التدافع الاستراتيجي التركي والمصري في ليبيا، وأزمة شرق المتوسط

https://www.raialyoum.com/index.php/%d8%af-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d8%b1%d9%8a%d9%83-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%af%d8%a7%d9%81%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%aa%d9%8a%d8%ac%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d9%83/

النظرة المباشرة للأزمة الحالية مابعد الاتفاقية البحرية، وتلك الخاصة بالتعاون العسكري والأمني، بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية – المعترف بها دوليا، توصّفها في قضيتين أساسيتين.

الأولى، توسعة الحيز البحري التركي لاستغلال الثروات المعدنية إلى 200 ميل، بدلا من 12 ميل كما وضعتها فيه الاتفاقيات الثنائية بين قبرص واليونان ومصر وإسرائيل.. والحقيقة أن كل هذه الاتفاقات ليس لها منطق قانوني فاعل بذاته لأنها تجاهلت دولة محورية في حوض البحر المتوسط (تركيا)، وذات الأمر ينطبق على الاتفاقية التركية مع حكومة الوفاق. هناك مبدآن اعتمدت عليه الاتفاقيات القبرصية – الأول هو التقاسم بخط المنتصف، والثاني هو توقف الحيز البحري لتركيا – سواء بمفهوم المنطقة الاقتصادية، أو الجرف القاري- بأي عائق أرضي (هناك جزر يونانية ثلاث بالقرب من تركيا قطعت تمدد هذا). وفي المقابل – طرح تركيا التي أعلنته مرارا يؤكد ضرورة التقسيم (العادل) وليس تحكما بمسألة خط المنتصف – كما نص قانون البحار 1982، وأيضا عدم قطع مجالها البحري بجزر ثلاث صغيرة ولكن الدوران حولها. وبالتأكيد – فالمنطق التركي له درجة حجية قوية، خصوصا بالنظر إلى عزلها عن الاتفاقيات السابقة، وهذا يخالف المبدأ القانوني الواضح بتسوية النزاع.

ولكن في المقابل، كذلك الاتفاقية الجديدة ليس لها أي قيمة قانونية بحد ذاتها، غير دعم ثانوي للحجة التركية القانونية مستقبلا – اتفاقية أمام أخرى ولكليهما نفس الحجية تبعا للمادة 38 من لائحة محكمة العدل الدولية.. وهذا النوع من النزاعات هو منتشر حاليا كما في قضية بحر الصين الجنوبي، والحل الوحيد نظريا في هذا النزاع هو بالتوافق، أو طرح الأمر لمحكمة العدل الدولية على شرط قبول الأطراف. ولكن في واقع الأمر، هذا الملف خاضع لموازين القوى والتدافعات والترتيبات الديبلوماسية كما هو معروف.

الثانية، هو شرعنة التدخل العسكري التركي في معرض الحرب الأهلية الليبية لصالح طرف حكومة الوفاق المتحالفة مع الإسلاميين وقطر، ضد المعسكر المناقض (حفتر، وحلفاؤه مصر والإمارات بالأخص، وكذلك روسيا، والسعودية). صحيح – أن التدخل العسكري التركي الكثيف يظل أمرا مستبعدا نظرا للتعقيدات اللوجستية، وعدم أولوية الملف عند المؤسسة العسكرية التركية أو الشعب (حتى مع تفاقم هيمنة أردوغان على المؤسسة العسكرية وبنية النظام السياسي التركي)، ووجود محاذير ضد التصعيد مع أطراف تحاول تركيا الاقتراب منها (روسيا) أو تبقي على مساحة محفوظة من الخطوط الحمر (السعودية). ولكن يبقى التدخل، قيمة معنوية وشرعية سياسية، وفي ذلك الوقت – يفرض درجة من الردع كذلك على طرف حفتر. وهذا يقلل مستوى تهاوي حكومة طرابلس. وبالنظر إلى ضعف القابلية العسكرية وترهّل قوات حفتر (التي يغلب عليها الطابع الميليشوي أكثر منها جيش احترافي) فهذا قد يوقف بالفعل مستوى التصاعد العسكري، ويفتح بابا أكبر للتفاوض. ولكن في كل الأحوال.. تركيا تعزّز بشكل واضح شرعية وجودها، وفرصة حركتها، بالداخل الليبي كعنصر حاكم.

ولكن لايمكننا استيعاب محركات هذه الأزمة وسيناريوهات تطورها وحلها دون إدراك معمق لخلفيات الموقفين التركي والمصري.

بالنسبة للموقف التركي، فتركيا استفتحت الربيع العربي بهلاوس استعادة السيطرة العثمانية، عبر شرق أوسط إخواني برعايتها وقطر، وبمراعاة بكل تأكيد لمصالح الأمريكي، وصيغة تفاهم طويلة الأمد مع إسرائيل، ولكن أيضا كانت هناك المحرك الاستراتيجي المباشر سواء في تحجيم الخطر الكردي ومايحمله من تهديد انفصالي بالجنوب، وكذلك – توسع مساحة الهيمنة الإقليمية في ظل الفراغ الاستراتيجي الذي أحدثه الربيع العربي، وبطبيعة الحال ماتقدمه هذه الهيمنة من متواليات للمصالح الاقتصادية والسيادية.. وكل هذا دفعها لتدخل حاد وغير منضبط أو أخلاقي في سوريا، واصطناع ولاءات لتشكيلات عسكرية، وتفاهم ودعم حتى مع ظاهرة داعش في وقت ما، وكذا – دعم واحتضان الإخوان المسلمين، خصوصا بعد محنتهم بمصر. ولا ننس – أن العنصر الأيديولوجي حاضر بلاشك عند أردوغان، ولكن يغلب عليه الاستخدام الوظيفي لبناء شرعية داخلية (تعتمد تعبئة الشعور الديني عند قطاعات تركية أفرزها تحول اجتماعي في العقدين الفائتين)، ومساحة حركة خارجية للتدخل والاستعمال في ملفات المنطقة.

جزء كبير من الموجة التركية فشلت بالطبع مع تدخل الروسي واستعادة النظام مع حلفائه للسيطرة على قطاع واسع، وانهيار تجربة الإخوان بمصر، وتحجيمها بتونس (وإن أفاد هذا مجمل التجربة هناك بما فيها حزب النهضة)، ولاقت نقدا حادا من الناتو مثلا أثناء كوباني، فضلا عن تعرضها لهجمات حادة داعشية في الداخل التركي.. هنا – تم إعادة التوجيه الاستراتيجي لمنطق أكثر انضباطا وواقعية. أولا) قدّم المحركات الاستراتيجية المباشرة في الشق الكردي وتوسيع للهيمنة عن البعد الأيديولوجي والوهم التاريخي. وثانيا) استعمال ماتراكم من أدوات دون تدخل مباشر، واقتناص للفرص المتاحة في توسيع التدخل ولكن بشكل منضبط.. والتطبيق على هذا كان في: عملية نبع السلام، القواعد التركية في قطر والصومال..، والآن ليبيا.

فقط – بقي النزاع الحاد الذي غلب عليه طابع العناد الشخصي فيما يتعلق مع النظام المصري، وإن خف كثيرا بلاشك. وهذا لايمكن فهم سر التدافع الحالي كمحرك، وتمظهر دون اعتباره.

أما الموقف المصري، فبشكل مباشر لا تضر الاتفاقية البحرية حظوظه في المتوسط، بالعكس – تزيد حصتها بشكل ما في الترتيب التركي الليبي، ومع ذلك عارضت مصر الاتفاقية بشكل صريح، وأشارت لنقطة موضوعية، أنه ليس من صلاحية حكومة الوفاق عقدها في معزل عن البرلمان (وهو برلمان طبرق وله  شرعية)، وبالفعل – في وضع تفتت الدولة الليبية وتنازع فرقها العسكري وحول الشرعية، لايوجد معنى لمشروعية هذا الاتفاق وغيره. ولكن السبب الأعمق هو خلفية الاحتقان بين النظامين واختلال التوازن الإقليمي.

وفي المقابل – النظام المصري يرى مصالحه تتضرر بشكل بالغ من التدخل العسكري التركي في ليبيا، لأنها تقف مع حفتر وهذا التدخل نظريا يقلل من فرص سيطرته على الوضع بليبيا. وأيضا يجعل لنظام معاد (تركيا) يد في التحكيم في بيئة حيوية استراتيجية لمصر ومصدر تهديد حقيقي.

ليبيا في كل الأحوال هي مجال حيوي استراتيجي لمصر، نعم ليس من طبع التهديد الاستراتيجي تاريخيا أن يأتي من قبلها – على عكس جبهة الشام ، ولكن هذا تغيّر في السنين الفائتة بعد انهيار الدولة وتشرذم منظومتها التسليحية، تحولت ليبيا (قطاعها الشرقي بالأخص) لممرات تسليحية ولوجستية ومحضن عازل لجماعات إرهابية (داعش والقاعدة) تقوم بعمليات كبرى بالداخل المصري. ولكن فوق ذلك، ليبيا هي إضافة نوعية وكمية للمجال الحيوي الاستراتيجي لمصر (كنقل بعد التشكيلات والمدارس العسكرية لليبيا لحمايتها من ضربات العمق بالاستنزاف، أو المشاركة المشرفة في حرب أكتوبر) بالرغم من التنازع الحاد بين نظامي السادات والقذافي والمناوشات الحدودية 1977. مصر لاتستطيع احتمال ضياع ليببيا، أو تحولها لبيئة معادية. وللأسف، التداعي المُزمن في القوة الاستراتيجية المصرية وحدود حركتها بالإقليم، شهد تفاقما حادا بعد ثورة يناير وانكفاء ذاتيا، في وقت حرج تم فيه تدمير الدولة الليبية – مع ما بها من عوار بينوي – بتدخل عسكري غربي، ثم احتراب سياسي وعسكري وتفتت. في تلك المرحلة الحيوية من تشكيل ماهية ليبيا فقدت مصر فرصة حقيقية للقيام بدور ناظم سياسي وأمني، ووسيط نزيه وراع لحوار سياسي مفتقد.

وحين قدم نظام السيسي، وجد ليبيا كابوسا حقيقي أمنيا واستراتيجيا، ولعل حادثة ذبح الأقباط المصريين في 2015 مثلت الذروة في ضرب شرعية النظام المصري التي تصدرتها عناوين كاستعادة قوة الدولة وحمايتها لمواطنيها ومحاربتها للإرهاب وموالاة الكنيسة لحفظ مصالح الأقباط.. حينها تصرف النظام بشكل غير رشيد عبر ضربات جوية انتقامية، وكان الأمر يستدعي تدخلا أكثر حزما وتدقيقا في نفس الوقت، كسياسة دفاعية مطلوبة كان يلزم التدخل في مهمتين ويحظر في أخرى. استهداف بنية القواعد الارهابية في المنطقة الشرقية، والقيام بعملية انقاذ مدني تلزم انشاء ممرات آمنة للمصربين ونقل بحري في الغرب والاستعداد لعمليات خاصة محدودة.. وكان يحظر التدخل في الوضع الداخلي بمعنى نصرة طرف على طرف، ولكن محاولة شق الدور السياسي الراعي والوسيط لحل التناحر الليبي الداخلي.

هذا نظريا، ولكن عمليا هناك عوائق وشروط.. توسيع هذه المهمات كان يستلزم درجة من الاستقرار السياسي والدعم الشعبي كانت غير موجودة، ويستلزم تأهيل للقوات المسلحة على هذه المهام النوعية مفتقد، ويستلزم التمهيد بحملة قانونية وديبلوماسية وشعبية مع الطرف الليبي لم تحصل. ثم هناك إدراك داخلي -بعض النظر عن مدى نضجه- بصعوبة المهمة كقدرة عملياتية خصوصا وأن الجيش قام بثلاث عمليات متوسطة منذ حرب أكتوبر.. ليبيا 77 والعراق 91 وسيناء.. وأعتقد أن القيادة المصرية كانت تدرك جيدا طبيعة التقييم لهذه العمليات يعيدا عن البروباجندا المعتادة.

وفي هذا السياق تحديدا – وتحت العجز الذي شعر به النظام لمواجهة هذا المأزق الأمني، ظهرت سياسة دعم حفتر. هناك بلاشك العامل الخليجي (الإماراتي تحديدا) والذي دفع نظام السيسي لدور أكثر فعالية في دعم حفتر.. فبسبب الضعف في بنية الشرعية السياسية للنظام واقتراب الانهيار الاقتصادي، ارتمى بشكل يتجافى مع منطق الشرف المصري وحجمه التاريخي في حجر الإمارات بالأخص ثم السعودية قدم تنازلات في مساحات متعددة، ولكنه في ذات الوقت كانت له حدود تحجزه عن الدوران خلفهما دون تمحيص، وظهر هذا تحديدا فيما يتعلق بسوريا واليمن.

