http://alsaa.net/article-107029
هذا المقال يعرض أحد فصول كتاب (حروب واستراتيجية: نهوج ومفاهيم) الذي ترجمته عالم المعرفة حديثا، وهو الفصل المعني بالعلاقة بين الاستراتيجية والأخلاق.. من ضمن فصول عديدة.
وبداية، لفت نظري في المقال – وهو عرض الفصل عرضا أمينا – إشارة أن الاستراتيجية هي أعلى درجات الوعي السياسي، وكذا الإشارة لتجربة المعهد العالمي للفكر الإسلامي في (أسلمة المعرفة – ومشروع العلاقات الدولية)..
وسريعا،
بخصوص السياسة والاستراتيجية؛ فهناك فارق جوهري بينهما – ونقاط تلاق وتلاقح متعددة، ولكن من أهم تجليات تلك الفوارق مايتعلق باستفهام مساحة التأثر والنقاش الأخلاقي.. تحديدا- الاستراتيجية معنية بصنع الطرق والتخيرات الكلية لتحقيق الأهداف السياسية، ولاتُعنى الاستراتيجية بماهية تلك الأهداف (والتي بالتأكيد يدخل في شقها العنصر الأيديولوجي والأخلاقي.. ضمن أمور أخرى كتفاعل القوة والمصلحة والهيمنة، والنظرة الجيوسياسية والتاريخ وطبيعة النظام…)، إلا بقدر الإجابة عن سؤال الجدوى في معرض صنع تلك السياسة (هل الأهداف قابلة للتحقق).. ولكن هذا لايعني انعدام التأثر والفعل الأخلاقي في مساحة الاستراتيجية كما سيأتي، ولكنها أقل وضوحا من مساحة السياسة.. إلا مساحة الاستراتيجية العظمى لأنها قريبة من السياسة.
وهذا حوار لي في هذا الشأن..
حوار حول العلاقة بين السياسة والاستراتيجية
أما بخصوص مشروع أسلمة المعرفة، فكان به نقاط إيجابية كثيرة الحقيقة، ولكنه عاني من قصور حاد في ناحية منهجية، وأيضا بنيوية وإجرائية..
الأولى، صحيح هو أقر أن النظر الديني له مساحة محدودة (إذا تعاملنا معه كحيز الوحي المعصوم وليس الخبرة التاريخية – الشرعية للفقهاء) في التدخل، بالأخص في مساحة الفلسفة والقيم والمقاصد، وأيضا أقر أن أغلب مساحات البناء المعرفي والتطبيقي في الظواهر الاجتماعية والسياسية عالة على التجريب البشري.. ولكنه قائم على فرضية خاطئة في ضرورة صنع نموذج متكامل مغاير، وليس أن الآثار الدينية في أبوابها قد يكون لها محدودية وضرورة الانضباط في متابعتها، وأن تسري بجوارها التجربة البشرية بملاحظتها وليس (الانبعاث منها).. الأليق هو منهج ابن رشد في توحد غايات الدوائر بين الشريعة والحكمة وليس توحد المنهج وطريقة النظر.
والثاني- عدم التشبع وإتقان دراسة التجربة الغربية ومنتجاتها – خصوصا الانتباه لكثير من مدارسها النقدية وغير السائدة.
كذلك، كان لي محاضرة بالقاهرة في يناير 2013 في هذا الشأن، وهي كانت ضمن سياق ما في نقد التصورات البائسة للحركات الإسلامية في تفاعلها السياسي حينها، ولكن بالطبع طرح المعهد العالمي كان أكثر نضجا وعلمية وأخلاقية بمراحل.. ربما فيها بعض فائدة..
أما بخصوص الكتاب، فهو كتاب فرنسي صدر حديثا، وللأسف لم يترجم للانجليزية، وفرنسيتي أضعف كثيرا من متابعته، ولهذا سعدت بترجمته العربية.. وإن كنت عموما لاأرتاح للترجمة العربية للأدبيات الاستراتيجية، وكثيرا ماتضع بعض التشويش على المعاني المقصودة الجزئية وأحيانا الكلية.. ولكن هذه الترجمة إجمالا معقولا مع بعض الهنات هنا وهناك.
