ما رأيك في موضوع كردستان ؟ ماهو واقعه الاستراتيجي والدولي؟ وتأثيراتها المحتملة على الخليج؟
بخصوص كردستان، فأعتقد أن العنصر المشترك في هذه الأزمة وكل ماسبق ومايأتي من أزمات جيوسياسية وأمنية، أنها تقع على مفترق طرق ثلاثة منحنيات أساسية في الصراع بالمنطقة:
التدافع الدولي خصوصا بين الأمريكي والروسي وبدرجة أقل الصيني وفي الأغلب مساحة خلفية غير مركزية يُمكن التساهل وتوفية فواتير نفوذ،
والحرب الباردة (الحارة أحيانا في ملفات طرفية) بين السعودية والخليج وبين إيران،
وبالتأكيد – المواجهة بين محور إيران- الأسد – حزب الله – حماس والجهاد مع إسرائيل (للأسف ليس عندنا صراع عربي إسرائيلي الآن بمعناه التاريخي التقليدي!).
وتركيا تتنقل يمنة ويسرة مع هذا المحور أو ذاك حسب الملف ، وإدراكها – بأثر رجعي غالبا – لأهمية تصحيح بعض أخطاء الحساب السابقة.
فبالإضافة للمعطيات الظرفية لأي أزمة محلية أو إقليمية، وماتؤثر به على حسابات الأطراف للمصالح والخسائر عموما، أو في دفع موطن قدم في هذا التدافع وذاك، فأنت أمام نسبية شديدة وتغير دائم سواء في مواقع الجهات داخل كل محور، أو تقييماتها سالفة الذكر.
وكل ذلك في خلفيته الأسئلة الجوهرية وخلخلة الفرضيات التي تحكم الإشكال التاريخي ومستوى الانحدار أو التطور الاجتماعي والسياسي والعسكري في منطقتنا طيلة القرن الفائت.
فمثلا – كردستان:
– عندك المأساة التاريخية التي اقترفناها كعرب – أنظمة أو نخب مؤمنة بالفكر القومي أو حتى الإسلامي – في دهس وازدراء التطلعات السياسية والثقافية لشعب له ميراث تاريخي وثقل بشري.
وفي مقابلها التورط المبكر للقيادات الكردية في الاستجابة لمخططات القوى المعادية وتموضعها في قلب الاستراتيجية الإسرائيلية في تحريك الأطراف والأقليات.
ثم الخطايا الجيوسياسية التي ساهمت فيها خيارات حمقاء للخليج في التخلص من أنظمة العراق وسورية – بكل مافيها من سوءات ومارتكبته هي نفسها من كوارث – ولكنها حافظت على أطر مركزية وفضاء سيادي معقول. وبالطبع – لم يكن مواجهة تلك الأنظمة تعبيرا عن أي تحيز قيمي وديمقراطي، ولكن تدافع نفوذ وتصفية حسابات بالعقلية القبلية.
وكل ماارتبط بذلك ونتج عنه من حلحلة عنيفة سواء في انهيار سوريا والعراق، وظهور داعش والميليشيات التصفوية والمذهبية سنية أو شيعية، والحرب الأهلية بالعراق وسوريا، والتدخل العسكري المباشير (الأمريكي منذ 1990 – ثم 2003، والروسي في 2014).. وظهور الأكراد كقوة عسكرية معقولة في إطار استراتيجية التحالف ضد داعش.
– وبشكل أكثر آنية، فنحن أمام أزمة- – دون التهويل فيها – تتلخص فيها عناصر المأزق التاريخي السابق:
1- فدولة كردية وراءها قوة دفع حقيقية – كمعطى تاريخي، وتوازن قوى، ولكنها ستستدعي اشتباكا مع تركيا وإيران والحكومة المركزية في كل من العراق وسوريا (كحليف إيراني).
2- موقف الخليجي فيها واضح أنه أقرب للإغضاء من الاعتراض الحقيقي، تصورا أن في ذلك إشغالا للإيراني.
3- ولكنه في المقابل، لايُمكن توقع اتساع هذا الإشغال ليعكس مااكتسابه الإيراني من مساحة نفوذ إقليمي خلال السنوات الأخيرة، والأوقع – هو الوصول لصيغ تفاهمية وتحجيم للدولة الكردية الناشئة.
4- وأيضا حجم الأخطار قد لا تكون مُقلقة بحد ذاتها بالنظر لوضع الخليج والمملكة الحالي:
صحيح – أن عدوى التقسيم من الممكن أن تسري – ونحكي تحديدا عن السعودية والبحرين، ولكنها تكون فاعلة إذا أتاحت لها الفوضى السياسية والأمنية مساحة ما.
أما تطور نفوذ الإسرائيلي، فثقل العنصر الكردي في استراتيجية التمدد الإسرائيلي بالإقليم قل كثيرا عن عشرين عام خلت/ حين كان هناك شيء اسمه العراق وسوريا.. ولكن بلاشك سيدعم مايأمله الإسرائيلي من سياسة تقسيم سوريا.