وكان جزء مهم من طرح السيسي فيما يتعلق بسوريا بالمخالفة للخليجي، وكذلك خلف دعمه حفتر تصور ساذج حول أهمية استعادة (الجيوش الوطنية) كمحاولة لاستنساخ التجربة المصرية، دون إدراك أن الأهم هو توفير الظروف السياسية والاجتماعية والدستورية لاستعادة الدولة بالأساس ومعالجة الاحتقانات والتدخلات الخارجية التي مزقتها، وإدراك أن لا جيش (حفتر) أو جيش (بشار) يمتلكون أدنى معايير الجيش الوطني على عكس الجيش المصري مع كل إشكالاته. بل حتى قبل الربيع العربي، الجيش السوري كانت تحكمه قاعدة الطائفية، والليبي قاعدة الارتزاق.

وهناك عامل آخر، دفع نظام السيسي لفشل في تحليل الواقع الليبي وإدراك الفرص لصك استراتيجية صالحة فيه، وهو النفور الحاد الشخصي والنظامي من أي مكون إقليمي له علاقة بالإخوان المسلمين، خصوصا أن بناء شرعيته الداخلية قائم على شيطنة الإخوان وعملقة دورهم وخطره، واستخدم ذلك بالأساس لقتل الحياة السياسية المصرية وتضخيم الوصاية العسكرية والأمنية. هذا لاينفي بالطبع أن الإخوان ارتكبوا خطايا وطنية وأخلاقية، وبالفعل تورطت فصائل منهم في إرهاب، وتحالفوا مع قوى إقليمية وخارجية ضد أوطانهم، ولكن القياس الأخلاقي والوطني كذلك يصم نظام السيسي وبشار (مع فارق كبير بينهما) بجرائم غير مُتصورة وأفدح. والعبرة في حديثنا هنا ليس هذا المعيار الأخلاقي، ولا هو الحاكم لحركة النظام المصري، ولهذا – فموقف النظام مثلا مع حماس اختلف في النصف الأخير لحملة 2014.. فحماس بلاشك تورطت بشكل غير شريف أو مبرر استراتيجيا في الداخل المصري، جزء بسبب تعصب أيديولوجي، ولكن كذلك – لحساب ضيق أن الاضطراب الأمني والسيادي بسيناء يمثل فرصة ما لتسليح وتموين غزة، وراهنت بشكل أخرق على دور قطري في بداية الحملة. وكذلك النظام المصري رد على حماس بشكل متشنج دون مراعاة الحساسيات القومية والاستراتيجية، ولاننس كذلك التقارب مع إسرائيل  تحت ضغط الوضع بسيناء كما تجلت أبشع صوره في فضيحة سحب مشروع قرار إدانة الاستيطان من مجلس الأمن في أواخر عهد أوباما. ولكن كلا الطرفين – تحت ضغط المصالح الصلبة المتبادلة، طويا الملف بشكل كبير، وبالفعل توسطت مصر لإنهاء الحرب بشكل معقول حفظ قدر من ماء وجه حماس وساعدها في ترجمة نضالها المُشرف بالحرب لأثر سياسي ما وإن كان أبعد عن أي مفهوم للانتصار بالطبع، وتم تثمين دورها بشدة من حماس، وبالتأكيد خرجت العلاقة بعد ذلك من طور العداء إلى نمط أقل قليلا مماكان سائدا أيام مبارك.

ومن كل ذلك ندرك – أن إشكالات النظامين المصري والتركي بنيويا تجلت في محركات الأزمة وطريقة التعامل معها.. فهو محرك إقليمي بحثا عن الهيمنة وحماية المصالح البحرية عند التركي بشكل أساس، وهو محرك أمني مهووس بالمعادلة الداخلية عند المصري.

وهناك ثلاثة سيناريوهات تبعا لذلك:

الأول مستبعد.. وهو تصعيد عسكري تركي بالداخل الليبي يقابله انخراط عسكري مصري يقود لحرب ثنائية… هو مستبعد لكل التعقيدات السياسية واللوجستية المذكورة سابقا. ومبدئيا، فالتوازن العسكري يميل بشكل مُجرد بالتأكيد للجيش التركي، خصوصا بمستوى احترافه وتواجده داخل الناتو لنصف قرن، والنضج العالي للبيئة التصنيعية والأكاديمية الخادمة له. ولكن تبقى نوعية وكم أسلحة الطيران التقليدي والمدرعات لصالح المصري. ولكن الجيش المصري يعاني منذ أوائل الثمانينات من مشكلات معقدة وترهل نوعي في البنية والتشكيل والفكر العملياتي وخامة القادة. وكلا الطرفين أدركا بشكل ما أهمية تحوير جانب مهم في السياسة الدفاعية – وهو تنويع مصادر السلاح وتقليل التبعية العسكرية. ولكن كلاهما كذلك يعاني من مشكلات مستجدة تضعف من قدرته الاستراتيجية والقتالية: الهيمنة السياسية الحادة لأردوغان على المؤسسة العسكرية التركية، وتداع أكبر في البنية الاحترافية للجيش المصري تبعا لتضخم دوره الاقتصادي، وفقدانه لجزء من  قاعدته الاجتماعية تبعا لمسئوليته عن احتقان عند شريحة كبيرة، وإن لم تكن غالبة في الشعب المصري.

ولكن التوازن العسكري لايمكن فهمه بمعزل عن السياق الاستراتيجي الذي تتفاعل فيه؛ الأهداف السياسية ومحدودية استخدام القدرة العسكرية فنيا وبيئيا. وهنا – تظهرمشكلة ضعف بناء زخم عسكري تركي داخل ليبيا، وشبه استحالة نظرا للتقييدات الدولية والإقليمية على هذه النقطة. وكذلك – فقدان الجيش المصري لفائض كمي ذي نوعية عسكرية تقليدية، فضلا عن تأهلها لنمط عسكري هجين يسمح بتدخل كبير وشامل في ليبيا. (تحليلنا فقط لتجربة 1977، وكان الجيش لايزال على قدر كبير من احترافيته وخبرة حرب قريبة، وباستخدام قوات تقليدية وفي نمط نظامي، وأمام قدرات عسكرية شبه بدائية، تؤكد هذا). وهذا التساوي – في العجز العسكري- واضح لكلا الطرفين، وحاجز لهما عن التصعيد.

 ثانيا) سيناريو حرب بالوكالة، عبر زيادة معدلات الدعم التسليحي والاستشاري والتدريبي.. وهذا بشكل مايحصل حاليا بالفعل. والأرجح استمراريته لفترة، لأن المشكلات البنيوية وحجم النزاع الحاد بين الطرفين المصري والتركي، وتلبسهما بالمشكلات الإقليمية المحيطة بهما (هاجس الهيمنة عند التركي، والتبعية الخليجية عند المصري)، سيعقد مساحة التسوية أو حتى التفاهم البيني.

 ثالثا) صيغ تفاوض حقيقية على إعادة اللحمة السياسية، وفك حاسم للنمط الميليشوي عند كلا طرفي النزاع، وتدشين مرحلة انتقالية جادة بإشراف إقليمي متوازن. وقد يظهر أن حل المشكل المصري التركي البيني هو ضرورة لهذا بحيث أن يكون كل طرف داعم وضاغط لتسوية هذه الإشكالات. ولكن في اعتقادي، أن المصري لوحده يمكنه القيام بدور حاسم في الداخل الليبي، إذا استطاع بالفعل، تغيير بنية سياسته تجاه الملف، وتخلصه من عقدة الإخوان – كما فعل مع حماس – ووقوفه بشكل ما حاسم أمام الضغط الخليجي (وهذا فعله مثلا في ملفات أقل أهمية له كالسوري واليمني)، خصوصا أن الطرف الروسي كذلك قريب من النمط البراجماتي الذي يقصد فقط حفظ قدر من مصالحه. فالتركي أولا وآخرا جسم غريب على تلك البيئة، وهناك حد أقصى لتدخله، ولم تلجأ له حكومة الوفاق وحلفاؤها الإسلاميون على هذا النحو إلا تحت مستوى من الضغط الكبير على طرابلس. والجميع يدرك – أن ليبيا لايمكن أن تعود دولة، فضلا عن استعادة وظيفتها ومصالحها الوطنية والاقتصادية، دون توافق سياسي حقيقي وردم لمرحلة النزاع البيني، ودور مصري داعم.

كيف ننطلق من الرؤية الاستراتيجية لموضعة دورنا الفردي؟

استكمالا للحوارات السابقة… هل تبقى المراجعة الفكرية وتطوير الرؤية الاستراتيجية شيئا نظريا أم يمكن الانطلاق منها لخط أدوارنا الفردية؟

وهل يمكننا الاحتجاج أن النظام يمنع أي حراك سياسي للتخلي عن أولوية تشكيل نخبة وحركة وطنية جديدة؟

الحديث عن الرؤية الفكرية والاستراتيجية ليس فقط مهم نظريا، ولكنه أيضا في صلب تحديد الخيارات العملية.. وعدم إدراك هذه النقطة المفصلية هو سبب نكبة الإخوان تحديدا- كجماعة تحصلت على رصيد كبير في البناء التنظيمي، وإتقان في كثير من الجوانب (العملية) في النشاط السياسي والاجتماعي..

الرؤية الفكرية والاستراتيجية هي ماتحدد الطريق، والخطأ فيهما – ولو يسير – مُهلك ومن الصعب تصحيحه، على عكس المواقف التفصيلية والعملانية..

بل العكس – أستاذي كان له مقولة مشهورة: أن الدولة والجيش ذات القدرة العملياتية والتكتيكية الفائقة مع ضعف الاستراتيجية (يقصد ألمانيا في الحربين العالميتين)، تصل لأوضاع كارثية بالمقارنة بالدولة محدودة القدرة التكتيكية والاستراتيجية معا.

ولكن مشكلة الاستراتيجية – وقبلها الفكر – هو كونهما بالأساس إطارا نظريا (تجريديا)، ولكننا نرى أثره في تحريك آلاف الخطوات ونثريات المواقف لمسارات كلية ونهايات محددة.
—————

دون إطناب – الرؤية الاستراتيجية العامة للحراك الوطني والتغييري في مصر – وفقا لمعطيات المرحلة والمستجدات التي حصلت وتراكمت منذ 30 يونيو حتى الآن – لابد أن ترتكز على تطوير نخبة سياسية مختلفة، وكتلة وطنية جديدة، وأن تجمع بين مسارات العمل السياسي الاحتجاجي من خارج النظام، والعمل الإصلاحي المعارض (ولكن المتدافع على المساحات) من داخله..
والحراك السياسي المعارض سيستفيد في مساره من تراكم إفلاس النظام وتصاعد الاحتقان الشعبي..
في كل سيناريوهات تطور وضع النظام في مصر – ولا يمكن أن تضع رؤية استراتيجية ما قبل تحديد ماهي تلك السيناريوهات، وهل هناك فكرة استراتيجية تصلح للتعامل معها كلها، أو مع أكثر السناريوهات رجحانا..
أقول – مع كل السيناريوهات الممكنة (سواء استمرار الوضع الحالي بفشل النظام وتكريس استبداده، أو انفجار شعبي مفاجيء على مستند اقتصادي، أو غياب الرأس وتحرك المؤسسة العسكرية لتوفير البديل، أو فتح النظام تدريجيا لمساحات العمل السياسي والتراجع أمام تصاعد الاحتقان الشعبي – أو توقيا له)..
مع كل هذه السناريوهات الممكنة – حتى لو حصل أمامنا انفجار شعبي غدا – فالنتائج ستكون إما وخيمة أو فرصا ضائعة دون وجود نخبة سياسية وكتلة مدنية مختلفة!
يمكن أن يُحتجّ أن النظام غالق باب الحراك السياسي وحتى الاجتماعي.. نعم يغلقها الآن وليس بالضرورة غدا.. ثم أن هناك كثير من الملفات الحيوية في إعادة تأسيس النخبة وكتلة المعارضة الوطنية – النظام لايستطيع أصلا أن يقترب منها فضلا أن يمنعها.
هل منع النظام الإخوان، أو التيارات الشبابية الإسلامية، أن تقوم بمراجعات حقيقية في الأفكار والتنظيمات والرؤي الاستراتيجية والأدوار؟
هل منع النظام أجيالا من الشباب المُحبط الآن، أو الغارق في وهم وهلاوس الثورة أو الشرعية المغدورة وسقوط الانقلاب، أن تُطور وعيها وقدرتها، وتمتلك أبسط المقومات الفكرية والفنية والاستراتيجية التي تفتقدها، مع حتميتها لأي مشروع وطني ورسالي – بغض النظر عن مرحلته؟
هل يمنع النظام – في حال توفرت رؤى حقيقية مختلفة وضغط شبابي من كل التيارات نحو وجهة وطنية وناقمة بشكل جذري على النخب والمسارات الآسنة – تطوير نواة لحراك وطني مجمع نحو أهداف واحدة، واستراتيجية منضبطة؟
ثم – هل يمنع النظام التيارات السياسية كلها (وليس فقط الإخوان) أن تطرح سياسات بديلة نقدية حقيقية لايغلب طابع الجهل والتشفي والسقوط الأخلاقي وانعدام المهنية والتخصص؟
هل يمنعك النظام أن تغلق الباب تماما أمام أي موضعة لأجندة الإخوان المشكلة قيميا وسياسيا بأهدافها ووسائلها ، أو إعادة ضبط البوصلة الأخلاقية والوطنية لبقية التيارات فلا تعطي الشرعية لمستبد و لاتصمت على انتهاكات دم أو تفتيت وطن من أي طرف كان؟
حين ينشأ عندنا حد أدنى من طليعة سياسية مختلفة، حينها يمكن أن نفكر في مواقف سياسية، وخيارات احتجاجية أو صراع على المساحات..
نعم – جزء مهم من تطوير هذه الطليعة وبناء الحركة الوطنية لايمكن أن يحصل في المكاتب، بل لابد أن يتحرك في مسارات الاحتجاج والتنافس الإصلاحي وتطوير البديل ومخاطبة الشارع والاحتجاج به، وفق مسار تدريجي ينتزع مساحات حركته بنفسه في معارك جزئية صغيرة، ويستفيد من وصلات مفاجئة  سواء بإحباطات النظام أو حلحلة في مراكز قوته في توسعة الانجازات وتغيير إحداثيات الخريطة السياسية بشكل أعمق.
مثلا – لعلك تذكر حراك (الأرض مش للبيع) .. طيب شوف النظام كان منكشف إزاي؟ شوف كيف أن القضية كانت خطيرة لضربها في جذر شرعيته وتسميعها شعبيا؟ وكيف أنها أجبرته على التعامل بفجاجة مع القضاء بشكل أيضا نسف عريضته السابقة أنه يحمل الدولة المدنية وأزاحها من خطابه؟ شوف إزاي حينها كان هناك مساحة أوسع كثيرا للحركة؟
من الممكن أن نحدد معها خطوات عملانية تفصيلية – تخدم الرؤية الاستراتيجية في تطوير الكتلة المدنية، ومحاصرة النظام وفرض تنازلات عليه، واكتساب ثقة الشارع كنقلة لما بعد..
ولكن من ينفذ؟ هل تحالف الإخوان بكل هوسه ومشكلاته الضخمة ومصادمة أهدافه ومساره – أخلاقيا واستراتيجيا ووطنيا – لأي مشروع معارض حقيقي وإعادة تأسيس دولة، فضلا عن عجزه ومشكلاته الذاتية وتشظيه وانسحابه شعبيا؟
أم التيار المدني بكل انهياره القيمي والقيادي وانعدام وزنه في الشارع؟
أم الحالة الشبابية المفتقدة لأبسط جوانب التأهيل للتعامل مع قضايا وطنية وسياسية معقدة، ولاتزال في مسلكها الطفولي وتخيلها أن الفيسبوك وتويتر قادر أن يصنع ثورة في أي وقت لأنها سمحت بذلك مرة؟ فضلا أن ينشيء مشروع حقيقي ويعيد تأسيس دولة؟

إذن ما الحل؟

أولا – لابد أن نتفق على الرؤية الاستراتيجية 
ثانيا – ندرك أن الواجب الحيوي الآن هو في تأهيل الحالات الشبابية فكريا واستراتيجيا، وحثها لتدشين مراجعات حقيقية في التيارات الأساسية – وخصوصا الإسلامي..
وهي تقوم بكل ذلك – لاتنعزل عن الشأن العام، ولكن تتخذه معمل تجريبي للتدريب القيادي والاستراتيجي، وأيضا لإعادة التشبيك الوطني المتعدي لسيطرة التنظيمات الآسنة، والأيديولوجيات السقيمة..
حينها – نعلم أن تصعيدها الإعلامي أو السياسي أو حتى على الأرض – في ظروف وأوضاع معينة – غرضه (استراتيجيا) ليس أن يحدث بذاته تغييرا جوهريا في معادلة النظام ومعارضته لأنه لن يفعل حتى لو تم السماح له، ولكن يقربنا أكثر من المطلب الاستراتيجي المرحلي في إيجاد نخبة وقيادة ومشروع.
قد تنشأ كما ذكرت فرص استراتيجية (كما حصل في 25 يناير ذاتها) – حينها يمكن اقتناصها بشرط وجود هذه النخبة والقيادة والمشروع.
فإن كان هذا مطلوبا في حال دولة – لاتزال على الأقل قائمة كدولة وجيش، فمابالك بأراض محروقة وشعوب مهجرة ومنقمسة أو تحت ظروف قاهرة جيوسياسيا وعسكريا (سوريا، العراق، ليبيا، اليمن، فلسطين، الخليج..).. نعم على مصر دور محوري – ولكن إعادة تكوين نخبة جديدة في أمتنا، تمثل بحد ذاتها نواة للتجديد الفكري والحضري، قبل أن تقود هي وتتحرك في مسارات التغيير السياسي، والصراع الإقليمي والقومي سياسيا وعسكريا ومدنيا…
—————
وعلى هذا يمكننا رؤية أدوارنا الفردية – وخصوصا للمقيمين في الخارج. وكل ميسر لما خلق له..
أدوار لاينبغي أن تغرز في خيارات ومسارات مُهلكة بالمعنى القيمي والاستراتيجي، بل هي أصلا جُرّبت وثبت فشلها ونتيجتها العكسية (الحديث عن ثورة ميادين، أو عنف بدائي، أو حتى إرهاب احترافي!)، ومشكلتها في الأهداف (عودة الشرعية، دولة إسلامية، تمكين) لاتقل عن الخيارات والخطاب والمواقف!
ولكن أن نموضع أنفسنا في مهام التأهيل وإنضاج الحالة الشبابية، والدفع الحازم نحو المراجعات وإعادة تقديم التيارات التي قد يكون لنا بها صلة وثيقة (كالتيار الإسلامي) شعبيا وسياسيا بأشكال وعناوين ورؤى واستراتيجيات مختلفة!
لايمكن الآن عمل ثورة مسلحة أو سلمية على النظام، ولو يمكن فلن تكون مفيدة أصلا.. لأنها ستلقي على ظهر الوطن كيانات في غاية التشوه الأخلاقي والوطني، ومعها ميراث كارثي  تكوّن في الخمس سنين الماضية من الثأر والمرارات واضطراب بوصلة الوطن والقيمة، وانهيار أي مقدرة على التفكير الموضوعي والعلمي في أي ملف!
الخلاصة – نحو أمام مسار بنائي بالأساس، وإن كان يتعلل في كثير من محطاته بممارسات احتجاجية وتدافع على المساحات ومحاولة طرح بديل سياسي..

هذه الممارسات هدفها بالأساس تأهيلي وإنضاجي للوحدة الوطنية، وتشكيل قيادة حقيقية، والتقدمة لها شعبيا.. وإن كان لايمنع هذا تحصيل تنازلات تدريجية من النظام (وفق خارطة إفلاساته المتوقعة)، أو إمكانية الاستفادة من فرص مفاجئة.

ملاحظات حول المراجعات، والحراك الوطني

بعض الملاحظات على هامش حوارات سابقة حول المراجعات الفكرية والسياسية (خصوصا للتيار الإسلامي)، والمنطق السياسي والاستراتيجي للحراك الوطني المعارض

مراجعة للتطور السياسي المصري مابعد ثورة يناير، ومنطق الحركة استراتيجيا

حول مراجعات المجموعة الشبابية للإخوان

حول مراجعات الإسلاميين والإخوان 

في الفكر

  • شمول الدين لايعني شمول وظائف أي حركة اجتماعية أو سياسية تتحرك لتطبيق ماتفهمه منه.. بل قد يكون هذا الشمول التنظيمي مضادا لمقصود الدين نفسه في عديد من الملفات خصوصا في هذه المرحلة الزمنية التي بدأت بنشأة الدولة الحديثة – سياسيا واجتماعيا.
  • لابد من التمييز القاطع بين الدين (كحيز وحي معصوم)، وبين أي مقاربة بشرية في فهم الدين وتنزيله.. الإخوان ليست (دعوة الإسلام في القرن الرابع عشر هجري) كما وصفها الشيخ البنا، ولكن مقاربة بشرية في تنزيله سياسيا ودعويا واجتماعيا.. ولأنها بشرية فيعتريها الصحة والبطلان، الرشد والانحراف، الإخلاص والهوى، المناسبة الزمنية وعدم المناسبة، محدودية المهمة وإطلاق القيمة…

    في المشروع والتنظيم

  • لايجب البدء من اعتبار وجود تنظيم إخواني أمرا مسلما..

    فالنظرة الدينية والتجريبية في وضع رؤية عامة واستراتيجية في مسار الحركة الفردية والجماعية للدين.. لابد أن تسبق أي تفكير تنظيمي ومشاريعي – لأنه عالة على الأول.وأي حركة إسلامية – على مدار التاريخ – لها فترة سماح سنني، إذا لم تحقق مقصودها فيه، لابد من إجراء تجديد جذري في كينونتها وأهدافها.

    ولعل هذا بالضبط ماأشار له الشهيد علي شريعتي حول دورة حياة أي حركة اجتماعية وسياسية ثورية.

  • أخطر مشاكل الخط السياسي من تجربة الإخوان على مدار 80 سنة:
    1- تحركت في العمل السياسي بمنطق الحركة الشمولية، ولهذا ففكرة البنا نفسه عن الدولة كان فيها تناقض جذري بين تأييده للنظام النيابي، وفي ذات الوقت تبنيه للنظام الشمولي ورفض فكرة الأحزاب.

    2- خطيئة نسبة المشروع السياسي للإسلام.. ليس فقط أن انحيازات كثير من تجارب الإخوان السياسية لم تنحز لمقصودات الدين في بناء النظام السياسي من حيث الشورى الدستورية (الديمقراطية)، والعدل الاجتماعي والاستقلال.. بل لأن المرجعية الشرعية لاتدخل بفعل الاختصاص والاستقصاء والحصر إلا في دائرة محدودة جدا من النشاط السياسي الحزبي أو السلطوي، ولكن أكثر من 95% من البرمجة الحزبية تتدخل فيها الشريعة فقط بوضع المقاصد، فلاينبغي نسبتها للوحي فذلك مفسد للدين والدنيا معا – كما ذكر الإمام أبو حامد الغزالي.

    3- لم تكن التجربة السياسية خادمة لرؤية استراتيجية واضحة في معظم المراحل.. فنجد في مرحلة كان الصدام مع الدولة والسعي لحيازة السلطة، في وقت كان النظر الاستراتيجي والوطني يُحتم مسارا إصلاحيا..وفي أوقات كان لابد من رؤية تغييرية وثورية، ولكن كان منطق الحراك السياسي المتبع إخوانيا هو إصلاحي وتفاهمي مع الأنظمة.. وهذا أربك كثيرا النظرة الوطنية العامة لأولويات العمل السياسي.

  • بالإضافة لكل ماسبق..فهناك إشكالات أوسع في حال عودة الإخوان الآن سياسيا بعد التجربة السابقة.كل مقامات التجديد والتطوير كان وقتها قبل ثورة يناير، وبالأخص بعدها مباشرة.ولكن هناك رصيد من التاريخ السلبي وفقدان الثقة العامة في الإخوان – كتنظيم وقيادات ومسار – موجودة الآن في قطاعات عديدة سياسية وشعبية.

    وهذا لابد اعتباره في التقييم الأولي حول حدود ومنطق حركة الدين وبدائلها.وهذا ماذكرته سابقا.. أن الانطلاق من كون وجود الإخوان كجماعة وتنظيم أمرا مسلما به غير صحيح. ولكن الانطلاق هو من وجود تيار واسع مرتبط بالفكرة، وله مواقف متباينة من التنظيم ماضيه وحاضره ومستقبله.. هذا التيار هو ماينبغي أن نفكر لأجله – ونساعده أن يفكر بتحرر من أي مسلمات – عدا مسلمات الوحي!

