يرسخ جوانب الهجوم والدفاع في العمق، والمناورة أكثر من المواجهة المباشرة، والمفاجأة والسرعة، وحيازة مدى وتصاعد عملياتي – دون أن يتخطى مستوى محدد تفقد معه الأداة العسكرية قوتها وتأثيرها أو فرص استدامتها،
Culminating Point of Offensive
ولكنه يُعلي من جانب ضرب المركز العسكري للخصم لإفقاده توازنه، وليس تحطيم القوات بشكل خطي.
ولكن هذا النموذج – هو أسير بشكل كامل للمتغيرات الاستراتيجية من ناحية، والطبيعة الجغرافية، والتوازن العسكري وطبيعة العنصر الثقافي – تقني، والخبرات التاريخية والثقافة العسكرية (أي هل هناك نوعية من المهام تتميز فيها أنت أو قوات الخصم، فينبغي أن يراعي فنك العملياتي الإلحاح على نقاط تميزك، ومداراة وتحييد نقاط تميز الخصم)، وتكوين الأسلحة المشتركة كما ذكرت (فكتابات وممارسة القوة الجوية – كما في دراسة واردن المشهورة التي حاولت حرب الكويت تطبيقها، أو في النماذج الجديدة في توظيف القوة البحرية.. تضع مفاهيم وتطبيقات جديدة في كل سلاح)… لكن النقطة الأخطر بلاشك – بالنظر لطبيعة الحرب الحديثة، ونمطها، ومسارح العمليات – تُعلي من شأن الأسلحة المشتركة.. ونحن هنا لا نحكي على (برية، وبحرية وجوية) فقط، ولكن سيبيري!! ومعلوماتي، واستخباري، وفضائي.. حتى بالنظر للنشاط العسكري الصرف في دائرة الحرب.
– المسألة الثقافية، والتحيز التميزي أو القصوري، والاختلاف التقني – اجتماعي، والطبيعة الجغرافية، وأثر ذلك على المفهوم النظري لفن العملياتي فضلا عن تطبيقاته.. مهمة فعلا.. لماذا مثلا ألح السوفيت في فن العمليات على التعقيد في التفكير العملياتي، وباستخدام قطاعات بشرية واسعة في موجات الالتحام الأولى التي تمهد لاختراق المدرعات، فيما ألح الألمان على الاختراق التكتيكي باستخدام الأسلحة المشتركة دون تركيز على وضع تصورات مستقصية للعُمق والتوظيف، فيما ركّز الأمريكان والغربيين في أوائل الثمانينات على المجاميع العملياتية برا وجوا
Operational Maneuver Groups
مع القوة النووية التكتيكية، فيما تعامل الصين والفيبتامي بنمط عملياتي يدمج مابين الخطوط النظامية وغير النظامية كما في
Bien Dien Fou؟
بسبب الاختلافات في تكوينات ومحددات البيئة العملياتية – السابق ذكرها.
لكن ماعلاقة الاستراتيجية هنا؟
طبعا التفكير السابق في محددات ومكونات البيئة العملياتية إجمالا – والتي تُؤثر على صنع العقيدة القتالية وتطوير البنية العسكرية ومنظومة الدفاع، هي منوطة بالأساس بالمستوى الاستراتيجي.. لأنها لا تشمل تخطيط لمسرح عملياتي بعينه.. واضحة هذه النقطة؟
ولكن الاستراتيجية (والتفكير الاستراتيجي والدفاعي الأعلى) ليس منوط به فقط تحديد هذا النموذج النظري والتطبيقي لفن العمليات، ولكن يؤثر بشكل حاد على تطبيقاته في حرب بعينها.. كيف؟
1- لأنه بالأساس يحدد نوع الحرب كما ذكرت.. فهل فنك العملياتي (الذي يحكم خططك وقراراتك القيادية ومجمل القرارات العملياتية) في حرب عالية القوة، هو ذاته في حرب يغلب عليها العنصر البحري، أو حرب مكافحة تمرد؟ قطعا.. لا
في حرب مكافحة التمرد مثلا.. هناك قواعد أساسية ذكرتها لك في تناولي لحرب اليمين في إيميل سابق.. فأنت تدمج بالأساس بين خطوط عمليات عسكرية وغير عسكرية، وهذا يحصل بشكل مُعقد وتعاضدي في كل مسرح عملياتي.. هناك تغيير كبير في قواعد الاشتباك، ومعايير الإنجاز العسكري، ومجمل حتى التكتيكات والأسلحة، وأولويات النشاط العسكري نفسه.. (لعلك قرأت ورقتي عن مكافحة الإرهاب في سيناء).
