قراءات استراتيجية

حصاد حملة غزة ومفهوم الانتصار ومايأتي

27-8-2014

قديم


بداية إن كان من نصيحة عامة.. في الحقيقة هي ضرورة منهجية وحتى قرآنية للتعامل مع هذه الأمور.. فهي تنحية العاطفة والتحيزات، ثم الاجتهاد في بناء أدوات معرفية وتطبيقية ناضجة.
..
طبعا السؤال الذي يدور في ذهنك واﻵخرين: هل ماحققته حماس انتصار؟ أو ماذا هو؟ وماعلاقته بما سبق وبما يأتي من مسار؟

لقد تحدثت من قبل حديثا أحسبه كافيا على طبيعة الحملة الحالية استراتيجيا وأهداف الطرفين والمآلات وصلة ذلك بالمسار السابق.. وربما ينقص ثلاثة أمور: الأول جرعة تنظيرية ( قد ) تكون مفيدة وإن لم تكن بالضرورة كافية، وثانيا إعادة تقييم الحصاد لحد اﻵن، وثالثا ماذا بعد؟
……………… ……..

 أولا.. كناحية تنظيرية، مفهوم الانتصار هو مفهوم تكتيكي كمايقول كلاوزفيتس وهو يرتبط بتصفية الخصم في المعارك أو تعميق خسارتهم بشكل نسبي أو الوصول لانسحاب المقابل، أما على المستوى الاستراتيجي للحرب فنحن نستخدم مفهوم النجاح والفشل فيما يتعلق بالتحقيق النسبي للأهداف السياسية في مقابل أهداف الخصم.

وأنماط الحروب تتنوع من حيث الأهداف: كلية ( تستلزم تحطيم إرادة الخصم أو ووجوده) أو جزئية ( تليين إرادته لتحقيق سلام أفضلي)، ومن حيث الأنماط : منتظمة ( أي هناك مركزية لتحقيق انتصار عسكري) أو غير منتظمة.. كحروب المقاومة أو التمرد يكون فيها الحراك التكتيكي -ليس بالضرورة انتصارا- ولكن متموضعا ضمن إطار أوسع يسعى لتجريف الخصم ماديا ومعنويا وقيميا بشريا مع حشد داخلي وصولا لتعميق خسائر الاحتلال عن مكاسبه. وكما ذكرت هي تصلح لهذا كاستراتيجية دفاعية وليست هجومية

و(طبيعة) المنطق الاستراتيجي تبقى واحدة وهو استخدام الأداة العسكرية للتأثير في إرادة الخصم السياسية.. أما ( أشكال ) تطبيق هذه المنطق فتتعدد منهجيا وتطبيقيا.
أكتفي بهذا التقديم ولكن كمية التعقيد في هذا الباب واسعة وهناك مداخل متعددة ومتعارضة.

مثلا في حرب 73.. كان النصف الأول من الحرب مجسدا لانتصارات عسكرية مصرية والنصف الثاني تقدم عسكري إسرائيلي.. حصل خلاف في تكييفه على طاولة التفاوض ومابعدها لسنين: هل هو انتصار عسكري كماتقول أغلب الرواية الغربية والاسرائيلية والعربية النقدية ( كالشاذلي ) أم هو تقدم عسكري كان ممكن عكسه كما تقول الرواية المصرية الرسمية.. وهذا يكشف لك أهم أسباب الاشكال العلاقة بين المنتوج العسكري والسياسي.. لأنه باديء ذي بدء يكون هناك اختلاف في توصيف الأول -عن قناعات حقيفية متضاربة أو استخدام تفاوضي أو حماية شرعية داخلية..

مايزيد من حالة أكتوبر تعقيدا.. أن تعيين الهدف السياسي – والذي على أساسه نقيس المنتح الاستراتيجي هو مشكل. لأنه قد يكون غير واضح، أو فيه أكثر من نسخة ( هل تحرير الأرض العربية؟ أم تطبيق 242؟ أم وصول لتحرير سيناء؟ أم تحريرها حتى لو منقوصة السيادة؟)، ثم الهدف السياسي بطبيعته قد يتغيربسبب تغير المعادلة الاسنراتيجية ( إدراك قصور الوسائل عن تحقيق الهدف أثناء الحرب أو في مرحلة التفاوض، أو تنازلات تفاوضية
من الطرفين كمايحرص على تحقيق ذلك أي وسيط تفاوضي ).

