Scroll Top

03-01-2016

بعثها لي صديق إخواني، وبالأسفل تعقيبي ومناقشتي لها

 

قرأت ملخص الدراسة، والفكرة الأساسية في الفصل بين الوظائف الحركية والرسالية مهمة بالطبع وسليمة، كذلك أطروحة ثلاثية (الوعي والثورة والسياسة) أجادوا التعبير عنها وعن ضرورة الفصل بينها.. ولكن هناك ثلاث ملاحظات جوهرية الحقيقة:
 
أولا – أن الصيغة المطروحة لاتمثل فصلا على الحقيقة، وكثيرا مايتم التحايل عليها مادام الجميع تحت مظلة قيادية واحدة، بل هذا من طبائع التنظيم والسياسة والسلطة. مثلا تجربة الأردن. وعلاقة الإخوان بحماس ليس كما يتصور، ولكن حماس ابتلعت جماعة الإخوان بفلسطين، وهي تابعة إداريا وماليا للتنظيم الدولي عبر مجلس المستشار، وإن كان هذا المجلس والتنظيم الدولي لايُسيّرون حماس على الحقيقة، فهذا لايعني أنهم لم يحاولوا. 
الحقيقة أنهم حاولوا كثيرا، وفشلوا في أغلب الأحيان (منها محاولة كنت بنفسي شاهدا عليها لإقناع حماس بشروط الرباعية قبل الربيع العربي لتحسين شروط التفاوض الإقليمي مع الغرب)، ونجحوا في أقلها وكانت نتيجة شبه كارثية – وهي المحاولة التي صاحبت الربيع العربي وتم إغراء حماس بالانحياز لفكرة الشرق الأوسط الإخواني وترك خطوط تحالفاتها السابقة – وكذلك محاذيرها في التعامل مع دول الطوق وخصوصا مصر – حتى عاد المسار لسابقه مع جروح لاتندمل بسهولة. 
كما أن خصوصية حالة حماس التي تمنع وتُزهّد في الاندماج التنظيمي الكامل لايُقاس عليها كذلك (العزلة الجغرافية، حالة الاحتلال والمقاومة – وفيها مايُعتبر غربيا كإرهاب).
 

الخلاصة – أن الفصل بين الوظائف يقتضي فصلا كليا في التنظيم والإدارة ومساحة الانشغال والخطاب، وتبقى للحركات الإسلامية وظيفة صيانة البعد الرسالي (في عمومياته وقطعياته) والأخلاقي والتربوي، أما ممارسة السياسة فهي تُترك لاجتهاد المجاميع المختلفة. هناك صيغة أخرى – كنت أراها شبه مقبولة، وهي لاتشترط الفصل الكامل، ولكن أن تسمح الحركة الإسلامية لأبنائها بتأسيس تجارب حزبية مختلفة وكان في هذا مظنة منع تغلب الحظوظ الحزبية واحتكارها للمسار الدعوي أو العكس.

 
ثانيا- بصراحة شديدة، هذه الصيغة أصبحت إمكانات الواقع متجاوزة لها زمنيا بشكل كبير.
بمعنى – ربما فكرة الإطار الاستراتيجي الجامع لمستويات الفعل الثوري والدعوي والسياسي كانت مقبولة ماقبل ثورة يناير، وأرفقت لك ورقة (المرجعية) مثلا)، وكان هذا ماانتهيت إليه في 2010، أن تدشن الإخوان حركة شبابية ثورية وترتبط بها فقط في التغذية الرسالية، بحيث تشترك مع القوى الوطنية الأخرى في أي عمل ثوري أو شعبي قريب دون أن تنزل الجماعة بنفسها في ذلك – وكان من أهم مايدفعني لذلك – ليس فقط النظر الاستراتيجي، ولكن تصوري حينها لمسألة المرجعية الإسلامية والشرعية السياسية (والذي حصل فيه بعض التطور مع الوقت خصوصا بعد يناير)، وطرق بنائها وتوليدها مجتمعيا.
 