2- لكن فوق نوع الحرب، طبيعة الأهداف السياسية (فضلا عن استشراف مواطن التميز والقصور الاستراتيجي والعملياتي عند الخصم) تُحدد خياراتك المركزية في فن العمليات..
مثلا – لعلك تابعت مناقشتي لهذه النقطة في حرب 73، وكيف أن المصري بالتفاعل مع تلك النقطة، صاغ استراتيجية وفن عمليات أمكنها تحييد مواطن التميز الإسرائيلي الساحق في السيادة الجوية والمدرعات.. عن طريق استراتيجية عسكرية محدودة (هي في حد ذاتها كانت أكثر من كافية لتحقيق النتائج السياسية والأثر الاستراتيجي لو تم تطبيقها)، ترتبط مع تحييد السيادة الجوية بمظلة إنكار جوي صاروخي، والمدرعات – بتجنب اشتباكات المناورة والانتقال سريعا لخطوط دفاع ثابتة، تواجدت فيها المدرعات أشبه بمدفعية خلفية محدودة التنقل – مع استخدام كثيف ومبتكر لمضادات الدروع..
وهذا المنظور الاستراتيجي – المُتداخل بشكل كامل مع التفكير العملياتي (لاحظ أنك لن تستطيع أن تحسم أو تُقرر في أي نقطة مماسبق دون هذا التفكير المُتداخل – والمتنقل بين الفرضية الاستراتيجية والفرضيات العملياتية) – حكم ليس فقط خطة العمليات، ولكن نموذج الفن العملياتي الذي تُدرّب عليه قياداتك وقواتك.
فلو العقيدة السوفيتية تُعلي من شأن إحراز السيادة الجوية أولا، فأنت تُسقطها من حسابك،
لو تلك العقيدة تُعلى من شأن العمليات الخاصة المبدئية في العُمق لتعويق الفيالق الاحتياطية للعدو حتى اكتمال الاختراق التكتيكي وامتلاك أدوات تطوير الهجوم، فلن تحتاج إليها (وإن كان المصري حاول بالفعل، ولكن مع أول بادرة صعوبة وإمكانية فشل، ألغى العملية لأنه فعلا لم يحتجها!.. الهجوم المضاد الذي قام به الإسرائيلي في 8 أكتوبر تم تدميره بالمنطق العملياتي السابق ذكره)
وهكذا..
المشكلة حدثت حين تم اتخاذ قرار بعمليات، ليست فقط تضاد القدرة العملياتي للقوات، والفن العملياتي التي تتدرب عليه، ولكن الاحتياج الاستراتيجي أساس وفلسفته.. كما حصل في تطوير الهجوم.
ومن النقاط الفاقعة للغاية، وأي شخص يمكن أن يستوعبها نظريا بشكل مُيسر.. هو اختلاف فن العمليات (كما هو موجود مثلا في ال FM-23
) عن الفن العمليات التقليدي للقوات البرية، أو حتى الأسلحة المشتركة للحرب عالية القوة – تجاه قوة نووية كما كان تفكير الناتو العسكري طيلة خمسين عاما، أو تجاه قوة عسكرية وسطى أو محدودة كما حصل في حرب الكويت.
نقطة أخرى مرتبطة كذلك بفن العمليات للأسلحة المشتركة (وهي أقرب بالطبع للمستوى العملياتي، وإن كان فيها عنصر استراتيجي لأننا نحكي عن نمط عسكري شامل في حرب، وليس مجرد مسرح)، وهي التبادلية بين الأسلحة.. أعني ليس فقط أن كل سلاح سينتهي لأثر عملياتي يُفيد النتيجة النهائية للسلاح الآخر، ويحصل التعاضد والتراكم لنتيجة عسكرية نهائية.. لا – أيضا، التخطيط العملياتي لكل سلاح هو عالة بشكل كبير على منطق الأسلحة المشتركة..
