قراءات استراتيجية

حول كتاب (الحرب المقبلة بين مصر وإسرائيل)

أكتوبر 2014

تعليق من عام ونصف حول هذا الكتاب لإيهود إيلام، يليه تقويم لتقرير جريدة مصرية عرضته.. وذكرني به مقال حديث لأيمن الصياد

https://www.amazon.co.uk/Next-War-Between-Israel-Egypt/dp/0853038384

الكتاب مهم من ناحيتين..

الأولى أنه قد يشي ببوادر تحول في العقيدة الاستراتيجية اﻹسرائيلية لتطوير النسق الدفاعي للحبهة الجنوبية خصوصا بعد انهيار الشرقية (العراق وسوريا) وتصاعد فرص نوايا مصرية للخروج من محددات السياسات اﻹقليمية والدفاعية لنظامي السادات ومبارك – خصوصا في فترة الغموض التي أحاطت بالنوايا الخارجية والدفاعية لنظام مابعد 3 يوليو في بدايته والتي شهدت خشونة مع الأمريكي وتجميد المعونة، ومحاولة جادة لتنويع مصادر التسليح والاقتراب من الروسي (وإن كان هذا ظهر فيما بعد أنه سياسة ابتزازية للأمريكي تم التراجع عنها فور تحقيق غرضها). وكيف أن هذا التحول الاستراتيجي قاد لخطوات في إعادة هيكلة المنظومة الدفاعية اﻹسرائيلية كموازنة وتركيب قوات وتسليح وقواعد تخطيط….

الثانية؛ أنه درس ممتع للتاريخ العسكري بين مصر وإسرائيل لأنه يعتمد في شق معتبر في بنائه للسيناريوهات العملياتية – سواء في خطط مسرح العملبات أو الأوضاع النوعية للأسلحة واستخداماتها- على فرضيات الخبرة التاريخية، والتي ليست بالضرورة حتى شائعة داخل النخب العسكرية في مصر وإسرائيل.

ولكن فيه عيبان :

الأول – والأخطر- أنه مسخر للسيناريوهات العملياتية -سواء داخل كل سلاح -بر وبحر وحو واستخبارت وقوات خاصة…- أو مشتركة في مهام نوعية كالسيطرة الجوية والعبور أو ضربات العمق، أو قطاعية أو إدارة دفاع كتركيب القوات وأنماط القيادة والسيطرة- ثم ختم بوصف موجز لأسباب الحرب والتي قد تشي بشكل ما بأهداف الحرب السياسية. ولكنه لم يتحدث بوضوح عن هذه الأهداف وماتستتبعه من مسارات استراتيجية بشكل كاف.. وهذه المسارات هي التي تربط تلك الأهداف بتنويعات وتركيبات واسعة من الخطط والخطوات العملياتية في نسق استراتيجي نظامي أو هجين.

الثاني- أنه ضخم الفرضيات التاريخية في بناء السيناريوهات على حساب مفردات أخرى كدراسة التطورات الحاصلة والمحتملة في بيئات التقنية والفكر اﻻستراتيجي والفن العملياتي والأوضاع السياسية والاحتماعية والتراكيب القيادية. صحيح أن عنصر اﻹبداع في الكتاب حاصل في بعض الجوانب التفصيلية وخصوصا المساحة الديبلوماسية الخادمة للحرب، ولكن ليس في الجانب العملياتي فضلا عن الاستراتيجي المهمل. ولكن حتى تمديد الفرضيات التاريخية للواقع (عصرنتها) يبقى خطوة مهمة لكي نكون منصفين.

هو فقط تناول أثر نزع سلاح سيناء على العمليات المقبلة من حيث العمق الدفاعي ومحور العمليات وهذا جيد، ولكن تناوله مثلا لأثر تشابه منظومات التسليح على العقائد القتالية وطبيعة العمليات كان سطحيا وتركز على زيادة معدل النيران الصديقة.

أخيرا – كتحليل مضمون- لايجب أن نغفل عن الدوافع خلف الكتاب والرسائل التي يحملها.

فأول دافع شخصي لخبير استراتيجي إسرائيلي حاصل على الدكتوراة في المجال وأستاذ سابق في كلية القادة والأركان ومستشار لعقدين في وزارة الدفاع واﻵن يقضي تقاعده في أمريكا ويبحث عن مصادر تمويل ( سعر الكتاب حين نزل من ثلاثة أشهر كان 50 استرليني وهو أول كتاب لصاحبه بالانجليزية ولكن عنوان ملفت ) وتسويق خبرة وهذا شيء معتاد في الغرب.

والثاني موجه للمجتمع اﻻستراتيجبي اﻷمريكي والغربي لتطبيعهم على فرضيات إسرائيل للقيام بحرب مقبلة، وكذلك على كسبها لهذه الحرب كما تخلص لذلك كل مناقشاته العملياتية وتقديراته للتوازن العسكري.

والثالث موجه للمنظومة اﻹسرائيلي لتسويق خياراته الاستراتيجية ( هي ليست بالضرورة أيديولوجية لأنه يمين وسط ومن مؤسسي معهد بيجن السادات للدراسات الاستراتيجية) في زيادة تطوير القدرة الدفاعية اﻹسرائيلية تجاه مصر، وكذلك في ضبط لغة الخطاب نحوها لمنع مفردات استعدائية.

