قديم
23 – 9 -2013
مارأيك في تصور وإمكانية وجدوى إنشاء حركة ثورية من شباب الإخوان وتستهدف جذب الشرائح الثورية المدنية لخط الثورة؟
سأحاول أن أضمّن الجواب نوعين من مساهمتي:
الأول – يعبر عن انحيازاتي الفكرية والسننية والسياسية العامة، والتي تتجاوز التفصيلات الآنية والمشاريع المحددة إلى قراءة المسار السياسي والاستراتيجي العام
والثاني – تقديراتي (الحِرَفية) إن جاز التعبير – بغض النظر عن مدى اختلافي مع المنطلقات الأساسية لهذا المشروع – لجدواه ومآلاته الاستراتيجية.
بخصوص الشق الأول..
(وقد تجد تفصيلات له في ورقات سبق أن وصلتك كما أذكر: إلى أين نحن وأين المسير، خارطة إدارة الأزمة والمرحلة، الحراك المرحلي الثوري، على هامش أزمة الدستور)
فتقييمي لماحدث في 30 يونيو ومابعدها ليس (انقلاب على نظام شرعي) فنظام الإخوان فاقد للشرعية السياسية قبل 30 يونيو وافتقد الواقعية بعدها، ومجرد وجود جماعة الإخوان المسلمين كنواة للنظام السياسي ومهيمنة عليه بحد ذاته مناقض لماأومن به من مباديء الديمقراطية وأسس الحكم الرشيد و حدود التفويض الانتخابي، فضلا عن مناقضته لماأومن به من روح إسلامية توجب الفصل بين ماهو دعوي وماهو حزبي، وتوجب التمييز بين الدين والقراءات البشرية له، وتوجب إعادة النظر في مفاهيم الدولة الوطنية ومحدداتها ومسئوليتها ومناقضة ذلك لسلوك الإخوان كجماعة فوق قطرية تتصادم فيها تصوراتها وتطبيقها للواجب الرسالي مع حيز الدولة الوطنية ذاتها واستحقاقات العقود المرعية التي تقوم عليها. وهذا قبل الدخول حتى في سلوك النظام نفسه مدى ملاءمته للقواعد الديمقراطية تلك، أو توفيته لتعهدات سياسية قام على أساسها.
ولكن – وجود ملامح النموذج انقلابي في الحالة المصرية الآن ليس مرده إسقاط مرسي ولكن (طريقة) إدارة المرحلة الانتقالية، ومدى تكريس المنتوج الدستوري والسياسي لدور وصائي للمؤسسة العسكرية. وبهذا فالوضع يتشابه مع مابعد سقوط مبارك، مع أن المنتج الدستوري لكن يكون أسوأ من دستور الإخوان، ولكن حجم الجرائم التي مسئول عنها المؤسسة العسكرية والنظام الحالي الانتقالي أكثر فظاعة مع وجود مساهمة معتبرة لقيادة الإخوان في تحمل المسئولية بلاشك، كما أن الوضع الوصائي (الفعلي) وليس الدستوري سيكون أسوأ، مع أننا جميعا كحالة سياسية مدنية مسئولون عنه كذلك.
التدخل العسكرية واتساع الوصاية العسكرية منذ 30 يونيو تحديدا أضحي قدرا سياسيا بسبب فشل الحالة السياسية المدنية قبل 30 يونيو وبعدها، طبعا الإخوان – بسبب حجمهم وتأثيرهم – يتحملون العب الأكبر منذ عقد الاتفاقات على (بيع) ثورة يناير بالتفاوض المبكر مع الأمريكي وأركان النظام والاتفاق على صيغ احتوائية لخط الثورة طلبا لتمكين سياسي في واقع سياسي مشوّه. وهذا الأمر بدأ منذ 29 يناير 2011، مرورا بالطبع بتأسيس نظام سياسي عليه انقسام واسع في كل جوانبه، وتكريس جوانب الفشل الوظيفي الكبير، وارتكاب تعديات مساحة الأمن القومي المصري .. ثم انجرار الإخوان لمسار مشوه بعد 30 يونيو ساهم في تهيئة ذريعة أساسية للتوغل العسكري الأمني – كما سيأتي.
واشتركت القوى السياسية والثورية الأخرى في تكريس الانقسام وفقدان البوصلة السياسية والانشغال بمصالح شخصية وفئوية… وإن كان بلاشك أن أثر الإخوان كان الأشد في تشكيل الحالة السياسية، أو المساهمة في ذلك مع المؤسسة العسكرية والأمريكي – في المشهد المصري.
من بديهيات العلاقات المدنية العسكرية – أن فقدان شرعية الإنجاز وفشل الحالة المدنية في مقابل اتساع القاعدة الشعبية والسياسية للمؤسسة العسكرية كفيلان بضمانة التدخل العسكري كقدر سياسي، ولهذا فإن التدخل العسكري كنت أكاد أجزم بحصوله منذ وقت طويل.
وإن سبيل تعديل المعادلة أحد طريقين: الأول ألا تسمح بألا تحدث (وهذا ماكنا نحكي فيه لعامين خليا)، والثاني – أن تدخل في صراع سياسي يسعي لتمتين شرعية إنجاز سياسي مدني، وفي ذات الوقت تضعف من القاعدة الاجتماعية للمؤسسة العسكرية (طبعا كفاعل سياسي وليس كجيش وطني) عبر عمل توعوي واجتماعي وسياسي.