مثلا) كما أشرت في حرب 73، كيف أن المصري استخدم درع صاروخي لتحييد قوة جوية، وكيف أن الإسرائيلي من أهدافه الأساسية في العبور المعاكس للقناة كان تدمير كتائب الصواريخ تلك فيستعيد السيادة الجوية..
أخيرا) قاعدة أساسية :
إذا لم نفهم فن العمليات كإطار مرن، عنده حساسية كاملة للخصويات الجيواستراتيجية والثقافية والتسليحية للذات والخصوم، وخادم بشكل كبير للمنطق الاستراتيجي الذي يختلف بين حرب وأخرى، فوجوده كمفهوم أو مستوى قيادي للعمليات يؤدي لكارثة استراتيجية.
هذه الكارثة دفعت اتجاها نقديا الآن داخل التفكير العسكري الغربي أن يدعو لإلغاء مستوى العمليات للحرب بأكمله (لأنه يقول أن الجيوش تتحرك لنهايات عسكرية جامدة، وليست مرنة طبعا للاحتياجات الاستراتيجية).. مثل هذه الدراسة ضمن منشورات المركز الاستراتيجي لكلية الحرب الأمريكية:
https://press.armywarcollege.edu/monographs/620/
طبعا أنا رأيي مخالف تماما لهذاـ وإن كنت مقدرا للبواعث.. لأن فن العمليات ومستوى العمليات ضرورة حيوية بسبب طبيعة الحرب الحديثة، ونموذج العلاقات المدنية العسكرية السائد في الديمقراطيات.. ولكن الحل، هو تطوير التعليم العسكري والاستراتيجي، والتطوير المؤسسية، لتبرز تلك العلاقة بين الفن العملياتي والاستراتيجية، وليس إلغاؤهما!
هل فن العمليات يمكننا تعريفه بالتزامن بين الأدوات وآثارها في بيئة العمليات المتغيرة؟ هل هو شيء مختلف عن المناورة العملياتية وعن التوصيل بين العمليات والاستراتيجية؟
مصطلح (فن العمليات) كأي مصطلح هو (تحكمي)..
arbitrary
أي أسير لتصورات واضعية أو مستخدميه.
(فن العمليات) كما أسلفت، أول من وضعه هم السوفيت، ومقصود به الأخص – القواعد الفكرية والفنية التي تُحدد استخدام المناورات في مسرح .العمليات لتحييد قوات الخصم
.وهناك ارتباط بين تفسيرنا الاصطلاحي له، وبين تحديد تطوره التاريخي
أ. لو نقصد به فن إدارة العمليات وسلسلة المعارك العسكرية في مسرح- أو مسارح العمليات لتحقيق الانتصار العسكري الميداني.. فهذاأأ ظهر مع نابليون تبعا للتغيرات المعلومة في بيئة الحرب وأدواتها.
ب. لو نقصد به تصورات بعينها للمناورة المتتابعة بالقوات ضمن مدى وتصاعدية – بتوظيف المدراعات والحركة بالأساس، مع الدعم الجوي، لتدمير القدرة القيادية والتعبوية للجيش المضاد، فهو مابين الحربين عند السوفيت، أو حتى ماطرحه فوللر (الشلل العملياتي) وليدل هارت (الاقتراب غير المباشر). وهذا بشكل ما، كان ماتبنته العقيدة العسكرية الأمريكية في 1986، وكذلك
العقيدة البريطانية في 1989
Manoeuvrist Approach
في تقديري أن فن العمليات هو أقرب للتعريف العام الأول، من الثاني، مع تعديل مهم سأذكره.
لكن لماذا الثاني لايصلح، لأن المتغيرات العسكرية والاستراتيجية، فضلا عن اختلاف الخصوصيات الثقافية العسكرية، والجغرافية – والأهم – متطلبات الاستراتيجية.. قد تقتضي نهايات عسكرية، وبالتالي أنماطا عسكرية مختلفة للوصول لهذه النهايات.
