العلاقات المدنية العسكرية
حول تولي العسكريين لمناصب مدنية، ومأزق السياسة والإدارة
9-3-2016
نقاش حول تولي العسكريين لمناصب مدنية، ومدى توفر الأدبيات والخبرة البحثية حول هذا الموضوع
بخصوص شغل العسكريين (خصوصا السابقين) لمناصب مدنية تنفيذية ومدى تأثيرها على السياسات المحلية، .
نلاحظ ابتداء أننا نحتاج أن تميّز بحثنا فيما اهتمامنا هو يتعلق بالكفاءة، أم بالانحيازات، أم بهما معا. وهل الانحيازات هي بسبب تحيز في البنية المهارية والثقافية للعسكريين، أم هي بسبب ارتباط مباشر أو غير مباشر مع انحيازات المؤسسة وأجندتها كقوة ضغط سياسي (على حسب درجة تدخلها في المشهد السياسي )؟
أيضا – ممكن نهتم أولا برصد الظاهرة وعناصرها الكمية والكيفية، ويمكنك كذلك محاولة استكشاف أسبابها.
إجمالا – هذه ظاهرة لاتعرفها النظم الديمقراطية، لأن هناك فصل كامل بين الوظائف المدنية الحكومية وتلك العسكرية، ولكن هناك اهتمام كبير في الغرب حول مسألة توطين العسكريين السابقين (تبعا لسياسات التقاعد المبكر والوفرة الوظيفية) في وظائف مدنية، ولكنها كلها في القطاع الخاص.
هل توطين القيادات العسكرية السابقة في وظائف رئيسة في الشركات هنا في الغرب – وهي ظاهرة فعلا – مرتبط فقط بكفاءتها؟ بالتأكيد لا، فيه شق من (تسليك) غير رسمي تبعا لطبيعة المجمع الصناعي العسكري، أو حتى التقارب بين قطاع الأعمال والدولة بشكل أوسع، أو حتى وسيلة دعائية استفادة من الرصيد (الوطني) لتلك القيادات.. ولكنه ليس توطين (رسمي) بالطبع، وهناك معايير قانونية وديمقراطية كحد أدني مراعاة.
طبعا إسرائيل بطبيعة الحال – حالة خاصة – بسبب نظام الاحتياط الذي يشمل تقريبا المجتمع بأكمله – مع استثناءات قليلة – (حتى سن 45 على الأقل) ووجود نظامين للضباط (في الخدمة – واحتياط ,
وصولا لرتبة جنرال) وهذه الثنائية تسمح بوجود كثير من العسكريين ممن ليسوا في الخدمة النشطة في وظائف مدنية وحتى سياسية ، وبالطبع فحركتهم وتأهيلهم المدني تبقى مستمرة مع بعض التقطعات تبعا للنشاط العسكري ولهذا فلايمكن اعتبارهم (عسكريين في مقابل مدنيين – بل هم مدنيون تمت عسكرتهم كوضع المجتمع إجمالا).. فهي حالة مختلفة من جميع النواحي
—————–
بخصوص المصادر: تناول الأمر سام فاينر بشكل موجز في
The Man on the Hourseback
وفيه ميز بين قدرة العسكريين عموما على إنجاز بعض المهام المدنية في نظام اقتصادي وحوكمي غير معقد لمزايا الضبط والقدرة على الإنجاز، وبين عجز العسكريين بشكل إجمالي على إدارة ملفات اقتصادية وتنموية معقدة، أو تلك التي تحتاج لبناء توافقات اجتماعية وتطوير رؤى استراتيجية وتنسيق هيكليات لامركزية.
أيضا في الحالة الإسرائيلية هناك دراسة أو اثنتين – فيما يتعلق بتولي العسكريين السابقين لمناصب في المؤسسات التصنيعية العسكرية (هي لاتعتبر مناصب تنفيذية بشكل دقيق لأنها لم تتبع الحكومة بشكل كامل إلا في رأسها الإداري،ـ ولكن إما تابعة للهستدروت ثم تم تخصيص بعضها)
هناك أيضا دراسة أو اثنتين عن العسكريين السابقين في المجمع الصناعي العسكري الغربي، وشركات الأمن الخاصة (كبلاك ووتر)
هناك وفرة نسبية في الدراسات عن تأثير تولي العسكريين (سواء هيمنة المؤسسة، أو كونهم عسكريين سابقين) في السياسات الدفاعية والأمن القومي..
مثلا –
في الأغلب كانحيازات>> مثلا
Generals in the Cabinet War, Yoram Peri
The Ideology of the Offensive: Military Decision Making and the Disasters of 1914, Jack Snyder
بخصوص الأثر في الكفاءة – فهناك دراسة تناولت الأمر بشكل محدود
Shaping strategy, Risa Brooks
لكني طبعا تناولت الأمر بتفصيل في دراستي للدكتوراة (مرفقة) – سواء في التأسيس النظري، أو في تطبيق على الحالة المصرية والعربية في الحروب مع إسرائيل.. وما خلصت له أن هناك معطيات وظيفية لابد من تحققها للكفاءة المؤسسية في صنع الاستراتيجية (بالأخص العسكرية)، وفي الأغلب لايمكن ذلك بدون نسق ديمقراطي لأنها فضلا عن معايير الشفافية والكفاءة والفعالية فهي (تتيح تبادل المعلومات بين الأطراف المؤسسية وفتح مساحة التفكير النقدي في استشراف الخيارات وتقليبها وأيضا غلبة الشق السياسي على العسكري في وضع الاستراتيجية مع وجود قوام معتبر للثاني أيضا)، ولكنه لوحده لايكفي لأن هناك عوامل نظرية وتطبيقية غير العنصر المؤسسي في إدارة ظاهرة الحرب، كما أن هناك أنساق مغايرة في العلاقات ومستوى الدمقرطة قد تنتج هذه المعطيات الوظيفية تبعا لشروط معينة وأنواع معينة من الصراع، وحينها تجد نظام غير ديمقراطي بل حتى ثيوقراطي أو شمولي ولكن حقق كفاءة دفاعية وعسكرية.
—————————-
نأتي للنقطة الهامة: الحالة الخاصة بمصر في تولي العسكريين السابقين للمناصب الحكومية:
(بالمناسبة – لاتنسى دراسة أحمد البيلي عن الصفوة العسكرية، وفيها تتبع جذور هذا الوضع بعد 1952، ولكنه طبعا متحيز لصالحه)
رأيي بإيجاز سريع في الأسئلة الأساسية:
1- هل هي ظاهرة؟ بالطبع وبالفعل ترجع جذورها ل 1952، ولكن حجمها وكيفيتها اختلفت على حسب المرحلة، تبعا لاختلاف المنطق السياسي والوظيفي وراء الظاهرة.
2- ماهو المنطق؟ تبعا لشكل العلاقات المدنية العسكرية للنظام السياسي إجمالا:
فما بعد 1952، كان الجيش بالفعل أداة للسيطرة السياسية والحكومية، فشهد انفلاتا في الظاهرة بمجرد تشكلها
ولكن مع أواخر الخمسينات حاول عبدالناصر إدخال طبقة تكنوقراط مدني، تبعا لنظرته في المصلحة العامة، وكذلك بسبب بدء التنافس بين نظامه ومؤسسة الجيش (تحت عامر) خصوصا مابعد 62
ولاحظ في كل ماسبق – أننا نحكي عن عسكريين (في الخدمة)
هذه الحالة تم القضاء عليها تماما بعد 67، ولكن كان هناك طبعا عسكريين سابقين (تقاعدوا على كبر) في مهام سياسة خارجية تبعا لقاعدة الولاء والثقة.
لكن الحالة الخاصة التي تحكي عنها لم تتسع إلا بعد حرب 73 وتحديدا مع أواخر السبعينات – تبعا للتغير الكبير ليس فقط في دور المؤسسة العسكرية ومايلتحق بذلك من التوسع في نظام التقاعد وتقليل الاحتياط خصوصا مع اشتراطات معاهدة 79، ولكن لتغير طبيعة العلاقات المدنية العسكرية ذاتها.
في نظام السادات ومبارك – المؤسسة العسكرية تم تنحيتها بشكل كبير عن الشأن السياسي المدني، مع حزمة مقايضة تضمن ولاءها وكذلك تمرير التغير الكبير في توجه النظام الخارجي والدفاعي:
ميزانية ضخمة ليس عليها رقابة، الدعم العسكري الأمريكي، وكذلك: كوتة في البناء الحكومي والمحلي للعسكريين السابقين.
فهذا يُسهل قبول المؤسسة العسكرية بنظام الإحالة للتقاعد (الذي توسع فيه مبارك حتى وعدل تشريعاته أكثر من مرة، لإتمام السيطرة على الكادر الأعلى العسكري)، وفي ذات الوقت يضمن ملء الخزانة الإدارية بأهل ثقة للنظام ومنسجم مع طبيعته الإدارية أيضا، وربما أيضا بعض تصور ساذج عن الضبط الإداري.
3- الوضع الآن فيه بعض الاختلاف، ليس فقط في النسبة (احتياج أكبر لأهل ثقة) ، ولكن أيضا في النوع (تصور السيسي عن كفاءة العسكريين خصوصا مع تصوره عن انهيار النخبة المدنية وعدم قدرتها على الوفاء بتعهداته في التنمية والأمن)
4- بخصوص الانحياز : فلا أرى هناك موضع كبير لهذا الأمر، في نظامي مبارك والسادات كانت المؤسسة بطبيعتها بعيدة عن تطوير انحيازات وتدخلات كبيرة في الشأن المدني، عدا ماتم تخصيصه لها من قبل النظام السياسي في حزمتها الاقتصادية..
وحين بدأت مخاوف من تغير هذه المعادلة مع مجموعة جمال والتوريث، كان هذا من أهم دوافع سلوك المؤسسة مع 25 يناير.
والآن – هناك تلاحم كبير بين المؤسسة والسيسي كممثل لنظام الحكم، ولهذا فليست لها انحيازات مستقلة.
5- أما في الكفاءة – فنحن نحكي عن نوعين من الكفاءة التي أشار لها سام فاينر:
الكفاءة في المهام الحكومية والتنموية غير المعقدة، وأنا أختلف معه في افتراض النجاح فيها بشكل مطلق، لأن هذا يرتبط بالخبرة الثقافية والإدارية داخل المؤسسة العسكرية ذاتها، ومدى شيوع جوانب الضبط أو الترهل وتحريم الفساد فيها.
والكفاءة في المهام المعقدة، أو في وضع سياسي وتنموية يحتاج لاستراتيجيات جذرية في الإصلاح والحوكمة (كما هو وضع مصر حاليا)، وهذا بالتأكيد أتفق معه فيه.
——————————————–
كانت لي محاضرة في 2013 ألقيتها لاثنين من محافظي الإخوان وأطقمهما (الإخوانية طبعا :)) أثناء زيارتي للصعيد – عن إشكالية العلاقة بين الإصلاح الإداري وتعديل الهيكلة، ومقتضيات صنع السياسة العامة ، وبين التحول السياسي وإشكالات المسار السياسي.
وهذا يؤكد نقطة في مستوى البحث:
لو بلد تحتاج تحول سياسي كبير مثلا، فمستوى التحليل المقتصر على الهيكل الإداري أو السياسات التفصيلية، لاينبغي أن نربط به أثر كبير في تغيير الوضع العام (أحكي كعلاقة سببية في وضع نظرية، أو في التطبيق).
وهذا مالم يستوعبه كثير من قيادات الإخوان في 2012-13، وأشرت له في محاضرتي سالفة الذكر: أنه حتى لو افترضنا وجود قدرة ما (فنية وإدارية) على تطوير منجزات في ملفات الإدارة والسياسات التفصيلية في دولاب الدولة (وهو كان غير حاصل بالطبع ولم تكن موجودة أدنى شروطه) فهناك مقتضيات للتحول السياسي شديدة الإلحاح وغيابها يهدم المسار بأكمله.
وهذا لم يكن فقط العلاقة مع المؤسسة العسكرية وتوقعي لتدخلها والمسائل الهامة كدستور منحاز ووجود رغبة في تسييس القضاء أو مؤسسات الشرطة والجيش والالتباس السياسي والقانوني في وضعية الجماعة، ولكن مأزق إعادة الهيكلة لتحقيق الإنجاز (وهو مايتجاوز حدود التفويض السياسي وفي الأغلب لايمتلك فصيل مقوماتها الفنية) وفي نفس الوقت منع التسييس أثناء هذه العملية، وكذلك ضرورة اتخاذ سياسات عامة جذرية بما يؤدي مباشرة لمقاومة عنيفة إدارية ولبعض القطاعات الشعبية لها، أو التباطؤ في تغييرها فيؤدي لارتفاع السخط الشعبي العام لغياب الإنجاز.. وكلا النقطتين يفرضان – من وجهة نظر السياسة العامة والإدارة وليس فقط السياسة- تحالف وطني موسع في مراحل التحول الديمقراطي.
وهذه العلاقة المتأزمة بين مستوى الإدارة وصنع السياسة العامة والاتجاه السياسي للدولة ,واضحة أيضا في مرحلة السيسي، ليس فقط لمشكلة قصور النظر العسكري في استيعاب ضرورة الإصلاح السياسي وتحقيق وئام مجتمعي لتطوير سياسات تنموية ناجحة و(عادلة) وحصول قبول شعبي لها وإعادة هيكلة المؤسسات أو مشكلة العدالة الانتقالية الغائبة مع صنع فواتير جديدة بسبب انتهاكات الجهاز الأمني،ولكن أيضا بسبب مأزق السيسي في اللجوء للعسكري أم السياسي في الملفات المختلفة (وهنا العسكري مؤسسة وليس فرد سابق كما يهتم بحثك، إلا لو اعتبرنا حالة السيسي نفسه كرئيس جمهوية أكثر دلالة للتأكيد على موضوعنا، مع أنه منصب سياسي وليس المفروض إداري)).
–
أشرت لهذا في ورقتي الأخيرة في الجامعة الأمريكية.