قراءات استراتيجية
حول جزيرة تيران – 1
17-5-2016
حوار حول جزيرة تيران والتنازل المصري عنها – وصنافير – للسعودية
– طبعا ماحصل تنازل عن السيادة، لأن الجزيرتين خاضعتان للسيادة المصرية، ومعترف بهما دوليا على هدا النحو.. بغض النظر عن الفصل في الأصل التاريخي أو مراجعة الحدود البحرية.. وبالتأكيد – يقتضي الأمر دستوريا عمل استفتاء شعبي
– موضوع الأحقية في الجزيرتين أمر معقد فعلا، لأنه قبل تنازل السعودية عنهما في 1950 – كانتا غير مأهولتين لقرون، وكان هناك نزاع خفيف جدا بين السعودية بعد نشأتها في 1932 والملك فاروق عن الأحقية في الجزيرتين..
طبعا اتفاقية 1906 جمعت لأول مرة سيناء لمصر، فيُفهم من هدا ضمنا تبعية الجزيرتين لسيناء.
قبل 1906، كانت السيطرة المصرية – تبعا للخرائط والعقد العثماني – خصوصا بعد انحسار حملات محمد علي واتفاقية لندن 1840 -=- محصورة بالشمال الغربي لسيناء، ولكن بريطانيا – تبعا لرغبتها في تأمين قناة السويس بترحيل العثمانيين لأقصى مسافة ممكنة مابعد العقبة. ولكن التفاهم حصل بجعل الحد الجنوبي الشرقي عند رأس طابا.
بالمناسبة – أم الرشراش لم تكن تابعة لنا في تلك الاتفاقية (التي مثلت أهم الأسس القانونية في قرار التقسيم، وهدنة 49، ومفاوضات اتفاقية السلام، وتحكيم طابا) ولكن سمح السلطان العثماني عبر فرمان للقوة المصرية بالتواجد فيها والسيطرة عليها.
والدولة العثمانية – حتى سقوطها – كانت تعتبر الاتفاقية أصلا عبارة عن حدود داخلية بين الولايات..
القضية – كما هو واضح – من الإرث البغيض للاستعمار الدي غادر وترك لنا عشرات الفخاخ لأزمات على الحدود.
فلايوجد الحقيقة أي وثيقة تنص بوضوح على تبعية الجزيرتين لأي من الدولتين، ولكن هدا لايعني أنهما بفعل الأمر الواقع والقانون الدولي ليستا خاضعتين للسيادة المصرية كما أسلفت..
ولامانع طبعا من مراجعة أي مطالب وفرضيات عن الحق السعودي، ولكن وفق آليات وتدقيق، وحساب للجوانب الدفاعية والسياسية المشتركة ولكل من الطرفين، ثم يأتي التصديق الدستوري.
فالموضوع أكبر وأهم من احتساب نقطة للاستهلاك المحلي السعودي، واستغلال ضيق اليد المصرية.
– موضوع حساب موضع الجزيرتين تبعا للمياه الإقليمية؟ لن يفرق كثيرا
بطبيعة الحال – لو الجزيرتين أو أحدهما تابعة لمصر أو السعودية فما يفصل بينها والدولة الأم هو (مياه داخلية) ولكن باستثناء أنه ينطبق عليها (حرية العبور الآمن) الشرط الموجود في المياه الإقليمية..
المياه الإقليمية حوالي 12 ميل بحري، ولكن عمق المضيق حوالي 13 كم، وفي تلك الحالة يتم تنصيف المسافة بين الطرفين.
صحيح – أنه يمكن قياس أي الجزيرتين أقرب ل(خط الأساس) (أو داخلة بشكل أكبر) في حصة المياه الإقليمية.. ولكن هدا شغل مدارس، الأفضل هو حساب الجدوى السياسية والدفاعية.
– هل خروج الجزيرتين سيؤثر على الوضع الدفاعي في مضيق تيران؟
كناحية تكتيكية.. نعم، ولكن ليس كثيرا
في الأصل سيطرة النيران على المضيق (مساحة أقل من 6 كم) تأتي من المفارز والمدفعية بشرم الشيخ، ولكن بالتأكيد تمركز عسكري في الجزيرتين سيزيد من تطويق النيران، ويساعد على توسيع مدى عمليات الكوماندوز البحري.. الأسوأ تكتيكيا (وحتى استراتيجيا) هو خسارة الجزيرتين لصالح الإسرائيلي – خصوصا في ظل سيطرته الجوية.
(طبعا نحن نحكي في الخيال، لأنه لاتوجد قوات عسكرية في تلك النقاط لأنها جزء من المنطق ج، ولكن باعتبار حال الحرب!)
كناحية استراتيجية سيؤثر من ناحية، لأن وجود طرف آخر (حتى لو السعودية) يشارك مصر في القرار السيادي على المضيق (هدا بالتأكيد سيحصل) فسيضعف من مرونة القرار السياسي بالشأن الدفاعي، أو يحمله فواتير لايرى أهميتها أو مصلحيتها (إيران؟)
ولكن من ناحية الجدوى الاستراتيجية (بمعنى القدرة على غلق المضيق عسكريا كحصار بحري، أو القيام بمهام بحرية دفاعية أو هجومية) فلا أعتقد – للمفاجأة أن الأمر سيفرق كثيرا في ظل السيطرة الجوية الإسرائيلية.
وتلك النقطة بالتحديد – هي مادفعت المصري للبحث عن بديل استراتيجي وتكتيكي في الحصار البحري على إسرائيل في حرب أكتوبر، بغلق باب المندب، وكان هدا ضرب لأحد أهم ( فرضيات الأمن الإسرائيلي التي قامت في 1967 ومابعدها)
للأسف – حتى هدا البديل غير متاح الآن بنفس الدرجة، في وجود ف 35، والدولفين، والتواجد الإسرائيلي في القرن الأفريقي.
– موقف السعودية
ماسيؤثر بشكل سلبي، هو على السعودية ربما، لأنه سيجعلها بالفعل في تماس مع الملاحة الإسرائيلية، وفي أي مشكلة مقبلة (مستبعدة حاليا) – أي تعنتها مع المطالب المصرية، سيمثل سحبا من شرعية النظام.
لاأعتقد أن الأمر سيزيد من وتيرة التطبيع.. هناك بالفعل علاقات مباشرة (سرية) مع الإسرائيلي، وبين الأخير ودول الخليج عموما كقطر والإمارات – من سنين.
والأمر حتى سبق المبادرة العربية.
كنت في مؤتمر أمس – للمصادفة -في المعهد الملكي للقوات المتحدة وحاضر فيه رئيسا الموساد والشاباك السابقين (إفرايم هليفي، وأمي إيالون – صاحب خطة أيالون/سري نسيبة لمباديء السلام ).. والحقيقة أفاضا في شرح طبيعة العلاقات الإسرائيلية الخليجية بالتحديد .. ولاأعتقد أن موضوع الجزيرتين سيقوي من تلك العلاقات (لأن دواعيها استراتيجية للطرفين وأخطر)، ولا سيحولها للعلنية (في ظل عدم القبول بالمبادرة العربية حفظا لماء الوجه وشرعية النظام الداخلية، والتي كانت نقلة تنازلية عن رفض الاعتراف السعودي بإسرائيل كمسألة مبدية).
الخلاصة
دون الهري في مسألة الحق التاريخي، لأنه لايمكن حسمه، المشكلة الحقيقية هي في تسليم الجزيرتين هكدا مع أنهما جزء من السيادة الوطنية كأنها عزبة أبوه!، ودون شفافية ولجان دراسات موضوعية للجدوى الاستراتيجية والاقتصادية، وبالتأكيد استفتاء شعبي..
وأعتقد بحساب الجدوى، فوجودها مطلوب تحت السيادة المصرية، ولكن بصراحة ليست جدوى هائلة
not game changer