لكن ماالتعديل المُهم في التعريف الأول.. أن البيئة الاستراتيجية تعلم أنماطا أوسع من الحرب النظامية عالية القوة، بحيث تكون المسارات الاستراتيجية أوسع بالأخص من الاعتماد الأساس على القوة العسكرية..أعني على سبيل المثال، حروب مكافحة التمرد، أو حتى أنماطا من استخدام القوة العسكرية فيما دون الحرب.
فمسألة فن استخدام الأدوات العسكرية الكبري لتحقيق انتصار عسكري – كما أرجعناها لفترة نابليون.. لايصلح بتمامه هنا.
ولكن يمكننا القول أن التعريف الذي ذكرتَه مقبول، وإن كان ليس مجرد تزامن، ولكن تجميع نثريات خطوط التكتيك ونهاياتها ضمن سياق تعاقبي أو تراكمي، في بيئة خطر، للوصول لتهايات عملياتية (أي وسيطة، أي مادون استراتيجية).
هذا التعريف يصلح لكل أنواع الحروب، ولكن لابد أن نضيف له أنه في بيئة حرب ونشاط عسكري لأن لذلك خصوصيات معلومة عن أي بيئة أخرى، وهو يقتضي أيضا شقا مهما، وهو الانسجام بينه بالتأكيد وبين متطلبات الاستراتيجية كما أسلفنا سابقا.
– نعم فن العمليات ليس هو مستوى العمليات، لأن (المستوى) هو نسق إداري ومؤسسي وقيادي، أما (الفن) فهي التصورات والخبرات الحاكمة والتي هي نتاج العلم والتجربة والإبداع.. ولكن فن العمليات يتحرك في مستوى العمليات. لأنه لو ضاق نطاق النشاط العسكري، أو غير العسكري – بحيث يمكن تحقيق الأهداف الوسيطة عبر نشاط تكتيكي وحيد، فأنت لست في حاجة لمستوى عمليات أو لفن عمليات بالتبعية.
– ونعم ليس هو بالضرورة المناورة العملياتية، وإن كان ذلك (أو بالأخص الفكرة وقاعدة الفن التي تحكم المناورة وليس المناورة ذاتها) هو المعتمد في لغة وتفسير واضعية السوفيت، وحتى التفسير البريطاني، وأغلب الأمريكي.
– ولكنه أيضا ليس فن التخطيط الإداري، وإلا فإن فن التخطيط الإداري يصلح في كل المستويات: التكتيك والعمليات (أو مايُعرف بالمشاريع في لغة الإدارة Project management)
، أو الاستراتيجية.. ويصلح في أي نشاط مؤسسي ، وليس مؤسسة عسكرية، فضلا عن بيئة الحرب.. وبهذا يضيع القِوام الفني والتخصصي للمفهوم ذاته! فما تكون فائدته بالأصل؟!
لأعطيك تصورا مبدئيا عما هو سائد في الفكر العسكري والاستراتيجي.. أنا عندي أكثر من عشرين كتابا وموسوعة عن فن العمليات.. كلها تقريبا تتعامل معه كفن المناورة العملياتية باستخدام الأسلحة المشتركة لتحقيق النهايات العسكرية في بيئة الحرب.
أشهرها:
موسوعة Joint Operational Warfare: Theory and Practice – Vego
وأيضا الجزءان
The Evolution of Operational Art 1,2
وكذلك دراسات متعددة لفن العمليات الخاص بالقوة البحرية (دراسات Vego، و Till)،
و القوة الجوية (John Warden)،
وأهم دراسة في نظري (Operational level of war: 1918 Offensive – Zabecki)
فضلا عن كتابات السوفييت التي وضعت هذا المصطلح وأطّرته.
ودراسة شيمون نافيه
(The military Excellence : The Evolution of Operational Theory)
ـ وقبلها دراسة أستاذه الانجليزي
Richard Simpkinوهي أول دراسة في الغرب لهذا الموضوع.
هذا لايعني أنه ليس هناك اتجاها نقديا، في رفض مستوى العمليات للحرب نفسه، والتحفظ بالتبعية عن مسألة فن العمليات.
ولا أني انحزت في رسالتي للدكتوراة، لإحداث التعديل السابق ذكره، بحيث يشمل الأدوات غير العسكرية في بيئة استراتيجية ما، ولكن تكون بيئة حرب، ويتم التأكيد على المقايسة المستمرة ومحاولة التوصيل بين التكتيك ومتطلبات الاستراتيجية – والحساسية بالتالي لتغيرات تلك الاستراتيجية.
