Scroll Top
السياسة المصرية

قديم

18-8-2013

مارأيك في الوضع الحالي؟ ولم العزوف عن الكتابة؟

وهل تنصحني بالنزول في تظاهرات الإخوان؟

دعني أتحدث عن سبب عزوفي عن الإكثار من الحديث الآن، ثم التأكيد على تصوري للمرحلة، ثم تعليقا على مابعد المذبحة.
–   الحقيقة أني عازف في هذه المرحلة جزء بسبب الانشغال، ولكن الأهم أني بالفعل لاأرى مجالا للتأثير في ظل هذه الهستريا الجماعية، التي حتى لاتفكر في الأطروحات المختلفة، ولكنها لاتقبل أي مخالفة ولو يسيرة للهوس العام سواء من في هذا الجانب أو ذلك، وهذا القبول يُشفع كثيرا بالسباب والوقاحة. وشعرت الحقيقة أن ضميري مستريح بما يسر الله لي من سرد تقديرات وتحذيرات وتحويلات مطلوبة لمسار القوى السياسية إخوان ومدنية وثورية طيلة عامين ونصف، وفي أول الأزمة اكتفيت بمقال عام (أين نحن وإلى أين المسير)، وشعرت أنه كاف لحد ما في بناء قناعات كلية عن مسار المرحلة التي نعيشها، وبالتأكيد لم أرى تغييرا في الواقع مختلفا عما قدرته يفرض علي التغيير فيه.
وبالإضافة لذلك – كتبت عدة ورقات أوصلتها لقيادات كل القوى: العسكرية والرئاسة والإخوان والبرادعي والنور ومصر القوية.. وأنا أرفقتها لك
ثانيا، تقديري الإجمالي للمدى المتوسط إجمالي، ولكن للأسف نحن ندخل في مسار مضطرب وإقصائي ويعاني من فشل كبير، بسبب تورط الإخوان في العنف وارتكاب جرائم وطنية فيما يتعلق بطلب تشقق الجيش، وطلب التدخل الأجنبي ولو بشكل عسكري (من قبل تدخل الجيش حتى)..
 و هذه استراتيجية الإخوان الوحيدة لإعادة مرسي: تمهيد لمذابح عبر استفزاز الجيش سياسيا (بتخوينه والدعوة لانشقاقات فيه) وأمنيا (وجود مسلحين بأعداد صغيرة هم بحد ذاته لايمكن أن يقدموا أي نوع حماية، حتى لو تم تسليح هذه المظاهرات كلها) واستخدامها كذلك في فوضي وضرب منشآت عامة وكذلك في تشجيع معنوي لمايحدث في سيناء وهناك روابط عضوية تكونت بالفعل في العام السابق، ممايستدعي التدخل الدولي  سياسيا (عن طريق الضغط على الجيش) أو انقلاب داخلي.!
المهم – أن محاولة استنساخ الحالة السورية في مصر غباء مضاعف، لأنه لايمكن حتى الدفع لحرب أهلية أو تشقيق للجيش أو وجود فرص أوسع للتدخل الأجنبي في مقابل سوريا. والمعركة خاسرة بالمطلق بسبب طبيعة الجيش المصري وانسجامه، واتساع القاعدة الشعبية المؤيدة له، وتجربة الشعب نفسه للإخوان خلال عام في السلطة، ووجود وضع دولي وإقليمي أكثر تنوعا في الموقف من مصر، وقوة الدولة المصرية بالفعل كثقل استراتيجي.
– و بخصوص المذبحة. بالطبع الواحد تأثر كثيرا مماحدث خصوصا أني فقدت أعزاء..
الجيش (الشرطة بشكل أوقع) ارتكب مذبحة مروعة، وكنت أقدر كناحية تكتيكية للأسف أنه على الأقل سيقتل 300 شهيد، خصوصا بسبب علمي بوجود عدد محدود من المسلحين وسط الاعتصام، ولكن القوات للأسف أرادت انتقاما مروعا من الإخوان – خصوصا بسبب شحنهم ضدها  وهذا بالنسبة إليهم ثأرا شخصيا. ولم يستوعب النظام للأسف أن هذا سيصعب عليهم حتى إدارة الأزمة. وهذه عادة كل الجيوش للأسف، ولهذا تفشل في مواجهة التمردات الشعبية وحركات المقاومة.