ثم بعد الثورة مباشرة، ضاق الخيار أمام الإخوان، فلم يكن ممكنا أمامها غير مطلق الفصل، والتركيز على النشاط الدعوي والتربوي، وكذلك توفير معطيات مجتمعية ورسالية مطلوبة للبعد السياسي الوطني، وليس التنافس على السلطة.
 
وكان قطاع معتبر في قيادة الإخوان – خصوصا الإصلاحية – مقتنع بمسألتين: تقنين الجماعة، والفصل الكامل بينها وبين أي نشاط حزبي..
إلى أن عاد القائد المظفر من غيبته الصغرى، ودلس على الجميع – وخصوصا الشباب – بأن خدعهم ب(التطوير) في البرامج عن (المراجعات والتجديد) في الأفكار والرؤى البنى واللوائح والاستراتيجيات، وكان يعقد مؤتمرات يحضرها عشرات الألوف، ثم انتهى كل ذلك لصفير البلبل، لأن الغرض منه كان تفويت لحظة الاستفاقة – لاغير.
وبالطبع – نظّر ونفذ – إحكام السيطرة الكاملة على النشاط الحزبي، بل الحقيقة أنه مع الوقت احتكر نشاط الجماعة كله للعمل السلطوي، وفي ذات الوقت ضاع الحزب نفسه ككيان ومساحة عمل. 
كما أنه نقل مشكلات التقنين والعلاقة مع الدولة الوطنية لمستوى سيء جدا، واحتراف التفاوضات والصفقات مع كل الأطراف بشكل لايستقيم تحت أي عنوان أخلاقي أو قانوني أو حتى مصلحي.
 
أما لماذا حتى الصيغة السابقة لايقبلها الواقع الآن، لأن الإخوان (أو ماتبقى منها، ومايعبر عنها من خليط غير متجانس) تصاحبها الآن مشكلات جسيمة – ليس فقط في تفويت المراجعات الجذرية التي تأخرت سنينا، ولكن: انحسار القاعدة الشعبية، وحرق المخزون الدعوي والتربوي والسلوكي والخيري في مقامرة السلطة، والتكفير والنزوع للعنف المسلح، والانشقاقات الحالية وكذلك القابلية للتشظي عند أي محاولة جادة لمراجعة المسار السابق وظهور حقائقه.
 
ربما أقول – أن فترة من الزمن يحتاجها قطاعات فيها خير من الإخوان ( وليس مراجعة يقوم بها تنظيم لأنه لايريد ولايملك وغير مؤهل) – مع غيرهم – لتقوم بمراجعات وسياحات فكرية ورؤية وعلى مستوى التربية والسلوك والنظرة للتاريخ، بحيث تنتج أطرا جديدا على مستوى العمل الدعوي والاجتماعي والتربوي تحديدا..
 
وقل مثل هذا على مستوى الحراك السياسي أيضا – ولكن بشكل مستقل تماما.
والاستفادة من تراكم إفلاسات الواقع السياسي الحالي، وتنامي تدريجي للاحتقان الشعبي، مع انتهاز الفرصة لتقديم بديل سياسي في لحظات مفصلية مقبلة – وهذا الأهم.
 
 الوضع الحالي، فحتى إعادة هبوط الإخوان و اقتصارها على المجال الدعوي والتربوي الصرف، يحتاج لفترة نقاهة ومصالحة ذاتية – مع تجديد فكري وأخلاقي – ومجتمعية.. على افتراض أن الحركة اجتازت مشكلات التشقق، والتفكير والعنف دون خسائر مهلكة لبنيتها وبقية رصيدها
 
ثالثا – وهو الأهم – حين نحكي عن الخيارات الاستراتيجية للقضية الوطنية والرسالية ثم موضعة الحركة الإخوانية (أو أي حركة) فيها، فهي مبنية أولا على تصوراتنا بخصوص الرؤية الفكرية الرسالية ، وكذلك على الفرضيات الاستراتيجية وحدودها ثانيا. 
بمعنى – ثلاثية (الوعي – السياسة – الثورة) أراها غير ملائمة لا للتصور الفكري الرشيد، ولا للفرضيات الاستراتيجية المقبلة للواقع المصري تحديدا.
 