  • باختصار –  النقاط الجوهرية لعملية المراجعة المطلوبة ومعوقاتها لايجب أن تضيع في زحمة التفاصيل.
    أهم مايُميز – وتقدمه – ملكة الفكر الاستراتيجي هو التمييز بين المهم والأهم، وترتيب الأولويات:

    هناك فرضيات في مقاربة الدين ووضعية أي حركة إسلامية – لابد أن تُحسم أولا.

    هناك مراجعة فعلية للمسار الإجمالي للإخوان قبل وبعد ثورة يناير وبعد 30 يونيو لابد أن تحصل بالفعل، ولكن بالتوازي مع التفكير التجديدي في المشروع العام (وأهم ركيزة فيه، هو الفصل الكامل بين الدعوي والحزبي)، وقد يقتضي تغيير في العناوين وأشكال التحرك ومنطقه.

    أخطر مشكلة.. أن فكرة المراجعات (حتى مراجعة المسار السياسي فضلا عن الفرضيات الفكرية والحركية للمشروع) مرفوضة تماما من قبل القيادة التاريخية للجماعة.وثاني أخطر مشكلة… أنه للقيام بتلك المراجعات، لايتطلب الأمر فقط استعداد نفسيا للمراجعة والنقد الذاتي والتحرر من هلاوس الاصطفائية والمظلومية، ولكن امتلاك حد أدنى من التأهل الفكري والحركي والاستراتيجي ليس موجودا عند أجيال تقود الحركة وهي إفراز مسار طويل مُشكل ومقفر تربويا، فضلا عن إرث المشكلات النفسية والمعرفية والتربوية التي أفرزتها تجربة السبع سنين الماضية.

  • في رأيي أن من لم يعتبر الكيانية الإخوانية – في سياقها الشرعي والتاريخي والتطبيقي والتنظيمي وإرث التجربة الإيجابي أو السلبي – مجرد فرضية، فهناك مشكلة ضخمة في استقلاليته فكريا أو سياسيا – حاليا ومستقبلا – للقيام بأي أدوار تأهلية أو تشبيكية أو في التدافع السياسي… فضلا عن عنصر بناء الثقة المتبادلة.

    ولكن بلاشك الحالة الإخوانية (بشريا على الأقل) تمثل رصيدا مهما لعملية بناء النخبة السياسية.
    لكن فقط – من لم (ولن) يعيقه أسر التنظيم، أو تتمكن منه فرضيات الحالة بحد التقديس، وتحرر ذاتيا من خشية نقد – ونقض إذا لزم – الفرضيات الأساسية تلك .. فليس ثمة قطعيات هنا.

  • أعتقد التحدي الأهم – والأوّلي – هو التهيؤ فكريا ونفسيا للدور الوطني..

    وهذا يقتضي مراجعة جذرية، وتجديد (أو تعامل إيجابي مع طروحات التجديد فليس المطلوب أن نكون كلنا مجددين ومجتهدين في كل المساحات).. واستعداد نفسي، وقبله ومعه – تأهل معرفي .. خصوصا في أبواب الفكر والاستراتيجية.إذ كثيرا مايُعيق فقدان بديهيات النظر الفكري والشرعي والاستراتيجي عند الشخص، التواصل في تلك المساحات بالأصل، فضلا أن يتفاعل معها ويُجدد.

حول تصور مجموعات الإسلاميين للدولة والنظام السياسي

  •  في رأيي من أهم علامات ضمور الفكر السياسي والمراهقة الفكرية في الحالة الإسلامية هو هذا الموقف من الدولة الحديثة الوطنية – خصوصا عند شرائح من الشباب وليس بالضرورة الأجيال الأسن من الحركة الإسلامية، بشكل لاتجده بذات الدرجة في بقية التيارات.. ولسببين جوهريين:الأول) أن القضية على درجة عالية من التعقيد بالفعل، لتوقف حركة النظر – وليس فقط التجديد – في الفقه السياسي الإسلامي تحديدا لقرون.. فتراكمات عشرات الأسئلة المركزية، ومئات الملفات وفي غفلة عن إدراك مقتضيات تغيير السنن الاجتماعية والسياسية التي أنتجت تطورا هائلا في الحالة الغربية..
    ومع ضعف المتابعة بالأصل للتجربة الغربية، فحتى التواصل معها دون منهجية أصولية ومعرفية مناسبة تُهدد بالوقوع في مشكلة أخرى وهي الاعتساف في النقل دون مراعاة السياقات (وليس فقط مراعاة ثمرة المقاربة الإسلامية في النظر). وكل هذا يكون من الإجحاف أن نحمل هذا الجيل من الإسلاميين أو من سبقوه مسئوليته.الثاني) هو دور الحركة الإسلامية المشكل سواء في تأسيساتها التي شابها شق كبير من الخلط والتسطح الفكري والاعتماد على مخاطبة العاطفة الدينية بأكثر من تأسيس منهج تجديدي فارق،
    ومسلكها التربوي الذي أيضا تعامل سلبيا وبشكل نافر – وليس فقط تغافل عن – مع جوانب التطور الفكري والمعرفي (والاستراتيجي أيضا) في النخب والقيادات،
    وممارستها التي كان همها إحراز مكاسب سياسية وتوسعية قصيرة المدى والتعجيل بالتنافس السياسي والدخول في مساحة السلطة دون إنفاق وقت كاف في بناء مشروعات حقيقية على مستوى الفكرة والتطبيقات..
  • الرفض لفكرة الدولة الحديثة أوضح مثال على الضمور الفكري السابق.. فشق منه فعلا هو نوستالجيا مثالية لأوضاع يتخيل الإسلاميون كونها مثالية تاريخية (وهي أبعد أشوطا شاسعة عن هذا المثال!).لكن هناك ثلاثة منطلقات أساسية:الأولى) مقاربة شديدة السطحية والفقر والتقليد في فهم كيفية تنزيل الشريعة سياسيا؛ أو علاقة النظر الديني ببناء النظام السياسي.. أقول هذا – والغالبية العظمي لم تدرس بالأصل مقومات النظر الشرعي والأصولي، أو تراث الفقه السياسي (مع محدوديته وتوقفه مبكرا).. فضلا أن تكون مؤهلة لاقتراف التجديد.الثانية) هو الخلط بين الرفض الرسالي والاستراتيجي لفكرة التقسيم التي فرضها المستعمر (الدولة الوطنية)، وبين أن هناك واقعا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا شديد الكثافة والتعقيد ارتبط بهذه الحالة مع تقادمها.. ولهذا فيجب اعتباره.
    ولا يمكن هذا إلا ببناء عقود اجتماعية محلية، وأنماط سيادة واستقلال وتنمية في الأطر القائمة.. ثم الانتقال التدريجي عن طريق توسعة العقد الاجتماعي والتهيئة للظروف المحيطة للوصول للوحدة..
    وإلا فنحن مثلا نستنسخ تجربة عبد الناصر.
    وهذا النظر للمقاصد والكفايات أكثر من التراتيب، هو أهم مقومات النظر الشرعي السياسي التجديدي، كما فعل الجويني مثلا – وغيره – مع الدولة السلطانية حين رأوها واقعا انزوت بجواره دولة الخلافة واستحالت رسما.والثالثة: مشكلة الاتجاه الأناركي الإسلامي الذي بدأه المسيري، ونقد التجربة الديمقراطية.
    هذه المشكلة لم تنتبه أن التجربة الديمقراطية الغربية بالفعل خرجت بشكل كبير عن الحالة المركزية، إلا في ملفات محدودة، وتحولت معها الديمقراطية غالبا لتشاركية أكثر منها تفويضية، وأن مزية التجربة الديمقرطية ليس خلوها من أخطاء بل أنها قادرة على التطوير الذاتي، وأن الفكر النقدي الغربي للديمقراطي هو محاولة تصحيحة وليس هادما للتجربة لأنه لايطرح نموذج كلي بديل، وأنه خطيئة أن ترفض نموذجا ما دون أن يتضح لك ملامح واضحة لنموذج متكامل.. وجزء من الإشكال بالطبع هو الفقر الأصولي في عدم معرفة كيف يتدخل الإسلام (الفكر الشرعي) في ترشيد الظواهر الإنسانية والسياسية، وأنه لايصنع نماذج متكاملة ولكن مقاربات منهجية (هذا ماكان يسميه أصوليو وفقهاء المالكية بدائرة الإمامة والسياسة – في مقابل دائرة التشريع، ودائرة القضاء.. بتعبير القرافي في كتابه الشهير)
  • بخصوص النظام الديمقراطي فالدراسة المتأنية للظاهرة الشرعية، وظاهرة التطور السياسي والاجتماعي والعسكري.. تجعل جزءا كبيرا من مقومات الديمقراطية (خصوصا بمعناها الوظيفي) هي أبلغ الطرق التجريبية (حاليا) لتحقيق مقصودات شرعية..

    مثلا فكرة الفصل بين السلطات، أو تقييد السلطة التنفيذية، أو التنوع في مساحات التقييد الرقابي للحاكم في عملية اتخاذه القرار وأخرى يتم تفويضه فيها وحسابه على نتيجتها، أو الهيمنة المدنية على القوات المسلحة، أو الحزبية السياسية والفصل بين النشاط الحزبي والأنشطة الاقتصادية والخيرية والدينية- التبشيرية، أو معايير الحكم الرشيد في الشفافية والمحاسبة والكفاءة والتوازن..

    فالمقصودات الدينية والالتفاتات الشرعية في بناء النظام السياسي قد تقتضي من الفقيه السياسي في عصر تطبيقات وفتاوى ما مناسبة لسياق اجتماعي وسياسي (مثلا أن يتم تعيين القاضي من الخليفة، أو عدم اشتراط مدة للحكم، أو عدم تعيين مجلس دائم للحل والعقد، أو شرط القرشية، أو تعقيد ظروف الخروج على أئمة الجور عند من يجيز فضلا عمن يحرمه ابتداء….)
    ولكن تغير السياقات والظروف التي تتنزل فيها علل المقاصد والأحكام.. يفرض تغييرا في البنى الحكمية ذاتها فضلا عن الفتاوى. بحيث تصبح ذات الفتاوى السابقة مضادة لذات المقصود الشرعي وتطبيقه!

    ولعل هذا مثلا ماحكاه البنا أن النظام النيابي هو أقرب النظم لروح الإسلام.. مع إشكالات طرحه الشمولي في العمل الإسلامي أو بناء الدولة كما أسلفت.

    الخلاصة – أن النظام الديمقراطي – بكل مشكلاته الذاتية، أو حتى اختلاف البيئات الشرقية عن الغربية مما يقتضي أسئلة مختلفة في العلوم السياسية (مثلا العلاقات المدنية العسكرية مشغولة غربيا بأمور كثيرة ليس منها الانقلابات وفي ذات الوقت تبقى ترفا شديدا – بالعكس سلبيا – في مرحلتنا) فضلا عن اختلاف الإجابات (فترى مثلا اختلاف بنية وتفضيلات شكل النظام السياسي بين أمريكا وبريطانيا مع أنهما يُحسبان في نفس طور الديمقراطيات المستقرة والثابتة)،

    أقول – بالرغم من كل هذا.. فالنسق الديمقراطي بالفعل يمثل أفضل الإجابات النظرية عن كثير من أسئلة التجديد في باب الفقه السياسي (وفق شروط وتهييئات معتبرة)، فهو ليس بعيدا عن الروح الإسلامية كما يتخيل البعض.

