عن داعش والتحالف ضدها
قديم
20-9-2014
ماذا عن التحالف ضد داعش وجدواه؟
الهدف الاستراتيجي للتحالف -أعني الواقعي والحقيقي وليس المعلن – ليس القضاء على داعش، ولكن تحجيمها ومحاصرتها جغرافيا ووظيفيا، لضمان بقائها في وضع دفاعي لتحقيق مساحة من الأمن الداخلي الأوروبي من ناحية ولمنع التهاوي الجغرافسياسي في المنطقة.
الأمريكان والأوروبيون يعتقدون -وهذا صحيح- أنه لايمكن تحقيق أهداف أوسع من هذا بدون حصول تطور جذري في الوضع السياسي العراقي ثم السوري، وفي بنية القوات العسكرية المحلية، وإشراك الحاضنة السنية بشكل أكبر. وهم يسعون في هذا المسار بشكل ما، ولكن حتى ثمرته تظهر -إذا ظهرت- بعد فترة.
باختصار.. هم يعتمدون على تدخل عسكري نوعي تشتيتي عن طريق الجو بالأساس، مع دور في إعادة بناء القوات الحليفة في العراق وسوريا بالدرجة الأولى، ودعم جزئي لإصلاح سياسي، والأهم تأمين البيئة الأوروبية داخليا.
صعب كثيرا يحصل تدخلات أوسع من هذا إلا إذا انهارت القوى المضادة لداعش كلية -وهذا صعب، وحينها ربما يسمحون أكثر لقوات إقليمية وهذه تتطلب تنازلات من قبلهم بالطبع.. وهنا قد يأتي دور مصر.
بخصوص الدور المصري، فهو جيد في سلبيته الحالية، ولكن لو هناك رغبة حقيقية في التغيير والسعي في إعادة تطوير مصادر القوة السياسية والاستراتيجية الداخلية، لكان يمكنه تدشين مظلة دفاع إقليمي لتدخل أكثر تحقيقا للمصلحة القومية والوطنية بالتالي.
8-10-2014
مارأيك في تصرفات داعش كفيديوهات الترهيب الوحشي، أو التقدم في جبهات متعددة مرة واحدة؟
هل هذا نتاج قصور استراتيجي أم يخدم استراتيجية ما؟
يعني كقاعدة منهجية في استيعاب الحركات العقائدية المتشددة كالقاعدة أو الأكثر جموحا كداعش.. أن المنطق الأنثروبولوجي والنفسي أكثر قدرة تفسيرية لأفعالها من المنطق اﻻستراتيجي لأنها تعتمل على رؤية شديدة اﻹطلاق للعالم وتعييرات شاذة لكلا من منظومتي المصالح والقيم وهناك ضمور مؤسسي في مقابل حزمة من الأوهام والتفريغ النفسي في بيئة مقطوعة الصلة بمن حولها.
ليس معنى هذا أن المنطق الاستراتيجي غير حاضر ولو في صورة بدائية في بنية أخذ القرار، هو موجود بدرجة محدودة ومتباينة، كماأنه ممكن استخدامه تركيبيا في الربط بين الأفعال والمسارات و(آثارها) المحتملة والحاصلة بأثر رجعي كفائدة تحليلية، بغض النظر عن (دوافع) أخذ القرار.
مثلا.. سلوك قطع الرقاب هو نتاج درجة عالية من الرغبة في البطش وتحقير الخصوم وتفسيرات منحرفة لبعض النصوص وتفريغ شحنات غضبية وثأر ولذة حيوانية، ولكنه مطلوب كذلك كجزء من المنطق الاستراتيجي -بغض النظر عن صوابه وخطئه- الذي حكم داعش وقبلها القاعدة.
