العلاقات المدنية العسكريةقراءات استراتيجية
هل الديمقراطية مصدر قوة، وحل لمشكلة سد النهضة؟
20-12-2015
هل نجاح التحول الديمقراطي في مصر شرط أساس للنجاح في إدارة أزمة سد النهضة – تبعا لفرضية أن الديمقراطية ستزيد من قوة الدولة ورشادة الحكم؟
إجمالا نعم – مع ملاحظتين جانبيتين – بالإضافة لما أرسلته سابقا حول موضوع أزمة المياه:
الأولى – أن انهيار العلاقة مع أفريقيا بدأ من عهد السادات مابعد 1975، تبعا لنظرته الجيوسياسية في دور مصر والإقليم واعتقاده بكلية دور الأمريكي، فضلا عن اشتراكه في بعض العمليات في الصومال والحبشة ضد القوى اليسارية – ما عرف حينها – بحلف السفاري
ثانيا – الموضوع الشائك الخاص بأن التطور الديمقراطي – سيقود بالتالي لارتفاع قوة مصر الإقليمية تبعا لفكرة (النموذج)ـ وبالتالي نتعامل بشكل أفضل مع أزمة سد النهضة، .
من مصلحتنا طبعا أن نبلع هذا :)، ولكن هذه النقطة بالتحديد هي أساس جدل أكاديمي في مجالي العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية لعقود.
تحديدا: ماهي مصادر قوة الدولة (إن حسمنا أن تجليات هذه القوة يظهر في حسم التدافع السياسي والاقتصادي والعسكري)، وكذلك – هل الترقي الديمقراطي تحديدا يمثل سببا حقيقيا في القدرة على حسم الصراعات؟
في العلوم السياسية، اتجاه معتبر مع الديمقراطية كمصدر قوة، بالأحرى إذا كانت ديمقراطية تؤدي لانسجام اجتماعي وفق صيغ ديمقراطية حقيقية ومتوازنة، وليست تفتيتية. وهذا ضمن اتجاه أوسع يقول بالموارد النوعية
qualitative resources
في مقابل اتجاه الموارد المادية والكمية (سواء اقتصادية أو بشرية أو جغرافية) –
Quantitative resources
(القدرة الإقليمية لدولة مثل تونس في مقابل قطر .. مثلا)
واتجاه ثالث حشوي: الدولة القوية هي التي تنتصر.
ولكن هناك ثلاثة اتجاهات في كون الديمقراطية عنصر قوة في حسم الصراعات (خصوصا المسلحة ) تحديدا:
اتجاه Democratic Triumphalist
وهو شائع، ويقول بأن الديمقراطية تسمح للدولة ببناء سياسات وقدرة مؤسسية رشيدة وكفؤة – خصوصا في ميدان السياسة الخارجية والدفاع
واتجاه
Democratic Defeatist
وهو محدود
واتجاه ثالث، يميز بين الحروب الشاملة والتقليدية – والتي تثبت الدول الديمقراطية قدرتها بتعبئة الموارد والتخير بين السياسات المعقدة على مدى طويل، وبين الحروب الصغيرة وحرب العصابات – وتكون أكثر تعرضا على الهزيمة فيها تبعا لتأثر معادلتها الشعبية والديمقراطية على القرار الدفاعي تبعا للخسائر البشرية والقيمية – كدولة غازية – أمام حركات المقاومة أو التمرد., مثلا كتاب الإسرائيلي جيل ميروم الشهير
How Democracies Lose Small Wars
في الدراسات الاستراتيجية، مصدر القوة هو القدرة (المفاهيمية والمؤسسية وكخيار) على تحويل وتطوير الموارد الكمية والكيفية للوصول لنهايات سياسية مناسبة. أما دون ذلك من تفصيلات وعلاقات سببية فلا يمكن تعميمها، لأنها تبقى ظرفية، وتبعا لطبيعة الصراع ومدى مناسبة الأهداف السياسية للقدرة المواردية.
أما بخصوص الديمقراطية – هذا العنصر بحد ذاته كذلك لا يمكن تثبيته في علاقة سببية مع القدرة على الانتصار، ولكن تبعا لمعطيات ظرفية تسمح له في بعض الأحيان بلعب دور إيجابي في القدرة على تطوير المؤسسات وتفعيل الموارد وتخيّر استراتيجيات ناجعة، وأحيانا يؤدي لمظاهر سلبية. والأمثلة أكثر من أن تحصى عن قدرة تنظيمات ودول (غير ديمقراطية) على حسم صراعات سياسية وعسكرية – نظامية وغير نظامية.
