Scroll Top
16-6-2016
حوار حول حراكات بعض القيادات الإصلاحية في الإخوان لتطوير مؤسسي وتفعيل دورها السياسي في ذات المسار
السابق، وفيه أعرض بإيجاز حدود خلافي حتى مع تلك النزعة التطويرية في الإخوان :
———————————————————-
الحقيقة أن حجم الخلاف بيني والمطروح هو جذري سواء في مساحة الأفكار الحاكمة، والرؤية الاستراتيجية وسبكها، وتقديرات الواقع، مرورا بالمنحي النفسي والخطابي.
 
 
ولا أعتقد أن التحريك الإيماني والعاطفي – خصوصا إذا تلبس بتفخيم للذات الجماعية ودورها القائم والممكن – مفيد في حد ذاته، فضلا أن يكون بديلا عن سلامة الأفكار والرؤى والاستراتيجيات والتجرد الأخلاقي.
 
 
 
ولاأحب الحقيقة التفصيل في نقاط الاختلاف دفعا للحرج، ولكن سأكتفي بإشارات سريعة.  وعساها تكون آخر الأحزان
 
وأشير بداية أني لاأشعر فارقا كبيرا بين ماهو مطروح وبين ماطُرح في الثلاثة الأعوام السابقة في مساحة الفعل السياسي الإخواني وأهدافه التصورات حياله وجدواه (بالرغم من أنه فشل سابقا، ولم يحافظ حتى على ديمومته) ، وحتى بين ماهو سائد بشكل أساسي في فكر جماعة الإخوان وطريقة النظر داخلها وإليها طيلة العقود السابقة.
 
 
ولا أرتاح لأي محاولة خططية من داخل الجماعة ولها وترى مركزيتها في المشروع الرسالي والوطني (بذات الميراث الثقيل الذي أراه أهم أسباب التعثر)، وأعتقد أن الرسالة على هذا النحو جاءت للعنوان الخطأ.
 
 
وعموما – ربما لو ابتدأ الناظرون – سواء كتأسيس فكري للمسار، أو وضع بوصلة تطبيقية واستراتيجية  للحراكات الرسالية والوطنية المطلوبة – بقضية الدين والأمة والوطن (الثابت)، وليس تماسك الجماعة وتمكينها .. ثم تم الانتقال بعد ذلك  لمراجعة وتجديد في كل الخيارات والبنى والرؤى (المتغير) – بما يشمل كل ماله علاقة بجماعة الإخوان – لكانت الثمرة أفضل كثيرا.
                                                                            ******
 
 هناك ملاحظات فاقعة سواء في جانب الأفكار (مثلا مسألة التمكين التي يتخيلها الإخوان أنها السيطرة على الدولة، وهل هذا يتفق مع  أي نسق ديمقراطي أو حتى الحس الإسلامي ومقصوده في بناء النظام السياسي والاجتماعي؟! – أو بالأصل تثبيت الجماعة كعنوان ومادة لحركة الدين والوطن والحكم على أي مسارات حركية بديلة – ومتدافعة – بأنها تهديد دون فحص جدواها الرسالية والوطنية)ـ 
                                                                                *****
 
وفي جانب السبك  الاستراتيجي :
الخلط بين الأهداف والاستراتيجية، 
ووضع خيارات استراتيجية – أو شبه خيارات – في معزل عن ترجيح السيناريوهات والقدرات المتاحة، 
أو تخيل أن فكرة إنهاك وإرباك النظام التي سيطرت على حراك الإخوان منذ يوليو 2013 هي مركز الثقل للحراك السياسي المطلوب  دون الانتباه أن النظام بدأ يفقد من هالته وقاعدته فقط حين خفت حراك الإخوان لدرجة الاختفاء! وأنه كان يعتاش ويصنع هالته من هذا الحراك بشكل أساس، 
وأن مركز الثقل هو تكوّن بديل سياسي وقاعدة شعبية على المستوى الوطني، تستفيد وتتدافع مع كل سيناريوهات وضع النظام وقدرته،
وأن البديل الوطني والسياسي ذاك يقتضي مراجعات جذرية من  الجميع خصوصا الإسلاميين وخروج الإخوان – كجماعة لا أفراد – من المشهد السياسي تماما بغض النظر عن الاستراتيجية المختارة في هذا المشهد)
 
وطبعا – المسألة التي تؤكدون عليها هي موضوع (تحالف دعم الشرعية) مع فقدان صلاحيته السياسية والتنظيمية وتناسي كونه فعلا مجرد أداة هزيلة في يد الجماعة، وبالأساس مسألة مرسي وعودة الجماعة للسلطة السياسية مع شبه استحالتها وفي ذات الوقت تفخيخها حتى لحراك الإخوان سابقا وتأثيرها على جدواه واستمراريته – بغض النظر على مدى الاتفاق حول أهدافه ومسلكه وقيادته.
 