والأخطر في هذا الشأن للمفارقة – هو وهم الخليجي الذي يتخاصم مع فكرة الصراع العربي الإسرائيلي وفرضياتها التي حكمت صيرورتنا التاريخي لسبعين عام خلت. بمعنى – أن آخر مايشغل السعودي حاليا هو نفوذ إسرائيلي يتزايد، مع اقتناعه بفكرة استراتيجية حتى لو لم تنضج، وصعوبة توفر معطياتها السياسية خصوصا من جانب الإسرائيلي نفس، حول التحالف العربي الإسرائيلي ضد إيران وحل (تصفية) المأزق الفلسطيني.
الخلاصة – أني لاأرى – بمنطق الخيارات الأساسية للخليجي حتى لو لم تنضج، أو حتى بالمنطق العام، مساحة تهديد تمثله الأزمة الكردية بحد ذاتها، ولا حتى مصلحة ضخمة ولو توهمها البعض.. إلا بقدر ماتُمثله هذه الأزمة من تأكيد لسردية الانهيار للمشروع العربي، وحجم التهديد الداخلي المتعلق بأزمة الشرعية السياسية والتحول الاجتماعي والسياسي والإقليمي المطلوب في بلادنا.
فبالتأكيد – بنظرتي مثلا: عندي مشكلة وجودية في انهيار العراق، وانهيار سوريا، وانسحاب مصر كلية من دور إقليمي فاعل ومستقل تبعا لانحطاطها السياسي والاقتصادي والعسكري، وغيوم ثقيلة تُخيم على السعودية والإمارات سواء من أزمات داخلية فيما يتعلق بانتقال السلطة وإعادة تجديد شرعية سياسية في ظل تراجع الصيغة الحاكمة منذ النشأة وتهديدات أمنية كفواتير لخيارات طائشة في التدافع الإقليمي مع إيران، أو لأخرى محتملة قد تصل لحد حرب مواجهة، وفوق كل ذلك تضخم قدرة الاسرائيلي العسكرية وقدرته على الحركة استراتيجيا في الإقليم، وأن من يواجهه بالأساس غير منسجم مع مشروع إقليمي إيجابي ويتحرك لمصالحنا وحدود قضيتنا التاريخية على الحقيقة (أعني محور إيران)
في سياق هذه المخاطر الوجودية والشاملة.. يُمكننا فقط تكييف الأزمة الكردية كموقع للاشتباك المحدود والقراءات المجتزئة لمصلحة هنا أو تهديد هناك.
وكيف نرى منظومة التحالفات ما بعد قيام الدولة؟
وهل يمكن أن الاكراد يسعود فقط لمجرد صلاحيات ومستحقات أكثر من الحكومة المركزية؟
الحقيقة القضية الكردية أعقد كثيرا من مجرد توسعة للصلاحيات والمكاسب من الحكومة المركزية.. هناك ميراث تاريخي ثقيل كما ذكرت، وأشواق غير محدودة خلف مسألة إقامة دولة كردية لتجمع شتات الشعب الكردي الموزع على أربع دول..
وهذا بالأخص سر التوتر الكبير عند تركيا وإيران.
وليس الموضوع صلاحيات (بالفعل الأكراد يأخذون من الموازنة ضعف حجمهم النسبي، وفعليا لهم استقلال ذاتي وجيش ذاتي وعلم وبرلمان، أي أقرب فعليا للدولة والكونفيدرالية)، ولكن قناعة أن اللحظة التاريخية قد حانت لهذا المشروع الكبير (مع انهيار الدول المركزية العربية، وتطور الأداة العسكرية وإثبات وجودها، ونظرة دولية وخليجية مُغضية، وتأييد إسرائيلي عارم كعادته).
———————–
فيما يتعلق بمسألة التحالفات ومايطرأ عليها.. هناك أمران:
الأول – كما حصل في ديناميات الأزمات السابقة، فهناك مرونة شديدة في التنقل بين المحاور وصنع علاقات تحالف وعداء في الأزمات المحلية وليس طبقا لقواعد ثابتة (غير العداء بين الأطراف الرئيسية في كل محور بالطبع).. .
ولكن بالتأكيد – فالتركي حتى انتهاء تلك الأزمة على الأقل – بمنع قيام الدولة أو الاستسلام بواقعها الجديد مع بعض التحسينات، لن يقف في موقف شديد المعاداة لإيران. ولكن حتى قبل الأزمة – فتصوره حول الموقف من إيران أو اقترابه من المحور الخليجي مفارق كثيرا لتصورات السعودية، ولم يصل لمرحلة العداء أو تصعيد الاشتباك، ولكن أقصاه تنافسية إقليمية وردع دفاعي.
وأثر أزمة قطر مثلا على بيئة التحالف تلك أعلى كثير من أثر أزمة الأكراد.
ثانيا – في تقديري أن تطورات الأزمة الكردية (حتى لو قادت لتدخل عسكري مشترك لإجهاضها) ليس لها أثر كبير أو مباشر على بيئة التدافع في الخليج.
يمكن مايثير الاهتمام الآن التطور الحاصل بين السعودية وروسيا، وهذا إيجابي بلاشك.
حتى لو لم تتحرك فيه السعودية خلف رؤية شاملة بوضع استراتيجية إقليمية ودفاعية جديدة، أو إعادة النظر بالفرضيات التي حكمت سياستها الخارجية مابعد الحرب العالمية، ولكن بمنطق (دفع فدية أو عطية) لطرف – رضخ الأمريكي له نفسه بتوسعة نفوذه بالإقليم – وبغرض دفعه لموقف مُحبب في أزمة محلية هنا أو هناك.