ولكن مهم معرفة النموذج السائد، وهو مختلف تماما عما أرفَقتَه.
—————————————–
: النقطة الأخيرة.. هو التمييز بين طبيعة الحرب وخصائصها وتطبيق ذلك على مفهومنا لفن العمليات..
بمعنى – التعريف التعميمي يصلح نعم لكل أنماط الحروب، ولكن تطبيقه في ظروف نمط مُعين من الحروب يقتضي تسييقا له (أي وضع جوانب أكثر تفصيلية مرتبطة بخصائص هذا النمط العسكري).. فيكون فن العمليات في حرب عالية القوة أم خصم عسكري مكافيء، مختلف عن ذلك أمام عدو عسكري هش، عن ذلك في حرب غير نظامية.. عن حرب اعتمادها بشكل مبدئي على الطيران أو البحرية.. وهكذا..
وتسييقا(تفصيلا) آخر – مرتبط بحرب وخصوم بعينهم – كما هو معلوم.
كما نُفرق بين المنطق الاستراتيجي العام، والمنطق الاستراتيجي في نمط بعينه من الحروب، فضلا عن منطقك الاستراتيجي في حرب بعينها وأمام خصم وفي بيئة استراتيجية محددة.
كلما تصعد أعلى في هذا السلم التنظيري، تتجه للتعميم والتجريد، وكلما تنزيل لأسفل، يتحول تصورك النظري (فن العمليات هنا) لأشكال أكثر تفصيلا وتحديدا..
أفضل من قرأت له في هذا النزول التنظيري، أو التنقل من مساحات الثبات والتجريد، لمساحات التغير والتفصيل.. كان ماوتسي تونج!
(هناك قواعد للحرب لابد من اتباعها، وهناك قواعد للحرب الشعبية لابد من اتباعها، وهناك قواعد للحرب الشعبية في الصين لابد من اتباعها)
بخصوص، العقيدة العسكرية الأمريكية – بالأخص
JP-5
كما ذكرت من قبل.. هناك مشكلة جوهرية في المقاربة الأمريكية للمسألة الاستراتيجية والعملياتية معا، وهو تسييد الشق الخططي والإداري عن الجوانب المعرفية والفنية والملكة.. وأيضا المبالغة في التفريعات والمستويات الإدارية واللجان..
النموذج البريطاني – خصوصا في الجانب العملياتي (المشترك، والتخصصي) يُلح على الشق الفني والمعرفي (الخبراتي والتاريخي)، مع تناول معقول للجانب التخطيطي والإداري كذلك.. فقط بعض العقائد الأمريكية (بالأخص –
FM 23)
فيها هذا التوازن.
طبعا – هناك مسألة جوهرية أخرى .. أن زيادة التفريع ومستويات القيادة قد يكون له بعض مُسوّغ في الحال الأمريكي تبعا للاتساع الشاسع للقدرة المؤسسية والتغطية العسكرية الجغرافية، ولكن حتى من يريد أن يقتدي بهذا النموذج، فلابد أن يقوم بعملية اختزال وتبسيط.
وماذا عن استراتيجية المسرح
Operational Strategy?
بخصوص استراتيجية المسرح، وهو مصطلح حديث نسبيا.. أعتقد أنه مزيج بين الفن العملياتي والتصميم (التصور المبدئي للفكرة الأساسية للعمليات بحيث تكون خادمة للمتطلبات الاستراتيجية) والتخطيط (التفصيلي على خط الزمن والموارد) العملياتي بالأساس..
ولكن تبعا لمستويات الحرب (وماحكيناه عن فن العمليات)، فتلك القيادة العملياتي لابد أن تكون شديدة الصلة (والحساسية الدينامية) مع الاستراتيجية العامة والعسكرية، سواء مبدئيا حين يتم تصميم وتخطيط العمليات، أو بشكل مستمر ولحظي تبعا لتغيرات البيئة الاستراتيجية والعملياتية، أو اكتشاف الخلل في الفرضيات المبدئية التي حكمت التخطيط الاستراتيجي والعملياتي حين تم اختبارها بالتطبيق.. والنقطة الأخيرة هامة جدا، وتقتضي صلات كثيفة بين المستويين، ودرجة عالية من المرونة التنظيمية والخططية، وحتى مرونة في نمط التسليح والتدريب والعقيدة، والأهم – مناخ يُعلي مساحة النقد ومُساءلة الفرضيات.