قيادة الإخوان كانت تغض الطرف عن إرهاصات هذه المذبحة للأسف لتتاجر بها داخليا وخارجيا، وهي مارست درجة كبيرة من الشحن والتهييج العاطفي باسم الدين والشرعية والثورة.. وكل هذه النقاط يلعب بها الإخوان وقتما يحبون ويطوونها أوقاتا أخرى كما خبرناهم في عامين سابقين.
المذبحة لم تحدث تغييرا في فرضياتي الأساسية، ولكنها للأسف – كما حذرنا – نقلتنا للمسار الثالث التي يتكامل فيه التوغل العسكري والأمني – ضمن ترحيب شعبي وذرائع سياسية – واحتقان شعبي (مع تقدير لكسر حدة التوتر الأمني في مرحلة تالية)، والأخطر ذريعة لإقصاء كثير من مفردات الحالة الإسلامية. كان هناك أمل في محاولات لتأهيل الإخوان اجتماعيا وسياسيا في معادلة قريبة، ولكن هذا لن يحدث للأسف. وهذا سيطال بعض القوى الإسلامية الأخرى، ولكن ليس كلها لأن قناعة الجيش وقطاع من الحكم في ضرورة استيعاب الحالة الإسلام-سياسية وإن ضمن شروط وأوزان جديدة.
لايمكن – كما نعلم – الوصول لحالة تطور سياسي إيجابي لمصر إلا بمشروع حقيقي للعدالة الانتقالية، وأعتقد أنه ممكن حصوله بالفعل ، خصوصا أن الجيش بالرغم من نجاحه في السيطرة الأمنية إلا أنه سيضطر – خصوصا في حال تطوير للقوى السياسية الثورية   وانحسار ظاهرة العنف والإرهاب ومشكلة السلم الاجتماعي – أن يقبل بصيغ منها وإن مخففة.
هذه هي المشكلة الحقيقة، وحكت عنها الورقات، أننا مقصرين حقيقة، ليس في دعمنا بالطبع للإخوان في مسارهم الكارثي والفاشل وغير الأخلاقي والوطني، ولكن في عدم شق مسار بديل ومنذ أول يوم بعد تدخل الجيش في 3 يوليو.. هذا المسار لايسعي بالقطع لعودة مرسي، ولكن لمنع عسكرة الدولة وأمنجتها، وهذا يقتضي نشأة تحالف سياسي إسلامي (من غير الإخوان) مدني على قاعدة ثورة يناير. وللأسف – موقف حزب النور من تولية البرادعي رئيسا لحكومة ذات صلاحيات مطلقة (كما طلبت جبهة الإنقاذ وتمرد ومصر القوية) أدركوا الآن مدى فداحته.
قدرنا في مصر، أن الأزمات والمراحل بدل أن نديرها بشكل حاسم وناضج يستغرق وقتا وحدودا، أن نأخذ الدروس من أولها لآخرها، والواجب الذي يمكن أن نؤديه في يوم، نقضيه في سنة، حتى تتعلم ثم ننتكس ثم نتعلم ثانية ثم ثالثة حتى يتغيرالجيل السياسي نفسه، وبتكلفة عالية جدا في الدماء والأرواح والاقتصاد والسلم الاجتماعي.
وبخصوص سؤالك في النزول – فمهم تحديد الهدف السياسي، ومع من، وبأي مسار وقيادة، وماالجدوى، وأن يتم الانسحاب فورا بمجرد ظهور بوادر العنف.نفس الشروط تقريبا الخاصة بنزول 30 يونيو، ولكنها للأسف الآن من الصعب توفرها. ولو تريد أن تنزل ، فرجاء احفظ نفسك لمعارك أكثر رسالية واحتياجا لمصالح الوطن والأمة. هذه معركة أشعلها الإخوان، وتفتقد لأبسط قواعد القيم والتكافؤ وإمكانية تحقق المصلحة، والنظام سيزيد من قدرته على  العزل والبطش والتوغل في دولاب الحكم كلما

