حوار مع صديق، حول ماذكرته كثيرا من قبل، ومنذ أيام ثورة يناير، وتقريبا في كل المقالات التي حاولت فيها مقاربة وتفسير تركيبة الجيش وقيادته.. أن الجيش المصري – جيش وطني؟ وهل هناك فعلا فكرة (وطنية ما) حاضرة؟
وهنا لا أدخل تفصيليا في مناقشة أو تفسير المواقف الصادمة أخلاقيا ووطنيا للجيش أو قيادته في ملفات الاستقلال الوطني والديمقراطية والدور الإقليمي واشتراكه – أو صمته عن – الانتهاكات البشرية.. ولكن أحاول تلمَس بعض أساسيات النظر للملف منهجيا وتاريخياـ والتي بحد ذاتها قد تسهل مهمة هذا التفسير...
بخصوص أن الجيش المصري جيش وطني، أو أن المحرك الوطني هو أحد محركات الجيش أو قيادته.. فالمقصود بها ثلاثة أمور:
1- أنه جيش ابن النسيج المحلي في مصر، أي أنه منذ أيام محمد علي بدأت اللحمة للتجنيد تكون من المصريين (الفلاحين) وبأشكال بالطبع سلبية للغاية، يمكن مراجعة دراسة د. خالد فهمي الرائعة (كل رجال الباشا) لتعطيك صورة عن الظرف السياسي والاجتماعي والإنساني للنشأة.
ثم مع الخديوي إسماعيل – بسبب كارثة الحبشة – بدأ المصريون يدخلون في سلك الضباط، ومع الوقت (تمصّرت) حتى العناصر الشركية والتركية فيه.
وحين أتي الاحتلال الانجليزي، أصبح الانجليز هم من يشرفون على الجيش ويتولون المناصب العليا وصولا لمعاهدة 1936، والتي من حينها بدأ المصريون هم من يقودون الجيش (كان رئيس هيئة الأركان شخصية رائعة كعزيز المصري في مرحلة تالية مثلا) ولكن كانت هناك معاهدة مشتركة مع الإنجليز للتطوير العسكري والتسليحي (لأن الجيش كان مُعدا للقيام بدور محلي في الحرب الثانية – وقام بالفعل – خصوصا في الدفاع الجوي) ولكن بعد انتهاء الحرب، انقطعت وسائط التطوير وإرادته – فضلا عن التواصل مع الإنجليز – حتى قامت 48).. (دراسة د. إبراهيم شكيب عن: الرواية المصرية لحرب 48 – عقدت فصولا جيدا في هذا السياق)
بمعنى – أن الجيش الموجود هو امتداد لأول محاولة لجعل اللحمة التجنيدية والقيادية من أهل البلد.
مافائدة النقطتين السابقتين في فهم النسيج الاجتماعي للجيش؟
عشرات الإفادات في نقاط التعبئة والتجنيد والتوظيف السياسي، والحركة السياسية للجيش، ومنطقه الإداري، والاستراتيجي..
هذا بالضبط مانقصده بعلم الاجتماع العسكري.
على سبيل المثال: لا يمكن استخدام الجيش المصري لتصفية قطاع شعبي واسع، إلا بعد أن يتم عزل هذا القطاع سياسيا واجتماعيا وشيطنته.. لماذا؟
لأنه بذلك يُخاطر بتفتيت نسيج الجيش فضلا عن استحالة تنفيذ الأوامر والعملية برمتها..
وهذا يفسر لك كيف ولماذا تدخل الجيش في انتفاضة 1977، واضطرابات 86، وثورة يناير 2011..
ولماذا تحرك بشكل مختلف في أحداث ماسبيرو، ومحمد محمود، والعباسية 1،2 – ويوليو 2013، وسيناء.
ولماذا هو مختلف نسيجيا عن الجيش السوري والليبي واليمني مثلا – ولهذا اختلفت مواقفه وردود أفعاله..