بل حتى قد نجد أكثر من رواية للاستراتيجية الأصلية قبل تدخل السادات ( الخلاف بين الشاذلي واﻵخرين حول وجود تطوير الهجوم في الاستراتيجية العسكرية لمصر وليس التي اتفق عليها مع السوري ) فضلا عن الاختلاف في تقييم نجاعة أي الاستراتيجيات ولو بأثر رجعي ( هنا ثلاثة تقديرات: تطوبر الهجوم خاطيء بأي حال لمخالفته المنطق الاستراتيجي كرأي الشاذلي، التأخر في التطوير هو الخطأ كرأي هيكل والجمسي وحماد، تطوير الهجوم سليم استراتيجيا ولكنه فشل تكتيكيا … وقل هذا عن حدوث الثغرة وسبل معالحتها )

وأخيرا ما يعقد تقييمنا في الحروب المحدودة هو نزعة كل طرف
في تضخيم منجزه الاستراتيجي لأسباب داخلية أو حتى استراتجية (لتحقيق ردع أفضل للجولات التالية).

طبعا تقييمي الشخصي للحرب أنه تقدم استراتيجي لمصر – وليس نجاحا- ولأسباب يضيق لذكرها المجال.. أهمها أن اﻹنجاز العسكري الافتتاحي كتوقيت ومنتوج وطريقة أحدث خللا معرفيا ونفسيا في منظومة الأمن القومي اﻹسرائيلي لم تفلح انتصارات عسكرية لاحقة أو تنازلات تفاوضية غير معقولة من السادات في ردمه وإن نجحت في تقليله نسبيا. بل حتى آثار هذا الخلل باقية حتى اﻵن واستفادت به ومنه كل الجولات غير النظامية التالية..

ملحوظة.. جهل حقيقي وغرور حديث قيادي حمساوي -وقبله حزب الله- أن حماس -أو الحزب- فعلت مالم تفعله الجيوش العربية مجتمعة.

 ……….
ثانيا.. بخصوص الحملة، فكلا الطرفين -إسرائيل وحماس- كانا في مسار استراتيجي خاطيء لأسباب ذكرناها من قبل، ولكن حكومة نيتنياهو الحقيقة أبدت إفلاسا استراتيجيا أكبر، وكان حتى مسارها الخاطيء بسمح لها بفرص ومسالك أفضل كثيرا ممااتخذته.

حماس أدت بشكل جيد مع مشكلة المسار وهي قامت بخطوتين إصلاحيتين كانا لهما تأثير على المنتوج لصالح غزةوالقضية -وليس بالضرورة لصالح حماس بالنظرة الضيقة: الانخراط السياسي في الجماعة الفلسطينية كعنوان وأداة تفاوض، والتعامل الإيجابي مع الحالة المصرية بعد النفور اﻷول.

والمنتوج.. أن اﻹسرائيلي لم يحقق شيئا، وأن حماس حققت شيئا جزئيا ( تسهيل المعابر في وجود سلطة عباس). وتكتيكيا إسرائيل حققت إنجازات يصعب تقييمها اﻵن لعدم معرفة التفاصبل، وحماس انتصرت في معركة الصواريخ – في اﻹطار الزمني لهذه الجولة حتى التهدئة.

صحيح أننا لم نعرف حجم الخسارة البنيوية التي عانتها حماس والأرجح أنها كبيرة وموجعة، ولكنها لاتهم في هذا النوع من الصراع إلابقدر ماتحدثه من ردع ذاتي عند حماس من التساهل في معاودة الكرة، وهذا صعب حدوثه إلاباستمرار وضع حماس السلطوي بغزة. كما حصل بعد 2009 و 2012

وصحيح أننا من المبكر تقييم شعبية حماس في غزة اﻵن، وإن كانت بالطبع هي أكثر عرضة للتآكل في وضع السلطة منه في وضع حركة المقاومة، وفي وضع سلطة ظهر عجزها في حماية مواطنيها وتفضيلها الدفاعي نسبيا لأفرادها وقيادييها وحصل نفور منها عند شرائح واسع من سلطة جيشت من حولها وتمتعت بشرعية الابتداء ومايحمله من أمل وإعطاء فرصة ( مثلا الفارق بين سلوك النظام الناصري أمام ضربات العمق في 56 و70 )..
> وصحيح أن الهدنة قد تنقطع بسبب السخط اﻹسرائيلي الداخلي أو باحتمال أقل تمرد في جهاز حماس العسكري أو محاميع قريبة..