زاد الإخوان من وتيرة الانفلات والعنف، وقاعدته الشعبية تتضخم.
——–

20-8-2013

ما سبل الخروج من الأزمة الجالية ؟

وما رأيك في الجرائم التي ارتكبها النظام الحالي ؟ هل تسقط شرعيته ؟

وهل من فائدة لعدم الكتابة العامة؟

سبل الخروج من الأزمة تم تضييعها واحدا تلو الآخر، وبسبب جوهري أن القوي السياسية وعلي رأسها حزب النور ومصر القوية بهما مشكلات داخلية كبيرة منعتهما من إدراك واجب الوقت من ضبط البوصلة السياسية  والاستراتيجية* كما أوضحت في آخر ورقة. طبعا دعك من بقية القوي المدنية، أو حتي العسكر أو الإخوان.
هناك حاليا توغل عسكري وأمني ولهما تفويض شعبي واسع، وكل موازين القوي في صالحهما.. أقول لك أنه من الواجب التقارب معالقوي المدنية المحسوبة علي ثورة يناير لتشكيل ضغط سياسي من داخل خارطة الطريق.. ولكن من يفعل ذلك، وهل هو جائز مع فاتورة دم ماثلة دون التضامن الأخلاقي معها من الجميع.

واضح أننا سنبقي متفرجين مالم نؤدي الواجب السياسي المطلوب وهو تجديد كياناتنا وإعادة تأهيلها لعلاقات سياسية وشعبية كبيرة.. حتي يحدث هذا، فأنا أرى الوضع مزيجا من ثلاثة عوامل:تعثر وظيفي، تطور سياسي من حيث استكمال بنى النظام الانتقالي ومايليه، وتوغل تدريجي للعسكرة والأمنجة. وهذا الأخير يأخذ تطعيمه فقط من الاحتقان الأمني الذي يقوم به الإخوان أو التكفيريون.

– بخصوص شرعية النظام.. لاحظ أنه مفتقدها منذ البدء كنظام انتقالي ولمسئوليته السياسية عما حصل، ولكن لاحظ أيضا أنه يحوز بالطبع علي قبول لقطاع شعبي غالب،  والعبرة فيه بالمفرزات الدستورية التي يتأسس عليها النظام الجديد وهي ستفتقد لجزء كبير من الشرعية السياسية لأنها تصطدم مع القاعدة الدينقراطية في الدستور التوافقي وبقاء الوضع المميز للعسكر، وحصول عدالة انتقالية، وإن كان الدستور إجمالا سيكون أفضل كنصوص مجردة – من سابقه.

ولهذا فالعبرة ليست في حكمنا الذاتي علي تضعضع شرعية النظام، ولكن اتساع هذا الانطباع شعبيا ليشكل موازين قوة شعبية وسياسية جديدة قادرة علي تغيير المشهد.. بالنسبة لي نظام الإخوان فاقد للشرعية منذ نشأته، وكذا نظام مبارك، ولكن كيف يكون التحرك السياسي فرديا أو جماعيا حياله، وهل هناك فرصة لعمل إصلاحي أم تغييري؟ هذا شيء آخر.

وبخصوص الانعزال عن الكتابة العامة الآن… 
المشكلة حقيقة أن هناك حالة هيستيرية وتغليب لعاطفة مندفعة دون أن يكبحها نظر عقلي وإدراك لطبيعة المرحلة والمآلات، أوتقييم المسار السابق وكيف انتهينا ومسئولية من، ولا مشكلة الإخوان كحالة مفسدة للوضع الرسالي والوطني بالفعل، ولا طبيعة الحراك الذي انخرط فيه الكثيرون وتقييمه قبل أن يضعوا فيه أرجلهم من حيث قيادته وأهدافه ومدى سلامته قيميا ونجاعته استراتيجيا.

وبشكل أكثر خصوصية.. لاشك أن قدرا من المرارة أصابني. بالطبع ماحدث كنت أقدر حدوثه منذ زمن طويل، ولكن أزعجني أمران بخصوص الشريحة التي كنت أكتب لها خصوصا – مع أني كنت بالفعل منفتحا على الجميع،  ولكن هذه الشريحة التي تتكون بالأساس من شباب إسلامي فيه قدر من النقدية والانفتاح والثورية وتتكون بالأساس من شباب احتك بالحركة الإسلامية ونقدها أو كان قريبا من الحس الإسلامي.. وجدت فيه أمرين:

الأول – نسيان كل ما قعدنا ندندن فيه لعامين حول النظرات النقدية والتجديدة للمقاربة الإسلامية في السياسة، أو طبيعة مآلات العلاقات المدنية العسكرية والمنطق الاستراتيجي الذي يحكم المسارات. وهذا عام
والثاني – أنه بالرغم أن تحقق تقديراتي بشكل شبه تام (وهذا نادرـ فليس وظيفة الاستراتيجية التنبؤ ولكن فهم المسارات وشروطها) المفترض أن يجعل هناك قدر من زيادة الارتباط بماأطرح والعناية به والسؤال عنه، إلا أنه بمجرد أن خالف طرحي – المنسجم بالمناسبة مع طرحي لعامين خليا – مع تحيزات العاطفة والخيارات الشخصية للناس .. كان موقف الأكثر ورعا مني التجاهل، والأقل التسفيه العلني والخاص فضلا عن التورط في السب والقدح.