مايُميّز الكتاب الحقيقة، أنه بنزعته الفرنسية هو مقاربة المداخل الفلسفية والمعرفية (ابستمولوجي) و(العلاقات-دولية) لباب الدراسات الاستراتيجية.. وهذا شيء غير معتاد – خصوصا الأول والثاني – في الكتابة الأمريكية والانجليزية، ولاحتى الروسية والصينية، في الدراسات الاستراتيجية التي تركز بشكل أساس على مساحات الفن والعلم والواقع، أو الخبرة التاريخية، أو المأسسة والبنى.
وبالرغم من ذلك، وأنه أيضا تغلب عليه المسحة النقدية مماقد لاتكون الأولوية في الدراسات التأسيسية، إلا أنه لعرضه المسحي لخلفيات المجال وتطوراته.. هو فعلا كتاب مناسب لقارئي العربية كتقدمة جيدة للدراسات الاستراتيجية.. خصوصا مع عدم وجود مواد مترجمة أخرى.
وأعتقد لمدخله العلاقات-دولي، أيضا سيناسب الأكاديميين القادمين من تلك المساحة..وينقلهم تدريجيا لبؤرة تمايز الدراسات الاستراتيجية عنها.
والكتاب ينطلق من رغبة في تعويض المكتبة الفرنسية بسبب الضمور الأكاديمي في باب الدراسات الاستراتيجي مقارنة بالحال الأمريكي والبريطاني، وأعتقد أن النظرة للحال العربي تقودنا لتقييم أكثر بؤسا 🙄
نصل لموضوع الأخلاق والاستراتيجية، مع تحديد واضح لمفهوم الاستراتيجية وتمييزها عن السياسة كما أسلف، فأعتقد الفصل طرق أمورا عديدة، وأغلبها بطريقة جيدة، مثلا:
احتياج أي جيش للشعور بتفوق أخلاقي ما
moral authority
، الدعوى الأخلاقية كثيرا ماتستخدم كأداة استراتيجية بناء وهدما، أن هناك تداخل كبير بين الاستراتيجية والأخلاق في مساحات معقدة ومهما يكن الشخص واقعيا لن ينكره، بالفعل أغلب الاستراتيجيين ينتمون للمدرسة الواقعية والتي الاستراتيجية منزوعة الأخلاق، إشارته أن الكثيرين يعتقدون أن الاستراتيجية غير المباشرة أكثر أخلاقية.. والحقيقة أن هذه الفرضية أول من سوقها ليدل هارت نفسه في بداية كتابه حيث أنه حمّل كلاوزفيتس (أو بمعنى أدق – كما اعترف هارت بذلك – التحريف الألماني ) مسئولية الكارثة الإنسانية والعسكرية للحرب الكبرى، حين دعى الأول لحرب الإبادة العسكرية
annihilation..
لكن طبعا هارت لم يقصد كما عرض الفصل الاستراتيجية غير المباشرة بحس الجراند استراتيجي – أو السياسة – بمعنى تجنب الحرب كخيار، ولكن على المستوى الاستراتيجي العسكري (وهارت كان فعليا يتعامل معه اصطلاحا كما نفهمه اليوم كمستوى العمليات) والتكتيك.
والطريف مثلا – أن هارت احتفي في طبعاته المتأخرة للكتاب بالتجربة الإسرائيلية لحرب 48، وترك يادين وإيجال آلون يكتبان تجربتهما في تطبيق استراتيجية ليدل هارت في الاقتراب غير المباشر..
نعم، نظريا، الخسارة البشرية لكل الأطراف ستكون أقل مع الاستراتيجية غير المباشرة، على عكس حروب ال
attrition
خصوصا بين جيوش احترافها وقدرتها العسكرية متدنية (حرب الخليج الأولى) أو متقاربة (الحرب الكبرى).. ولكن العنصر الأكثر حسما هو تجذر المجال الأخلاقي في التكوين والممارسة العسكرية وإنضاج آثاره، وليس النمط الاستراتيجي والعملياتي بشكل أساس.
مشكلة الفصل مع ذلك، وهذا ظهر في بعض الفصول الأخرى، أنه تغافل عن النقطة الجوهرية في فهم وتفسير الظاهرة والموضوع..
فهناك فارق جوهري بين (الممارسة الاستراتيجية) وهذا بطبيعة الحال لأنها بشرية، فهي خاضعة وتتأثر بالنوازع الأيديولوجية والمحددات الأخلاقية سواء قناعة أو توظيفا، تفيد أو لاتفيد المحصول الاستراتيجي.. ونحكي هنا بشكل تجريبي وليس معياري.. هذا دوما سيحدث..