 الشيء الجيد الذي يثيره التفكير الجديد هذا – ولكن لم يلتفت لآثاره ولوازمه – هوأنه تلمّس الخيارات الاسترايجية (ولكن يضعها بشكل سيناريوهات لتطور وضع النظام في خانتي النجاح والفشل – وهذا سبب مهم للقصور في السبك الاستراتيجي)، صحيح أن هذه الخيارات جزء كبير في تشكلها هو نتاج التقابل بين موقف الحالة الوطنية ووضع النظام ووضع الحال الشعبي – بالأساس تبعا للنتائج الاقتصادية والسياسية والأمنية، 
ولكن من المنظور الاستراتيجي: المُضي في كل حالة يعتمد بشكل كبير على توفر الموارد وقبلها (الخيار الاستراتيجي نفسه) للمضي في هذا أو ذات تبعا لاستشراف تقابل القدرة والتطورات. وعلى هذا مثلا فاستدعاء حالة (الثورة)  – ومن أول يوم! – دون توفر مقوماتها هو مأزق استراتيجي كبير وتناقض اضطر أي محاولة تطويرية من داخل الجماعة لمتابعة الوقوع فيه – بوعي أو بدون.
                                                              *****
وفي مسألة العنف والإرهاب تحديدا (وهي ليست فقط مسألة ذات خطر استراتيجي عام، ولكنها في صلب الخلاف والتفتت الداخلي عند الإخوان) فالقضية شائكة.. لايُنتظر من أي تصور خططي أن يُفصل فيها، ولكن كان مهم بالإضافة للإشارة على السلمية (الفاعلة!) – وهذا شيء محمود – تناول موجز لمخاطره الاستراتيجية.
لكن مواجهته للأسف تقتضي فك ميراث ثقيل، يصعب على قيادة الجماعة التاريخية دفع ثمنه .
المشكلة لم تكن فقط في التكييفات الشرعية السقيمة والمستدعاة، أو أوهام الجدوى الاستراتيجية، أو حتى التدحرج من السلمية (الفاعلة تلك!) للقصاص ثم أبعاد أوسع وهلاوس حرب العصابات والثورة المسلحة عند الشباب- مع موقف لاأخلاقي من مسألة الإرهاب منذ البداية، ولكن في فاتورة دم واضطهاد ضخمة ماثلة أمام أعين الشباب ولايمكن ترشيد آثارها بدون تحمل القيادات  لتبعات في ما مضى ممابالتالي سيحكم على حظوظها المستقبلية في استمرارها كقيادة!
                                                        ******
 
ومع كل ماسبق..
المشكلة التي أدركها، وتقلل كثيرا من أهمية تناول ماسبق على التفصيل، أن المراجعات لابد وأن تسبق التطوير، ولكنها تقتضي نزوعا نفسيا بعينه، (أشبه بتعريف ابن القيم لحال اليقظة في المدارج)، ومقدمات معرفية ومواد تجريبية لابد من توفرها. 
ويصعب علينا – جميعا – أن نُعرّض بسلاسة فرضيات (اعتبرناها بحكم تقادم العهد وإدخالها في نظرتنا الدينية وسعينا الإيماني والتعبدي ودائرتنا الاجتماعية والعاطفية – ثوابت وقواطع) لمشرط الفحص والنقد والنقض والاستبدال!
 
 
———————-
مسألة أخرى – أراها طريفة وهي قريبة من تخصصي – وهي نموذج اتخاذ القرار الذي وضعه العقيد جون بويد
OODA loop
هناك مبالغة واعتساف في اعتماد أي مادة خططية عليه.
 
المبدأ اشتقه صاحبه بالأساس كوصفة لاتخاذ القرار التكتيكي في العمليات الجوية، ثم تم توسعته عن طريق بعض منظري القوة الجوية – أهمهم جون واردن – ليكون أداة حسم استراتيجي عن طريق القوة الجوية عبر استهداف منهجية اتخاذ القرار عند الخصم على المستوى الاستراتيجي.
لكن هناك مآخذ عديدة وجوهرية من الكثيرين، ليس فقط انتقادهم على تسويق جدوى القوة الجوية عبر المفهوم، ولكن الأهم اختزال المعادلة الاستراتيجية وحتى العملياتية للحرب في هكذا أسلوب، وتشي التجارب العديدة أن القضية الاستراتيجية أوسع من هذا وتأخذ مسارات استراتيجية واحتمالات أعقد.
 
بل حتى في اعتباره نموذج لاتخاذ القرار وليس وصفة استراتيجية – فيه قصور شديد أيضا.. على المستوى التكتيكي يكون عند متخذ القرار بيئة محدودة واحتمالات قليلة للفعل ورد الفعل، وهو كذلك يتحرك بقواعد اشتباك ونحو أهداف تكتيكية (مادية) محددة، ولكن على المستوى الاستراتيجية ترد كل أشكال التعقيد: الآثار الاستراتيجية في أغلبها غير مادية يصعب إدراكها أحيانا وتوصيفها غالبا والتعبير عنها كميا دائما، الخيارات الاستراتيجية ليست ثابتة وتتغير بشكل مفاجيء تبعا لتطورات غير متوقعة غالبا، بمعنى لايوجد (دوكترين) أو
Know how 
كما الحال في بيئة التكتيك وحتى العمليات
 ثم البيئة الاستراتيجية تتحرك فيها عوامل كثيرة، والخيارات الاستراتيجية بالأساس تتأثر بشكل كبير بفرضيات فكرية وأيديولوجية إيجابية أو سلبية، وبنوازع نفسية عميقة مُسهلة أو صادة.
 
ومن هاتين النقطتين، يتعزز ماذكرته سابقا سواء فيما يتعلق الخيارات الاستراتيجية في الحالة المصرية في مسألة انهاك النظام والتأثير على اتخاذه للقرار، أو ضرورة المراجعات الفكرية والنفسية قبل الدخول في ديناميكيات اتخاذ القرار وتطويره عند أي جماعة أو مؤسسة.
 
———————————————–
أخيرا – كل ماسبق لاينفي إطلاقا دعائي للجميع بصدق المقصد والتوفيق والرشاد في أي مسعى، وأن يلهمنا الله مثله