بالتأكيد أني أجاهد نفسي في عدم الالتفات لأي من التعديات الشخصية، وألا يصرفني لوم لائم عن قول ماأرى، ولكني بالتأكيد أعدت النظر في مدى انتفاعي بوقتي وجهدي وتصريفه، ورأيت أن هذه المرحلة تقتضي نوعا من الالتفات لواجبات أهم في حقي، فضلا أني لم أبخل بنصح عام ذكرته وأعتقد أنه كاف في آخر مقال وبوست نشرته على الفيس، ثم محاولة النصح النوعي عبر الورقات التي أرسلها لمجموعات أرى نوعا ما موضوعيتها أو قدرتها على التأثير.

————————————-

1-9-2013

بالاطلاع على كل الورقات السابقة، لفت نظري بشدة قناعتك بإمكانية نجاح ماطرحته من التكتل السياسي أمام النظام ومحاولة تغيير خارطة التغيير وفي ذات الوقت رفض الحشد مع الإخوان..

هل هذا كان ممكنا بالأصل خصوصا مع فشلنا لعامين في تحقيق أي تحالف سياسي؟

وأليست هناك مؤامرة مكتملة الأركان من العسكر للسيطرة على الدولة وتصفية أي معارضة؟

نحن لايمكننا بالأساس فهم المشهد إلا بتفكيكه إلى عناصره وقياسها بمايتوافر لنا من معطيات ودراسة وحصر للمحركات والعلاقات وليس كما (نحب نحن أن نراه أو تدفعنا تحيزاتنا النفسية أن نراه ).

ولاحظ كذلك أن الورقات هي على مدى زمني معين، وكلما يتقادم الزمن تضيع فرص وتتعقد أوضاع فتلزم مسارات أخرى. ولهذا فالورقة الأولي مثلا (خارطة المرحلة والأزمة) لم تكن تحكي على النظام كما نراه الآن ولكن عن نظام في طور التشكل ويتواجد على رأسه قوى مدنية تشارك في صنع خارطته، وهذه القوى لها أجندة سياسية معلنة متوافقة مع مانراه أجندة إيجابية. وحتى النظام الحالي فلايزال انتقاليا وأمامه مفاصل ثلاث (تعديل الدستور، وانتخابات البرلمان والرئاسة) ستغير بلاشك في تكوينه وانحيازاته (اتسع هذا التغيير أو ضاق) وليست هناك حتمية.

بخصوص الورقة الأولى.. النظام السياسي بالأصل كان في طور التشكل. وماأستطيع أن أجزم به ثلاثة أمور:

الأول أن المؤسسة العسكرية ضغطت على مرسي حتى آخر لحظة ليقوم بعمل استفتاء ولكنه رفض متجاهلا كل مفردات الواقع. المؤسسة كانت بالفعل حققت مصالحها المؤسسية والفردية كاملة في ظل حكم مرسي عن طريق ماأخذته بالدستور وإقراره بانقلابها الداخلي والموازنة، بل حتى تابع حزمة التشريعات الأربعة قبل يونيو بوقت قليل. وهناك محركان آخران يحكمان المؤسسة: المحرك الخارجي – الأمريكي، وهذا كان ضاغطا ضد أي تدخل عسكري، ثم المحرك الوطني.. وهذا بالفعل ماغفله الإخوان لأنهم حسبوها بعقلية التاجر والسمسار واعتقدوا أنه مادامت المؤسسة قد تم استيفاء كل مصالحها فلاينبغي لها أن تقوم بإسقاط التفاهم بينهم والإخوان. المحرك الوطني ليس معناه أنه صحيح وديمقراطي، ولكنه فاعل وعماده أمران: الأول هو الخشية بالفعل على مساحة الأمن القومي، والثاني الخشية من اختراق المؤسسة لصالح الإخوان. وتتصرف المؤسسة بهذا المحرك بشكل شمولي وأبوي بالطبع.

ولهذا يكون تعسفا حقيقيا أن نجمع أطراف شديدة التنوع وبينها علاقات مركبة في سلة واحدة.

الأمر الثاني – أن خارطة الطريق التي طرحتها تمرد وأيدتها جبهة الإنقاذ، ثم مصر القوية وبشكل ضمني النور كانت بالفعل مختلفة عما حصل، وكاد أن توافق عليها المؤسسة العسكرية لولا أن وجدت ذريعة في رفض النور لأي شخصية ثورية مدنية تتولى رئيس الوزراء فضلا أن يكون لها صلاحيات كاملة. وهذه كانت نقطة الانتقال من حالة يمكن تطوير فيها ضغط سياسي لإدارة المرحلة بشكل تتقلص فيه وضعية المؤسسة سياسيا ويتم تحجيم القطاع الأمني الفلولي بشكل كبير لحالة أخرى.

الأمر الثالث أن الطرف الإخواني كان هو من قدم الذريعة الفعلية للتدخل العسكري أول الأمر في 30 يونيو، وبدرجة مساعدة القوى التي دعت الجيش للتدخل وإن كان هو تدخل فعليا قبل طلبها!. وأقول لك أن هذا حصل منذ 29 يناير 2011 حين بدأ الإخوان تفاهما مع الأمريكي والنظام على احتواء الثورة في صيغة ما مع عمر سليمان ، ثم تم تعديلها مع المؤسسة العسكرية قبيل التنحي، ثم مسار الإخوان  بعد 30 يونيو 2013 وهذه نقطة مفصلية. أنا لاأرى أن حشود الإخوان بالأصل من حيث الهدف والقيادة والمسلك مفيدة لحالة الحراك الوطني، ولكنها بكل وضوح تزيد من تعويقه وخسارته. وهذا تمت الإشارة له في أول ورقة (أين نحن وإلى أين المسير).

كونه قدم ذريعة التدخل العسكري فلأسباب متعددة، أهمها – بالإضافة لمسئولية الإخوان عن احتواء أي حالة ثورية منذ 25 يناير حتى تلك التي لم تشترك فيها بمحمد محمود ولكن فقط استفادت منها جميعا سياسيا – أن النظام الإخواني فقد كثيرا من شرعيته السياسية بالفعل وصار خطرا على الأمن القومي، وساهم في تعميق استقطاب وطني حاد ولجوء قطاعات واسعة للمؤسسة العسكرية، وبتعنته فشل حتى في إدراك المشهد فضلا عن إصلاحه بأقل الخسائر وحتى آخر لحظة.

لاحظ – أننا حين نصل للحظة ما تكون فيها للمؤسسة العسكرية قاعدة شعبية عريضة وتدعوها للتدخل فإما أن تتواءم مع هذه النقطة في تحركك السياسي أو لاتعترف بها وتخسر الكثير وصولا للفشل كذلك.

وحراك الإخوان بعد ذلك كان شديد الانحراف من حيث الهدف، فهدفه إعادة مرسي ونظام الإخوان وهذا أمر مرفوض من قبل القطاع الشعبي والسياسي وحتى الثوري الأغلب، وبنفس القيادة فاقدة الرؤية والاستقامة التي أوردت مصر المهالك، وبمسار يضع الحراك ضد أي بوصلة وطنية بالدعوة لتشقق الجيش والتدخل الأجنبي والتماهي مع خطة العنف والتجارة بالدم.

ومع ذلك –

نحن عندنا الآن افتراضان: الأول أن ندعي أن ماكنت أدعو إليه من العمل على التكتل السياسي لتطوير خارطة طريق مرحلية وقدرة على تفكيك الأزمة كان خيارا سليما، ثم تطويره كذلك حين ضاغت الفرصة لتكتل سياسي ثوري ضد النظام ولكنه بالتأكيد ضد عودة سلطة الإخوان بشكل مطلق وينعزل عن خطاب وفعل شديد الخرق (كما دعت ورقات: الخيار الثوري المرحلي، وعلى هامش أزمة الدستور)، أو نفترض أن التماهي مع الإخوان في مسارهم المنحرف – حتى بغض الطرف عنه ونشترك معهم في الحشد كان هو الأفضل.

دعني أقول أن أغلب الشريحة التي وُجهت لهم تلك الورقات تماهوا مع الإخوان بالفعل، إما بسبب عدم النضج السياسي الذي منعهم من إدراك سقوط شرعية النظام الإخواني سياسيا وشعبيا، أو طبيعة محركات المؤسسة العسكرية، أو خطورة مسار الإخوان التصعيدي وانحرافه الوطني والقيمي و حتى عدم وجود أي فرصة نجاح واقعي له، أو بسبب العامل العاطفي خصوصا بعد مذابح الحرس والنصر ورابعة.