 ولكن يبقى أن التقييم النهائي درجة متواضعة جدا من التقدم الاستراتيجي لغزة، ليس نجاحا بالطبع ( فالحصار بحر وجو باق، والتهدئة لاتشمل الضفة، حتى التعديات الأمنية باقية) وليس انتصارا عسكريا بالتأكيد.
ولكن طبعا تصوير ماحصل أنه انتصار وإن كان ممكن قبول جزء منه كإظهار قدر من صلابة تفيد في تطوير ردع ذاتي معاكس، ولكن المبالغة فيه وربطه بحماس كسلطة لتطوير شرعيتها أراه جريمة قيمية واستراتيجية.

طبعا الرواية العاطفية الأيديولوجية القاصرة كرؤية التي تقدس حماس كحركة ملائكية ( ولو سألت غزاويا أو حمساويا مخضرما لأنبأك أن حماس أبعد ماتكون عن هذا الوصف مع أنها قد تكون أفضل الموجودين – عدا الجهاد في رأيي- قيميا ووطنيا ) وتخون فتح والنظام المصري المفروض أنها انهارت اﻵن.. فالمعابر لن تسيطر عليها حماس، والنظام المصري وأبو مازن كانا لهما دور حاسم في الوصول للتهدئة حمدتهما عليه حماس ذاتها.
……….

 أخيرا.. ماذا يأتي؟

طبعا نحن نحكي هنا عن مسار استراتيجي مقبل.. وهذا أمر يطول الحديث عنه، ولكن بانقضاء المسار الذي كان يعد أثناء حكم اﻹخوان وتقدمهم اﻹقليمي والذي كان كفيلا في رأيي بتصفية القضية الفلسطينية، وباستبعاد سيناريو تصفية القضية عن طريق تناول استراتيجي جيد لإسرائيل دون تغيير بنيوي يحصل في منظومتها الاستراتيجية والدفاعية أستبعد حدوثه كماذكرت في مقالي القديم ( لماذا تفشل إسرائيل ).. فتبقى عندنا ثلاثة سيناريوهات كلية:

الأول.. بقاء نفس النسق الاستراتيجي.. غزة -الضفة، معادلة ردعية تنجح أحيانا وتفشل أخرى وسط محطات تصعيد وتهدئة، وعلاقة حياد إيجابي من المصري. وربما يسوؤ الوضع بتململ داخلي في غزة صعودا لحالة احتراب داخلي جديدة.

الثاني- تحسن نوعي عبر إعادة التحام جزئي بين الضفة وغزة، وإعادة ضبط ملفات السلطة والمقاومة بشكل تبادلي متكامل لصياغة استراتيجية دفاعية ملائمة وصولا لتنازلات جزئية من إسرائيل.

الثالث.. تطور جذري في بنية الصراع وأهدافه مآلاته، وفيه تتموضع المقاومة الفلسطينية ضمن إطار قومي كدور استراتيجي نوعي. وهذا يقتضي تغير نوعي في الطرف المصري ليكون راغبا في هذا المشروع وقائدا له ومستوعبا لمحطاته ومستكملا لشروطه البنائية والاستراتيجية.
الدور اﻹيراني ممكن نظريا، وقد يحدث خلخلة إقليمية في لحظة معينة.. وكذا دور الحالة اﻹسلامية التكفيرية المسلحة. ولكن بغض النظر عن رفضنا لكليهما من منطلق رسالي ومبدئي ( وإن كان التقدير لا ينبغي بناؤه على الرضا والسخط ) .. فإيران ستصل لوضع تسوية ملائمة حتى لو دخلت في حالة حرب محدودة بافتراض فشل حزمة التسوية الحالية وإعادة موضعة حماس كذراع إيراني وتفرغ حزب الله من الدور السوري.
والحركات التكفيرية سيتم تحجيمها جغرافيا بوسائل تدخل ناجعة – كحد أدنى.
، وأليس هذا ماحصل في غزة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى