https://www.raialyoum.com/index.php/%d8%af-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d8%b1%d9%8a%d9%83-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%82%d8%a7%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%b1%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d9%83%d9%8a-%d8%af%d9%8a
في يناير 2020، تناولنا في مقال (التدافع الاستراتيجي التركي المصري في أزمة ليبيا وشرق المتوسط: استقراء وتصور للحل) طبيعة محركات هذا التدافع (الاستراتيجية والسياسية الداخلية والشخصية)، وتجلياته في ليبيا بالأخص وشرق المتوسط، ولماذا على سبيل المثل رفضت مصر – عن حق – الاتفاقية الثنائية بين تركيا وحكومة طرابلس حينها لترسيم الحدود البحرية بالرغم من حصولها على حصة أكبر من أي اتفاقية محتملة أخرى؛ إذ أنه فهمه ضمن منطق حصد النقاط وتوسعة مساحات الحركة في سياق التدافع الأوسع، وبالأخص فليبيا هي خاصرة استراتيجية لمصر.
وبطبيعة الحال، كانت فكرة الحل الذي طرحناه هو مراجعة الفرضيات التي تحكم القوتين، وتعديل معتبر في سلوكهما. المصري- بتغيير منطق تدخله في ليبيا ليدعم الحل الشامل لدولة وطنية وليس دعم حفتر وتعميق تواصله مع حكومة طرابلس بالتغاضي عن حساسيته من خلفيتها الإخوانية. والتركي – بتطوير المنطق البراجماتي الذي بدأ يتحول له منذ مابعد كوباني وتعثر مشروعه الإقليمي الباحث عن الهيمنة، بحيث يقود ذلك لحوار حقيقي بين التركي والمصري لدعم حلول ناجعة بنظر مصلحة ليبيا وكذلك لمصلحة كل طرف.
وهذا سيفيد بالتأكيد أزمة شرق المتوسط وحدود التصادم بينهما ومالذلك من آثار إيجابية على ملفات الإقليم والداخل المصري – كما نزعم هنا.
التطورات التي حصلت بعد ذلك في مجملها كانت إيجابية، وساهمت في زيادة وتيرة مراجعة كل لنظام لسياسته، بسبب الإفلاس الجزئي لفرضيات حركته بأكثر منها مبادرة ذاتية للمراجعة أو المناورة – هذه كانت نتيجة لتلك.
بالنسبة للمصري، فبعد انهيار تقدم حفتر والهجوم المضاد لقوات حكومة طرابلس مدعومة بالميليشيات والتدخلات التركية، وصولا إلى الاقتراب من سرت والمثلث النفطي، قام المصري بعدة إجراءات معقولة، ومثلت في الحقيقة مراجعة كبيرة وتصحيح لمنطق تعامله مع الملف الليبي منذ 2014. تطوير رسالة ردعية بإمكانية التدخل العسكري المباشر ووضع سرت- الجفرة كخط أحمر. وأعتقد أن الرسالة كانت واضحة في
تعريف الخطورة الحيوية لهذا الملف، وحتمية التدخل، حتى وإن كانت مصداقيتها
Credibility
– بمعنى تمظهر هذا التدخل العسكري والقدرة على إعاشته وتحقيق أثره العملياتي فضلا عن الاستراتيجي محدودة بالنظر لكل الصعوبات في هذا المجال. ولكن التركي كذلك – كما أشرنا في المقال القديم وضعه أكثر صعوبة بالنظر لقلة حيوية الملف له وكل الصعوبات اللوجستية فضلا عن العملياتية كذلك لتطوير نتائج عسكرية واستراتيجية متماسكة.
ولكن أهم ماقام به المصري – ومثّل تحولا حقيقيا في سياسته هو التراجع عن دعمه المفرط لحفتر وتأخيره لصالح طرف معتدل في شرق ليبيا، والتقدم بمبادرة مصرية نحو حل مركزي وجيش وطني وطرد الميليشيات.. وبالرغم أن هذه المبادرة تأخرت لخمس سنين وتجاوزتها حقائق القوة السياسية والعسكرية على الأرض، وشابها الغموض حول مفهوم الجيش الوطني والميليشيات – إلا أنها أظهرت بوضوح انفتاح المصري على طرف طرابلس، خصوصا مع بدء التواصلات الجدية والتي التقطتها حكومة الوفاق وطرفها التركي الداعم.
ولتشابك الديناميات وتفاعلها إقليميا بين ليبيا وأزمة شرق المتوسط، فالتطورات التي حصلت في الأخيرة هيأت لوضع إيجابي لحلّ المشكل الليبي.
فمصر التي تموضعت ضمن محور يوناني – قبرصي – إسرائيلي للضغط على التركي (عموما في كل الملفات وبالأخص لعقابه على عدائيته الخطابية واحتضانه للتيار الإخوان، ولتحجيم نفوذه وحرية حركته في شرق المتوسط، قد أساءها تجاوز حلفائها لها في مشروع خط ايست ميد لنقل غاز شرق المتوسط لأوروبا، وكيف أنه يُهدّد طموح مصر أن تكون
Hub
إقليمي لمعالجة الغاز وتصديره.
تركيا كذلك تعرضت لمأزق حقيقي حيث انتبهت لمحدودية سياسة التصعيد وفرض الأمر الواقع – محدودية قانونية خصوصا مع تحزب الأطراف المشتركة في حوض شرق المتوسط ضدها، واستراتيجية – خصوصا للتوتر الناشيء مع الناتو وبالأخص فرنسا، وعدم تراجع اليونان أمام عرضها للقوة لحل مشكل الجرف القاري حول الجزر المتنازع عليها. ويُضاف على ذلك – تعثّرها في ليبيا ورضوخها لرسالة الردع المصرية ومحدودية كذلك بناء مصادر للقوة العسكرية وتحريكها في تلك الساحة.
بمعنى أدق – الطرفان المصري والتركي استشعرا مع الوقت القيمة المحورية لكل طرف في مصالح حيوية للطرف الآخر (تركيا لمصر في ليبيا)، و(مصر لتركيا في شرق المتوسط).. على الأقل، إن لم يحصل التقارب فضلا عن التحالف، فمهم درجة من تقليل العدائية والاحتشاد المضاد.
وسلسلة الرسائل الإيجابية بدأت مع موقف المصري في اتفاقيته مع اليونان لترسيم الحدود. بالرغم من أن المنطق الظاهر لها هو في إطار سياسة الضغط على التركي لتنعيم سلوكه في ليبيا وكذلك في ملف دعم الإخوان (وهنا عُنصر العداء الشخصي غير المسنود بمنطق ال
Real politics
، ولكنها كذلك راعت أن ترحل كل الملفات التي تمثل نزاعا بين اليوناني والتركي. وهي رسلة التقطها التركي بوضوح، وحينها صرّح أردوغان عن (سوء تفاهم بين النظامين، وأمل في حله).
وبغض النظر عن التسريبات حول كيفية ابتداء التواصلات المباشرة، فمسلك الحوادث فيما تلى كان جازما على حصول التقارب وبدء مراجعة خلفيات التصادم وبعض السياسات. فتم تعزيز التهدئة في ليبيا ومنع الانزلاق العسكري ولو حتى بثوب محلي، والوصول لاتفاقية من شأنها لو طُبّقت إنهاء الاحتراب الليبي ووضع لبنات استعادة الدولة المركزية – حتى وإن كان هذا يقتضي استراتيجيات في التحول السياسي والعسكري والأمني الداخلي ومراجعات ذاتية حقيقية للأطراف الليبية وأدوات ضامنة –إقليمية – لاستكمال هذه المحطات.
وكذلك تم الإقرار العلني بتواصلات على مستوى الاستخبارات والخارجية بين المصري والتركي. وصولا إلى ضغط التركي على القنوات الإخوانية بتغيير في بنية وسلوك خطابها المعادي ضد النظام المصري (على اختلاف في تصوير حدود هذا التغيير).
والآن نتحول لتناول ثلاث نقاط تراتبية – لتميم مقصد هذا المقال: ماهي مآلات والحدود الممكنة لهذا التقارب؟ وما موقف نظام أردوغان من الطرف الإخواني والمصريين المُعارضين داخل تركيا؟ والأهم – هل هناك انعكاس ممكن لملف التهدئة في الداخل المصري؟
النقطة الأولى (تطورات هذا التقارب) يحكمها قدرة الطرفين حقيقة على تطوير فهم مشترك للمصالح الإقليمية وكيفية تطوير علاج مشكلات الإقليم بناء على ذلك، وإدارة لما تراكم بالفعل من تحالفات مُعاكسة. وهذا لايعتمد فقط على مراجعة فرضيات التحرك السابقة (وهذه المراجعة حصلت وتحصل كما أسلفت) ولكن موقف الأطراف الأخرى كذلك – فكما أشرنا مثلا، فسلوك اليونان وإسرائيل الذي حاول إضعاف دور مصر ساهم في إعادة اعتبارها لقيمة عدم استعداء تركيا. وفي تقديري أن أيسر المسائل هو في ليبيا، لأن هناك تصميم مصري حقيقي خلفها، وكذا يُمكن بأشكال مختلفة الحفاظ على حد أدنى من المصالح التركية، والعقبة في هذا الملف هي بنيوية داخلية (مدى قدرة واستقامة الأطراف الليبية على المُضي في مراجعة وتصحيح وتطوير المسالك لصالح استعادة الدولة وتغليب منطقها العام على المصالح الفصائلية، وعلاج ماترتب على الواقع المُشوّه للانفصال من جراحات اجتماعية وتشظي عسكري ومؤسسي).
ملف شرق المتوسط أصعب، لأنه يلامس مصالح حيوية للفريقين، وصحيح أنه أكثر إلحاحا عند التركي، ولكن المصري الجزء الأهم خلف تحركه الضاغط فيه بسبب السلوك التركي المُعادي له كنظام (الخطاب العدائي ودعم الإخوان). ومن هنا – يظهر أن هذه النقطة الأخيرة لها قيمة متعدية في الحكم على مآل وحدود التقارب التركي المصري بمنطق التشابك والتداعي. هذا التقارب ستظهر آثاره الإيجابية في شرق المتوسط، حتى لو لم تقد لتحالف تركي مصري مواجه لليوناني والإسرائيلي (إذ أن صلات إيجابية ستبقى حاضرة بين المصري واليوناني، والتركي سيحرص كذلك على مساحة قريبة من الإسرائيلي) فستقود للحفاظ على حد أدنى من مصالح كل طرف، وبالعكس – تطوير بناء إدارة إقليمية أكثر عدالة لمشكلات الحدود المائية وإدارة موارد الغاز حين تتراجع القناعة بالقدرة على فرض الأمر الواقع وحدية التحالفات المواجهة.
أما أن يقود التقارب لأدوار إيجابية في بقية ملفات الإقليم – سوريا والعراق وفلسطين، والمشكل الخليجي، فهذا يقتضي تطوّر للدور المصري المتقزم أساسا في هذه المساحات. وربما يحدث هذا بإصلاح بنيوية في مجمل السياسة الداخلية وصولا للإقليمية.
النقطة الثانية.. إذن فهمنا أن مسألة تعامل نظام أردوغان بخصوص خطابه التجريمي للنظام المصري ودعمه للإخوان لها قيمة جوهرية في رسم حدود التقارب ومآلاته.
بوضوح – لايمكن لأردوغان الانقلاب كلية على سياسته السابقة تلك. نعم، لو هناك دعم لبعض الأنشطة والأجنحة التخريبية ستتوقف فورا، وسيتم الضغط لتنعيم الخطاب الاستفزازي والذي كثيرا بالفعل مايضر قضية المعارضة المصرية (ولا عجب هنا أن يتم التنويه على الالتزام بمسلكيات الخطاب الإعلامي، والمؤسف – أنه لم يدرك القائمون على المنابر الإعلامية تلك خطرها وسلبيتها، إلا بعد التنبيه التركي!).. ولكن في المقابل، لا يُمكن طرد الإخوان، أو وقف دعمهم كلية، ولا حتى تغيير خطاب أردوغان ليكون داعما أو متوائما مع نظام السيسي. لماذا؟ لأن المحرك الأساسي لأردوغان هو داخلي بالأساس (حماية وتطوير لحدود شرعيته السياسية وقدرته على السيطرة). ومثل هذه التغييرات ليست فقط ستأخذ بجلاء من شرعية خطابه وقيمته داخليا، ولكن ستؤثر بشكل سلبي على قاعدته الشعبية المتدينة، وتيمته الأساسية في تمظهره كقائد إسلامي (
pseudo-Caliphate!)
– حتى وإن انتكست معظم تجليات هذا الوهم كتحركات إقليمية – كما أشرت في المقال القديم، فلاتزال مرفودة بحشد إعلامي ودرامي ومنابر مستأجرة ومُستوعَبة.
ولهذا – فالنقطة الثالثة (تسوية بشكل ما للمشكل الإخواني مع النظام المصري)، هي مطلب حيوي لصالح التركي لكي يُمكنه تعميق تقاربه دون محظورات.. وهي بالرغم من أنها لا تمثل بحد ذاتها هاجسا للنظام المصري؛ إذ أنه بنظرته الضيقة لمفهوم وطبيعة القوة السياسية يرى أن نشاط الإخوان تم إفلاسه ذاتيا وبالقبضة الأمنية منذ 2015، واستطاع النظام أن يغلق باب الحياة السياسية بكل هواجسها المحتملة ويُحوّل الدستور المصري إلى وثيقة ملكية ليس فيها شركاء متشاكسون، إلا أن قيمتها تنبع من أهميتها عند التركي (كذلك بفعل تأثيرها على صورته الداخلية وليس قناعة أخلاقية أو غائية) وأثر ذلك على التقارب الذي يحتاجه المصري بإلحاح في ليبيا والتركي في شرق المتوسط، وبدرجة أقل لكل طرف في الدائرة الأخرى.
بوضوح – نحن لانحكي هنا عن تعديل جذري في بنية النظام المصري ينطلق من مفهوم أن تعظيم قدرة الدولة الاستراتيجية يقتضي تغييرا بنيويا لها. داخليا – تكون قادرة على إدارة وتطوير ملفات الحوكمة الداخلية خصوصا في ملفات الاقتصاد والبنية التحتية في التعليم والصحة والتنمية والتصنيع، وغلق باب السياسات النكِدة في حصر مفهوم التنمية على المشاريع الإنشائية التي يُتقنها الجيش وتؤثر على جودة التخطيط الاستراتيجي التنموي وتؤثر على احترافية الجيش وقدرة الدولة على تطوير استراتيجية دفاعية رشيدة. وفي السياق الخارجي – تتطلب زيادة وزن الدولة كصيغة قوة
Image of Power
للحركة في الإقليم، والقدرة على تخليق وتطبيق استراتيجية دفاعية وأمن قومية، خلفها دعم خبراتي وشعبي واسع، خصوصا في ملفات ليبيا وسد النهضة، وتطوير الحركة الإقليمية في بناء منظومة دفاعية عربية للتعامل مع الملفات الشائكة وفرض ميزان للسيادة والحركة أمام الأطراف الإقليمية (إيران وتركيا، وبالأخص إسرائيل) والخارجية (الأمريكي والروسي) بمفهوم استقلالي ومستجد للمصلحة القومية وانعكاساتها في سياسات الخارجية والدفاع والأمن.
نحن لانقصد أيا من هذا! فقط نحكي هنا عن حل جزئي لجوانب محددة للمأزق المصري الداخلي (سلوك النظام الذي يُفاقم محنة إنسانية واجتماعية لآلاف الأسر المُشردة والمهاجرة قسرا والمفتقدة لعوائلها، والغلق الكامل للحياة السياسية)، وسلوك المعارضة (تحالف الإخوان تحديدا – في مساحة الاتكاء على الأجنبي، وتورط قطاعات منه وإن تم لفظها رسميا وإن ليس بشكل كامل للعنف وتقديم شرعنة له في أوقات سابقة، فضلا عن الخطاب المُعارض البعيد عن الانتماء للمصلحة الوطنية وتكريس النزاهة الاحترافية في مناقشة مسلكيات النظام)..
قد يؤثر ما سبق على تحسين مجمل ظروف البيئة السياسية – نعم. ولكن مايتعداه من جوانب أكثر جوهرية (سواء مسئولية النظام المباشرة عن فاتورة دم تمثل جرحا واحتقانا في الضمير المصري وكذلك الخلل البنيوي في بناء شرعيته السياسية وبالأخص بعد فرض التعديلات الدستورية والتسبب في إشكالات بنيوية في مؤسسات الجيش والقضاء كشرعية اجتماعية وسياسية وليس فقط وظيفية) ، وكذلك مشاركة تحالف الإخوان في مراحل سابقة في التهييج وفاتورة الدم دون أفق سياسي وأخلاقي معتبر، فضلا عن خطاياها في دفن مرحلة التحول الديمقراطي ما بعد يناير وافتقاد نظامها لكثير من مرتكزات الشرعية السياسية) – ليس ماتسمح المرحلة ومنطق المصالح والضغوطات والإفلاسات على علاجه، لأنه يقتضي مراجعات جذرية لكل الأطراف وتطور موازين قوى مختلفة، خصوصا بالنظر إلى غياب قوة سياسية مصرية حقيقية تمثل بديلا كمشروع ومساحات رشد واستقامة وخبرة ودوائر تأييد شعبي، ولا يمكن تصور أي إصلاح سياسي جذري ينشأ بدون عدالة انتقالية حقيقية والتوفية الاجتماعية والشعورية لفواتير الدم التي تحملتها كل الأطراف بتناسبية لاشك فيها
بمعنى أدق – مصر تحتاج لفترة تُضمّد فيها الجراح النازفة، وبشكل لايُمثل هاجسا مقلقا على مصالح وتصورات الأطراف الموجودة بالمشهد، والتي بالتأكيد يُمثّل النظام ميزان قوتها الأساس، ورغبته الأقل إلحاحا للوصول لتهدئة بالداخل (حتى مع إعمال عنصر الحاجة لتقارب مع التركي) يحكم على فرصها ومنتوجها.
وبالتأكيد يبقى على طاولة الحراجة، ملفات كوقف التهييج الإعلامي، وتخفيف القبضة الأمنية الخانقة، وتسوية أوضاع الحالات الإنسانية المُلحّة، وتقليل الاعتماد المادي والسياسي على الطرف الخارجي، انتقالا لملفات أعمق مثل تنحي الإخوان – كجماعة دعوية – عن النشاط السياسي التنافسي، والتسوية الشاملة للأوضاع العدالية المشوهة وعلاج معاناة المُهجّرين قسرا وبعض إصلاحات منظومة العدالة والأمن.
ولعل درجة ما من إدراك ماسبق، وربما بمبادرة من التركي كما أُرجِّح، كانت خلف تصريح إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد الإخوان حول استعدادهم لمقاربة هذه التهدئة، وربما العيب الجوهري في تصريحه كانت الإشارة أنها تحت قيادة تركيا، وهذا يضرب على نفس وتر الاستفزاز وخفوت الحس الوطني، وكان الأليق هو الحديث عن وساطة تركيا.
تناول مسألة التهدئة داخل مصر، فلسفتها وحدودها وأثرها الإيجابي على مساحات التفاعل السياسي بمصر، وكذلك نظرة الأطراف لها وهواجسهم، وماهو منطقها العملاني الذي يُعزز من المصالح ويُقلل من هواجس الأطراف له موضع تال. ولكن ربما يكفينا هنا تأكيد موضعتها ضمن دينامية التقارب المصري والتركي، وأن لها فرصا حقيقيا لابد أن تتحمل الأطراف مسئوليتها الوطنية والإنسانية، وتتحلى بحد أدنى معقول من الشعور الوطني والأخلاقي لاستكشافها.
ذات صلة:
التدافع الاستراتيجي التركي والمصري في ليبيا، وأزمة شرق المتوسط
السلام عليكم و رحمة الله
جمعة مباركة يا سيدي
لو تسمح لي بالاستفسار عن طريقة تسوية فواتير الدم بين الطرفين ؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مرحبا بك… جمعة مباركة.
لست متأكدا هل تسأل تحديدا عنمنطق وأدوات العدالة الانتقالية، أم تقصد التحليل السياسي والأخلاقي لمدى مسئولية الأطراف عن فواتير الدماء تلك..
بداية – مقصود المقال لم يتطلب الحديث على النقطتين السابقتين، ولكن فهم دينامية التقارب التركي المصري وموضعة التهدئة الداخلية فيه.
وسبق لي الحديث عنها في مواضع مختلفة ، ولكن أشير هنا لنقاط محددة:
أولا) بالرغم من المسئولية السياسية الرئيسة، والجنائية في أغلب الأوضاع، لنظام مابعد 3 يوليو عن دماء آلاف الشهداء في المظاهرات والفعاليات المختلفة ، وهذه مسألة محسومة.. وهذا حتى بالنظر لتقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان التابع للدولة – فأغلب من قُتِل كان من المدنين العُزَّل وبالرصاص (العشوائي) للشرطة. ولكن كذلك – فإن طرف الإخوان وتحالفهم له مسئولية مباشرة: ليس فقط بالمعنى السياسي بخصوص التجييش الهستيري للشباب وتصويرهم للمعركة أنها بين الحق والباطل والإسلام والكفر أو للشرعية الديمقراطية (وكلها صياغات غير صحيحة وليست صادقة) ودفعهم لهذه المعركة والاستشهاد فيها دون أفق سياسي واضح – سوى الاتكاء على انشقاق للجيش أو تدخل خارجي – وكلاهما لم يكن مُحتملا حصوله وهو بحد ذاته جرم وطني وأخلاقي حتى بتحققه.. وبخصوص رابعة والنهضة تحديدا، فكان هناك علم مسبق بالفض، ولكن بدل كشف هذا الأمر وتبعاته بجلاء للآلاف المعتصمة، فاستمرت وتيرة الشحن والتجييش حتى النهاية.
لكن أيضا بالمعنى الجنائي، فوجود سلاح في تظاهرات سلمية، ثم في اعتصامات بعد ذلك، هو جرم بالتوصيف المباشر والأخطر بما يقود إليه. بمعنى – أحد الأصدقاء سألني قبل الفض بأيام قليلة، عن نسبة الخسائر المحتملة. فأجبته: بالنظر لطبيعة الاهتراء الاحترافي لقوات الشرطة (نعم.. الجيش كان في خلفية الفض ولم يقم به فعلا!!) وعدم قدرتها للتعامل في فض التجمعات الشعبية، فكل قطعة سلاح موجودة وسط المدنيين، ستتسبب في عشرة قتلى، وهذا دون اعتبار عنصر الانتقام الموجود في نفسية الشرطة حتى.
فضلا عن التعمد في الاستمرار بسياسة الخروج من الاعتصام ليلا لغلق الممرات الحيوية للعاصمة، وهي التي استعدت قرار الفض بالأصل.
ثانيا)، فواتير الدم يُقصد بها كذلك تلك الخاصة بالأطراف الأخرى – غير تحالف الإخوان! سواء القتلي والإصابات جراء مظاهرات حلفاء الإخوان منذ 30 يونيو (وهناك توثيق معقول لها مثلا في موقع ويكي ثورة)، وكذلك تلك الخاصة بقتلى الشرطة في عمليات الفض والتعامل مع التظاهرات، ثم نتاج الإرهاب البدائي والمتوسط الذي قامت به أجنحة ارتبطت بهذا التحالف (بدءا من المقاومة الشعبية، والعمليات النوعية، وصولا لحسم).. وكل هذه مسئوليات جنائية وسياسية مباشرة.
لاننس فتوى القصاص التي قدمت شرعنة له، وغفلت عن أبسط قواعد النظر الشرعي أن القصاص (هم حكم قضائي ينطلق من مركزية الحفاظ النظام العام، والتحقيق في أدلة الأقضية، ولا يمكن أن يكون إفتاء حتى بشرط نزاهته وعلميته!)
ثم لسنين نفى تحالف الإخوان وكثير فعلا من مؤيديهم كانوا مقتنعين – أن الإخوان لم تنخرط منهم مجاميع في نشاط مسلح. وأذكر حوارا لي مع أهم قيادة إخوانية حالية – في ديسمبر 2016 وحينها بالمناسبة طلب مني ورقة عن التهدئة نشرتها تاليا في المدونة. سألته: متى علمت أن مجاميعا من الإخوان سلكت هذا الطريق. قال لي في أواخر 2015! فأجبته: أنا اللي عايش بالغرب وكنت أنزل مصر زيارات عابرة عرفت في فبراير 2014. ومع ذلك بقي يُعلن أن جماعته بقيت بعيدة عن الأمر.. فقط في النزاع الداخلي وضرب تيار الأمانة العامة كانوا يستدعون هذا الملف.
