Scroll Top

قديم

21 – 7 – 2013

تم نشرها في القدس العربي

http://www.alquds.co.uk/?p=68063


ماحصل منذ 30 يونيو هو انقلاب عسكري على نظام افتقد لكثير من جوانب الشرعية السياسية والشعبية، وهذا التحرك العسكري تم حيازته لقاعدة شعبية واسعة، وعلى هذا فهو ليس انقلابا عسكريا كلاسيكيا على نظام شرعي، وليس هو ثورة شعبية على امتداد ثورة يناير. ويمكن وضع السيناريوهات ممكنة الحدوث – وعلى أساسها يتحدد التقييم النهائي لماحصل- اعتمادا على عنصرين:
الأول من يتحكم في إدارة المرحلة وكيف من حيث الانحياز لأهداف ثورة يناير،
والثاني هو المنتوج السياسي والدستوري لهذه المرحلة الانتقالية بمعنى أن هناك فرصة حقيقية للتدافع، وعلى هذا تكون

هناك ثلاثة سيناريوهات:
أولا: توسع وصاية المؤسسة العسكرية دستوريا ومؤسسيا، وسيصاحب ذلك توغل لقطاع الأمن وإعادة إنشاء بنى نظام مبارك السياسية والاجتماعية وفرص لتطوير تواجدها.
ثانيا: تقليل وصاية المؤسسة العسكرية دستوريا ومؤسسيا، وتطوير إدارة مرحلية تنحاز لأبعاد الديمقراطية والعدالة الانتقالية والمصالحة وإصلاح قطاع الأمن مع معالجة الأزمة الاقتصادية والأمنية.
ثالثا: خليط بين ما سبق مع فشل وظيفي عام.
المشكلة أن إدارة الأزمة الحالية ستحكم بضرورتها على إدارة المرحلة ككل ومنتوجها، وبالتالي مستقبل مصر ما بعد 30 يونيو لأمد ما.
إدارة الأزمة الحالية كان ينبغي لها منذ أول يوم أن ينشأ لأجلها قيادة سياسية وطنية جديدة منحازة لأهداف يناير من القوى المشاركة في الحراك، وتستطيع أن تفرض خارطة طريقها من رئيس حكومة ثوري بصلاحيات كاملة، وبأجندة ديمقراطية وتتعاطى بإيجابية مع الحالة الإسلامية، وتهدف إلى استيعاب جزء كبير من الاحتقان المضاد والمتوجس في مساحتي: الثورة وعودة نظام مبارك، والموقف من مصدرية الشريعة وعدم إقصاء التيار الإسلامي وشيطنته مادام سيلتزم بالشروط الديمقراطية والقانونية في حراكه المستقبلي. حينها كان يمكن بالفعل أن تحصل فرص لمنع توغل الأمن، وانجرار المعسكر الإخواني وحلفائه لخطاب كارثي وفعل شديد الضرر بالسلم الاجتماعي ووحدة الجيش.

المطلوب الآن؟
الطبيعي أن يعاد تكوين ما تم افتقاده، بأن تنشأ هذه الجبهة الثورية الواسعة من الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي، بأن تتوافق على أجندة سياسية، والضغط لتغيير خارطة الطريق بتعديل الإعلان الدستوري لينقل صلاحيات الرئيس لرئيس الحكومة وإعادة تشكيل الأخيرة بشكل أكثر ثورية، والتحرك سريعا في تفكيك احتقان الأزمة عبر العنصرين السابقين، ومحاولة تطوير شرعية إنجاز فيما يتعلق بثلاثية العدالة الانتقالية والمصالحة وإصلاح قطاع الأمن بشكل مصاحب.
ما سبق هو الأولى مرحليا لو كانت هناك قدرة حقيقية على الدفع فيه. ولكن  هناك صعوبة للبدء بهذا الأمر ـ بشكل مباشر – لثلاثة أسباب:
الأول أن هناك فترة من الزمن تم إهدارها وفيها تشكل وضع سياسي من الصعب أن يقود الضغط السياسي لتغييره بشكل سلس من داخله (أعني خارطة الطريق) فضلا عما صاحبه من انتهاكات حقوقية جسيمة مما تطعن في السلامة السياسية لما تشكل بالأصل.