ومانراه بالفعل – أن مسار الإخوان بالفعل دفع للتوغل العسكري والأمني وليس العكس، بل وأعطي له قبولا شعبيا متزايدا، ومنع أي فرصه لإعادة استيعاب الإخوان.
في الحالة السياسية والاجتماعية. بمعنى أن خيار التماهي مع الإخوان في حشدهم تمت تجربته وفشل بشكل ذريع، وهذا تسبب بالتالي في إحباط الشريحة التي تضامنت مع الإخوان بالفعل التي استسلمت في جزء من داخلها لدجل الإخوان وقراءتهم للمشهد.

أما الخيارات المطروحة في الورقات على حسب التصاعد الزمني، فلم تجرّب بالفعل.. فضلا عن مناقشتي السابقة للفرضيات التي قامت عليها. وفكرة الطريق الثالث كانت تطبيقا شديد التشوه لورقة الخيار الثوري المرحلي، التي كتبتها بالأصل استجابة لطلب الداعين لهذا الحراك.

——————————-

في الأخير.. أنا أرى أنه لاتزال جوانب كثيرة في المشهد لم تحسم بعد، لأني بوضوح لا أرى المشهد سوداويا وتآمريا كما ترى. وماتريده المؤسسة العسكرية ليس الحكم أو إعادة نظام مبارك بشكل أساس؛ ولكن الوصاية كمثل تلك التي أخذتها من الإخوان دستوريا مع اتساع قاعدتها الشعبية. ثم تترك المساحة المدنية لأي شكل مدني متماسك تثق فيه سواء كان فلوليا أم غيره، ولكنها بتركيبتها تنحاز للأول بالطبع ولكنها لن تحارب لأجله بشرط ألا يكون الطرف الآخر إخوانيا..

ماالحل إذن؟ الحل الطبيعي هو ذات السعي لتشكيل قطاع معارض سياسي وشعبي ضد التوغل العسكري والأمني وفي ذات الوقت يبقى مجرّما للإخوان كمسار وحالة، والتعامل مع المفاصل الأساسية وخصوصا الدستور. وفي تقديري أنه لو بقيت صلاحيات المؤسسة العسكرية بالدستور كما كانت في دستور الإخوان فهذا كفيل بالطعن في شرعية النظام الجديد ، ويتم على أساسه تطوير حراك سياسي مستقبلي ضاغط من منطلق رفض الدستور أساسا.

ولكن.. سواء نجح الضغط السياسي الآن أم لم ينجح (وبالطبع المعادلة نسبية وليست صفرية)، وبالتأكيد فنحن أمام فرص كثيرة ضاعت، ومسار إخواني عقّد المشهد كثيرا وقدم ذرائع ضخمة، وقوى سياسية تتهاوى مع الوقت.. فنحن أمام حقيقة أخرى – أن النظام الجديد لو فعلا اتجه نحو خط العسكرة وتوغل القطاع الأمني والفلولي فهو بالتأكيد سيؤدي لتصاعد الاحتقان الشعبي سياسيا واقتصاديا وحقوقيا إلا إذا استمرت تغذيته بمسار العنف وتصاعد الإرهاب. وهذه النقطة الأهم – دون استمالة الحالة الشعبية بغالبيتها فأنت أمام حالة ثورية منتكسة. وهذه من بديهيات التغيير.

أنا حين تقابلني هذه الحالة لاأصاب الإحباط (لأننا بالأساس مكلفين بالفعل الرشيد وليس النتيجة، ولأنه كان متوقعا) ، ولا بالغدر وتحميلها لطرف تآمري كوني- لأن مسار القوى السياسية – كلها – لعامين تسبب في وصولنا لهذه اللحظة، ولكني أعلم أين يكون هدفي وطبيعته.

وهو بالتأكيد ليس في حشد الإخوان، ولكن في تطوير سياسي وثوري على الأرض بأهداف ومسالك أخرى. ونعلم جيدا أن أدوار القوى السياسية والثورية – التي تحتاج لتعديل جذري وإعادة تأسيس – دورها ليس منشئا أو حاسما للحراك الشعبي الحاصل (يقينا) ولكن فقط تدعمه في مفاصل نوعية وتساعد في التهيئة له.