وحتى الإرهاب الاحترافي في سيناء والوادي، سواء الدعم النفسي له، أو تمييع محاربته – عبر التأكيد لسنوات طويلة في مخالفة لأي بدهية وعي سياسي أو أخلاقية أنه من مسئولية النظام الجنائية. نعم – النظام بالتأكيد له مسئولية ضخمة عليه بالمعنى السياسي – تبعا لفاتورة الاحتقان والظلم فضلا عن فشله في محاربته وارتكابه جرائم حرب!، ولكن هذا التوصيف المعتوه عن أنه من يقوم به مستترا هو بحد ذاته جريمة حتى في حق البناء الإدراكي للناس- لاحظ أن الملايين من متابعي خطاب تحالف الإخوان بقوا لسنين يصدقونه بتسليم وفجأة اختفى دون تساؤل كذلك!
كل ماسبق، لا أقصد به (التسوية) بين كل الأطراف في مسئوليتها عن كل أنواع وحجوم الدماء! بطبيعة الحال، النظام بمصر له المسئولية الأكبر بالمعنى السياسي على العموم، والجنائي عن دماء آلاف الشهداء المدنيين في التظاهرات والاعتصامات. ولكن التأكيد – أن هناك (اشتراك) لمعظم الأطراف في نصاب الدم هذا، وأعني كذلك كل أنواع الدماء.
فضلا، أن فواتير الدم تلك ليس مقصودا بها فقط التي حصلت بعد 30 يونيو 2013، ولكن منذ 25 يناير 2011.. بكل مسئولياتها السياسية والجنائية، والتي تُغطي كذلك سنة حكم الإخوان.
ثالثا) وهنا نأتي لمسألة (العدالة الانتقالية).. هي تختلف أشرف عن العدالة (الناجزة).. وهذا حتى كنا نقوله في 2011و 2012 – حين كانت هناك مسئوليات جنائية وسياسية واضحة لنظام مبارك ثم المجلس العسكري، وحين كان شبابنا الذي استُشهد لم تُغرّر به هلاوس تمكين تنظيم، أو تحشيد زائف لحرب عن (الدين)، أو المقصد كان استعادة سلطة ضائعة. وحين كانت موازين القوى – وهذه أهم نقطة – لصالح الحالة الشعبية إذ أننا كنا في أعقاب ثورة، ومرحلة انتقالية وتيار شعبي جارف، وفشل النظام وتوابعه في كل الانتخابات.
وأذكر حينها تصريحا لمحمود غزلان حول المصالحة مع النظام فيما يتعلق بجوانب القصاص. وعلقت في وقتها: أن العدالة الانتقالية لا مناص عنها ولكن لها منطق وظرف شديد الاختلاف.
وسأعود لهذه التصريح وسلوك الإخوان مع الملف بعد تناول العدالة الانتقالية.
في حالات الفوضى الأمنية والحرب الأهلية، وأو فترات من التحول الديمقراطي من نظام ارتكب انتهاكات حقوقية جسيمة.. يكون من الصعب الوصول لعدالة ناجزة.. لماذا؟
1- لأن تشوه أدوات التحقيق واهتراء الأدلة العدالية، وطبيعة السلوك العملي للمؤسسات الأمنية في عدم توثيق كثير من أوامر التصفية، يجعل هناك صعوبة بالغة من التحقيق العدالي بالمعنى الجنائي. يُمكنك أن تحدد بسهولة المسئولية السياسية (أوامر الفضّ) ولكن صياغاتها دوما يُدفع أنها ضمن سياق القانون بمبادئه الخاصة بتناسبية القوة مثلا. ويكون أصعب أن تُحدد من أطلق فعليا الرصاص (العشوائي) أو الانتقامي وتمييزه عن الاستخدام المشروع له.
وإن كان هو ليس مستحيلا في كل الأحوال، ولكن صعب.
2- ليس فقط أن هناك صعوبة في تحقيق العدالة الناجزة.. بل إن ثمن تحقيقها لن يتحمله ، إما بسبب حجم ضرر كبير في بنيته وسلامته، أو تفويته لمصالح ضرورية لبناء نظام سياسي وعدالي مستجد.. بمعنى:
أ. إذا تتبعنا فعليا كل المسئوليات السياسية والجنائية – بما فيها مجرد التحريض على الفيسبوك – في كل ماسبق تناوله من فواتير الدماء، فستكون فاتورة القصاص مُرعبة وتهدم تماما بنية المجتمع وسلامته.. فضلا – أننا نحكي عن مؤسسات وكيانات ذات تجذر وشعبية واسعة .. (الجيش، الإخوان، الشرطة، أحزاب مدنية، وحتى أطراف إقليمية).
ب. غالبا تُطرح العدالة الانتقالية في وضع به تصادم إرادات وموازين قوى، وحال تحول ديمقراطي واجتماعي.. فيتم الضغط بملفات فواتير الدماء والانتهاكات على الأطراف المعنية لتنعيم ممانعتها ضد خيارات وآلات استعادة الديمقراطية، والأخطر التحول في مؤسسات الأمن والعدالة لضمان عدم تكرار الانتهاكات تلك.