حول الحراك الوطني والمسار السياسي

  • الحقيقة كل ماكنا نأمل فيه من ثورة يناير أن تحدث فتحا لمغاليق التطور الاجتماعي والسياسي الشامل، عن طريق إزالة العقبة التي مثلها النظام السابق.ولكن – بالقطع – لم يكن هناك نخبة سياسية مؤهلة لتصنع سياسات حقيقية بديلة تمثل بذاتها مادة التغيير السياسي والاجتماعي الشامل.
    كذلك – لم تكن هناك أي قوة سياسية عندها القدرة والاستقامة وتفويض الشرعية السياسية لتدير المرحلة الانتقالية – ولكن كان الأمل أن تحصل صيغة توافقية – هي بحد ذاتها أهم ضمانة للوقوف أمام ارتداد المؤسسة العسكرية للنظام السابق، وتجاوز مشكلة إعادة الهيكلة الضرورية دون التسييس لمؤسسات الدولة الناشئة، وأيضا التوافق على عقد اجتماعي ديمقراطي ومنحاز للعدل الاجتماعي.
  • بالإضافة لأزمة إرث الحكم العسكري، وأزمة التغييب الشعبي وفقدان المبادرة والوعي السياسيين – ممايعيق التحول الديمقراطي الحقيقي وإعادة بناء الدولة، فهناك أيضا أزمة الإرث الحركي الإسلامي الذي يحوز على قاعدة شعبية معتبرة بفعل العاطفة الدينية، ولكنه مشكل من حيث – وضوح انحيازاته، وكونه لبنة في بناء نظام ديمقراطي، ووضح شكل أنشطته وتوافقها مع الدولة الوطنية (إشكال الدولة الوطنية مع التنظيم ذو الهم الأوسع من إطار الدولة – وكانت هذه مشكلة أيضا في التيار القومي) والمنطق الديمقراطي (التخلي عن أي صيغة للشمول التنظيمي، أو الشمول السياسي) (وفك النسبة مع الوصف الإسلامي إلا فيما هو مقطوع به شرعا).وهذا يقتضي كما ذكرت ليس فقط تجديدات جذرية ولكن تضميد جراح وعودة مختلفة للحيز الشعبي.
  • بالفعل، خصائص وشروط الطليعة السياسية أو صانعة المشروع وركائزه تختلف عن متطلبات وخصائص القيادة السياسية غالبا.
  • الفكرة المُلهمة وتجديد الحلم بمشروع رسالي ووطني شديد الأهمية في هذه المرحلة.. وهذا لاينتج إلا بعد تضميد كثير من الجراح التي أفرزتها المرحلة السابقة عند الجميع، واستعادة الثقة في الذوات الفردية والجمعية والمتبادلة.
  •  مكونات المشروع السياسي المنشود هي الرؤية الفكرية والسياسية، ثم الرؤية والمسارات الاستراتيجية.بخصوص الرؤية الفكرية:
    الخط الأول هي في الانحيازات الأساسية للمشروع الوطني من حيث الأهداف والسياسات البديلة.. ولابد فيه من مراجعة الفرضيات الأساسية عند كل التيارات – وخصوصا الإسلامي – حول أهداف الرسالة والدولة، وشكل الدولة وخطها، وانحيازات التحرر والاستقلال والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، والتوازن بين الهم التوسعي (الإسلامي والقومي) ومقتضيات الدولة الوطنية- القطرية وعقدها الاجتماعي والسيادي.أما الخط الثاني – فهو السياسات البديلة في مسارات الدولة الوظيفية.. وهو جزء من استراتيجية الصراع والتدافع السياسي بالأصل، وهذه تنضج وتتطور مع الوقت، وليس بالضرورة حضورها الآن على وجه التفصيل.وفي كلا الخطين هنا حد المشترك الوطني، ولابد من إبرازه والتحلق حوله في مرحلة الصراع السياسي والانتقال الديمقراطي وبناء ركائز الدولة وأهما العقد الاجتماعي، ثم تأتي بعد ذلك في مراحل تالية المشاريع الحزبية والمتأدلجة في مرحلة ممارسة الديمقراطية وهنا لابد من الاختلاف بالطبع .
  • استراتيجيات الصراع والتدافع السياسي، لابد أن يتم تحديدها ولكن اعتمادا على رؤيةاستراتيجية مبدئية، ونواة قيادية..وغالبا الرؤية الاستراتيجية هي المزاوجة بين استراتيجيات الاحتجاج والفعل السياسي خارج إطار النظام، مع التدافع على المساحات داخل إطار النظام،ويقتضي الأمران طرح سياسات بديلة ونقدية،وتساوقا مع سيناريوهات تطور النظام وخياراته،والأهم فيها مع اختلاف تلك السيناريوهات: تصاعد الاحتقان الشعبي وتعمق الإفلاس النظامي..(على أن في التعامل مع إفلاس وفشل النظام قضية شديدة الحساسية – قيما ووطنيا واستراتيجيا.. فالفشل والإفلاس يكون التعبير عنها وتوظيفها ونقدها منضبطا ودقيقا وعلميا وموضوعيا، لأسباب عديدة أهمها استعادة الثقة الشعبية والمؤسسية في النخبة السياسية وأولوية هدفها في المشروع الوطني وليس المناكفة وحيازة السلطة)أما الخيارات الاستراتيجية وبناء المواقف التفصيلية، فيصعب جدا تحديدها بدون تكوين شرطي الرؤية والنواة القيادة والتنظيمية.

 

  • بالتأكيد تبقى فكرة الصراع الصفري وفق استراتيجيات دفاعية وهجومية مع الإسرائيلي على شكل المنطقة ومشروعها قائمة بالطبع،ثم درجة أخرى من الصراع – ليس صفريا – مع الأمريكي بالأخص ولكن وفق استراتيجيات تهيئة ومناورة وتدافع، ثم تدافع إيجابي مع الأطراف الإقليمية (إيران وتركيا) أو الدولية الأخرى مع تكامل وتلاقي في بعض الملفات.المشكلة الأخطر من كل ذلك، أنه لايوجد مشروع حقيقي يملأ الفراغ القومي (بعد انهيار الدول المركزية، وإشكالات في البنى المركزية والمآل القريب في الخليج والمغرب العربي)، فأصبح فضاؤنا القومي – وحتى قطاعاتنا المحلية – أسيرة للتدخلات الإقليمية والدولية بشكل يجعلنا شعوبا ودولا مفعولا بنا..النظرة الاستراتيجي المعقولة هنا، أن هناك دور محوري لمصر (لاعتبارات عديدة.. أقلها أنها هي التي لاتزال باقية كحالة دولة وجيش) في إعادة بناء مشروع أمة.. وهذا جعل – ويجعل – من التغيير السياسي الحقيقي فيها مقدمة جوهرية لنهضة أمة.
    وهذا يوضح كم الخسارة الضخمة، والخطيئة بمفهوم الرسالة والاستراتيجية.. في إفشال الفرصة التي لاحت مع يناير 2011.
    فلو حصل الحد الأدنى من التغيير السياسي المطلوب.. بالتأكيد الوضع العام (وحتى الملفات التفصيلية: سوريا، وليبيا، والعراق، والمقاومة، ومشكلة إيران وتركيا، فضلا عن الصراع العربي الإسرائيلي) لكان جد مختلف.
  • لا أعتقد أنه من الصحيح نسج علاقات بين النشاط السياسي المعارض في مصر وبين أي حكومات إقليمية أو غربية – مهما بدت نقاط توافق حول بعض الأهداف أو المواقف، أما التلاقح مع الشعوب والتيارات والتجارب الحزبية فهو مطلوب دوما..و لعدة أسباب:
    1- للدول القوية (كإيران وتركيا، أو الدول الغربية) مصالح مباشرة كثيرا ماتتناقض مع أهداف وأولويات وأخلاقيات المشروع الوطني.. وبالتأكيد سيكون دوما منسوب التعامل مفضيا لوضع استخدامي لصالح الأقوة. ولنا في مآسي سوريا وليبيا والعراق واليمن، وحتى مصر عبرة.

    2- هذا تدمير – بالحق والباطل – لسمعة المشروع الوطني ورموزه، وهذا أهم مايطرحه النظام كخطاب مواجه – خصوصا إذا استقامت بين يديه أدلة. وهذا له نتائج سلبية على مستوى القبول الشعبي، وحتى ضمن مؤسسات القوة داخل النظام، والتي ينبغي أن يكون التعامل معها استراتيجيا معتمد على جوانب مختلفة – منها فقط وجه وحيد للتدافع والصدام، ولكن فيها أوجه الإقناع والاستيعاب والاختراق والجذب الوطني والقيمي والمصلحي.. كل هذا تعطله.

    أما أن نقصد المشروع الوطني في مرحلة بناء الدولة والتنافس المشاريعي، فهذا طبعا مطلوبا كسياسة دولة، أو برنامج حزبي.

مراجعة للتطور السياسي المصري مابعد ثورة يناير، ومنطق الحركة استراتيجيا

شجون بين العام والخاص

حول مراجعات المجموعة الشبابية للإخوان

تصور عن مآلات الحالة المصرية، يليه مقدمة عن وضع السيناريوهات

عن (الدولة المستحيلة): تقابل حتمي بين نظرية الإسلام في الحكم والدولة القومية؟

في نقد التغيير المسلح؟!

February 2018

نقاش حول شرعية وجدوي العمل المسلح في التغيير السياسي.. ومنطقه الاستراتيجي؟

أولا) أقدّر لك حرصك الشديد على تحرّي كل ماله علاقة بهذا الأمر الحيوي.. ومن أشد الأمور التي جعلتني ناقما على كثير من الكيانات والأفراد، في محيطنا الإسلامي والوطني.. ليس الجهل أو قلة الوعي والإدراك، فمن منا الذي يعلم كل شيء وفي كل شيء، ولكن الترفع عن طلب المعرفة وتمحيص الآراء في الأمور المفصلية التي يتوقف – وتأثرت بها – مصائر البلاد والعباد.

ثانيا) رأيي القديم – شرعيا وحركيا – في مسألة التغيير السياسي المسلح ، أو الذي يكون العمل المسلح أحد مساحاته – كما يشي به فعلا حواري مع القيادي الشرعي الإسلامي – هو منطق الجواز مبدئيا ولكن ضمن شروط هامة..

————–

كنظرة شرعية، بالفعل أغلب الفقهاء المتأخرين، وكثير من أهل الحديث كانوا مع منع الخروج المسلح (ورفعوها حتى لمرتبة الاعتقاد.. كما في العقيدة الطحاوية: ولا يخرجون على أئمة الجور!!)

ولكن هناك قطاع واسع عند الأحناف (رأي الإمام أبي حنيفة على الأخص) وبعض فقهاء الشافعية (أهمهم الجويني، ونقلت رأيه تفصيليا وناقشته في محاضرتي عن الغياثي.. فراجعها – لأنها أهم محاضراتي على الإطلاق)

ورأي عن مالك، وموقف عملي لأحمد في تأييده لثورة أحمد بن نصر الخراعي مع شيوع رأيهما المُعلن بالتحريم.

وفعل فقهاء التابعين والقراء الذين خرجوا مع ابن الأشعث، وقبلهم الإمام الحُسين، وهو رأي الإمام علي، وأبي ذر.

كلهم يرون جواز الخروج بشرط غلبة المصلحة كظن راجح..

لكن.. بلاشك أن التجربة العملية – سواء في النظر لحجم الدماء (كما حصل في الحرة وكربلاء – خصوصا الحرة التي حكى عنها ابن الأثير وابن كثير – بمبالغة كما هو واضح أن هناك ألفي امرأة حبلت مع استباحة المدينة!، ولكن استباحة المدينة والمقتلة هو قطع تاريخي)

أو الخسائر الضخمة على مستوى الأمة (بالأخص تقويض مستوى المنعة وعدم استباحة الحياض، أو حتى مارآه الفقهاء وقفا لحركة الفتح – بكل مافيها من إشكالات معقدة كما نعلم) وهيبة الديانة (ضرب الكعبة بالمنجنيق، ومجرد استباحة المدينة، والمقتلة في الصحابة وآل البيت والنكالة بهم)،

أو تقييم هل قاد الخروج في حال نجاحه لنتائج إيجابية (كالدعوة العباسية التي قادت لدولة باطشة مُحرّفة).. جعلت فعلا المنحى الفقهي يتجه للتحريم غالبا، وهناك أيضا عنصر تأثير السياسة للأسف – وهو عنصر حاضر.

وهذه إشارة ابن حجر في التقريب (أن السيف كان مذهبا للسلف قديم، ثم لما رأوا ماحصل في الحرة تركوه)

وكانت مشكلتي في مع هذا الرأي الغالب – خصوصا المنبني على تقييم للتجارب والظروف السياسية والاجتماعية – ليس المنع كإفتاء عام مرحلي، ولكن تغيير أصل الحكم.

وكنت أرى من الأولى لهم تبني مسألة (إفتاء عام لزمان بعينه) وليس تغيير الحكم، ولكن يصعب عليّ أن أحاسبهم على هذا لأن هذا التقسيم كان خارج خارطتهم الإدراكية والأصولية حينها!

وهذا أيضا ينسحب على رأي ابن حزم الذي قال بالنسخ (أن الشريعة حرمت الخروج أول الأمر، ثم أتت النصوص بالتجويز)، وفي رأيي أن ذلك مرتبط بالمرحلية والقدرة، وليست بالنسخ.

لكني لاحظت مع الوقت أيضا – أنه حتى ألمع الفقهاء وأوضحهم في التجويز – الجويني كما نقلت عنه كلامه – استخدم كلاما شديدا في التحذير من أخذ الأمر بتساهل..فراجعه.

مع الوقت والتجربة والدرس.. حصلت تطورات هامة في رأيي من ناحيتين:

الناحية الأولى – أني بدأت أقدر عنصر العوامل السياسية والاجتماعية وموازين القوى التي تجعل أي مخالفة للخط السياسي للدولة والرغبة في تغييره، لابد أن تنحو للمسار المسلح وبناء العصبة القبلية في مرحلة زمنية (مفهوم الشوكة عند الجويني)، ولكن حين تتعقد الأنماط الاجتماعية والسياسية وشكل الدولة ومؤسساتها، وتظهر أنماط (قويت أو ضعفت) من التشكيل والممارسة السياسية.. هنا يتغير الأساس الواقعي التي صدرت عليها أحكام (وفتاوي) المنع والإجازة ..

فكرة أن الأحكام (مادون القطع) تتغير على حسب العوائد والأعراف والسنن، وليس فقط الفتاوى، طرحها الإمام شلتوت، وهي مامارسها عمر بتمامها في أحكامه المشهورة.. فهو لم يغير فتاوي ولكن أحكاما.. الفارق هنا: أن هذه الأحكام مبنيه في انطباق شروطها على علل تتغير زمنا، وليس بين حالة فردية وأخرى!

بمعنى أن هناك أنماطا من الشوكة وحيازتها والتعبير عنها وممارستها أوسع من القوة العسكرية والقبلية..

(هذا تناولته باستفاضة في محاضرة الجويني)

ولأن الجويني مثلا بنى كثيرا من خياراته وتأسياساته على علة الشوكة، فظهر لي كيف أن التجديد الزمني والعُرفي في تكييفها، يُمكن أن يفتح بابا لتجديد في مفردات الفقه السياسي، ومنها الخروج المسلح تضييقا أو توسعة.

بمعنى – أن مسألة القوة الشعبية مثلا، والقوة العسكرية النظامية المساندة (كفصيل من الجيش مثلا) للحركة الشعبية.. هي من أنماط الخروج السياسي، ولكن ليس الخائض في العمل المسلح والقتال.

ولأن العمل المسلح فيه من الإشكالات الشرعية (خصوصا في مفهوم الدولة الحديثة والتجنيد الإجباري والعمل الشُرطي – مايجعل هناك حائلا شرعيا أمام الاستحلال الشرعي لدماء القوى العسكرية والنظامية للدولة لخفوت المسئولية الفردية وحيز العدوان في حقهم!) بل حتى في طور الدفاع مافيه من اختلال لموازين التسلح والقدرة القتالية لصالح الدولة، ولكن الأخطر: هو رد الفعل الذي يتعدى حيز الدفاع ورده لمظالم متعدية أوسع كثيرا من مصلحة رد الاعتداء!

ونقطة خطيرة استجدت في مقاربتي الشرعي لأي عمل عسكري يستهدف مدنيين (حتى لو ضد المحتل العدو)، أو تكون هناك حصيلة مدنية مُقدرة في التوظيف الاستراتيجي والعملياتي هو التحريم المطلق.. ولا عبرة لأي تكييف لايستقيم شرعا أو قانونا حول قبول شعبي إسرائيلي مثلا بسياسات الدولة، أو غلبة نظام الاحتياط والاستيطان (من لايحمل سلاحا فليس له أن يُقتل، وإن كان مغتصبا، وإنما يُدفع بما دون القتل).
وهذا يجعل أي عمل إرهابي – بتعريف القانون الدولي- هو محرم بالضرورة شرعا سواء كان في الداخل أو الخارج.
تكملة لتلك النقطة وإن كانت خارج الموضوع.. فيما يتعلق بالعمل العسكري (ضد العدو والمحتل بالأخص) الذي يكون له حصيلة مُقدرة مدنيين، فهناك خلاف معتبر في القانون الدولي وكتابات شديدة التعارض.. وهل العنصر المدني يُمثل ثقلا في التخطيط العملياتي والفائدة الاستراتيجية للعملية؟ وهل جرى الحساب بين الضرورة العسكرية وحصيلة الضحايا المدنية؟ وهل تم بذل كل وسع ومراجعة خطة العمليات لتقليل هامش الضرر المدني؟
ولكن للإنصاف – فهناك أيضا عنصر عدم التناسق بين القدرات العسكرية للحركة غير النظامية (الصواريخ ضعيفة التوجيه مثلا) أمام قوة الدولة (ذات الصواريخ والقنابل الموجهة والمجسات الحاسة)، وهذا جعل بعض الكتابات تتساهل في مستوى الضرر الجانبي (الاستهداف غير المقصود للمدنيين) إذا صدر من حركة المقاومة (منهم للمفارقة كاتب إسرائيلي!) وكان هذا بشكل وآخر بعض منطق من أجاز الضربات الاستراتيجية قانونيا ما بين الحربين.. ولكن الأصل العام للأسف – هو العكس: أي التساهل في حق الدولة، وإدانة القوات غير النظامية.. تبعا لاتفاقيات جنيف.

وبالإضافة لكل تلك الإشكالات الشرعية والأخلاقية فهناك أيضا الإشكالات العملية كما سيأتي ذكرها، وهي الأكثر حسما لأنها مرتبط بفكرة الجدوى التي بنى عليها المجيزون حكمهم.

كل هذا – يجعل أنماط العمل السياسي الاحتجاجي (الخروج غير المسلح)، أو الإصلاحي.. هي الأولى في الاعتبار.

الناحية الثانية– أن هناك اشتراطات لم يعتبرها الفقيه القديم، وإن كانت من مفردات الجدوى (ليس فقط العملية ولكن الرسالية والقيمية) ورأيتها بحكم التجربة، والدرس التاريخي أخطر من مجرد الحساب الضيق لفاتورة الدم والخسارة مقابل المصلحة العامة..

أ. وضوح الهدف السياسي وسلامته

ب. قدرة القيادة واستقامتها.

لا أقول أن كلا الشرطين لم يكن لهما محل في اعتبار الفقه القديم.. بالعكس – لو حللنا خروج القراء والفقهاء مع ابن الأشعث مثلا، أو حتى خروج محمد ذي النفس الزكية أو الإمام زيد.. لظهر لنا قيمة الشرطين جليا.

فابن الأشعث كان رائم سلطة بالأساس؛ فالهدف السياسي الذي يُخاض من أجله في مخاضة عويصة لم يكن على هذه الدرجة من الصفاء.

والقدرة والاستقامة في حالته كانت منقوصة أيضا لطيشه، والقدرة القيادية (أي المُكنة في التقييم الاستراتيجي وعدم الاندفاع) كانت منقوصة في حالة الإمامين للأسف.

ربما يدفع أحدهم أننا لم نضع الثقة في قدرة القيادة واستقامتها اشتراطا منفصلا عن تقييمنا للجدوى (كمنتج خططي استراتيجي)؟

لأن حساسية ملف الخروج المسلح ومافيه من تعقيدات للقياس الأخلاقي والاستراتيجي المُدقّق يجعلنا – منذ أول الأمر – قبل انتظار لأي تجديف في بحر مهلك لا طائل منه.. نسد الباب إذا افتقد أي من الشرطين السابقين.. خصوصا أن علاماتهما تكون جلية في الغالب.

مثلا قدرة القيادة واستقامتها: إذا كانت قيادات الإخوان والإسلاميين مفتقدين غالبا لشرطي الاستقامة والقدرة والمعرفة أمام استحقاقات وظروف ومهام أيسر كثيرا في جوانب الحساب الأخلاقي والسياسي : (كالتفكير في مسألة التغيير السياسي قبل الثورة، أو عدم التشويش عليها كخط سياسي، أو بناء توافق وطني و استفادة من ثورة شعبية حاضرة، و طريقة التعامل السياسي مع المؤسسة العسكرية، أو  معالجة سياسات حمقاء مستأثرة تسمح بتكتل الخصوم وتضييع السلطة من أيديهم، والمقامرة بآلاف الشهداء وعشرات الآلاف من المسجونين والأسر التي تعاني في مسار عبثي دون وضوح بوصلة سياسية أو حساب مُدقق بعد 3 يوليو، وإدمان التصريحات التخديرية للأتباع على غير الحقيقة في كل المحطات، أو التسبب في إفشال مرحلة التحول الديمقراطي على الجملة، وفشل الحساب الأخلاقي والاستراتيجي في ملفات العلاقة مع الأمريكي وملفات الصراع العربي الإسرائيلي والسياسات الاقتصادية العليا)

فهل يُتوقع من مثل هذه القيادة أو بناتها، أن تؤتمن على خيار شديد الخطورة.. الأصل فيه صعوبة الضبط الأخلاقي والقيمي، فضلا عن الاستراتيجي كالعمل المسلح؟!

من أشد المهازل الشرعية والأخلاقية مثلا ماسُمي بفتوى (القصاص) التي فقط لم تُدرك المآل المُهلك في حساب الدم والسياسة للقيام بهذا (القصاص)، بل جهلت أبسط جوانب الفروق بين الفتوى والقضاء! ولم تر أي مسئولية ولو يسيرة في الطرف الذي سمح بمظاهر سلاح في فعالياته من أول يوم وغرر بآلاف الشباب للوقوف أمام آلة البطش لدولة كاملة في مسار كان ظاهرا عدم جدواه.

القصاص هو حكم قضائي، ليس فقط من حيث أنه لايُترك للعوام إنفاذه وإلا سقط النظام العام وابتلي الناس بفوضى ومقتلة وسلب، ولكن لأنه لايُمكن إنفاذه إلا عبر استنفاذ أدوات التحقيق الجنائي والنظر في الأقضية والأدلة على حسب كل حالة!!

أيضا وضوح الهدف وسلامته.. لأن هناك إشكاليات ضخمة ليس فقط في مدى الشرعية السياسية لنظام الإخوان السياسية بكل النواقص المبتدئة فيها أو الطارئة :عليها، ولكن حتى في سلامة ووضوح المشروع السياسي ذاته
الأسئلة البديهية حول الدولة وشكلها ومدى دمقطرتها؛ فك الإشكال بين النظام الديمقراطي والمقاربة السياسية للإسلام بما تقتضي من تجديد زمني، والخلط بين شمول الإسلام وشمول وظائف الجماعة المهيمنة على الحكم الذي يقود لشمول سياسي، وتسييس الجيش والقضاء، مفهوم الدولة الوطنية والمواطنة، والعلاقة بين العقد الاجتماعي المحلي للدولة الوطنية والترتيبات التنظيمية والسياسية في الحيّز العربي والإسلامي، والاستقلال والتحرر – حدود الثابت والمتغير فيه، والعدل الاجتماعي أم نهج نيوليبرالي في الاقتصاد يلتحف برداء ديني، وعلاقة المرجعية الإسلامية بالمنطق الدستوري وتجنب الممارسة الثيوقراطية والاستخدامية في ذات الوقت، ومنطق العدالة الانتقالية (القصاص!)..
هل الهدف السياسي هو عودة جماعة للحكم (التمكين)؟ أم تأسيس نظام ديمقراطي ليس عليه وصاية عسكرية أو لتنظيم شمولي أو توظيف لنمط ثيوقراطي في الحكم؟
ليس معنى هذا أن وضوح الهدف السياسي وسلامته ليسا مطلوبين في أي عمل سياسي، ولكن لخطورة هذا الملف وعُمق الإشكال الشرعي والاستراتيجي فيه، فلابد أن تكون الراية السياسية في وضح ليس فيه أي غبش، وإلا فليقر الناس في بيوتهم ويحفظوا دماءهم ودماء إخوانهم في الدين والوطن!
الخلاصة: في نظرتي الشرعية الحالية.. أن الأصل في الممارسة هو التحريم كإفتاء عام للمرحلة، مع أن الأصل في الحكم هو الجواز بعد اعتبار الجدوى والمصلحة، إلا في حالات شديدة الخصوصية، يكون حاضرا فيها قيادة ذو استقامة وقدرة، وبوضوح الهدف والمشروع السياسي مما ليس فيه لبس، وبعد استنفاذ أو استحالة كل أنماط التغيير والإصلاح السياسي.. والأهم: حصول التقييم الاستراتيجي – المُرجح..
 وهذا نقطتي التالية
—————————–
رأيي الحركي منذ الصغر، كان كما تعلم منحازا أيضا لتصور الشيخ البنا عن القوة العملية.. وإن كنت ميزت حينها أيضا بين رفضه لمنطق الثورة – بمعناها الانفجار الشعبي العفوي، وبين الثورة المنظمة التي قد يكون العمل المسلح أو العنيف أحد مظاهرها.
وبالطبع – كنت أتفهُم المعيار المرحلي والاستراتيجي في اعتبار هذا الخيار..
فمرحليا – استخدام القوة العملية لايكون إلا بعد استكمال البناء الحركي، وفترة من التغيير الاجتماعي والنظال السياسي والتثوير الشعبي (بنص ماقاله: لابد من فترة تنتشر فيها مباديء الإخوان وتسود، ويتعلم فيها الشعب المصلحة العامة على الخاصة).
والبنا بالطبع ألحّ أيضا على اعتبار المصلحة والجدوى كشرط عام.
بمضي السنين  بدأت تحصل عندي إشكالات ضخمة في رؤية البنا الفكرية والحركية نفسها، ومافيها من إشكالات جوهرية – سواء في توهين الفارق بين حيز الدين المعصوم وبين الدعوة الإخوانية كمجرد مقاربة بشرية (وليست دعوة الإسلام في القرن الرابع عشر الهجري!)، بين شمول الإسلام والتنظيم الشمولي والدولة الشمولية، وبين قبوله للنظام النيابي من ناحية ورفضه لفكرة الأحزاب إلا أن تكون تابعة للجماعة القائدة (كنت أمرتكم بالبعد عنها والآن ندعوهم للانضمام إلينا!)، الخرق الشديد والانفعالية والتساهل في تعامله مع تجربة النظام الخاص مما قاد لكوارث واستحلال دماء (وسمها هو نفسه – أيضا بعدم ضبط شرعي: ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين)، ومشكلة الدولة الوطنية.. ثم مُجمل التجربة كلها كحصيلة سياسية وفي سُنة التغيير الاجتماعي والجيلي والفكري (مع ما أثمرت من خير وفير على مستوى نشر التدين وزيادة الهم بالقضايا الدينية والقومية والانحياز للبعد الاجتماعي ورفع مستوى الروح الحركية الدينية) .. ماعبُر هو نفسه عن ندمه الإجمالي عليها – كما في حواره مع د. عبدالعزيز كامل (ولهذا خلق الله الندم ياعبد العزيز!)
وخلال هذه السنين، كان جليا أمامي – ليس فقط أن الإخوان كقيادة ومسار بعيدين عن الرؤية التغييرية للبنا – ولو حتى بمعنى التغيير السلمي الذي لاينضوي تحت مظلة النظام السياسي، ولكنها بسلوكها كانت أداة استعابية تُعوّق من إنضاج مستلزمات التثوير الشعبي – لولا غباء النسخة النهائية من نظام مبارك الإبن في آخر محطاته، لما حصل عندنا فعلا شيء اسمه ثورة يناير.. وكان أقصاها مظاهرات شبابية – قد تكون في حد ذاتها إيجابية (لو عادت بنا الأقدار!) ولكنها لم تكن لتصبح ثورة.
حين درست الاستراتيجية – خصوصا العسكرية – بدأت تتضج أمامي إجابات أسئلة كانت مستترة، أو على الأقل كان لها عندي من قبل إجابات مبهمة..
كان استدعاء (القوة العملية) في التغيير السياسي .. شيئا ما حاضرا نظريا، ولكن التدقيق الاستراتيجي في ماهيته، ونمطه الاستراتيجي واشتراطاته كان مُرحلا.
أول درس.. كان التأكيد أن حالة الثورة – على اختلاف أنماطها، ليس فقط تقتضي توفر ظروفها من إنضاج الحالة الشعبية، واضطراب مراكز قوى النظام، وتهيؤ الوضع الإقليمي والخارجي أو صعوبة التدخل المعاكس، ولكن أيضا – وجود قيادة سياسية وعلى المستوى الاستراتيجي.. ليس فقط هي من تقود حالة التثوير والمناورة والتفاوض، ولكن إدارة مرحلة مابعد الثورة لبناء عقد اجتماعي مستجد وتوافقي، ومعالجة إشكالات المرحلة الانتقالية (تنفيذ أجندة التغيير الثوري، دون الطغيان عن مهمة إعادة تأسيس منطق الدولة ومؤسساتها، الحفاظ على مستوى نشاط وظيفي معقول في ظل مرحلة إعادة الهيكلة، ترسيخ القواعد الديمقراطي في السير العام والممارسة…).
ثاني درس.. أن أنماط العمل العسكري لاتخرج عن نطاقات محددة.
فحرب العصابات تقتضي – استراتيجيا – بالأساس دولة ضعيفة المركز، أو شعب تضعف فيه فكرة الدولة وهيمنتها، وتوافق عريضة الحراك التمردي وأيديولوجيته مع مخزون الاحتقان الشعبي، ووجود عوازل جغرافية وشعبية تمثل حماية لحركة التمرد ومنصات لعملياتها، وطرف إقليمي حدودي داعم، وخبرة فنية متصاعدة.
وكما في الأدبيات والتجارب في هذا الباب.. يمكن إنهاء حرب العصابات بإحدى الطريقتين:
الأولى – هي التطور العسكري وصولا لحرب المواقع (نظامية) .. وهذه في حال الدولة ضعيفة المركز – كما حصل في أمريكا اللاتينية، والصين.
الثاني – مسارات الإدماء مما تدفع لانهيار مركزي (تحول أطراف نظامية، أو تخلي الداعم العسكري الأجنبي) كما فشل في المالايو ونجح في فيتنام والجزائر ولبنان..
وهو منطق حروب المقاومة التي نعرفها.
أو خليط – كما حصل في أفغانستان الأولى.
وكما هو واضح – فهذا النمط مكتوب عليه الفشل في دولة كمصر (قوية مركزية بجيش ضخم،
وفكرة الدولة قاهرة شعبية وليس أدل على هذا أكثر من فترة 18 يوم – فمع اختفاء الدولة عمليا، وقيام المواطنين بوظائف الأمن والرعاية، ولكن عادت فورا دون مشكلة بعدها.
وغياب عريضة تحريضية مؤدلِجة لطبيعة الشعب المصري (قد يقوم بانتفاضة خبز مثلا، أو مشاركة في ثورة ضد الظلم الاجتماعي والسياسي، ولكن لايمكن أن يشترك ضد أي تهديد قد يتصل بتهديد لوضع الدولة إجمالا.. وهذا أهم ماأفشل خطة الجماعة والجهاد بعد مقتل السادات)
وغياب الداعم الإقليمي الحدودي (إلا في حال سيناء لفترة، وانفلات الحدود الغربية والجنوبية مع صعوبة كبيرة في سلامة خطوط اللوجستيك).
بالعكس – الوضع الإقليمي والخارجي وحساسية الدولة المصرية في سياقها.. يضيف تمتينا أشد لسياق الدولة (وضعية الربيع العربي كان فيها اختلاف لأننا كنا نحكي عن ثورة شعبية لها سمعة إيجابية دوليا)، وفي ذات الوقت يهيء رد فعل شعبي شديد التحسس من أي مقاربة للتجارب التي فتت دول المنطقة : سوريا وليبيا واليمن.
وغياب التطور الفني والتسليحي – إلا بالتواصل والانغماس ضمن هيكل داعشي.
وعدم وجود المناسبة جغرافيا – إلا في سيناء لمُعوقات الانتشار التسليحي ليس أكثر، وللبعد التضاريس نسبيا.
قديما كان هناك مزارع القصب في الصعيد، أو الآن الواحات، ولكن هذه فقط كانت نقاط انطلاق لعمل إرهابي وليس تمرد مسلح.
أما الانقلاب العسكري فهو غير مطروح أيضا.. لعدم انفتاح الجيش أمام التأدلج السياسي، ولقوة القبضة الأمنية، والضبط التشريعي ومعايير الترقي والأقدمية، وللترتيبات في الفصل بين الأسلحة – والمركزية الشديدة في التحرك والأوامر العملياتية (هذا يُضعف بشدة القدرة العملياتية للجيش في الحروب المشتركة وحروب المناورة كما هو معلوم، ولكن هذا النمط بالأخص تم تبنيه عربيا لمنع الانقلابات).
أما الجناح العنيف- المسلح على هامش ثورة شعبية.. فهو كذلك مرتبط بالسياق الاستراتيجي الأوسع الذي يحصل فيه، ومدى توفر مفردات وشروط حصول الثورة الشعبية بالأخص..
وهل هو عنف وممارسة خشنة عفوية  تستطيع أن تُبطيء من فعل الأداة الأمنية في فترات فقدان الاتزان النظامي – وليس أن تُقود هي إليه في وضع دولة قوية كمصر، دون تحريك الرأي العام ضد الثورة؟
أم هو عنف مسلح – في وضع كمصر وشعبها – حتما سيثير ردود فعل وتوجسات عامة، تفصل بين القاعدة الجماهيرية وفعل الحراك وتُرجح سؤال الأمن والاستقرار على التغيير.
أم هو جناح مسلح يقوم بعنف منظّم، لإتمام عملية السيطرة على مفردات حيوية – فقط على هامش ثورة شعبية كاسحة أفقدت النظام توازنه بالأصل؟ فهذا ممكن، ولكن وظيفته ثانوية ومُكملة.. وهذا شبيه بماطلبه للمفارقة عبدالناصر من النظام الخاص للإخوان في حركة الضباط، ولكن ترك لهم مهمة ثانوية ليحرمهم من طلب المكسب السياسي لاحقا.. والحق أن دورهم فعلا كان محدودا.
=====

المشكلة الجوهرية في حراك تحالف الإخوان بعد 3 يوليو هي أكثر من نقطة:

 
أولا) لم تكن هناك فعلا معطيات ثورة من حيث التأييد الشعبي الكاسح، وانهيار أو شبه حياد أجهزة البطش، وسلامة القضية السياسية المُعلنة، والوضع الإقليمي المُلائم. ليس أن تُعلن أن ماتقوم به ثورة يجعله مستحقا لهذا الوصف استراتيجيا! ولا أحكي هنا عن الحق السياسي.
ثانيا) كل مظاهر السلاح العفوي المُبكر، ساهمت ليس فقط في رفع فاتورة الدم، لأنها واجهت قوات شرطة بالأساس (الجيش فقط تعامل في الحرس الجمهوري وكان نطاقا خلفيا في الفض) غير احترافية في التعامل مع تجمع شعبي فيه بعض مظاهر تسلح، والأهم – أنها معبأة بالانتقام والرغبة في التصفية.. ولكن هي أكّدت من شرعية خطاب النظام وأثره في شيطنة حراك الإخوان وتجريمه..
خصوصا – الربط الغبي الذي حصل مع أحداث سيناء (ارتفعت العمليات الإرهابية من 7 عمليات في يونيو 2013، إلى 700 في يوليو 2013).
ثالثا) الخطاب السياسي المُعلن للحراك (سواء في الدعوة للتدخل الخارجي، أو شق الجيش، أو ادعاء حرب على الإسلام،) وكذلك استمرار المظاهرات في الشوارع والميادين بما في بعضهما من مظاهر انفلات – دون ارتباطها بخطة واضحة المعالم من التصعيد أو التفاوض.. أحدث حالة نفور شعبي (شبيهة بما حصل في 2011 مع موجات احتجاج الشباب) استغلها النظام لتكريس فكرة حماية الدولة في محيط إقليمي تفتت دوله.
رابعا) عدم الاستقامة الأخلاقية والوطنية – سواء في تمييع الرفض الكامل للإرهاب مبكرا واتهام النظام بالقيام به! مع أنه أكثر الخاسرين بحدوثه، أو إطلاق السلمية الفاعلة مع بدء عمل عسكري بدائي ثم محاولات احترافية، مع اتهام النظام للإخوان بالإرهاب الاحترافي – الذي حمل بصمات داعش بوضوح – من أول يوم.. جعل تهمة الإرهاب شيئا لايُمكن إزالته بسهولة لمدى زمني مقبل.
المشكلة هنا.. أن الإرهاب قد يكون وسيلة تكتيكية أو خط عملياتي مقبول استراتيجيا – لا أحكي هنا أخلاقيا أو شرعيا كما بينت- إذا كان ضمن استراتيجية تمرد واضحة لتحقيق أهداف متعددة أهمها تحريك النظام لرد فعل باطش أو إفقاده بعض اتزانه لكسب وقت تعبوي، أو إزالة الرأس السياسي، أو كان هو في حد ذاته استراتيجية لتحقيق أهداف سياسية نوعية ضد عدو خارجي للابتزاز والإدماء بشرط دعمه شعبيا (أيرلندا) أو فرض تنازل سياسي على حكومة ضعيفة (أيرلندا وفورك)، أو تمهيدا لثورة شعبية بهدف كسر هيبة النظام وإزالة حالة الاعتياد الشعبي على وجوده – بشرط عدم مصادمته شعبيا أيضا (كحالات الإرهاب النوعي في استفتاحات التمرد الشيوعي في أمريكا اللاتينية).
ولا يوجد – أو يمكن أن يوجد – شيء من هذا في الحالة المصرية.
خامسا) كل الأنماط التي تنحاز للعمل المسلح بكل أشكاله، ليس فقط لايوجد معطيات استراتيجية لتفعيلها وتأثيرها، ولكن هي مثلت – أو تُمثل – أداة مُهمة في تكريس أجندة النظام في التوغل العسكري والأمني، وقتل الحياة السياسية وأي فرصة للحراك الاجتماعي والسياسي المستقل.. وهذا كان واضحا من أول يوم!
 