أما ماحدث مابعد 3 يوليو – فمايعز عليّ أن هؤلاء الشباب لايدركونه بالفعل، أو تسحبهم غشاوة التعصب التنظيمي أو التأثر العاطفي لماحصل من مذابح وشهداء أن يتغافلوا عنه: أنه لايوجد شيء اسمه أن تسعى الإخوان (نحو ثورة) – ولكن الإخوان حين تسعي في أعمال لها طابع ثوري فهي تسعي لزيادة رصيدها السياسي لتعقد اتفاقات ثنائية مع النظام (الداخلي والخارجي)، وأنه لن يستطيع أي طرف الآن أن يُحيي ثورة حتى لو كان مسلكه وهدفه نبيلا دون توفر الظروف السياسية والاجتماعية لها، وأنه لايوجد شيء في ظل الوضع الإخواني اسمه (حراك لشباب الإخوان) مستقل ونقدي وموضوعي (ولكن هي محاولات استيعابية وتوظيفية)، وأن قيادة الإخوان مشاركة أصيلة في كل الجرائم الحقوقية والسياسية التي حدثت بعد 3 يوليو..
قيادة الإخوان فيها مزيج غريب من المرض الإدراكي النفسي الذي يجعلها في كل المفاصل عاجزة عن قراءة المشهد أساسا، وهذا طبيعي، وتلتبس في ذهنها جانب الرسالة والدين والتماهي معها، كما يلتبس حيز الوطن والدور الوظيفي عند المؤسسة العسكرية. ولكنها كذلك تقوم (بوعي) بممارسات على درجة كبيرة من (الجُرم) التي تعود عليها وعلى الوطن بالتالي بخسارة.
قيادة الإخوان لم تتخيل حجم (فقدان الشرعية الواقعية) لنظامها، ولم تتخيل أن عودة مرسي ونظام الإخوان مستحيلة. ولكن في المقابل.. قيادة الإخوان – عن وعي – كان لها استراتيجية وحيدة (هي الحقيقة أكثر تفككا واضطرابا من أن تسمي استراتيجية) تقوم على توتير الشارع، والسماح بخطابات تهييج لعنف وممارسة عنف، واستدعاء مذابح والمتاجرة بها طلبا للتدخل الأجنبي المباشر – بأشكال مختلفة، وكذلك السعي لضعضعة الوضع السياسي والاجتماعي والبناء الداخلي للجيش.
مالم تدركه هذه القيادة، وحاولت – وربما غيري – التوضيح لها، أنه بغض النظر عن حجم الجرم الأخلاقي في هذه الاستراتيجية (استدعاء مذابح وتجارة بالدم، والدعوة للتدخل الخارجي، والدعوة والإشاعة لتشقق الجيش) فإنها فاشلة.. كانت هذه استراتيجية الإخوان السوريين منذ بداية الثورة، ولهذا كانوا ضد تسليح الجيش الحر أول الأمر، وضد أي تفاوض سياسي مع أطراف إقليمية داعمة للنظام، وفي ذات الوقت داعية للتدخل العسكري (رغبة في استنساخ النموذجين العراقي والليبي)، وكما أنهم في محاولاتهم الاستساخية تلك عجزوا عن إدراك الفوارق في البيئات ومحركات الأمريكي، فقد ينجحوا في استدعاء حرب عصابات ضد النظام – مع مظاهر حرب أهلية – ولكن لن يتدخل الأمريكي للحسم، فالإخوان المصريون كذلك في محاولتهم لاستنساخ الحالة السورية مصريا (أو على الأقل بداياتها) فشلوا في إدراك فروقات المشهد حتى مع السوري.. فلا الجيش سيتشقق، ولا الأمريكي قادر على التدخل السياسي العنيف فضلا عن العسكري، ولا الحالة الشعبية ستقف مع الإخوان إذا رأت عنف في الشارع – بغض النظر عن تقييم أحداث العنف وتعليق الجرس على رقبة الجاني.
الخلاصة – الحقيقة أني يعز علي أن يبقى شباب الإخوان طاقة وطنية مهدرة، وكلما يتقادم بهم المكوث في ظاهرة شديدة الانحراف فكريا وسياسيا وسلوكيا، كلما كان من الصعب إعادة تأهلهم مجددا للعودة إلى مسار وطني وإسلامي رشيد، و كان من الصعب عقدهم لمراجعات ذاتية وجماعية موضوعية، وكلما كان من الصعب أن يتقبلهم مجتمعهم ثانية.
كل هذا الكم الشبابي هو في حساب الإخوان ورقة قوة تنظيمية وسياسية يتم اللعب بها. في الأخير – في خلال شهور قليلة ستنخرط شريحة إخوانية في مراجعة سياسية ومحاولة الدخول عبر النافذة للعملية السياسية بعد فك ارتباطها من الجماعة، وستبقى شريحة أكبر بنفس معادلة مبارك التفاهمية، مع زيادة بلاشك في حجم المحاصرة الأمنية، والجديد هنا – القضائية والشعبية.
هذه ورقة تعود لأبريل 2011، وربما تكون هذه الورقة كاشفة أكثر لما حكيته عن انحيازات وتقديرات، وكيف كان الوضع واضحا منذ أول السطر، وكيف تعاملت على إثر ذلك قيادة الإخوان.
https://www.facebook.com/note.php?note_id=282731731753580
بخصوص الشق الثاني..
تقديري الشخصي أنه لن يتقبل أحد من الشرائح المستهدفة هذا الكيان، وسيبقى زائدة دودية على هامش الإخوان، ممكن أن يمثل طاقة استيعابية بلاشك لشباب إخواني ناقم بخصوص التوظيف القيادي، ومعترض على بعض جوانب مشهد إدارة الأزمة، ولكنه لن يحوز درجة كبيرة لا من ثقة الكيانات السياسية والشبابية المختلفة، فضلا أن يؤسس لذاته قاعدة شعبية واسعة للحركة (خارج دائرة الإخوان وحلفائهم).