جانب الوعي – بمعنى إنتاجه وتجديده – في الأغلب ليس من فعل جماعات، ولكن نُخب فكرية تجديدية – قد تستفيد بتجربة الحركات (دعما ومكابدة ودرسا) ولكن هناك جدلية سننية دائمة (المفكر والحركة). الحركات تسعى للتأطير الفكري والنفسي والتطبيقي، و(محافظتها) هو سر بقائها – كما يتصور قياديوها في الأغلب. أما التجديد الفكري والبعث الحضاري، فهو انتفاضات وارتيادات في مساحات الوعي والفكر والأنسنة بطبيعتها مصادمة لأي تأطير أو التزام – دون ماتؤمن هي به من قواعد رسالة أو مصلحة وطن.

الفجوة الحضارية الضخمة – خصوصا في مجالات الفكر والمعارف السياسية والاجتماعية والاستراتيجيات وإدارة الصراع – قد يُساهم المجتمع والدولة والحركة في تهيئة الأوضاع لردمها، ولكن الدور الحقيقي هي لنُخب رائدة – تكابد بذاتها عملية التنزيل الرسالة والتدافع المنهجي والتجريبي مع الإرث الغربي مع استحضار وتكوين إمكانات التجديد لتجارب مختلفة. يمكن في جوانب الطب والصناعات والإدارة والعلوم التطبيقية – يظهر بشكل أكبر دور المجتمع والدولة في مأسسة عملية ردم الفجوة الحضارية تلك، 

ولكن كذلك يصعب تصور ذلك دون وجود كوادر احتكت بالتجربة الغربية مثلا.

جانب السياسة في الثلاثية – صحيح، مع تمييز بين السياسة كتنافس على السلطة تقوم به الأحزاب، وسياسة بمعنى تدافع اجتماعي مستمر وتأسيس وطني، ودور الحركات الأيديولوجية فيه بصيانة ماتعتبره حدا رساليا لابد أن يتجلي في تعاقد اجتماعي وسياسي، وأن يُخزن في الخيارات مافوق الاستراتيجية للدولة.. ولكن هذا يكون عن طريق تدافع وتغيير 

اجتماعي كما ذكرت– حتى ينفع – وليس بالتأكيد فرض سلطوي في انتظار للحظة (النصر) المزعومة.

هناك جانب لم تذكره الدراسة – مع أنه هو ماتتصدى له الحركة الإسلامية على الحقيقة!: جانب التغيير الاجتماعي والتربوي والرسالي.. ولن أفصل فيه، لأنه ظاهر، وهو 

يستفيد بالشك من حراك الوعي، والسياسة، ويؤثر فيهما.

المشكلة الحقيقية في ثلاثية الدراسة – هي ماعبر عنه بمساحة (الثورة) والتصور الاختزالي والتبسيطي – أن دائرة الثورة ستقود للنصر، ثم تبدأ دائرة السياسة بعد النصر!

بداية – الثورة كخيار استراتيجي مرتبط بمدى توفر شروطه الموضوعية، ونجاح دراسة الجدوى الخاصة به، مع وجود احتمال كبير جدا للمجازفة كذلك سواء في بداية الثورة كانفجار يغلب عليه العشوائية، أو نهايتها مع إمكانية اختطاف منتوج الثورة من قبل مجاميع شمولية تبعا للنظام الساقط أو لنظام جديد.

في الواقع المصري – تحديدا – ولأمد متوسط، خيار الثورة: لاتتوافر عوامل إنشاؤه، ولا عوامل نجاحه، ولاهو بالضرورة حتمي لنجاح التغيير السياسي. وهذه نقطة أهم: 

خيار الثورة هو خيار استراتيجي على الأفضل، وليس هو بالتأكيد خيار فكري لازم!

من الطرائف المرة: أن بعض المناقشات الفكرية على الإيميل حصلت بيني وبين عبد الرحمن البر – مفتي الإخوان وعضو الارشاد – قبل وبعد الثورة. ومنها: أنه كتب مقالا في أغسطس 2011 تقريبا (أي بعد ثورة يناير وقبل الانتخابات) أن (الإسلام لايقر خيار الخروج على الحاكم الظالم ).. هكذا زعم! وحينها طبعا حاولت أن أوضح خلط مقولته ومصادمتها مع قواعد الأصول والنظر الشرعي والفقه السياسي.. وأن هناك اتجاهات فقهية شديدة التنوع في هذه المسألة، وكذلك تجارب تاريخية شديدة الثراء منذ العصر الأول، 

فضلا أن معطيات التغير الاجتماعي والسياسي الهائلة تلقي بظلال التجديد على فرضيات كثيرة تؤثر على الفتوى في هذا الباب: (مثلا – فكرة تعدد وتوازن السلطات في الدولة الحديثة، وتحول نظرية العصبة، وظهور الأحزاب كرؤي مقابلة، وخيارات الخروج غير المسلح ولكن الناقض للشرعية السياسية)، وكذلك أن رأيه الجازم (باسم الإسلام) هذا..فضلا عن جنايته الأصولية، يخالف حتى اختيار البنا مع أن الأخير هو حامل اجتهاد مرتبط بنسبية فهمه لمصطلح (الثورة) مثلا وكذلك للظروف الاجتماعية والسياسية في عصره، ويذهل عن التطور الحاصل في الربيع العربي والذي سمح له ولجماعته أن يتنسموا ليس فقط عبير الحرية، ولكن السلطة.

طبعا – هذا الرجل بعد فقدان السلطة، أصبح وغيره من مشايخ الإخوان ينظّرون للثورة، وتورطوا للأسف في إفتاء يشرعن الإرهاب تحت عنوان (القصاص) دون أي اعتبار للشروط الشرعية والقضائية والسياسية في مقاربة وتطبيق هذا الأصل.

وهذا مثال مرير عن موضوعنا بعدم الفصل بين مساحات الدور الرسالي، كالعلماء والسلطة مثلا – خصوصا إن قابلناه كذلك بما يحصل في دائرة النظام ومشايخه.

مالم ينتبه له القائل بأن (الثورة) خيار الإسلام، أو ليس بخيار الإسلام.. أن أقصى دور الفقيه – حتى في مسائل قطعية وليس في مسألة مختلف فيها فقهيا كالخروج على  الحاكم الظالم،أن يضع الشروط الافتائية بشكل عام، ولكن تنزيلها على الحوادث المفصلة يقتضي نظرا سياسيا واستراتيجيا لايمتلكونه… ربما فقط – إذا اتفق أهل الاختصاص على تقدير بعينه ولايُفهم من رأيهم تغالب على مصلحة خاصة أو تحيز.. قد يتبرع حينها الفقيه بوضع ختمه الإفتائي خصوصا في قضايا محورية لحركة الأمة كالتحرير أو نفض حاكم غاصب.

——

 

يمكن تقديري الاستراتيجي لتطورات الواقع المصري، ذكرته في ورقة الجامعة الأمريكية، وهو تلاقح جملة من المسارات لابد لكل منها أن تتشكل معطياته حتى يحصل النتاج النهائي، وهي مع الوقت تدعم إحداها الأخرى في تبلورها: إفلاسات النظام خصوصا في جوانب الاقتصاد والأمن القومي، بناء عوامل موضوعية  للحراك الإصلاحي والاحتجاجي دون حد (وشعار) الثورة مع انسحاب الإخوان – كجماعة – من مشهده، تطور بديل على مستوى النخبة السياسية – كاتجاهات، والأهم – كحركة وطنية تتفق على أجندة حد أدني، وهذا يقتضي مستوى للمراجعات وإعادة بناء الأطر الكادرية والشعبية، ثم مصالحة وتعاضد على مستوى الحركة الوطنية.. 

غير ماقد تأتنا به الأقدار فجأة، ولكن حتى هذا – يحتاج لجهد مبذول في سبيل المراجعات وبناء الحركة الوطنية – حتى لاتتكرر التجربة السلبية السابقة.


24-12-2015

في إطار الإصلاح والمراجعات، إذا كان لديك تصور في العيوب التربوية سواء على مستوى الخطط والأهداف أو الممارسة والسلوك، فأرسلها لي..ولتكن في الجوانب التربوية فقط..

لا يمكننا فصل تحليل المشكل التربوي، أو تصورنا – كمراجعة وتجديد – للتربية – كرسالة ومنهج وأدوات ومعايير إنجاز ومنتوج – عن الجوانب الفكرية والرؤوية والاستراتيجية المرحلية. وهذا شيء جوهري في استيعاب الأمر.
طبعا – بغض النظر عن اختلاف الرسالة التربوية المطلوبة تبعا لإخوان عزت أم إخوان منتصر  Emoji، فكلام بجد.. هناك أسئلة بداهة في باب الفكر، والرؤية لابد أن تُحسم وتراجع جذريا وتُجدد – ليس فقط لأنها ستحدد شق معتبر في الرسالة التربوية (على افتراض أن التربية أوسع من الترقية الروحية والعبادية والسلوكية)، كما أنها قد تغَيّر تصوراتنا حيال منهجية التربية (أدوات وأشكال ومعايير إنجاز ومنتوج).
ثم تأتي بعد ذلك المرحلة والدور الاستراتيجي لتلقي بظلالها على التربية حيث تطرح ملفات شديدة الإلحاح عليها.

على مستوى الفكر ورؤية الحركة مثلا – هل نقصد بمفهوم شمول الإسلام شمول الوظائف التي تتصدى لها الحركة الإسلامية؟ أم أن كثيرا من هذا الوظائف كالدعوي مقابل الحزبي، والأخلاقي مقابل الاقتصادي والتجاري، والعلم مقابل السلطة – تقتضي (فصلا) على مستوى التطبيق صونا للعدالة وتحقيقا لمقصودات الدين، وأن شمول الوظائف منوط بالأمة بكل تكويناتها؟

هل تكون أي جماعة من المسلمين لها أفضلية مطلقة على غيرها – كمعنى غيبي حاكم ؟ أم أنها تبقى – ببشريتها – عرضة للرشاد والانحراف، والفهم والجهل، ونية الحسن والقبيح، والبقاء والانقطاع – فلا يجوز بناء على هذا تعليق هداية ربانية بها دون المسلمين (جماعة ربانية)، أو الحكم بأصلحيتها القطعية على غيرها (هي من ستقيم الدين)، ولا تزكيتها دينيا على غيرها (الدعوة تنفي خبثها)؟

هل يجوز لنا أصوليا أن نسم خياراتنا في مشاريع الاجتماع والسياسة والدعوة بوصف (إسلامي)؟ أم أن هذا الوصف يحتكره (الشارع) لما ثبت على طريق القطع، أما مايخالجه ظن البشر واجتهادهم – ولو حتى في مسائل شرعية – فيبقى (رأيا) ولانصفه ك(إسلام)، وأن هناك مساحة واسعة من خيارات التجريب ليست منسوبة للشرع بالأساس إلا في مراعاة المقاصد العليا – ومنها حتى ما ورد من أفعال وأقوال المعصوم (سنة غير تشريعية – دائرة الإمامة والسياسة في مقابل دائرتي التشريع والقضاء .. كما عبّر الإمام القرافي)؟