الثاني لأن هناك ضمورا سياسيا حقيقيا في قوانا السياسي وقياداتها سواء ذلك القطاع الثوري في جبهة الإنقاذ، أو تمرد، أو الاتجاه الثوري الوسيط (مصر القوية، 6 أبريل، التيار…)، وجزء كبير من فقدان ثقة لمشكلات في الموضعة السياسية فيها جميعا.
الثالث أن قدرة الشباب الثوري حتى في هذه الكيانات السابقة محدودة في التغيير فيها وتطوير فاعليتها السياسية والتوافقية.
الحل هو محاولة تطوير كتلة سياسية وشعبية ضاغطة تحاول سحب المشهد بقدر ما يمكن من بين الطرف الذي يدير المرحلة بشكل استبدادي وفاشل وارتكب مجازر أو مسؤول عنها سياسيا بحد أدنى، وذلك الطرف الإسلامي الذي يقود الأزمة بشكل كارثي ودون أفق حقيقي غير زيادة مشكلات السلم الاجتماعي وشيطنة الحالة الإسلامية وتقديم ذرائع للقطاع العسكري والأمني للتوغل وارتكاب جرائم في حق الأمن القومي المصري.
هذه الكتلة قد لا تكون قادرة بذاتها على حسم المشهد، ولكن يمكن أن يُبنى على رصيدها المتكون بعد فترة، للتأثير على القوى السياسية الأصلية لحراك أكثر تجمعا وفاعليا قريبا مما سبق طرحه، وهو حتى إن لم يكن قادرا على تنفيذ خارطة الطريق البديلة، فستعطي له رصيدا ممانعا سواء فيما يتعلق بمنتوج المرحلة (الدستور)، أو إدارة المرحلة ذاتها عن طريق الحكومة (استيعاب الاحتقان المضاد بشكل أكثر حقوقية وموضوعية، تقليل العسكرة وتوغل قطاعات الأمن والفلول، التقريب المطلوب لأجل المصالحة والذي يتطلب تغييرا في موازين القوى وإدراكها بين الأطراف المختلفة).
وأخيرا فهي تقدم فرصا حقيقية لترشيد الاحتقان السياسي المضاد لما حصل في 30 يونيو حيث تقدم له أداة للفرز بين الثائر حقيقة لأجل خشيته على أهداف الثورة والقوام الإسلامي سياسة واجتماعا وبين ذلك المتحكَّم فيه من قبل قيادات الإخوان التي تقود للمشهد والتي للأسف ارتكبت انتهاكات وطنية ودينية بدءا من خطاب تعبئة وخلط بين المقدسات الإيمانية وحظوظ سياسية مفتقدة لشرعية سياسية وأخلاقية وشعبية، والدفع لحالات إدماء حقيقية على الأرض ولو بفعل التغاضي والتوريط، وطلب التدخلات الأجنبية بأشكال تتصادم مع أهم بديهيات الثابت الوطني والديني، والدفع لانشقاق الجيش .. وكل هذا في سبيل معركة خاسرة لن تعيد مرسي، ولكن يمكن لقطاع منهم الاستفادة بها في تفاوض سياسي بشروط تحسينية.
مايحتاجه هذا الحراك:
1 ـ رؤية سياسية واستراتيجية واضحة، تنحاز لأهداف الثورة ومتطلباتها المعروفة، ويعتبر أن مرحلة انتقالية حصلت يجب الدفع فيها لأجل هذه الأهداف ودون الانضواء تحت المعسكر العسكري الأمني، أو المعسكر الإخواني. الأول يحاول أن يسطو على منتوج المرحلة الانتقالية بعد أن استلب خارطة طريقها حتى لو كان بشكل أقل من المرحلة الانتقالية بعد مبارك – وارتكب انتهاكات حقوقية جسيمة تزيد في النوعية عما ارتكبه في عام ونصف، والثاني يقيم حربا لنظام فاقد لشرعيته السياسية والأخلاقية بالأساس وهو في سعيه يطغى على كل الثوابت الوطنية والقيمية ومن لوازم مساره حرب أهلية وانشقاق الجيش مع صعوبة حصولهما بالأساس.
2 ـ قيادة جماعية شابة في هذه المرحلة يتمثل فيها أكثر من يمكن جمعه على الطرح السياسي وفرضياته، ويتم التحرك بها في مرحلة تالية لتطوير جبهة سياسية وطنية بعد امتلاك رصيد شعبي وسياسي معتبر، قد يكون غير حاسم في حد ذاته، ولكنه يفيد الضغط السياسي، وإعطاء أهلية وثقة لتجميع القوى السياسية الأوسع. وهذه القيادة لابد أن تتعلم من أخطاء المرحلة السابقة ولا تغرها أضواء الإعلام ولا إغراءات السياسة ويتم ضبط هذا بشكل واضح.
3 ـ بيان تتنزل فيه الرؤية السياسية والانحيازات والمطالب المحددة، بحيث يكون وثيقة شعبية للتوقيع عليها، وتكون هي الأداة التي تتشكل حولها الفعاليات الجماهيرية والإعلامية. فهو ليس بديلا عن الفعاليات ولكن هو مظلتها التجميعية.
4 ـ افتتاحيته لابد أن تشير لصعوبة هذه المرحلة وما تشمله من إمكانية لتشقق الوطن وتهديد لمستقبله وسلمه الاجتماعي، وانتكاسة في أهداف ثورة يناير، وفي ذات الوقت انجرار قطاع كبير من الحالة المصرية الإسلامية لمسار إخواني كارثي وضار ولأجل أهداف غير مقبول سياسيا وواقعيا.
– وعلى هذا تكون الحاجة لحراك سياسي وشعبي حقيقي، يتحرك لأهداف الثورة في هيكلة الداخلية والانتصار لحقوق الإنسان، ومنع الوصاية العسكرية، العدالة الانتقالية والمصالحة، وإدارة الأزمات الاقتصادية والأمنية بشكل رشيد، وفي ذات الوقت تطوير تعامل إيجابي مع الحالة الإسلامية يمنع اختطافها من قبل مسار مسيء واستنفذ كل مراحل اختباره السياسي والسنني، وفتح الباب أمام هذه الحالة الإسلامية العامة لتتصالح ثانية مع شعبها وتعيد موضعة ذاتها اجتماعيا وسياسيا ضمن شروط ديمقراطية وقانونية واضحة، وفي إطار شامل من المصالحة الشعبية والعدالة الانتقالية .والمطالب التي يدفع لأجلها الحراك هي:
أـ انتخابات رئاسية مبكرة لانتخاب رئيس انتقالي جديد يقوم بصلاحياته كاملة في إدارة البلاد مؤقتا.
ب ـ التقدم بمشروع للعدالة الانتقالية والمصالحة الشعبية يشتمل على: تشكيل لجان حقوقية وقضائية مستقلة ومفوضة للتحقيق في كل الجرائم والانتهاكات الحاصلة منذ 30 يونيو، وتحميل المسؤوليات بشفافية، وتشكيل كود عدالي وحقوقي لهذه الجرائم يتم التعامل معه عن طريق مجلس شامل للمصالحة الشعبية وعقوبات مخففة.
ج ـ صيانة الجيش المصري، وعدم التعرض له خطابيا أو ماديا، وتحريم الدعوة لشقه، واشتراك قيادته في منظومة المصالحة والعدالة، مع تحميل هذه القيادة المسؤولية السياسية عن كل ما حصل من انتهاكات.
د ـ القبول بالكيانات الإسلامية اجتماعيا وسياسيا بعد اجتياز مشروع المصالحة والعدالة، وضمن شروط ديمقراطية وشرعية تضع هذه الكيانات تحت إطار الدولة كاملا، ويتم الفصل تماما بين الكيانات الدعوية والحزبية وأنشطتهما.
ه ـ يجب التفاعل بموازاة ما سبق مع عملية صنع الدستور عبر تقديم رؤية واحدة يتم الحشد عليها، مع التأكيد أنه إن لم يتم حل الأزمة الحالية عبر إشراك الحالة الإسلامية، فستكون هناك مقاطعة لعملية استفتاء وطعن في شرعيته.. كما كان الوضع في دستور 2012. وعلى هذا يكون المطلب في البيان: أن ينشأ دستور توافقي دون استبعاد، وأن ينحاز لأهداف الثورة في تكريس الديمقراطية وتقليل صلاحيات الجمهورية وزيادة الحريات واللامركزية، ويحافظ على مصدرية مبادىء الشريعة بتعريف المحكمة الدستورية، وينهي الوضعية المميزة للمؤسسة العسكرية بالدستور السابق.