طبعا لاأنس التذكير – أن المشهد السياسي سيتجاوز الوضع الحالي، فسيكون هناك دستور، وانتخابات (قد تتفلت بالتدريج شرائح إخوانية نحو بناء مواقف إصلاحية نحوها، وحتى تلك التي ستعتزل المشهد السياسي – وهي الأغلب – ستحرص على معادلة تفاوضية كماأسلفت)، ونظام ينشأ.
هذا النظام ستكون فيه سوءات مرتبطة بتعثر أهداف يناير بلاشك على مدى قريب، وسيدفع لحراك معارض حقيقي، ولكن الحراك الشعبي والسياسي المتصاعد ضده، لن يقبل بوجود الإخوان (دون مراجعات جذرية وفك التباسات الحركة والتنظيم والسياسة، واعتذارات شاملة) داخله.
أتمني أن تكون هذه الإجابة كافية.
ولكن ماقصدته هو بالفعل حركة ثورية أشبه ب 6 أبريل، ولكن تضم شباب الإخوان الناقمين على قيادتهم؟
“حركة شبابية ثورية شبيهة ب 6 أبريل وتنطلق من مرجعية إسلامية”..
هذه فكرة كنت طرحتها على قيادة الإخوان في 2010 قبل دخول الانتخابات وحين كانوا يفكرون مرارا في إنشاء حزب، وكنت أطالب أن تكون رأس حربة العمل الوطني الثوري، وأن يقاطع الإخوان العمل السياسي الانتخابي، وإذا قامت الثورة تبقى الجماعة داعمة لامشاركة في هذه الحال.. أيااام
فات الأوان كثيرا للأسف
في تصوري أن مايحتاجه هؤلاء الشباب:
أولا – أن يدركوا حقيقة المسار الإخواني وإشكالاته
ثانيا – أن يضغطوا لمراجعات جذرية في الداخل الإخواني، محاولةً لتطوير مسار تجديد مشفوع باعتذار شامل وجاد، وأن يسفر هذا الحراك التجديدي عن أطروحات مؤسسية مستقيمة ديمقراطية مستقلة ومقننة.. سواء في العمل المجتمعي أو السياسي. وسيحتاج الأمر لوقت كذلك لإثبات حسن النوايا
لابد أن يدرك شباب الإخوان أن الجماعة قد استنفذت منذ فترة رصيدها السنني، وحتى فرصة تحقيق مراجعات وتجديد بشكل ذاتي وسلس.
بالطبع لن يثق أحد في شباب الإخوان في ظل هذا الوضع، فضلا عن الجماعة بقياداتها ككل. والتفكير الحاضر في الورقة يؤكد تماما دواعي عدم الثقة تلك.
يبدو أن هؤلاء الشباب لايدركون أن وجود القيادة الحالية والفكر الحالي متسيدا فهذا معناه، أن كل الدماء المهدرة والحراكات الثورية والإصلاحية الممكنة.. في الأخير ستبقى ورق على طاولة التفاوض تديرها قيادات فاقدة الأهلية والاستقامة لمعادلات شديدة الفئوية.
3-10-2013
اولا: هل السيسي مكمّل أم ممكن أن تضحي المؤسسة به اذا تأزمت الامور بدرجة كبيرة؟
ثانيا: ماذا نفعل الان وقد انجر كثير من الشباب الثوري الي معركة الاخوان مع الجيش بدوافع اغلبها عاطفية؟
ثالثا: هل احسنت الظن بحركة تمرد؟
رابعا: هل مازلت تري السيناريوهات الثلاثة التي عرضتها في اخر نوت لك علي الفيس صامدة الي الان؟
خامسا: كيف نوفق بين كلام سابق لك أن السيسي والجيش لم يكونوا علي نية للذهاب الي هذا الحد وان اخطاء مرسي والاخوان هي السبب، وبين أكثر من مقال لك في 2012 و2013 حين سردت سيناريوهات ورجحت من بينها ان يقوم الجيش بتحرك عنيف ضد الاخوان سواء مع الابقاء علي مرسي او مع عزله؟
سادسا: قام مجموعة من الشباب الثوري بتدشين جبهة طريق الثورة(ثوار) وهم في خصومة معلنة مع الاخوان والنظام… هل تري من فرص لنجاح حراكهم؟
سابعا: هل لاتزال تؤمن بنجاح آثار ثورة يناير على مدى متوسط؟
إجابات سريعة على الأسئلة
أولا – السيسي مكمل – إن أحياه الله – لسببين: الأول أن درجة التفاف المؤسسة حوله ثم اتساع الدعم الشعبي أوسع كثيرا من أي قائد عسكري آخر – ربما تقارب عبدالحكيم عامر، والثاني – أنه لن توجد في الأمد القريب درجة من الضغط السياسي والشعبي على المؤسسة كافية لوضعها أمام خيار صعب بالتخلي عنه (حركة السيسي بالأساس كانت حركة مؤسسة وليست حركة فرد، وهذا مالم يستوعبه الإخوان، بالعكس السيسي كان أبطأ كثيرا وأكثر ترددا في تنفيذ طموحات مؤسسته)
ثانيا – اضطراب الانحياز وعدم تطوير حراك ثوري مستقل وتجمع سياسي في المراحل الأولى أضر بلاشك مسار التطور السياسي، ولكن هناك معلم أساسي لتقييم الوضع، وهو أن أي نظام ينشأ لايستجيب للأهداف التي قامت لأجلها ثورة يناير من الديمقراطية والعدل الاجتماعي والاستقلال وبالتالي سيبقي صيغة الفشل الوظيفي هو بحد ذاته قادر على تطوير حراك شعبي وتوسعة الاحتقان..
