“بعد الحكم بمصرية تيران وصنافير ماهى أولويات مصر فى علاقاتها على ضوء التأزم المتوقع فى علاقاتها مع السعودية وباقى دول الخليج
كيف ستتعامل مصر مع هذا التحدى وما هى أبرز الأفكار التى تصلح لمواجهة ذلك التحدى؟”
—————————————–
الحقيقة – أتساءل هل يمكننا التفكير في تساؤلات جزئية وتطبيقية ضمن إطار عام نعلم جميعا خطله السياسي والقدراتي والفني.. للأسف؟
بمعنى.. النظام عاجز بالفعل – كإرادة وقدرة – عن إدارة أهم الملفات الحيوية (مكافحة الإرهاب، المأزق الاقتصادي والتنموي، أزمات المياه، الدور الإقليمي وإعادة تعريف السياسة الخارجية، تطوير القدرة الدفاعية، إصلاح اجتماعي وديني حقيقي…)
وعجزه هذا نتاج اختياره بالطبع.. ليس فقط في طرد الكفاءات وتكريس القبضة الأمنية في إدارة الشأن العام، وخنق أي حراك سياسي أو مؤسسات برلمانية ورقابية حقيقية قادرة على القيام بمهام المحاسبة والمراجعة (كما يحصل في كل الدنيا)، ولكن لأن أبسط مقومات القيام بالمهام الحيوية تتطلب شروطا ومقدمات لايستطيع النظام توفيتها.
راجع مثلا ورقة سيناء، وكل الأحاديث السابقة حول مسائل الأزهر والمياه وتطوير المنظومة الدفاعية وأزمات الإقليم والتنمية.
مشكلة الخليج أيضا – هي بالضبط في هذا السياق:
هل كان عند النظام إرادة حقيقية (غير الخطاب العاطفي الفارغ حول مصر العائدة لدورها ومكانتها) لتطوير قدرة وأدوات الدولة المصرية للتحرك في الإقليم؟
وهل فوق هذا حاول توفير شروط إحياء الدور الإقليمي؟
هذا الدور يتطلب إعادة تعريف الأهداف الاستراتيجية المصرية لحركة الإقليم، وتطوير البنية المؤسسية في مؤسسات الدفاع والخارجية والمخابرات، والأهم من ذلك – استعادة ميزان القوة الداخلية كدولة والمتمثل في وحدة النسيج الاجتماعي وحيوية مؤسسات السياسة وتجاوز المأزق الاقتصادي ..
ولأن كل ماسبق بوضوح يتطلب أن يُغير النظام معطيات بنائه، ويُعيد الحياة السياسية، ومايستدعي ذلك من مصالحة وعدالة انتقالية وإعادة هيكلة المؤسسات.. فبفرض علم بعض أطراف النظام لتلك الدينامية.. فهي ترفضها.
المشكلة الاقتصادية أيضا تقتضي معالجة جذرية للخلل البنيوي في الاقتصاد المصري المتمثل في انهيار قدرة الدولة على توليد موارد الوفرة المادية والسلعية في مقابل الاستدانة والاستيراد.. وهذا لايمكن حله بمعالجة عوارض للمرض بقرارات التعويم وإلغاء الدعم ومزيد استدانة (فضلا عن تكلفتها كعدل اجتماعي)، ولكن في إعادة فتح مجال الاستثمار والسياحة والتصنيع..
ولكن هذا بالأخص لايمكن بحال من غير إصلاح مؤسسي كامل، ومكافحة الإرهاب وتقليل مساحة الاحتقان الشعبي، وإعادة هيكلة دور الجيش في الاقتصاد، وتكريس سيادة القانون (نظرة سريعة لمآلات فوضى مصادرة الأموال – حالة أبو تريكة مثالا – تنبيك عن عقلية الدببة التي تفكر لهذا النظام)!
إذن ماذا بقي للنظام في التعامل مع مشكلة التهديد الاقتصادي أولا وتوسطا وربما يأمل تاليا؟
أن لجأ للخيار الخارجي في استجدائه الدعم المالي الخليجي.
ولأجل هذا (غرّر بالخليج) بأن قدم له وعودا وأمنيات حول استبدال المصري بالأمريكي والغربي في حماية الأمن الخليجي، والتداخل العضوي في المنظومة الأمنية بالخليج.