من أجمل الدراسات التي قرأتها في هذه النقطة، أي الاشتراطات الفكرية والهيكلية والمؤسسية التي تتيح للجيش أن يتجاوز سريعا المُفاجآت التقنية والعقائدية في بيئة العمليات الحربية.. دراسة دكتوراة لواحد إسرائيلي اسمه مير فينكل..
On Flexibility: Recovery from Technological and Doctrinal Surprise on the Battlefield
والرجل كان
Director of the Israeli Defense Force’s Ground Forces Concept Development and Doctrine Department
أخيرا، لقد مررت سريعا على بعض الجوانب النظرية والتطبيقية في فن العمليات في أول 14 دقيقة من هذه المحاضرة، فضلا عن المناقشة التفصيلية في حرب 73 بذات الدورة
حوار حول العلاقة بين السياسة والاستراتيجية
وهذا توصيف للعلاقة بين الاستراتيجية العسكرية وتلك الخاصة بالأسلحة والتي تدخل أكثر لمستوى العمليات- من منظور مفاهيمي ومأسسي وتطبيقي:
حول الوصلة بين الاستراتيجيات العسكرية والخاصة
عرض وافي الحقيقة لكن هناك سؤال : ما فهمته من الكلام هو أن فن العمليات استخدام الأدوات العسكرية وغير العسكرية ضمن بيئة حرب للوصول لنهايات عملياتية وليست سياسية وبالتالي يمكننا بذلك التمييز بسهولة بين فن العمليات والاستراتيجية الشاملة او الكبري فكلاهما يستخدم الوسائل غير العسكرية لكن الفارق في النهايات المطلوبة فهل هذا الكلام صحيح؟
إذا كان الكلام أعلاه صحيح فإن التعريف لمستوى العمليات بأنه استخدام الاشتباكات لتحقيق هدف الحرب العسكري سيكون تعريفا قاصرا أم انني فهمت خطأ؟
أهلا بك أخي..
لاحظ أن هناك أكثر من مدرسة في تعريف المقصود بفن العمليات، وعلى هذا هناك اختلاف واسع في النظر إلى نشأته وتطوره التاريخي بالتالي..
المدرسة الشهيرة – السوفيتية – وهي أول من اصطكت المصطلح، عنت به طريقة محددة في حرب المناورة بالمشاة والاختراق بفيالق المدرعات لتدمير بنية الجيش المُعادي، وإصابته بالشلل. وعلى هذا – ففن العمليات بهذا المعنى ظهر بعد في أواخر الحرب العالمية الأولى لاعتبارات عديدة.
المدرسة الأخرى – تنظر له بشكل أوسع، وهو التجميع للاشتباكات والمعارك التكتيكية لأجل الوصول لأهداف عسكرية وسيطة أو نهائية..
وعلى هذا – فيمكننا تصور ظهوره في حروب نابليون..
هناك تصور مُستجدّ، وهو يرى فن العمليات أوسع من الأهداف العسكرية.. لماذا؟ لأن هناك أنماط من الحرب تتطلب أهدافا وسيطة غير عسكرية..
مثال: حرب العصابات، أو مقابلها حروب مكافحة التمرد.. قد تقصد لأهداف وسيطة تشمل بناء الشرعية السياسية مثلا، أو تجفيفها عند حركة التمرد، السيطرة المعلوماتية… وهكذا..
هذه الأهداف ليست الاستراتيجية، أو السياسية، ولكنها وسيطة في طريق تحقيقها.. ولهذا فيمكننا اعتبارها أهدافا (عملياتية) إذا وسعنا مفهوم (العمليات) عن سياقه العسكري الصرف.
وعلى هذا مثلا، معظم العقائد القتالية الغربية الآن.. خصوصا في الحروب غير النظامية.
أتمني أن تكون الصورة قد وضحت
نعم وضحت الصورة بشكل جيد،شكرا جزيلا