والرابع ربما موجه للجانب المصري – إذا اطلع على الكتاب- كرسالة تحذيرية .

 

أما بخصوص تقرير جريدة الوطن عن الكتاب

http://www.elwatannews.com/news/details/568696

أولا – الكتاب حوالي 250 صفحة.. 230 منهم على المسارات العملياتية والتكتيكية المختلفة في الحرب المقبلة، اعتمادا على التجربة التاريخية في الحروب السابقة وكذلك بعض التطورات العسكرية والتقنية.

ثم 20 صفحة في اﻵخر عن أسباب الحرب المحتملة، وهذه فقط مااعتمد عليها تقرير الوطن.

ثانيا- أسباب الحرب تم نقلها بتحريف وتشويه متعمدين وليس نتاج نقص الحرفية. لأن بعض الفقرات يتم ترجمتها بشكل حرفي والأخرى يتم تحريفها أو حذفها خدمة لتحيزات إعلامية وسياسية.

مثلا؛ أسباب الحرب في الكتاب تمر عبر عدة عناوين:

1- تصعيد إسرائيلي على غزة تقود مصر بسبب ضغط داخلي أو لمصلحة استراتيجية للتدخل في سيناء أو غزة، وقد يكون تصعيد حماس في تلك الحالة موجها إيرانيا لتوريط مصر وإسراءيل معا. الصحفية ذكرت الشق الثاني.

2- استخدام التنظيمات الفلسطينية -حماس بالأساس- كذراع استراتيجي مصري وحرب بالوكالة كالحال قبل 56 في غزة، وفي الستينات عموما. طبعا الصحيفة تغاضت عن ذكر هذه الحالة.

3- انتشار القوات المسلحة المصرية في سيناء بما يفوق محددات الملحق الأمني للمعاهدة. وهذا منقول بشكل جيد.

4- الارهاب وعمليات التمرد في سيناء قد يدفع إسرائيل للتدخل في سيناء ممابشعل الحرب، أو استغلال مصر الفرصة لتعيد توازن عسكري في سيناء فالمؤسسة العسكرية تهتم بالعودة لسيناء بأكثر من السيطرة على الجماعات. الشق الأول تم إغفاله، والثاني منقول بشكل سليم.

5- سباق التسلح والعامل النووي -الذي لن تتخلى عنه إسرائيل ولو تحت ضمان شرق أوسط خال نوويا- قد يقود مصر لحرب استباقية وبدرجة أقل إسرائيل، أو يكون هذا السباق عنصر تصعيدي في بشكل غير مباشر في أي صراع سياسي محتمل. والصحيفة شوهت هذا الجزء بحكايتها عن حرب اسنباقية تقوم بها اسرائيل بسبب قلقها من تسلح الجيش المصري، ولهذا فحتى الجزء المترجم في الصحيفة يبدو متناقضا مع العنوان وتقديم الجريدة..

6- المؤسسة العسكرية المصرية قد تلجأ لتصعيد عسكري ضد إسراءيل لتطوير وضعها السياسي خصوصا في حال ضغوطات داخلية لتقليل مواطن نفوذها الاقتصادية والمؤسسية. وهذا غير موجود في الصحيفة.

7- الحكومة قد تلجأ لهذه الخطوة هربا من مشكلات داخلية . وهذا منقول بشكل جيد.

8- العنصر الأمريكي مشوه، فالصحيفة تحدثت عن أن مصر ممكن أن تحارب إسرائيل بدون دعم أمريكي، ولكن حين نقلت مقاطع من الكتاب كان نقل جيد ويخالف هذا المعنى. فالكتاب يتحدث عن أن العنصر الأمريكي ليس بالضرورة كابحا لمصر عن انتشار مصري في سيناء لأن الأخيرة قد تنتقي توقيتا منشغل فيه الأمريكي بملفات أخرى ثم هو مجبر في نهاية المطاف ألا يفرط في الورقة المصرية، ولكن هذه الخطوة ستقود إسرائيل لحرب.

9- طبعا حديث الصحيفة عن تطوع الإخوان في الجيش كسبب من أسباب الحرب وأنها ستعزز مكاسبهم هو تلفيق. فالكتاب بعدما سرد أسباب وسيناريوهات الحرب تحدث عن قابلية المجتمع المصري لهكذا حرب، وذكر أنه بالرغم من أن غالبية الشعب لايحبون إسرائيل إلا أنهم لايريدون حربا معها، ولكن هناك في المؤسسة العسكرية من يريد الخرب وكذلك قطاعات مؤدلجة دينيا كاﻹخوان والسلفيين أو قوميا.

وذكر أنه حتى النزاع مع الحكومة لن يمنع اﻹخوان من التطوع في الحرب كما في 48 ولكن الحكومة ستكون متوجسة من هذه الخطوة بسبب آثار على تضخيم قدرة عسكرية لمجموعة مناوئة سياسيا.. وذكر الكتاب أنه بالرغم من إدراك الجماعات الدينية من فشل عسكري ومن أن الحرب لن تعيد القدس، إلا أنهم سيضغطون لصالحها بمالهم من نفوذ سياسي لأنها خطوة على الطريق العسكري لتحرير القدس في تصورهم.

ثالثا والأهم.. أنه بسبب التشويه والنقل المحتزيء للكتاب ضاعت فرصة مهمة لتعريف القاريء المصري العادي -فمابالنا بمؤسسات وأفراد متخصصة – عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى