03-01-2016
بعثها لي صديق إخواني، وبالأسفل تعقيبي ومناقشتي لها
الخلاصة – أن الفصل بين الوظائف يقتضي فصلا كليا في التنظيم والإدارة ومساحة الانشغال والخطاب، وتبقى للحركات الإسلامية وظيفة صيانة البعد الرسالي (في عمومياته وقطعياته) والأخلاقي والتربوي، أما ممارسة السياسة فهي تُترك لاجتهاد المجاميع المختلفة. هناك صيغة أخرى – كنت أراها شبه مقبولة، وهي لاتشترط الفصل الكامل، ولكن أن تسمح الحركة الإسلامية لأبنائها بتأسيس تجارب حزبية مختلفة وكان في هذا مظنة منع تغلب الحظوظ الحزبية واحتكارها للمسار الدعوي أو العكس.
جانب الوعي – بمعنى إنتاجه وتجديده – في الأغلب ليس من فعل جماعات، ولكن نُخب فكرية تجديدية – قد تستفيد بتجربة الحركات (دعما ومكابدة ودرسا) ولكن هناك جدلية سننية دائمة (المفكر والحركة). الحركات تسعى للتأطير الفكري والنفسي والتطبيقي، و(محافظتها) هو سر بقائها – كما يتصور قياديوها في الأغلب. أما التجديد الفكري والبعث الحضاري، فهو انتفاضات وارتيادات في مساحات الوعي والفكر والأنسنة بطبيعتها مصادمة لأي تأطير أو التزام – دون ماتؤمن هي به من قواعد رسالة أو مصلحة وطن.
الفجوة الحضارية الضخمة – خصوصا في مجالات الفكر والمعارف السياسية والاجتماعية والاستراتيجيات وإدارة الصراع – قد يُساهم المجتمع والدولة والحركة في تهيئة الأوضاع لردمها، ولكن الدور الحقيقي هي لنُخب رائدة – تكابد بذاتها عملية التنزيل الرسالة والتدافع المنهجي والتجريبي مع الإرث الغربي مع استحضار وتكوين إمكانات التجديد لتجارب مختلفة. يمكن في جوانب الطب والصناعات والإدارة والعلوم التطبيقية – يظهر بشكل أكبر دور المجتمع والدولة في مأسسة عملية ردم الفجوة الحضارية تلك،
ولكن كذلك يصعب تصور ذلك دون وجود كوادر احتكت بالتجربة الغربية مثلا.
جانب السياسة في الثلاثية – صحيح، مع تمييز بين السياسة كتنافس على السلطة تقوم به الأحزاب، وسياسة بمعنى تدافع اجتماعي مستمر وتأسيس وطني، ودور الحركات الأيديولوجية فيه بصيانة ماتعتبره حدا رساليا لابد أن يتجلي في تعاقد اجتماعي وسياسي، وأن يُخزن في الخيارات مافوق الاستراتيجية للدولة.. ولكن هذا يكون عن طريق تدافع وتغيير
اجتماعي كما ذكرت– حتى ينفع – وليس بالتأكيد فرض سلطوي في انتظار للحظة (النصر) المزعومة.
هناك جانب لم تذكره الدراسة – مع أنه هو ماتتصدى له الحركة الإسلامية على الحقيقة!: جانب التغيير الاجتماعي والتربوي والرسالي.. ولن أفصل فيه، لأنه ظاهر، وهو
يستفيد بالشك من حراك الوعي، والسياسة، ويؤثر فيهما.
المشكلة الحقيقية في ثلاثية الدراسة – هي ماعبر عنه بمساحة (الثورة) والتصور الاختزالي والتبسيطي – أن دائرة الثورة ستقود للنصر، ثم تبدأ دائرة السياسة بعد النصر!
بداية – الثورة كخيار استراتيجي مرتبط بمدى توفر شروطه الموضوعية، ونجاح دراسة الجدوى الخاصة به، مع وجود احتمال كبير جدا للمجازفة كذلك سواء في بداية الثورة كانفجار يغلب عليه العشوائية، أو نهايتها مع إمكانية اختطاف منتوج الثورة من قبل مجاميع شمولية تبعا للنظام الساقط أو لنظام جديد.
في الواقع المصري – تحديدا – ولأمد متوسط، خيار الثورة: لاتتوافر عوامل إنشاؤه، ولا عوامل نجاحه، ولاهو بالضرورة حتمي لنجاح التغيير السياسي. وهذه نقطة أهم:
خيار الثورة هو خيار استراتيجي على الأفضل، وليس هو بالتأكيد خيار فكري لازم!
من الطرائف المرة: أن بعض المناقشات الفكرية على الإيميل حصلت بيني وبين عبد الرحمن البر – مفتي الإخوان وعضو الارشاد – قبل وبعد الثورة. ومنها: أنه كتب مقالا في أغسطس 2011 تقريبا (أي بعد ثورة يناير وقبل الانتخابات) أن (الإسلام لايقر خيار الخروج على الحاكم الظالم ).. هكذا زعم! وحينها طبعا حاولت أن أوضح خلط مقولته ومصادمتها مع قواعد الأصول والنظر الشرعي والفقه السياسي.. وأن هناك اتجاهات فقهية شديدة التنوع في هذه المسألة، وكذلك تجارب تاريخية شديدة الثراء منذ العصر الأول،
فضلا أن معطيات التغير الاجتماعي والسياسي الهائلة تلقي بظلال التجديد على فرضيات كثيرة تؤثر على الفتوى في هذا الباب: (مثلا – فكرة تعدد وتوازن السلطات في الدولة الحديثة، وتحول نظرية العصبة، وظهور الأحزاب كرؤي مقابلة، وخيارات الخروج غير المسلح ولكن الناقض للشرعية السياسية)، وكذلك أن رأيه الجازم (باسم الإسلام) هذا..فضلا عن جنايته الأصولية، يخالف حتى اختيار البنا مع أن الأخير هو حامل اجتهاد مرتبط بنسبية فهمه لمصطلح (الثورة) مثلا وكذلك للظروف الاجتماعية والسياسية في عصره، ويذهل عن التطور الحاصل في الربيع العربي والذي سمح له ولجماعته أن يتنسموا ليس فقط عبير الحرية، ولكن السلطة.
طبعا – هذا الرجل بعد فقدان السلطة، أصبح وغيره من مشايخ الإخوان ينظّرون للثورة، وتورطوا للأسف في إفتاء يشرعن الإرهاب تحت عنوان (القصاص) دون أي اعتبار للشروط الشرعية والقضائية والسياسية في مقاربة وتطبيق هذا الأصل.
وهذا مثال مرير عن موضوعنا بعدم الفصل بين مساحات الدور الرسالي، كالعلماء والسلطة مثلا – خصوصا إن قابلناه كذلك بما يحصل في دائرة النظام ومشايخه.
مالم ينتبه له القائل بأن (الثورة) خيار الإسلام، أو ليس بخيار الإسلام.. أن أقصى دور الفقيه – حتى في مسائل قطعية وليس في مسألة مختلف فيها فقهيا كالخروج على الحاكم الظالم،أن يضع الشروط الافتائية بشكل عام، ولكن تنزيلها على الحوادث المفصلة يقتضي نظرا سياسيا واستراتيجيا لايمتلكونه… ربما فقط – إذا اتفق أهل الاختصاص على تقدير بعينه ولايُفهم من رأيهم تغالب على مصلحة خاصة أو تحيز.. قد يتبرع حينها الفقيه بوضع ختمه الإفتائي خصوصا في قضايا محورية لحركة الأمة كالتحرير أو نفض حاكم غاصب.
——
يمكن تقديري الاستراتيجي لتطورات الواقع المصري، ذكرته في ورقة الجامعة الأمريكية، وهو تلاقح جملة من المسارات لابد لكل منها أن تتشكل معطياته حتى يحصل النتاج النهائي، وهي مع الوقت تدعم إحداها الأخرى في تبلورها: إفلاسات النظام خصوصا في جوانب الاقتصاد والأمن القومي، بناء عوامل موضوعية للحراك الإصلاحي والاحتجاجي دون حد (وشعار) الثورة مع انسحاب الإخوان – كجماعة – من مشهده، تطور بديل على مستوى النخبة السياسية – كاتجاهات، والأهم – كحركة وطنية تتفق على أجندة حد أدني، وهذا يقتضي مستوى للمراجعات وإعادة بناء الأطر الكادرية والشعبية، ثم مصالحة وتعاضد على مستوى الحركة الوطنية..
غير ماقد تأتنا به الأقدار فجأة، ولكن حتى هذا – يحتاج لجهد مبذول في سبيل المراجعات وبناء الحركة الوطنية – حتى لاتتكرر التجربة السلبية السابقة.
24-12-2015
في إطار الإصلاح والمراجعات، إذا كان لديك تصور في العيوب التربوية سواء على مستوى الخطط والأهداف أو الممارسة والسلوك، فأرسلها لي..ولتكن في الجوانب التربوية فقط..
على مستوى الفكر ورؤية الحركة مثلا – هل نقصد بمفهوم شمول الإسلام شمول الوظائف التي تتصدى لها الحركة الإسلامية؟ أم أن كثيرا من هذا الوظائف كالدعوي مقابل الحزبي، والأخلاقي مقابل الاقتصادي والتجاري، والعلم مقابل السلطة – تقتضي (فصلا) على مستوى التطبيق صونا للعدالة وتحقيقا لمقصودات الدين، وأن شمول الوظائف منوط بالأمة بكل تكويناتها؟
هل تكون أي جماعة من المسلمين لها أفضلية مطلقة على غيرها – كمعنى غيبي حاكم ؟ أم أنها تبقى – ببشريتها – عرضة للرشاد والانحراف، والفهم والجهل، ونية الحسن والقبيح، والبقاء والانقطاع – فلا يجوز بناء على هذا تعليق هداية ربانية بها دون المسلمين (جماعة ربانية)، أو الحكم بأصلحيتها القطعية على غيرها (هي من ستقيم الدين)، ولا تزكيتها دينيا على غيرها (الدعوة تنفي خبثها)؟
هل يجوز لنا أصوليا أن نسم خياراتنا في مشاريع الاجتماع والسياسة والدعوة بوصف (إسلامي)؟ أم أن هذا الوصف يحتكره (الشارع) لما ثبت على طريق القطع، أما مايخالجه ظن البشر واجتهادهم – ولو حتى في مسائل شرعية – فيبقى (رأيا) ولانصفه ك(إسلام)، وأن هناك مساحة واسعة من خيارات التجريب ليست منسوبة للشرع بالأساس إلا في مراعاة المقاصد العليا – ومنها حتى ما ورد من أفعال وأقوال المعصوم (سنة غير تشريعية – دائرة الإمامة والسياسة في مقابل دائرتي التشريع والقضاء .. كما عبّر الإمام القرافي)؟
هل محاولة تنزيل الإسلام سياسيا هي مطابقة لتنزيله (سلطويا)؟ وهل هي بالأساس مرتبطة برفع شعار (الشريعة) أو حتى إقامة بعض القوانين الجنائية والمدنية- أم هي تطبيق لمقصودات في أبواب الحرية وحق الأمة (بما يقتضي منع تسلط أي فئة على الحقيقة على خيارات الناس وإدارة أمورهم،وأن التولية استحقاق وأمانة، وأن العقود لازمة)، وفي باب العدل الاجتماعي (بما يفرض انحيازا لحقوق الفقراء والمهمشين ومسئولية الدولة في كفايتهم ولو باقتطاع أموال الأغنياء مايزيد حتى عن الزكاة)، وفي باب التحرر والوحدة (ضمن رؤى استراتيجية مناسبة، ولكن دون تفريط في استقلال الأمة).
حتى في بنية الحركة – تبعا لما سبق.. هل تكون التربية أداة ضمن حركة شمولية تسعى للسلطة، فتستخدم في تطويع المناخ الداخلي وأفواج الأتباع للخيارات الحزبية والسلطوية برفع عناوين تربوية ودينية؟ أم أن التربية بالأصل هي حال – وبناء – مستقل وحاكم وناقد ومصحح وأمين على كل الانحرافات الممكنة في مخالطة المجتمع والمال والسلطة؟
فالتربية تقترب من المحيط الاجتماعي والسياسي لتصححه وتراقبه، وليس بالأصل لتكون أداة طيعة في تحقيق مكاسب فيه . بمعنى أن هناك توازن بين تخديم التربية على أجندة استراتيجية في مصالح سياسية واجتماعية عامة – من وجهة نظر الحركة بالطبع – وبين أن تحتفظ باستقلاليتها النقدية والمراقبة.
وكذلك توازن بين الشق الروحي والأخلاقي في حزمة التربية، وبين الشق العملاني والفكري.. توازن وليس بالضرورة تساوي – فقد ترتفع نسبة هذا الشق أو ذاك تبعا لمقتضيات المرحلة، أو حتى خيارات الحركة ولكن هناك حدود معتبرة باقية.
وفي الاستراتيجية والمرحلية.. هل تكون الرسالة والحزمة التربية واحدة في الأحوال التالية: حركة تجيش لجهاد مستعمر، وحركة تهيء لثورة شعبية، وحركة في مساحة إصلاح سياسي واجتماعي، وحركة تسعى لتصحيح أخلاقي وفكري ومراجعة تتسع وتضيق، وحركة تواجه انشقاقا استدعى فسادا في السلوك والخطاب واحتكارا للصواب، وحركة تواجه تفلت للتكفير والعنف، وأخرى تواجه تفلت في مستوى الثقة في الدين ورسالته؟
[…] https://mohamedboraikblog.wordpress.com/2016/12/24/khwan2/ […]