رابعا) ولهذا تًحاول منهجية العدالة الانتقالية أن تُقارب وتوازن بين ماسبق.. لأنه بوضوح جلي، لايُمكن لمجتمع أن يتحرك للأمام، وهو مُعبّأ بفواتير الدم والانتهاكات تلك.. وحتى نحن كبشر لنا تركيب أخلاقي ونفسي محدد، لايُمكننا أن نعيش حياتنا مع تلك الغُصة – خصوصا لو كان الشهداء لنا بهم صلة القربي الشخصية أو في القضية والمبدأ. وهذا مقصود الآية الكريمة في ربط (الحياة) ب (القصاص).
العدالة الانتقالية ترتكز على ثلاثة نقاط جوهرية:
ا- ظرف عام يرتبط بتغير موازين القوى.. أي حصول ضغط واسع تُجبر الأطراف المعنية على المُضي فيها (الحرب الأهلية في لبنان مثلا بإفلاس الأطراف والضغط الذي حصل على المارون وكذلك حزم الضغوظات والترغيبات التي قدمتها الأطراف الدولية والإقليمية الراعية)، ومثل الأمر حصل في كل التجارب : أيرلندا الشمالية، جنوب أفريقيا، أمريكا اللاتينية.
2- لجان تحقيق واسعة ومحايدة، لاستجلاء أكبر ما يُمكن الوصول له من سلسال الحقائق. ولابد أن يتمثل فيها ليس فقط العنصر القضائي والحقوقي، ولكن تمثيلا واضحا لكل أطراف الدم مُجرّدين عن صلاتهم السياسية والحزبية. أهم ركيزة في العدالة الانتقالية هي مساعدة المجتمع لاكتشاف الحقيقة وأن هذا – ليس فقط مهما كوفاء للشهداء – ولكن تقديم فرصا للندم والتوفية العدالية والعقابية.
3- ولهذا، فلابد أن تتحرك العملية على تشريع توافقي يضع في الأخير أكواد مخففة للعقاب، إلا في أحوال يكون فيها الجرم واضحا بتلبس وقصد كاملين، وتفتح مساحة أوسع للمصالحة على قاعدة التبادلية والقبول بتغييرات هيكلية في بنية النظام السياسي والعدالة وإصلاح أجهزة الأمن وتطوير العلاقات المدنية العسكرية.. وهذه هي الثمرة الحقيقية.
ولهذا -نفهم هنا، لماذا تصريح القيادي الإخواني في 2012 كان خاطئا.
لأنه لم يطرح تلك المنهجية القائمة على التحقيق، وأولوية العدالة كفكرة وخصوع – حتى إن لم تكن ناجزة، ولم تأتي في معرض تفاوض لإعادة تعريف موازين القوى ولصالح تنحي المجلس العسكري مثلا عن السلطة والقبول بتغييرات هيكلية في جهاز الأمن وعلاقته مع الدولة الناشئة.. ولكن كانت في أوائل 2012 على ما أذكر.
نقطة جانبية – سلوك نظام الإخوان مع هذا الملف أيض كان شديد الانتهازية؛ إذ أن استغل أحكام البراءات في نوفمبر 2012، ليصد ر الإعلان الدستوري الكارثي الذي هدم السلطة القضائية وجعل الرئيس حاكما بأمره، وكان العنوان الأبرز حينها: تحريك منظومة عدالة ثورية للقصاص.. الغرض الحقيقي بالأساس كان منع المحكمة الدستورية من نظر شرعية جمعية الدستور، وبالفعل – حين تم تأجيل نظر المحكمة للقضية تحت ضغط الإعلان ومظاهرات الإخوان التي منعتها من الانعقاد ولكن بضوء أخضر من الجيش كما أظن، تم التراجع عته خصوصا مع الضغط الشعبي المفاجيء في أحداث الاتحادية.
وحين نظرت المحكمة القضية بعد الاستفتاء، خلصت لبطلان شرعية الجمعية التأسيسية، ولكن إهدار ذلك مع اعتبار الموافقة الشعبية على الدستور بما لها من قيمة حاكمة. وربما كان هناك عنصر سياسي في تمرير الدستور بالنظر لتأييد المجلس العسكري له.
لكن النقطة الأهم هنا، هي أن العنوان الذي تحركت له كل هذه الجلبة (محاكمات ثورية) فجأة اختفى. ولم يتبق منها إلا تعيين محامي عام موالٍ (تغاضى عن تحريك قضايا ضد انتهاكات ، نعناصر إخوانية قامت بتعذيب أفراد عند قصر الاتحادية واشتركت في العنف وفاتورة القتلى حينها)، وكان أحد أهم أسباب وأدوات أزمة ماقبل 30 يونيو.. وفي رأيي – حتى توهين الشرعية السياسية للنظام في مفصل هام كاستقلال القضاء، بالإضافة لنقاط جوهرية أخرية. فالعبرة في الأخير هو السعي لاستقلاليته على الحقيقة (خصوصا مؤسسة الادعاء) وليست أن تكون موالية وبتعيين الرئيس! أي استبدال تبعية بأخرى!