هل محاولة تنزيل الإسلام سياسيا هي مطابقة لتنزيله (سلطويا)؟ وهل هي بالأساس مرتبطة برفع شعار (الشريعة) أو حتى إقامة بعض القوانين الجنائية والمدنية- أم هي تطبيق لمقصودات في أبواب الحرية وحق الأمة (بما يقتضي منع تسلط أي فئة على الحقيقة على خيارات الناس وإدارة أمورهم،وأن التولية استحقاق وأمانة، وأن العقود لازمة)، وفي باب العدل الاجتماعي (بما يفرض انحيازا لحقوق الفقراء والمهمشين ومسئولية الدولة في كفايتهم ولو باقتطاع أموال الأغنياء مايزيد حتى عن الزكاة)، وفي باب التحرر والوحدة (ضمن رؤى استراتيجية مناسبة، ولكن دون تفريط في استقلال الأمة).

حتى في بنية الحركة – تبعا لما سبق.. هل تكون التربية أداة ضمن حركة شمولية تسعى للسلطة، فتستخدم في تطويع المناخ الداخلي وأفواج الأتباع للخيارات الحزبية والسلطوية برفع عناوين تربوية ودينية؟ أم أن التربية بالأصل هي حال – وبناء – مستقل وحاكم وناقد ومصحح وأمين على كل الانحرافات الممكنة في مخالطة المجتمع والمال والسلطة؟

فالتربية تقترب من المحيط الاجتماعي والسياسي لتصححه وتراقبه، وليس بالأصل لتكون أداة طيعة في تحقيق مكاسب فيه . بمعنى أن هناك توازن بين تخديم التربية على أجندة استراتيجية في مصالح سياسية واجتماعية عامة – من وجهة نظر الحركة بالطبع – وبين أن تحتفظ باستقلاليتها النقدية والمراقبة.

وكذلك توازن بين الشق الروحي والأخلاقي في حزمة التربية، وبين الشق العملاني والفكري.. توازن وليس بالضرورة تساوي – فقد ترتفع نسبة هذا الشق أو ذاك تبعا لمقتضيات المرحلة، أو حتى خيارات الحركة ولكن هناك حدود معتبرة باقية.

وفي الاستراتيجية والمرحلية.. هل تكون الرسالة والحزمة التربية واحدة في الأحوال التالية: حركة تجيش لجهاد مستعمر، وحركة تهيء لثورة شعبية، وحركة في مساحة إصلاح سياسي واجتماعي، وحركة تسعى لتصحيح أخلاقي وفكري ومراجعة تتسع وتضيق، وحركة تواجه انشقاقا استدعى فسادا في السلوك والخطاب واحتكارا للصواب، وحركة تواجه تفلت للتكفير والعنف، وأخرى تواجه تفلت في مستوى الثقة في الدين ورسالته؟

———————————————–
ثالثا – هناك احتياج حاد حاليا لتأسيس فكري، وإعادة تأسيس أخلاقي ونفسي لتجاوز مرارات ونكسات المرحلة السابقة.. هناك مشكلات كالتكفير، واللجوء للعنف المسلح لابد من تفكيكها وعلاجها – بتقعيد شرعي، ومطالعة سياسية واستراتيجية، ودرس أخلاقي.
مثلا كتاب ك (دعاة لاقضاة) لم يتم تدريسه من قبل في المناهج الإخوانية مع محوريته في فهم قواعد التكفير، على الرغم أن الكتاب نفسه يغالي في تكييف جماعة الإخوان – أنها (جماعة المسلمين – كاختيار فقهي لأتباعها).
كذلك – ترسيخ المنهجية العلمية والمنضبطة في فهم الواقع السياسي والاجتماعي، وتلمس خروقات المنهجية كالتفكير الغيبي والرغائبي والإسقاطي. كذلك – الضبط الأخلاقي والنفسي حين التعامل مع المظلوميات- أو تصوراتها، وإحياء نفسية تحمل الخطأ والنقد (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك).. هو مطلب تربوي مرحلي هام.
——————————————
أخيرا –
كما سيظهر لك من مراجعة الورقتين المرفقتين – ثم مضاهاتهما بورقة (نصيحة) التي أرسلتها لك من قبل، وكذلك ورقة (الرؤية الفكرية والاستراتيجية) التي أشرفت على كتابتها لحزب أبو الفتوح (مرفق) وإن كانت تفتصر على مشروع حزبي على قاعدة الفصل بين العمل الدعوي والحزبي.. تطور وتجدد تصوراتنا الكلية حول الجوانب الفكرية والرؤوية السابق ذكرها يحدد بشكل كلي تصورنا بخصوص فلسفة التربية ومنهجيتها.
قبل يناير 2011، كنت على قناعة بإمكانية تحقيق رؤية البنا – مع تطويرات وعلاجات فيها، بمعنى التصور حيال الحركة شمولية الوظائف التي تقود التغيير السياسي وتمارس الحكم، وعلى هذا قدرتها على إنتاج طبقات من النقباء والركائز كتمثل رسالي فضلا عن ضرورة قيادة وتربية.. وإن كانت تجربتي في السنين التي سبقت 2011 حكمت بشكل سلبي – ليس فقط بخصوص إمكانية تحقيق هذا في حركة الإخوان بكل مافيها من تجريف تربوي أصاب أجيالا متعاقبة، ولكن بإمكانية – أو سلامة – طلب هذه النواتج والطريقة في العمل الإسلامي من الأساس!
تصوري الذي تطور – سريعا- بعد يناير 2011، حسم بلاشك مسألة شمولية الحركة إلى جعلها مجموعات عمل اجتماعي وتربوي ودعوي وسياسي (بالمفهوم الوطني والقومي وليس التنافس على السلطة)، وعلى هذا فيسهل تطبيق حزمة التجديد التربوي سالفة الذكر.
وعلى هذا – تغير تصوري لمنهجية التربية ذاتها، وليس فقط رسالتها. أصبحت رافضا بشكل كبير لمسألة المستويات التربوية مثلا – والتي تتعدى على جوانب شرعية وأخلاقية ونفسية، وكذلك للتساهل والانتقاء في تخريج نقباء و(مربين)، والاعتباط في دفعهم لممارسات تأهيل معرفي وعلمي  وفكري هم يفتقدون بديهياته، وحتى للوسائل التربوية و-مسمياتها خصوصا الكتيبة.
أدوات التربية المطلوبة – هي مدارس علمية متخصصة، ولامانع من وضع مستويات فيها، وندب أهل تخصص في إعطاء موادها، وبشهادات.
وتُكمّل هذه – بمجالس ذكر وتصفية جامعة يقوم عليها كذلك نفر قليل من أهل التربية المتخصصة والذوقية.
ويبقى نشاط (الأسر) في الأحياء كنشاط اجتماعي دون مستويات – مع بعض الاجتماع للذكر، والدعوة المسجدية والاجتماعية. 
 ، وتدعم كل هذا بعد ذلك – مدرسة للدعاة – لمن سبق لهم الترقي التخصصي.
أما المستويات التربوية – والتقييمات التربوية – فمؤاخذاتها الشرعية والتربوية والخلقية كما ذكرت أسوأ كثير من أي مصلحة متوهمة منها،ـ وقياسها على مراتب التحديث وعلوم الرجال هو قياس مع الفارق لدرجة الإضحاك.
ومنهجية تربية – كسالفة الذكر – هي قريبة مثلا من طريقة (جماعة العدل والإحسان) المغربية، وأراها أكمل في الجانب الروحي والسلوكي، ولكنها تُكمل بالتأسيس العلمي والفكري.