إذا أسفرت الحوادث بالفعل عن ماتصف (درجات ما من الحراك، مع قدرة على الاستيعاب، وعدم إمكانية التعديل الجذري في المشهد، ولكن استعداد من النظام لبعض التحسينات).. فماذا في يدنا – بالأخص فرديا؟
يعني – كما تحدثنا مرارا، فكرة تغيير المشهد في مصر، يلزمها ظهور حركة سياسية وطنية جديدة، بعد مراجعات جذرية للتيارات القائمة، وخوضها تدافعا إصلاحيا على المساحات مع النظام، وكذلك بأشكال احتجاجية، ومع قدرتها المتصاعدة من كسبها لثقة الشارع وتضخم وزنها وكونها بديلا، إمكانية اقتناص الفرص وملء الفراغ..
مقال: ارتياد استراتيجي لواقع مصر الكسيف
ولكن – لم تُتخذ أي خطوة حقيقية في هذا السياق، والخطوة الأولى لابد أن تتخذها بالفعل النخبة الشبابية في كل التيارات.. نعم – ألقتها السنون العجاف المريرة السابقة، ومرارات التجربة في غياهب الإحباط والتشوه النفسي والعقلي أحيانا! ولكن – ربما حين ترى بنفسها الآن هذه الفرص المهدرة لغياب أدوات الفعل والتحريك والاستفادة، تستفيق من تخدرها!
- وبشكل أكثر عملانية، فبالتأكيد محاولة تطوير الحراك القائم مهمة: ولست أعني الدفع لتصعيده فقط، ولكن منهجته. أي ضبط بوصلته السياسية والخطابية.
- هذا الحراك، وأمثاله مما سيحصل مستقبلا، لابد ألا يُختطف من الإخوان وغيرهم، لا تنظيما ولا وجهة ولا أهداف وخطاب
- لابد من العناية بتحديد الهدف السياسي وتمييزه عن الخطاب السياسي… مثلا – الهدف هنا هو بناء ضغط على النظام لفتح مساحات الحركة السياسية وتخفيف الأزمة الإنسانية عن المعتقلين والمهجرين.. أي أهداف أعلى لايمكن ببساطة تحقيقها تحت ظروف السياق الحالي
- ولكن أي خطاب (عنوان ومطالب) سياسي مُمكن أن تطرح.. مطلب كرحيل السيسي ممكن أن يُطرح بالطبع، ولكن لايتصدر المشهد، أو على الأقل – الخطاب السياسي لأي قوة تتفاوض.. لماذا؟ ليس فقط لأنه سيحجز الكثير عن المشاركة، ولكن لأن الإنجاز في هذه المرحلة هي في الضغط على النظام ومؤسساته لإعادة القراءة الذاتية، والتنازل. ولهذا – فلايمكن طرح أهداف راديكالية ستؤدي لتصعيدهم بالعكس وعدم التنازل.
– ولكن المهم كذلك في رأيي، هو محاولة دفع الإخوان وحلفاءهم، لإعادة التفكير في طرح أي مبادرة لتسوية الأزمة الإنسانية والاجتماعية المثقلة لعشرات ألوف الأسر. ماجعل الأمر غير مطروحا الثلاث أعوام مقبلة، بالرغم أنه كان حاضرا في ذهن قيادة الإخوان من قبل، هو عدم تحملهم شجاعة المراجعة وطرح هذا الأمر علنا أمام أبنائهم – لأنه سيضعهم في موضع الإدانة تاريخيا، ولأن النظام لم يشعر بالحاجة للتهدئة لأن أوضاع الحراك الإخواني انهارت على الأرض ولأن مصلحته حاضرة في تضخيم واستغلال الخطاب المضاد.
ورقة عن التهدئة والوفاق الوطني – ديسمبر 2016
ولكن الآن الوضع مختلف، أو سيكون مختلفا كما نأمل.. لأن النظام ومؤسساته – كما ذكرنا سابقا – بدأوا في إدراك عدم إمكانية إبقاء الوضع في مصر مخنوقا كما كان، وهذا حتى من قبل الجمعة الماضية.
وفي الناحية الأخرى، أفلست تماما قيادة الإخوان أخلاقيا قبل سياسيا، أمام تابعيها، حتى ضمن تيار القيادة التاريخية، وبالتأكيد أمام التيار الآخر. فهذا أدعى بالفعل، لدفع الضغط عليها لإعادة الاعتبار لفكرة المراجعة والتصحيح.
وتيار المكتب العام بلاشك جهوده ممتازة في هذا السياق، حتى وان اختلفنا مع كثير من خلاصاته وتوجهاته للعمل السياسي، تبعا لاختلاف القراءة الاستراتيجية للجدوى والإمكانية، وتحفظ حاد على مسألة العنف. ولكنه بالتأكيد فيما يتعلق بالمراجعة، وبإلحاحه على تحريم العمل السياسي (التنافسي) على الإخوان، حاز سبق الريادة والاستحقاق، وليس الشيوخ المتكلسة التي حسبت جهادا قديما استحقاقا مؤبدا للقيادةـ ومع كل ماارتكبتها من جرائم في حق الوطن والرسالة وأبنائها؟!!
المشكلة أنه تم ضربه بعنف، ودون أي اعتبار لواجب أخوة أو رسالة ومصلحة وطن، من قبل القيادة التاريخية.
أليس الحاجز أمام الشعب حاليا أن يتفاعل حقيقة مع الحراك هو فقدان الثقة والأمل؟
صحيح. ولكن استعادة الثقة ثانية في الأمل والحركة وجدواها، لايأتي لوحده، ودون استحقاق تطوير بديل سياسي، ولومبدئي على الأقل!
وهذا مايحكم سلبا على منتوج أي حراك مقبل أو ممكن.
عارف. حتى لو الشعب تجاوز مانقول ونزل الشوارع. فهذا أرفضه الآن في مصر وأي بلد عربي آخر
إذا لم تكن هناك قدرة على منهجة أي تغيير مفاجيء والتعامل مع الفراغ الناشيء بشكل فيه الحد الأدني من الحكمة والدفع للوجهة الإيجابية. فانعدامه أفضل.
لأن المنتوج سيكون أسوأ مما نحن فيه.
أليست هذه معادلة صفرية؟ في وقت مبارك لم يكن هناك أي بدائل او رموز سياسيه وقطعا لن يكون ذلك ممكنا مع السيسي الان ولا في المستقبل القريب.
أعتقد بالعكس، أنه ممكن، وسيحصل، وإن طال وقته بسبب غلبة الباطل والقصور من أنفسنا نحن، وليس ميزان القوى مع النظام بالأساس.
وفي وقت مبارك كان فيه بديل وفرصة حقيقة طبعا!! والأمر كان يسهل حسمه جدا!! ولكن غياب الشرف والحكمة عند القوى السياسية كان المشكل الأساسي.
هذا سبب نقمة جيلنا على الإخوان تحديدا.
أنهم ماخيروا من قبل 25 يناير حتى 2015 (حين كان لهم وزن) بين خيارات الا اختاروا أسوأها تقديرا وأخسها خلقا.
وهذا حصل في مئات المفاصل.
والآخرون كانوا أسوأ بالتأكيد، ولكن لم تكن في يدهم مصادر قوة شعبية وتنظيم، وحتى سلطة فيما بعد، ولم يتحدثوا باسم الدين.
ففشل ثورة مصر لم تحسمه حادثة او اختيار بعينه.
وان كان من الطبيعي في أي مسار استراتيجي، أن أي خطيئة ترتكبها ستقلل أمامك مساحة المناورة وحجم الخيارات المتاحة فيما يلي.