في كل من الحالات الديمقراطية وغير الديمقراطية تظهر أمراض في طريقة اتخاذ القرار الاستراتيجية، وحتى في القدرة على تحريك الموارد، وفرصة أي نظام في التقدم الاستراتيجي هي في مدى قدرته على (مواجهة وعلاج) هذه الأمراض ..
مثلا في النظم الديمقراطية – هناك مشكلات التصادم بين الخيارات الاستراتيجية وتلك الخاصة بالتدافع الحزبي والمصالح، وبين الخيارات والمؤسسات الفنية – والساسة، والبطء
في اتخاذ القرار، ومشكلات الجمع بين السرية والديمقراطية في بعض الملفات، والعلاقات المدنية العسكرية… وهكذا
في النظم غير الديمقراطية – تظهر مشكلات التصادم بين الخيارات الاستراتيجية وتلك الخاصة بطبقة الأوليجاركي أو حتى الفرد الحاكم، ومشكلة ضعف الرقابة والتقييم الذاتي للخيارات، ومشكلة التكامل وحرية المعلومات بين مؤسسات تشترك في صنع استراتيجية شاملة.. وهكذا
——–
في حالة مشكلة سد النهضة مثلا – نظام عبدالناصر كان العهد الذهبي في علاقتنا مع أفريقيا، تبعا لانفجار الشعور التحرري، وخطاب مصر وسياستها الداعمة بشكل هائل للحركات الأفريقية، وكذلك موضعها الجيوسياسي مع دول عدم الانحياز – حتى 1967، وسياسة ناصر الشخصية وغير المترفعة مع زعماء الأفارقة.
كذلك – التدهور الهائل الذي حصل، لم يكن في عهد مبارك، ولكن تحديدا – للمفارقة – مع 25 يناير 2011، لأنه أدى لانفراط قدرة الدولة داخليا وكحركة في الإقليم أن تُصدر صورة (قوة) – بمعنى قدرة على تحريك موارد ومبادرة سياسية ودفاعية أمام أي تهديدات حاصلة أو محتملة.
حينها – رفعت أثيوبيا تخزين السد من 14 ل 74 مليار متر مكعب، وأعلنت عن بناء 4 سدود أخرى.
وتجربة مرسي كانت شديدة السوء لدرجة الكوميديا السوداء، والتي كان اجتماع (الهواء) مجرد عنوان عن المرحلة.
(هذا اللقاء مثلا – أثر على صورتي أنا الشخصية 🙂 – كنت أعمل استشاري في مستشفي، وكان لي زميل أخصائي من أوغندا يعمل معي، وثاني يوم من اللقاء عملني مُسخة تقريبا، وقعد ينكت على الطيارات السرية اللي عايزين نشتريها)
بمعنى – (نموذج الدولة الديمقراطية) هو بلا شك أحد مصادر القوة الناعمة، ولكنه ليس كلها ، وقدرته على التأثير ظرفية وبشرط تلاحمه مع قوة مؤسسية في اتخاذ القرار وسرعته، كما أنه ليس بديلا أبدا على مصادر القوة الخشنة أو القدرة على (التهديد بها) أي الردع.
هو ليس بديلا – مثلا – عن التنمية الاقتصادية، ولا تطوير المؤسسات الدفاعية وأخذ القرار، ولا التأهيل الكادري للنخبة التي تقوم بالسياسة الخارجية أو الاستراتيجية الدفاعية، ولا الرؤية الشعبية الحالمة.
ربما نقول – أن البيئة الديمقراطية تُعطي فرصا أكبر على تلمس وتطبيق الأجندات الإصلاحية في المؤسسات والسياسات والاستراتيجيات وبناء الكوادر – هذا صحيح .. كما هو الحال في كل المحاولات الغربية في هذا الباب، ولكن ليس بديلا في حد ذاته عن توفر المادة الخام المعرفية، ولا قيادات كفؤة في محطات فارقة مثلا.
وربما نقول- أن الحالة المصرية تحديدا، تغيب عنها احتمالات القيادة المُلهمة الكاريزمية
، مع أدوات رفع مؤسسات وضبط مهني تستفيد من أيديولوجيا تثويرية حالمة – كما يكون في أحوال (غير ديمقراطية) ولكن (قوية).. فيتضاعف أمامها أولوية الخيار الديمقراطي كبديل وحيد في التنمية الاقتصادية والمؤسسية والدفاعية.
2 تعليقات