أي جيش سيسعى لبناء وتوظيف واختلق دعوى أخلاقية، أي استراتيجية ستراعي في صنعها الآثار الناجمة عن السؤال الأخلاقي – دوليا واقليميا وداخليا وعند العدو – سواء آمنت بها أو لم تؤمن.
وبين (التحليل الاستراتيجي).. سواء حين نقيم التجارب من الخارج (استراتيجيا) أو كمرحلة جوهرية – وهي أساس – لأي (ممارسة) استراتيجية.
هذا التحليل يحرم عليه أصلا أن يكون منحازا أخلاقيا، لأن وظيفته الأساس هي (الجدوى) وليس الحقانية!!!
أنا حين أحلل ال
moral bombing
، أو مااصطلح عليه الضربات الاستراتيجية لإسرائيل في لبنان، أو الحرب العالمية، أنا معني- بالمنظور الاستراتيجي فقط بحساب الجدوى.. بمافيها جدوى الطروحات الأخلاقية والقانونية على جانبيه!
نعم – أنا كمحمد أو فلان – لي تصوراتي الأخلاقية.. مثلا في عدم شرعية عمليات استشهادية تستهدف مدنيين داخل إسرائيل، وقد أرفض مثلا تكييفات فقهية وأخلاقية عملتها حماس عندها.. وهذا يختلف عن موقفي مثلا – أخلاقيا وقانونيا – من الصواريخ ضعيفة التوجيه لحماس أو حزب الله، لأنه هناك منطق قانوني وأخلاقي قوي خلفها يخضع لعدم تناسبية القدرة وعدم الاستسهداف المباشر المُعيّن..
ولكن كل تقييمي هذا ليس له دخل – المفترض – في تحليلنا للجدوى الاستراتيجية، والتي يدخل فيها بكل تأكيد مدى نجاعة أو فشل تسويق الأطراف أخلاقيات لخياراتهم.
ولنسبة الفضل لأهله، التمييز بين التحليل والأداء الاستراتيجيين.
Strategic analysis vs making
هي فكرة قديمة لماوتسي تونج ، حين قال أن الأول علمي وموضوعي،والثاني بشري ومتحيز
subjective.
طبعا التحيز والذاتية تحضر أيضا في الأول، ولكنها نظريا وتطبيقيا أقل كثيرا من الثاني.
الحقيقة أعتقد – أن هناك بالفعل – مقاربة إسلامية قوية جدا ، ولاأقصد التراث الفقهي والتطبيق التاريخي والذين فيهما إشكالات ضخمة يخف كثيرا نقدنا لها إن وضعناها في سياقها الزمني، ولكن المصادر الأصلية بالأساس، فعلا بالضوابط الأخلاقية لممارسة الحرب، وكثير من الدراسات الغربية انتبهت لذلك.. سواء في مساحتي شن الحرب
Jus ad bellum
أو ممارسة الحرب (والأخيرة لها علاقة أكثر بالاستراتيجية)
Jus en bello
اشتركت مرة في سيمنارات بجامعتي في 2012 حول تأثير المركبات الأيديولوجية في الحرب والاستراتيجية، على هامش مؤتمر عن
(Liberal Way of War)
، وأتذكر أستاذي أعطى محاضرة في المؤتمر يسخر فيها من فكرته الأساسية، وقال مقولة
Is there any liberal versus socialist bullet?
وقدمت حينها مشاركة عن المقاربة الإسلامية لنظرية الحرب وأخلاقها..
وأعطيتها حينها بتبسيط للشباب في القاهرة.. ضمن دورة عن (النظرية الاستراتيجية العامة).
وهذا ممكن سحبه على تتبع التدخل الأخلاقي كما ذكرت.
بسم الله الرحمن الرحيم
ربنا يوفقك يا دكتور محمد
انا نفسي اتعرف عليك واقابلك
انا بحب اشوف الحلقات اللي يتقدمها
وان شاء الله بلدنا مصر هيكون ليها مستقبل كبير لأن فيها ناس امثال حضرتك
أهلا بك أخي العزيز
وشكرا على لطفك
أسعد بالتعرف عليك بالطبع ومقابلتك إن تيسر الأمر
هذا إيميلي الشخصي لتراسلني عليه
mohboraik@hotmail.com