سؤالان:
أ. هل هذه السياسة هي الأنسب لمقتضيات الدور المصري الإقليمي المنشود، والتي نعم تسعى للتكامل ولكن لها استقلالية وافتراقات في كثير من الملفات سواء تلك الخاصة بأفق الصراع على الإقليم (كالعلاقة مع إيران مثلا، أو حتى الإسرائيلي – المفترض، أو إعادة تعيير العلاقة مع الروسي والأمريكي)، أو الخاصة بالملفات التفصيلية ( سورية واليمن والعراق وليبيا..)؟
ب. وفوق هذا.. هل هناك أي قدرة حقيقية (دفاعية وديبلوماسية واقتصادية وبميزان القوة الداخلية للنظام) أن ينخرط في دور إقليمي حقيقي؟
نقطة جانبية: قل مثل هذا بشكل أكثر مرارة عن العلاقة مع الإسرائيلي بسبب مأزق سيناء، وهذا قاد لإخفافات وطنية .. بعضها خفي، وماظهر منها كان كارثة بحق (أزمة تصويت مجلس الأمن).
فلاتحدثني حول مابعد هذا من تطوير منظومة دفاعية، أو تطوير للتصورات الاستراتيجية حول الأفق المقبل للصراع العربي الإسرائيلي.
ولهذا – فالنظام مثلا حين تم استدعاؤه للقيام بتوفية فواتير (الرز) الخليجي في ملفات مختلفة وجد نفسه في مأزق. وحانت لحظة الحقيقة:
هناك ملفات سلّم فيها بالفعل (ملف تيران وصنافير مثلا) لاعتقاده أنه لايوجد ثمن سيدفعه.. لظن خاطيء حول انهيار أي معطى للممانعة الشعبية ولم يقدّر استقلال شطر مهم من مؤسسة القضاء وانتصابها أمام القرار.
وهنا النظام خسر شطرا من أهم ماابتنى عليه شرعيته الواقعية (كحامي للدولة الوطنية)، ولكنه أيضا يجد الآن يجد الثمن مرتفعا لكي يُكمل تمرير المعاهدة.. وهذا سيزيد علاقته مع السعودية تأزما.
وهناك ملفات – خيار النظام فيها كان فعلا سليما.. سواء بمعيار المصلحة الوطنية، أو معيار القدرة الاستراتيجية.. وأعني هنا ملف اليمن، وملف سوريا وإرهاصات موقف في ليبيا والعراق – على اختلاف مستوى التدخل ومحدوديته إجمالا.
ولكن من يمد يده، لايمد رجليه!
وهذا بالضبط يؤكد خطورة انحراف النظرة السياسية والاستراتيجية العامة لتأسيس النظام السياسي، أو حركته في الملف الخارجي والداخلي.
فلوجود هذا الانحراف المبدئي كما أشرت.. فحتى لو أحببت أن (تعمل الصح) في ملف تفصيلي هنا أو هناك.. ستزيد المشكلة!
ماالحل؟
الحل طبعا في إعادة تعريف النظام السياسي وبناء مقوماته الأساسية في السياسة والمؤسسات والدفاع والتوافق الوطني والعدالي والتنمية..
سيناريوهات ذلك وشروطها من منظور الإصلاح والتغيير السياسي ذكرتها في الرسالة السابقة.
ولكن في مسألة تيران تحديدا.. هناك شرخ حقيقي حصل في شرعية النظام (فضلا عن كل الأزمات السابقة خصوصا الاقتصادية) وهو أخطر على النظام (وعلى الدولة كذلك في تلك المرحلة لاعتبارات غياب البديل الآمن) من أي أزمة مع السعودية.
فأزمة مع الأخيرة ممكن تسكين بعض عوارضها (كما حصل مثلا في اتفاقيات النفط من مصادر مختلفة)، أو حتى في مُصعّداتها (الحديث حول تكامل اقتصادي على الجزيرتين ومشروع الجسر)..
وبالطبع – الأزمة في بدايتها كان من الممكن حلها لو كان عند النظام قدر معقول من العقل السياسي والحِرَفية والاستقامة الوطنية..
مشكلتنا مثلا هي في الحفاظ على جزيرة تيران لبقاء تمصير المضيق (راجع رسالتَيْ السابقتين حول تيران)، وكان نقاش شعبي وخبراتي (تاريخي – وجغرافي – واستراتيجي – وقانوني) عام وموسع داخل مصر، ومع السعودية، ليجعل من حلول أخرى شيئا ممكنا (كالتنازل عن صنافير مثلا، أو حتى اتفاقية نقل سيادة مشروطة بحالة الصراع العربي الإسرائيلي على تيران!، أو بترحيل الأمر لظرف آخر بحيث لاتظهر كأنها بيع وشراء وبعد دراسات بينية متأنية حول الحق التاريخي والمصلحة الاستراتيجية القومية)..
ولكن الآن – بعد حكم القضاء النهائي، والاستنفار السياسي والشعبي العام.. فات الوقت.