المشكلة ليست في موجات الحراك الشعبي أو الاحتقان لأنها حدثت وتحدث وإما يستفيد بها طرف غير ثوري (الإخوان في مرحلة، والجيش والفلول في مرحلة أخرى) أو تجهض سريعا، المشكلة أن ما سبق يحدث لأنه لاتوجد قوى سياسية أكثر نضجا واستقامة، وهذا هو الواجب الذي لم تفعله الثورة المصرية لاقبل 25 يناير 2011 ولابعده، وسنبقى في هذه المدعكة حتى حصول هذه التجديدات والإنضاج
ثالثا – لاأعتقد أن تمرد لها دور كبير (إيجابي أو سلبي) بعد 3 يوليو، وهي كعادة التجمعات الشبابية أصابتها سكرة الإنجاز واستطاع الحكام الجدد أن يسكنوها ببعض المناصب هنا وهناك، ومساحة الدور لها كانت المفروض في فترة الزخم الشعبي أول أسبوع وهي إن مرت دون استفادة منها لاتعود. وإن كان واضحا أن درجة انحيازها للديمقراطية لم تكن قوية، وليس لها تنظيم قوي أو توسع قاعدي ولم تسع المجموعة الأساسية لتكوينه بالأساس.. ولكني أعتقد أن المخابرات ليست هي من تديرهم ولكن في الأغلب تؤثر على بعض أفرادهم.
رابعا – بالطبع السيناريوهات الثلاثة هي من تحكم المشهد، مايتغير هي الترجيح بينها. وإن كنت رجحت السيناريو الثالث، إلا أني أعطيت احتمالا كذلك للتحرك في أحد السيناريوهين الآخرين وفق شروط، أرى بعضها تحقق. ولهذا فنحن لحد كبير نعيش في السيناريو الأول. ولكن قناعتي أننا سنخرج منها في أمد متوسط، للأسباب الواردة في الإجابة الثانية.
خامسا – تقديري منذ عامين أن الجيش سينقلب على اتفاقه مع الإخوان كان تقديرا لمحركات الطرفين وقوانين التعامل السياسي والصراع وليست معلومة بالطبع. بمعني: أن كلا من الجيش والإخوان كانا في نيتهما بالفعل استدامة هذا التحالف (حتى الفترة التي سبقت وتلت انتخابات الرئاسة مباشرة وكان فيها طنطاوي وعنان انقضت سريعا بانقلاب السيسي داخل المؤسسة بمباركة إخوانية ورضا أمريكي وجدوا فيها فرصة لتجديد الاتفاق)، ولكن لأن الإخوان تنظيم شمولي سيسعى للاختراق وتوسعة مدى سيطرته، ولأن ملفات الدولة المصرية هي على درجة من المركزية والتشابك بحيث ستؤدي لامحالة للاحتكاك ولايمكن قسمتها، ولأني أعلم أن الإخوان لن يحققوا شرائط التغلب على هيمنة العسكر من بناء للتوافق الوطني وتوسعة شرعية الإنجاز السياسي.. كل هذا قادني لترجيح تدخل الجيش، ولكني أعلم أن هذا التدخل وحجمه لم يتطور إلا في آخر لحظة، وأن مرسي لو قبل في آخر دقيقة مثلا فكرة الاستفتاء لم يكن الجيش ليسقطه، وأن الجيش عرض بالفعل على القوى السياسية فكرة الاستفتاء كذلك، ولكنهم رفضوا، وبالطبع فالجيش لن يتدخل عسكريا لفكرة الاستفتاء – مالم يوافق عليها مرسي – لأنه بذلك يقوم بما يشبه الانقلاب بحساب الخطر والكُلفة دون أن يحوز على الحماية السلطوية أو الشعبية الكافية. فلا أرى تناقضا الحقيقة بين الأمرين.
سادسا – أعتقد أنها خطوة إيجابية خصوصا في الإلحاح على بعض الحقوق ومساحة الحريات، ولكنها غير كافية وناجزة بالطبع لسببين: الأول – أن الأهم هو تطوير قوى سياسية تتصارع على المساحات وتقدم رؤية سياسية واضحة وتبدأ في تطوير قواعدها الشعبية ونخبها الكادرية، والثاني – أن درجة الاحتقان الشعبي وتأكد الفشل الوظيفي لم تتيقن بعد – خصوصا وأن الجميع يعلم بانتقالية المرحلة.
سابعا – بالطبع لاأزال مؤمنا بنجاح خط الثورة كأهداف، وإن ليس بالضرورة نمطا استراتيجيا بعينه فضلا عن تكتيكيا. بمعنى – أن حراك الشعب سواء كان احتجاجات أو تدافع سياسي ومؤسسي هو في الأخير سيقود لتمكين أهداف الديمقراطية والعدل الاجتماعي وتطوير مشروع استقلالي، وإن أخذ شوطا في تحقيق ذلك أو بدّل أنظمة بشكل عنيف أو سلس.
2-12-2013
ماهو تقييمك الإجمالي لمسودة الدستور والفارق بينها وبين دستور 2012؟ والتطور السياسي المقبل عموما؟
بخصوص المسودة..
القراءة الدستورية المباشرة ستجد فارقا كبيرا – وليس هينا – على مستوى التحسين بين دستور 2012 ومسودة التعديلات الحالية، وربما لن يدرك هذا الفارق إلا من استوعب حجم الإشكال وسببه في دستور 2012 باديء ذي بدء..
– دستور 2012 كان يعاني من إشكالية منهجية في المنتوج تتلخص في ثلاث نقاط جوهرية:
الأولى وهي الأهم – تحيزه للمصلحة الإخوانية وفق رؤيتها الشمولية للدولة؛ فقصته باختصار هي عن تنظيم يحاول التهام الدولة في تضارب للمصالح شديد، ويظهر هذا في كل شق منه تقريبا. ويظهر هذا الخلل بوضوح حين تتم مقارنة المواد في (نظام الحكم، صلاحيات الرئيس، المحافظين، مجلس الشوري، المحكمة الدستورية، المجالس الرقابية، الحقوق الاجتماعية والحريات) بين دستور 2012 وبين أطروحات الإخوان الانتخابية والسياسية – وغيرهم لعقود مضلت.