هناك حاجة لإثارة رعب غير متناسب مع محدودية القدرة في الشعوب المواجهة والتي مفهوم أن لها أثر كبير في التأثير على القرار الغربي، وهذا جزء من منطق عمليات اﻻرهاب من الحركات غير النظامية، أو حتى الضربات الجوية الاستراتيحية في الحربين العالميتين ومعظم سلوك اسرائيل تجاه المدنيين منذ نشأتها. طبعا كون أن سلوك داعش واخواتها بقود لتهييج رد فعل الحكومات وليس احباطه لأسباب مختلفة فهذا أمر آخر. كما أن إثارة الرعب كتفسير داعشي لنص إسلامي حربي (نصرت بالرعب) يعزز الأمر. كما أنه يقوي من سطوة الصورة الذهنية لداعش لفائدة التجنيد والمزايدة على التنظيمات اﻷخرى.
المفارقة أن تهييج الحكومات الغربية لدفعها للتدخل عسكريا من أجل بناء خطوط مواجهة كان هو بالضبط عين منطق القاعدة في (العدو البعيد) وأن هذه المواجهة ضرورة في حد ذاتها لبناء الصورة والتجنيد وتضخم الحركة، وصولا لتحقيق نجاح استراتيجي في نمط عسكري يفشل فيه الغربي، فيكون دافعا في مرحلة تالية للخلخلة السياسية والعسكرية للنظم المحلية والمعتمدة على القوى الغربية.
ودائما ستلاحظ في سلوك داعش التناقض بين منطق الحركة الإرهابية والتمردية التي لاتلجأ للحرب النظامية إلا متأخرا وتنشغل بالتهييج وعدم بناء قواعد سياسية وخطوط لوجستيك ودفاع ثابتة (منطق القاعدة)، ومنطق الحركة شبه الدولة التي ترتكز على (نويات) مركزية تتوسع منها وتشتبك بشكل أقرب للنظامي وتعتمد على تعبئة قواعد لوجستية واقتصادية متنامية (منطق داعش).. وقبلها طالبان بدرجة أقل.
الطريف هنا.. أن التحول بين المنطقين يذكرني بالتحول الذي أحدثه نهج جيفارا في مذهب ماو وطرح كذلك فكرة النويات والاسراع بالعمل العسكري والقواعد المستقرة.. مع فوارق كثيرة بين الحالتين بالطبع أوضحها – فضلا عن الاختلاف الأيديولوجي والكود الأخلاقي والبيئة- هو أن جيفارا طرح تحول نظري واضح، ولكنه في حال داعش حصل بتداعي الحوادث وانهيار مركزية الدولة في سوريا عن الأطراف والمأزق العراقي ثم تطورات سابقة تمثلت في طالبان والزرقاوي، ثم أنك ستجد السلوك الحالي هجينا بين المنطقين، وقد تستوعب داعش ضرورة المرونة في التنقل بينهما على حسب الضغط المحيط وقدرة التمدد، ولكن بالطبع دمويتها ووحشيتها في التعامل مع مخالفيها فضلا عن أعدائها ستحرمها فرصة القدرة على الانكماش والتخفي.
بخصوص عدم الاقتراب من بغداد، فهذا ماتوقعته بعد سقوط الموصل على عكس البروباحندا الداعشية حينها، لسبب بسيط وهو صعوبة مواجهة عقبة بغداد بماتحمله من استنفار للميليشيات الشيعية وداعمها اﻹيراني النظامي من ناحية، ودفع الغربي للتدخل البري وكلا الأمرين يفوق القدرة القتالية لداغش على الأقل مرحليا.
ماتبحث عنه داعش.. درجة من التوريط الغربي المحدود ودرجة من التمدد في مساحات ضعيفة نسبيا عسكريا وذات موارد اقتصادية نوعية لتعزيز دعاوى انتصار تناسب مهمة تعبئة الحركة (أو الدولة وإن كانت هناك موانع كثيرة أمامها في بناء قاعدة شعبية وسياسية داعمة ومستقرة كذلك)، وقدرة على تصدير النموذج وجمع نثريات اﻹقليم المحيط.
طبعا هناك أقاويل عن دعم تركي يعزز مصالح داعش السابقة في التوجه لتطهير (الدمل الكردي) ولعل إحساس الأكراد بهذا الأمر بشكل ما سبب الشغب الكردي الحالي في جنوب تركيا.
تعليق واحد