إذن، باستعراض كل ماسبق، نفهم أن هناك متطلبات وجودية لتحريك مشروع للعدالة الانتقالية غائبة بالأساس.. ونحن الآن كما أشار المقال، في مرحلة بدائية للغاية.. فقط لنزع فتيل الأزمة الاجتماعية والإنسانية الخانقة، وفتح بعض النوافذ في الحال السياسي العام.
والحقيقة – أن الظروف في ديسمبر 2016 – حين كتبت ورقة التهدئة (وكانت بطلب أهم قيادات الإخوان بالمناسبة، وأوصلتها عن طريق وسيط كذلك للنظام) – كانت أفضل كثيرا مما هي عليه الآن.. حتى باعتبار النقطة التي ألح عليها هذا المقال من استعادة التقارب التركي المصري الناشيء لفرصتها ولو بدرجات أقل.
وكان رأيي حينها ضرورة المراجعة السياسية قبل المصالحة والتهدئة الجذرية تلك، لأنه بدون التخلي عن الصورة الملائكية للذات والمشيطنة للخصم عند تيار الإخوان، فأي حديث من قيادته على التهدئة سيدفعهم للتشنج والتخوين، ولكنه حينها رفض كلية فكرة المراجعات، وأنه فقط مهتم بالتهدئة مع النظام
وبالفعل، بعد حديثنا بأيام- بمجرد أن أشار عرضا لفكرة التهدئة انقلبت عليه الدنيا، فتنصل منها.
ولكنه هاهو يعود لها الآن بكل ثقة، مع الدعم التركي، وإن كان في ظرف أقسى كثيرا على مصر وشعبها، وأقل ضغطا على النظام من 2016!
لو تسمح لي يا دكتور
انا فهمت بشكل عام من المقال
أن أردوغان محتاج لتسوية الوضع داخليا و لو بعض الشيء بين السيسي و الإخوان لان شرعيته المحلية داخليا في تركية لا تسمح له بالانقلاب على الاخوان و تسليمهم للسيسي مقابل التهدئة معه فليس أمامه غير الضغط على السيسي لتنعيم موقفه من الاخوان لكي يحدث التهدئة بينه و بين السيسي دون ان يخسر شعبيته المحلية داخليا القائمة على صورته المرسومة على انه نصير الضعفاء و خليفة المسلمين و خلافه
هل هذا الفهم صحيح و إذا كان كذلك فما مدى إحتياج أردوغان لذلك ؟
هل هي حاجة ضرورية ماسة بالنسبة له إذا لم يحدث التهدئة مع مصر بهذه الطريقة سيخسر بشدة أم أنها خطة تحسينية للموقف الخارجي لا اكثر و ممكن يكون لها بدائل او يمكن الاستغناء عنها ؟
ليس هناك حاجة ضرورية بالطبع، أو خط وحيد – فضلا أن هناك درجات نسبية من التقارب وليس (نعم أو لا).. وبالأخص – كما أشرتُ في المقال – دينامية التفاعل بين التركي والمصري (احتياج الأول للثاني مثلا) تعتمد كذلك على مواقف الأطراف الأخرى .. هل
سيبقى موقف اليونان مُصادما حول جوانب الجرف القاري أو تكثيف التواجد العسكري التركي البحري؟ في الأغلب نعم؟
هل من الممكن اقتراب التركي أكثر من الإسرائيلي لتنعيم موقفه أو حرفه قليلا لصالحه في التفاوض الإقليمي.. نعم. خصوصا باستغلال حاجة الإسرائيلي لتنعيم الموقف التركي من خط ايست ميد.
هل هناك تقليل في خلفية التحالف المصري مع اليوناني والإسرائيلي، فتزداد حاجة المصري للاقتراب من التركي أو عدم معاداته؟ نعم هذا حصل، وإن كان الأكثر تأثيرا على المصري ملف ليبيا. وهذا معناه أن ضغط المصري على التركي سيقلّ في ملف دعم الإخوان.
محصلة ما سبق: هناك احتياج حقيقي لكل طرف من الآخر، وهذا مُرشّح للتصاعد. ولكن هناك درجات متباينة من هذا الاقتراب وليس بالضرورة أن تصل لحد يُجبر فيه الطرفين على الضغط الكامل في ملف الإخوان من قبل المصري، أو ضرورة عمل تحالف رسمي يكون مُحرجا لأردوغان في الجهة الأخرى… هذا يعتمد على تصرفات الأطراف الأخرى، وتقييم المصري والتركي لخارطة الاحتياج.
ولكن الأرجح، أن حالة التنازع في شرق المتوسط واشتباك المصالح بليبيا، ستدفع الطرفين لمستويات أعلى من التنسيق والتوافق الرسمي، وهذا لا مناص من ضغطه على أردوغان ليطلب من المصري – الراغب كذلك غالبا في ذات درجة التقارب – لحلحة ملف الإخوان.
[…] […]
[…] […]
[…] […]