الثانية – وهي مرتبطة بالأولى، أن الإخوان كانوا في حاجة شديدة للمتاجرة بقضية الشريعة لدعم القبول الشعبي لدستورهم ولتحصيل دعم السلفيين، مماقاد الدستور بالفعل لتكريس فهم شديد التشوه للشريعة 219 ، وسلطة العلماء – مادة الأزهر.
الثالثة – ولأن الإخوان كان مرغمين منذ ماقبل التنحي أن يعقدوا تفاهمات مع العسكر والأمريكي لتحصيل أكبر منتوج خاص بهم (بقصر نظر شديد) من تفاوض ثنائي خاص، وليس ذلك المطلوب بين الجماعة الوطنية ككل وبين مراكز الداخل والخارج، فأضحي الدستور كذلك متحيزا للوصاية العسكرية مع أنه تمت كتابته بالفعل تحت وصاية الإخوان وليس العسكر كما كان قبل أغسطس 2012.. خصوصا في مسائل مجلس الدفاع والمحاكمات العسكرية والجمع بين القيادتين والمجلس الأعلى.
المسودة الحالية تخلصت من أكثر المشكلات سالفة الذكر وأهمها التحيز الإخواني بطبيعة الحال والخلل في مسألة الشريعة، ولكنها أبقت بشكل ما على مواد الوصاية العسكرية – مع بعض التحسين في مادة المحاكمات العسكرية وزيادة مدنيين في مجلس الدفاع عند مناقشة الموازنة، ولكنها في المقابل حصنت منصب وزير الدفاع لدورتين.
ولكن لأن الدستور في حتى ذاته لاينشيء عقدا اجتماعيا سياسيا بقدر مايعبر عنه، فالعبرة فيه ليست فقط في المنتوج (المضمون)، ولكن في طريق الوصول إليه، ومدى شعور قطاعات عريضة من الشعب أنه يعبر عنها (سواء فهموه واستوعبوه أم لا).. وهذا غير حاصل هنا بأشد مما كان غير حاصل في دستور 2012 لاعتبارات.
ليس لأن طريقة صنع التعديلات – حين نقيمها بشكل مجرد، غير مناسبة؛ بالعكس هي أفضل من سابقتها لأنها أوسعت من مجال التمثيل الشعبي دون تحيز لفئة سياسية وكثير من الموجودين أتوا بترشيح جهاتهم، ولكن لأن عملية صنع الدستور تمت في مناخ احتقان سياسي واستقطاب اجتماعي حاد وشعور بالغبن جراء الانتهاكات الحقوقية وغياب أي درجة من العدالة الانتقالية.
– —-
بخصوص سؤالك عن الوضع السياسي ومآله..
فماذكرته سابقا لاأزال مقتنعا به؛ لايمكن تغيير مآل التطور السياسي لوطننا بدون نخبة سياسية مدنية جديدة، تكون عندها قدرات لإدارة ملفات الدولة وتحقيق شرعية إنجاز – ولو بشكل تدريجي – ممايمكنها مع الوقت معالجة الوصاية العسكرية بأسلوب إصلاحي أو ثوري ، أو مزيج بينهما – في الأغلب، ويكون عندها قدر من الاستقامة الأخلاقية والمبدئية.
في تصوري – الكثيرون قد خسروا أخلاقيا ومبدئيا وخالفوا قناعات سابقة مستقرة، سواء بالتحالف – أو التغاضي – عن الفلول والعسكر، أو التحالف – أو التغاضي عن إجرام الإخوان وحلفائهم وأجندات قطرية وأمريكية حاضرة بالفعل، وكثيرا مايختلط الدافع الذاتي عند البعض (السبوبة) للأسف بالدافع السياسي والهوى الأيديولوجي.
ربما يكون الأقرب في تصوري لماتحتاجه مصر من صفاء في الأجندة السياسية والتزام أخلاقي حاضر في جبهة طريق الثورة مثلا وبعض النخب المحيطة بها، ولكن هي تفتقد كثيرا من القدرات والبنية التحتية لتؤثر بشكل ملموس – هي حتى ليست حزب.
في ظل فشل الموجود حاليا في إنتاج بديل فوري، فليس أمام وطننا إلا الانتظار لحين أن تقود التجارب الصعبة وتدافع المصالح والخسائر ذاتها إلى الدفع لهذه المساحات التجديدة. وأنا مؤمن بحدوث هذا على مستوى متوسط.
مشكلة التجربة المصرية منذ يناير 2011، أنها ابتدأت ثورة مع افتقادها لكثير من المقومات السياسية والنخبوية والمعرفية والنفسية والأخلاقيةالمطلوبة لها ولهذا فكل درس أو خطوة تأخذ شهورا أو حتى سنينا في مخاض صعب. لو تابعتي هذين المقالين (قبل الثورة وبعدها بعام ونصف) لوجدتِ أننا بالفعل قمنا ب (ثورة) دون أن يكون حاضرا بين أيدينا أي مما سبق.
http://81.144.208.20:9090/pdf/2010/12/12-03/qmd.pdf
http://81.144.208.20:9090/pdf/2012/10/10-08/qra.pdf
11-12-2013
قرات ملاحظاتكم علي المسودة ودعوتكم للتصويت بلا
ولكن هناك رأي يدعوا للتصويت بنعم لأن هذا هو المتاح ومايحفظ مساحة التحرك السياسي والاجتماعي وفقا لموازين القوى.. مارأيك؟
أولا – سأتحدث عن المسودة مع ربطها بالتطور السياسي..
في تصوري أن هذه المسودة أفضل كثيرا من دستور 2012 في كل النقاط المعدلة تقريبا، وإن كان حصل تغير هام جدا في المسودة النهائية عن المسودة التي علّقتُ عليها في البدء.
هذا التغيير وسع قليلا من صلاحيات الرئيس (أعادت حقه في تشكيل الحكومة من غير الأكثرية في أول محاولة كدستور 2012 بعد أن كانت عدلت هذا، أزالت بعض الوضوح – الذي كان قليلا على كل حال- في دستور 2012 في توزيع الاختصاص بينه وبين مجلس الوزراء، أزالت الرادع الدستوري في حل البرلمان وإن كان يوازنه بالطبع ماتم استحداثه في حص البرلمان عرض سحب الثقة من الرئيس على الاستفتاء وهو تطور جيد) ولكنها في المقابل ألزمته بموافقة البرلمان حتى في القيام بتعديل وزاري جزئي فضلا عن تغيير الحكومة وهذا لم يكن موجودا في دستور 2012 .
وبصراحة، لو السيسي لم يترشح – وهذا مازلت أرجحه حتى اللحظة.. وربما يتغير الوضع – ولكن لو لم يغير السيسي رأيه فتوسيع صلاحيات الرئيس التنفيذية يكون جيدا كقاعدة مرحلية في تطوير توازن مع المؤسسة العسكرية حتى لو كان الرئيس المقبل محسوبا عليها مهنيا أو سياسيا بسبب الاحتكاك السياسي، بالرغم من علمنا بصلاحية النظام المختلط الأقرب للبرلماني للوضع المصري خصوصا حتى إعادة هيكلة المؤسسات وتثبيت الديمقراطية.
وليس الأمر في هذه الحال كما استنتج أحدهم أن المسودة جعلت الرئيس (متغولا أمام المنتخبين المدنيين وخيال مآته أمام العسكر) لأن الرئيس المدني القوي قادر على تحريك مصادر قوى مدنية وشرعية سياسية تكفي مع الوقت للتصلب قليلا أمام وضعية المؤسسة خصوصا أن ثمة احتكاك سياسي ناشيء بطبيعة الحال بسبب تسييس رأس المؤسسة العسكرية، حتى إن لم يكن هذا الرئيس صاحب أجندة في تطوير هيمنة مدنية ديمقراطية.. بل الأغلب أن يسعون في تضمين المسودة النهائية تقوية لمنصب وزير الدفاع لتحصين السيسي.
أما إذا نوى السيسي الترشح – ولعل هذا مادفع عمرو الشوبكي ومن معه في تغيير المسودة قبل التصويت النهائي – فسيكون الوضع سيئا بشكل كبير ديمقراطيا. وإن كان التعثر السريع للنظام الناشيء سيأخذ كثيرا من الهالة حول السيسي ويضعف شرعية إنجازه ويكون محركا أكبر للتمرد الشعبي – وبدون هذه الخطوة فلايمكن أن توجد ثورة وإن ادعاها الكثيرون: على الإخوان أولا أيام الاتحادية ويناير 2013 مثلا، وعلى النظام الحالي الآن.
ديناميكيات العلاقات المدنية العسكرية المتوقعة في المرحلة المقبلة أكثر تعقيدا مماذكرت، وربما أتناولها لاحقا، ولكن في الحالتين السابقتين تبدو نقاط إيجابية على مدى متوسط:
عدم وجود تنظيم شمولي يرغب في الهيمنة في مرحلة تحول ديمقراطي وعنده مشكلات مرتبطة بالأمن القومي، وخفوت درجة الاستقطاب السياسي والاضطراب الأمني الداخلي مع الوقت، وتطوير شرعية إنجاز مدنية (هذه أصعب نقطة) في مقابل تقليل القاعدة الاجتماعية والسياسية والتشاركية للمؤسسة (مع الحفاظ على درجة كافية وطنيا منها) هي شرائط أساسية لتحقيق أي تقدم .
بعض هذه الشرائط حصل والآخر قد يحصل، ولكن بالرغم من ذلك يكون هناك صعوبة شديدة في الخيار الإصلاحي لوحده أن ينجز أي تغيير في موازين القوى ومحصلاتها. فضلا أن الفوضى الحاصلة كشرخ اجتماعي وسياسي ستحتاج فترة لترميمها. ولايمكنك تصور مصر مختلفة بدون عدالة انتقالية .
ولكن ماسوى ذلك (مع الانتباه للملاحظات الخاصة بوضع الجيش) من نقاط في الدستور فهي أفضل كثيرا من دستور 2012.
—————————————————————
ثانيا – بخصوص موضعة الموقف من الدستور في سياق استراتيجي
هناك فوضى عارمة كما أشرت وتعثر شديد – سياسي وأخلاقي – لكل القوى السياسية تقريبا؛ ربما فقط جبهة طريق الثورة وبعض النخب حولها – عندها وضوح وسلامة موقف سياسي، و لكن الأفضل – حتى مع توحد الموقف والقراءة السياسيتين – أن تتعدد الموضعة الاستراتيجية مابين ثوري وإصلاحي – كما أشرت في (تقدير موقف ديسمبر 2012).
الدستور سيمر ونحن نعلم هذا، وبطريقة إجرائية سليمة دون تزوير في الأغلب.
وكما ذكر الطرح الذي أوردتَّه: نحن نحتاج فعلا في هذه المرحلة لمن يدخل في العملية السياسية لإعادة بناء كتل سياسية تخوض مخاضا صعبا وطويلا في اكتساب شرعية إنجاز وتدافع سياسي وصراع على المساحات. كقاعدة عامة لمايأتي من سنين:
مصر بدون رأس سياسي مدني ينحاز للديمقراطية ويكتسب ملكات إدارة ملفات السياسة لايمكن لا أن تستفيد من أي موجة ثورية ديمقراطية ولا تزيل وصاية عسكرية فضلا أن تتحرك لمشروع وطني..
ولكن لاحظ أننا نحتاج كذلك لأمرين:
1- كتلة أخلاقية ومبدئية مثالية لاتقبل بهذه المسودة بسبب منتوجها والطريقة والسياق السياسي والحقوقي التي تم صنعها فيه
2- كتلة سياسية تنحاز للثورة ؛ الثورة الديمقراطية الصادقة بالطبع، وليست تلك التي يستدعيها الإخوان ويستخدمونها كيفما يشاءون لحيازة سلطة أهدروها وعند أول بارقة يبيعونها بثمن بخس وهذا سيحصل قريبا. هذه الكتلة يمكن أن تستفيد بجوانب الإفلاس السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي تحصل وستحصل في المرحلة المقبلة وتكون وقودا لموجة ثورية – أو على الأقل احتجاجية مقبلة. وهي بالتأكيد إما ستختار المقاطعة – دون التورط في الدخول تحت طاولة المعسكر الإخواني – أو القول (لا) قوية فيكون انتقالها للحالة الثورية مقبول سياسيا.
استراتيجيا – مانحتاجه هو:
حراك إصلاحي يشترك في السلطة ويدافع عن الانحيازات المبدئية والسياسية ويصارع على المساحات ولهذا (يدرك مميزات هذه المسودة ويقبلها على مضض مع الإشارة إلى تحفظاته بوضوح)،
وحراك يمزج بين الإصلاح السياسي ولكن عنده حساسية للانتقال للحركة الثورية إذا توفرت شروطها ويسعى لبناء هذه الشروط.. ولهذا فهو يشارك في الاستفتاء ولكن يقول (لا) كبيرة. لأنه سيحتاجها بعد ذلك.
وحراك احتجاجي لكنه يدين العنف والمتاجرة بالدماء ووجود الإخوان سياسيا دون دمقرطة والدعوة لتشقق الجيش، ويدرك أن شروط الثورة تحتاج وقتا لبنائها لأنها تفتقد الآن مشروع سياسي ديمقراطي واضح وقيادة ودعم شعبي.. وطبيعي أنه يجب أن يقاطع عملية الاستفتاء.
موقف مصر القوية في هذه النقطة فقط – أراه مناسبا وإن كان يتناقض بشكل مدهش مع مساره السياسي السابق كالعادة، وموقف حزب الدستور والمصري الاجتماعي مثلا – أراه كذلك مناسبا ومتسقا مع مساره السابق – بالرغم من تناقض الموقفين. وبالرغم أننا نعلم أن عجلة التغيير السياسي ستطال هذا الدستور الجديد حتما وإن بشكل مختلف عما طال سابقيه.
والمرحلة السياسية المقبلة في مصر ستقتضي تكاملا بين الحراكات وتطوير كل الكيانات المنضوية فيهما سياسيا وأخلاقيا وكادريا .. هذه الحراكات الآن أقرب للضمور وحتى العدم من التأسيس والاكتمال بالطبع، ولكن التطور والانتخاب الطبيعي وظهور طفرات إيجابية ممكن إن شاء الله – شاءت هي أم مانعت لأنه صيرورة سياسية اجتماعية وبيولوجية كمان 🙂 .
—————————————————–
ثالثا – بالنسبة لشخصي – فأنا بعيد الآن وسأظل بعيدا لفترة لاأعلم مداها – إلا أن يشاء الله – عن الدخول أو إظهار أي انحياز سياسي، ولكني حاولت تقديم قراءة مهنية وتخصصية لقضية الدستور، وهي مادة خام لبناء موقف سياسي منه ولكنها ليست لوحدها العنصر الوحيد في بنائه..
فرأيي ب (لا) كان موجها بالأساس لوثيقة الحد الأدني ولمجموعات لا للمحاكمات ولا لعسكرة الدستور.. وهو يتناسب مع موضعتها السياسية.
ولكني بالطبع لن أشارك في الاستفتاء.
13-12-2013
ولكن هل يمكن أن يدفع النظام بعدلي منصور للترشح؟
وماذا عما طرحته بخصوص جناح ديمقراطي يتدافع سياسيا مع السلطة الناشئة.. هل هذا ممكن؟ وألم يفتقد جزءا كبيرا من شرعيته الأخلاقية؟
وماذا عن حالة الثورة الآن وفرص إحيائها؟ وأيضا حالة الانفلات الإخواني التي يبدو أنها لن تتوقف؟
أولا – أعتقد أن تكرار عدلي منصور غير مرجح لأسباب منها أنه لو كان غير سياسي فلن يستطيع النجاح أول الأمر ثم أن الرئيس المقبل سيكون منتخبا ولمدة أربع سنوات ومهما يكن ضعيفا، فمافي يده من صلاحيات وتفويض سياسي شعبي سيسمح له تدريجيا بعمل نوع من التوازن مع المؤسسة العسكرية في بعض الملفات – خصوصا تلك التي لاتمثل أولوية مطلقة لها. طبعا نحن لانحكي أنه سيستطيع استنساخ التجربة الأردوغانية لأن الأخيرة لها شروط ومدى زمني قد لاتتوفر بشكل سريع.
ثانيا – لاتوجد فعليا الآن ثورة. هناك حالة من الانتفاضة الشعبية تريد أن تسقط النظام فيها ثلاثة أقسام: قسم الإخوان يسعى لعودة السلطة، وقسم من الإسلاميين متحالف معهم وبعضهم يعيش في وهم أن هناك حرب على الإسلام أو له نزعة تكفيرية ومنه من هو مسئول عن عمليات إرهاب بدائي، وشطر آخر فعلا له أجندة ديمقراطية ويقف أمام انتهاكات العسكر الحقوقية ومايعتبرونه انقلابا عسكريا. وهناك كذلك بجوار ذلك حالة احتجاج شعبية لاتريد إسقاط النظام ولكن إعادة تدوير معادلته السياسية والحقوقية وتحقيق أهداف ثورة يناير.
في الحالة الأولى فليس رغبة طرف في إسقاط نظام يجعلنا أن نسميه أنه ثورة دون النظر إلى الانحياز الشعبي له (بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع أجندته السياسية)، والحالة الثالثة بالطبع ليست ثورة ولكن عمل احتجاجي إصلاحي. وإن استعارت الحالتان وصف الثورة
الجناح الديمقراطي في السلطة غير مشغول – وحُق له – بالتكامل مع الحالة الأولى وإن كان ينبغي عليه أن يضغط لأجل استيعابها وتفكيكها عبر سياسة ديمقراطية، ولكن ينبغي عليه التكامل مع الحالة الثالثة. هل يستطيع؟ الآن لا بالطبع لأنه لاتوجد موازين قوى سياسية تحت يده، ولأنه وكذلك الحراك الشبابي الثوري الوسيط أضاع فرصا كبيرة بعد 3 يوليو مباشرة، ولأن هناك استقطاب حاد بين الشمولية العسكرية الأمنية ومعها القطاع الأعرض من الشارع – على الأقل ظاهريا اتكاء على انفلات الإخوان وتنامي الإرهاب، وبين الشمولية الدينية المتلبثة بإرهاب – واستطاعت بفعل غباء العسكر وجرائمه أن تحشد قدرا من الشارع الإسلامي تحتها.
هل للجناح الديمقراطي مشكلة أخلاقية أنه جزء من سلطة ارتكبت انتهاكات حقوقية؟ أعتقد أن المسئولية الأخلاقية تتوزع فبعضهم رفض أو صمت بعد التنفيذ، وبعضهم حتى استقال كالبرادعي. ولكني أعتقد أن أغلب من في المشهد ارتكب تجاوزات أخلاقية – في المرتبة الأولى العسكر ثم الإخوان،
وهما يتحملان مسئولية سياسية مباشرة عن موجة الإرهاب؛ النظام بالتأكيد لانتهاكاته الحقوقية الجسيمة بعد 3 يوليو في الحرس الجمهوري والمنصة ومذبحة رابعة والنهضة غيرها، وفي سيناء كأسوأ حملة غير مُمَيّزة لمكافحة إرهاب ممكن تصورها.
أما الإخوان فلغض طرف إيجابي عن تكاثرها في سيناء لعام في السلطة، وتدشينها رابعة كمنصة تحريضية وتكفيرية، وتحالف سياسي مع قطاعات إسلامية على مشارف العنف المسلح، فضلا عن سماحها بوجود بذور له في كل فعالياتها وتفاقهم ذلك في الفترة التي أعقبت فض رابعة، وفي الأخير قطاع من شبابها بالفعل بدأ منذ فترة يقترب لهذه المساحة الخطرة دون رادع. والحقيقة أن تحليل مضمون الخطاب الإخواني البغيض حوالي التفجيرات بالشماتة أولا ثم بتحميلها للنظام ثانية، لايكاد يساويها دناءة إلا الهجمة الإعلامية ومن نخب في المسارعة بتحميل الإخوان المسئولية الجنائية.
ثم المرتبة الثانية ما يُسمى الجناح (الديمقراطي) في السلطة والمنفصل بنيويا عن الخط العسكري- أمني، والجناح الإسلامي – غير العنيف – المتحالف مع الإخوان.
ثالثا – بخصوص الإخوان.. فهناك جناح سيتم محاكمته وإدانته، وجناح ستجده ينخرط بأشكال مختلفة في العملية السياسية والاجتماعية وهذا سيحدث في المستقبل، أما الجناح الثالث التقليدي والذي تورطت قيادته في الوعود الضخمة فهو بطبيعته غير قابل للإصلاح ولكنه في ذات الوقت قابل للصفقات وأعتقد أنه لو تقدم الوضع السياسي والعام خطوات قد يقبل بمعادلة شبيهة بتلك التي كانت أيام مبارك مع درجة أعلى بالطبع من التضييق الأمني والشعبي وكذلك الاحتجاج.
أما الشباب الإخواني فهو مع الوقت إما سيستجيب قطاع منه لجرعات متتالية من الأفيون الإخواني خصوصا المستفيد بمناخ المحنة، أو يلتحق بالمحاولات المتحورة التي تحاول إعادة موضعتها سياسيا واجتماعيا بصعوبة بالغة، أو يحبط ويتفلت لخيار عنف.
في الأخير – مركز الثقل الحقيقي في إمكانية تغيير المشهد ليس في الإخوان أو العسكر فكلاهما لن يتغير قريبا، ولكن هل تنجح القوى السياسية أن تصبح قوى سياسية فعلا؟ من حيث الانحياز الديمقراطي وامتلاك مشروع؟ ومن حيث تطوير القدرات الذاتية والمؤسسية وتحصيل قاعدة شعبية؟
لو نجحت في هذا، فكل سلسلة التغيير ستبدأ بالتحرك وإن أخذت وقتا، وإن فشلت فأنت أمام تمديد لحالة الخواء السياسي الذي يملؤه العسكر، والذي بطبيعته سيوسع حجم الإفلاس السياسي والانتهاكات ممايستفيد منه الإخوان، ليس لتحقيق تغيير سياسي في صالحهم ولكن لتوسيع مدى الفوضي، التي تتيح مزيدا من التوغل العسكري والأمني في حلقة مفرغة.