ومع كل الإشكالات البنيوية التي حكيناها مرارا عن الحالة السياسية المصرية، وكل السيناريوهات المستقلة.. تبقى إعادة تشكيل النخبة السياسية المصرية هي أولى الواجبات، ويظهر أن أي مسار يعزّز من شرعية النظام – والاحتياج الشعبي له – ويسمح له بمزيد بطش وغلق للمساحات هو ضار استراتيجيا بشكل لايُتصور.
سادسا) إذا حصل أي احتكاك طلبا للدعم بقوى خارجية هنا أو هناك، ففيها هذا كارثة أخلاقية واستراتيجية أيضا.. ليس فقط بسبب مشكلة توظيف النظام لها في تخوين وشيطنة أي حراك معارض – بغض النظر عن كونه مسلح أم لا، ولكن لأن منطق الدعم الخارجي في حد ذاته ضد دولة محورية كمصر – هي الوحيدة الباقية في أمتنا العربية، سيكون إما من دولة إقليمية حدودية لها مطامح توسعية لانقاش في وجودها، أو دولة خرقاء تريد توسعة نفوذها الإقليمي ولا يوجد أي شك في ارتباطها بالنسق الدفاعي والسياسي الأمريكي بالمنطقة للمفارقة!
بمعنى – هذا فعليا يطعن في الشرعية الوطنية لأي حراك! و التي هي مطلب استراتيجي لأي تحريك شعبي أو لأطراف في مؤسسات الدولة ولو كان سلميا.
أتمني أن يكون فيما سبق كفاية.

!هل الجيش المصري جيش “وطني”؟

حوار مع صديق، حول ماذكرته كثيرا من قبل، ومنذ أيام ثورة يناير، وتقريبا في كل المقالات التي حاولت فيها مقاربة وتفسير تركيبة الجيش وقيادته.. أن الجيش المصري – جيش وطني؟ وهل هناك فعلا فكرة (وطنية ما) حاضرة؟
وهنا لا أدخل تفصيليا في مناقشة أو تفسير المواقف الصادمة أخلاقيا ووطنيا للجيش أو قيادته في ملفات الاستقلال الوطني والديمقراطية والدور الإقليمي واشتراكه – أو صمته عن – الانتهاكات البشرية.. ولكن أحاول تلمَس بعض أساسيات النظر للملف منهجيا وتاريخياـ والتي بحد ذاتها قد تسهل مهمة هذا التفسير...

 

 بخصوص أن الجيش المصري جيش وطني، أو أن المحرك الوطني هو أحد محركات الجيش أو قيادته.. فالمقصود بها ثلاثة أمور:

1- أنه جيش ابن النسيج المحلي في مصر، أي أنه منذ أيام محمد علي بدأت اللحمة للتجنيد تكون من المصريين (الفلاحين) وبأشكال بالطبع سلبية للغاية، يمكن مراجعة دراسة د. خالد فهمي الرائعة (كل رجال الباشا) لتعطيك صورة عن الظرف السياسي والاجتماعي والإنساني للنشأة.

ثم مع الخديوي إسماعيل – بسبب كارثة الحبشة – بدأ المصريون يدخلون في سلك الضباط، ومع الوقت (تمصّرت) حتى العناصر الشركية والتركية فيه.

وحين أتي الاحتلال الانجليزي، أصبح الانجليز هم من يشرفون على الجيش ويتولون المناصب العليا وصولا لمعاهدة 1936، والتي من حينها بدأ المصريون هم من يقودون الجيش (كان رئيس هيئة الأركان شخصية رائعة كعزيز المصري في مرحلة تالية مثلا) ولكن كانت هناك معاهدة مشتركة مع الإنجليز للتطوير العسكري والتسليحي (لأن الجيش كان مُعدا للقيام بدور محلي في الحرب الثانية – وقام بالفعل – خصوصا في الدفاع الجوي) ولكن بعد انتهاء الحرب، انقطعت وسائط التطوير وإرادته – فضلا عن التواصل مع الإنجليز – حتى قامت 48).. (دراسة د. إبراهيم شكيب عن: الرواية المصرية لحرب 48 – عقدت فصولا جيدا في هذا السياق)

بمعنى – أن الجيش الموجود هو امتداد لأول محاولة لجعل اللحمة التجنيدية والقيادية من أهل البلد.

2- ويُضاف على ذلك – أن السياسة التجنيدية في الغالب مثلت الشرائح الاجتماعية المصرية – لأنه في الأغلب لم توجد حاجة لسياسة تحبيذية أو إقصائية لشريحة اجتماعية ما (لا نحكي هنا عن الفصل الناتج لتبني أيديولوجيا ما يراها النظام خطرا سياسيا)..  ما قبل 67، كانت الشريحة التعليمية الأرقى معفاة من الدخول في سلك التجنيد، ولكن تغير الأمر بعدها كما وضح الشاذلي في مذكراته عن حرب أكتوبر.
كذلك السياسة الاجتماعية للضباط (خصوصا بعد معاهدة 36) لم تُقص شريحة اجتماعية.. ويُلاحظ على العكس – أن الشريحة التي دخلت بعد 36 كانت هي من قامت بحركة الضباط وبشكل أو بآخر تحركت في خدمت الشرائح المتوسطة والدنيا التي خرجت منها: سواء في تصفية الاقطاع والعدل الاجتماعي..
لأن الجيش تحول كادره الضباطي من ممثل للأرستقراطية المصرية لنسيج أكثر شمولا وتوسعا لبقية الطبقات.
وأشار لهذا سامويل فاينر في أهم دراسة له عن ظاهرة الانقلابات العسكرية ومحركاتها.. والدراسة مع قدمها 1966 ولكنها لاتزال أهم مرجع في الباب حتى الآن:
The Man on the Horseback.
هناك عموما دراسات غربية قليلة ولكن جيدة في تطور النسيج الاجتماعي للجيش وضباطها.. ومنها مصريا: دراسة د. أحمد البيلي.. عن الصفوة العسكرية.

مافائدة النقطتين السابقتين في فهم النسيج الاجتماعي للجيش؟

عشرات الإفادات في نقاط التعبئة والتجنيد والتوظيف السياسي، والحركة السياسية للجيش، ومنطقه الإداري، والاستراتيجي..

هذا بالضبط مانقصده بعلم الاجتماع العسكري.

على سبيل المثال: لا يمكن استخدام الجيش المصري لتصفية قطاع شعبي واسع، إلا بعد أن يتم عزل هذا القطاع سياسيا واجتماعيا وشيطنته.. لماذا؟

لأنه بذلك يُخاطر بتفتيت نسيج الجيش فضلا عن استحالة تنفيذ الأوامر والعملية برمتها..

وهذا يفسر لك كيف ولماذا تدخل الجيش في انتفاضة 1977، واضطرابات 86، وثورة يناير 2011..

ولماذا تحرك بشكل مختلف في أحداث ماسبيرو، ومحمد محمود، والعباسية 1،2 – ويوليو 2013، وسيناء.

ولماذا هو مختلف نسيجيا عن الجيش السوري والليبي واليمني مثلا – ولهذا اختلفت مواقفه وردود أفعاله..

3- أما نقطة المُحرك الوطني فكذلك شديدة الأهمية..
هذا ليس جيش مرتزق (كقطاعات في جيوش الخليج والجيش الليبي مثلا) أو له قيادة عميلة (كالجيوش التي يصنعها المحتل على عينه لتخدم أغراض الأمن الخارجي والداخلي).. بل حتى في داخل هذه الجيوش – كجيش شرق الأردن ثم الأردن ماقبل 56 .. كان هناك عنصر وطني حاضر في بنيته وتحريكه وقام بدور مشرّف.
صحيح أن هذا المحرك الوطني (القاصد لتمجيد الوطن وافتخاره)، وهو الذي يدفع الضابط والجندي لأن يقدم حياته في معرض القتال، ويمثل الشرعية الوطنية للمؤسسة – على الحقيقة أو التصنيع.. هو حاضر في كل الجيوش الوطنية، ولكن مفهوم (الوطن) ومدى حضور محركات أخرى بجواره يختلف من حالة لأخرى، بل حتى في مصر مرحلة لأخرى..
 
وأنا أحكي هنا على اختلاف مفهوم الفكرة (الوطنية) – حدود قطر أو أمة أو دين – فضلا عن كيفية تجسيدها (هل في خلال نظام شمولي أو ثيوقراطي أو ديمقراطي أو أناركي.. أو..) وعن حجم تأثيرها في العقلية القيادية والعسكرية.
 وأيضا بغض النظر لتقييمنا لهذه الفكرة الوطنية من حيث تمثلها للمقصود الديني أو المنطق الديمقراطي، أو ابتعادها عنه.. من حيث تجسيدها للتوافق الشعبي أو فرضا وتصنيعا عليه؟؟
بل الحقيقة  – أن تصنيع والتوافق عل الفكرة والفلسفة الوطنية التي تتحرك تحتها أي مؤسسة عسكرية.. ليس من مسئولية تلك المؤسسة بالأصل، ولكن هي مسئولية النخبة السياسية المدنية والتوافق الاجتماعي – كواجب قبل أن يكون استحقاقا!
لعلك شاهدت هذه المحاضرة والتي حاولت فيها مناقشة مفهوم الهوية والوطن ..
فمفهوم الوطن بالمعنى المحلي – ولكن متصالح مع الفكرة الإسلامية الجامعة وإن كان مستثارا ضد الخلافة وسياستها – كان حاضرا في جيش عُرابي.. وبالمناسبة – اشتبك معه مصطفى كامل في جزء من هذا المفهوم تبعا لتحيز الأخير للدولة العثمانية العلية (التي أهدرت دم عرابي لأنه يحارب – أصدقاءنا – الانجليز). راجع كتابه المسألة الشرقية.
وبقيت الفلسفة الوطنية مشوشة جدا بعد نكسة 1882، خصوصا مع سيطرة الانجليز مع الجيش كما ذكرت، ومع اضطراب المفهوم الوطني والأجندة الوطنية حتى 1952..
صحيح – أن ثمة فكرة وطنية ازداد تطورها بعد 36، ولكنها كانت وثيقة الصلة بالملك – وانهارت هذه بالتبعية بعد حرب 48.
وهذا ماجعل 48 – ليس مجرد دافع قوي في حركة الضباط، ولكنها غيرت في مفهوم الفكرة الوطنية للجيش بالأصل..
وتعريب الفكرة الوطنية تلك (أي جعل حدود الوطني – هو الوطن العربي والفكرة القومية) لم يحصل إلا بعد 56 ولأسباب معقدة.
ولم يبدأ تحوير هذه الفكرة إلا بعد 67 وأيضا لأسباب متعددة، وإن كانت تجربة اليمن وسوريا 1962 أثرت فيها بشدة.. ثم بدأ محاولة ردها لسياق محلي مصري خالص بعد وفاة عبدالناصر – وكان العنصر الديني أكثر كثافة فيها للمفارقة كجزء من التوجيه المعنوي للمعركة ثم أيضا بسبب الطبيعة التوظيفية للدين والتي ميزت نظام السادات – حتى وصلت لمداها مابعد 75 وصولا للآن.
في كل هذه المراحل حتى الآن – لم يكن الجيش المصري أو السوري أو العراقي كقيادة أو جنودا – معتبرا ذاته الجماعية إلا خادما لفكرة وطنية (ما!) – قد يسهل علينا فك معالمها أو يصعب، قد يزداد اختلاطها بمحركات أقوى أو أضعف منها (مصلحة نظام أو طائفة أو حزب سياسي، أو مصلحة شخصية أو مؤسسية، أثر لارتباط خارجي وفق سياسة تحالف أو تحريك)، وقد نقيّمها أخلاقيا ورساليا بأنها صائبة أو مقبولة أو محرمة..
ولكن إدراك وجودها مهم، ومحاولة تنسيبها في أخذ القرار أكثر أهمية.
لماذا؟  لأننا لو افترضنا مثلا (بحكم التعصب الأيديولوجي، أو الخصومة السياسية، أو الفقر العلمي والمعرفي) أنها مجرد جيوش فاسدة، أو جيوش عميلة.. 
1- فسنقف حائرين جدا أمام تفسير معظم الأشواط التاريخية التي مرت بأمتنا القرن الفائت، وصولا حتى للأحداث الأخيرة. سيصعب علينا تفسير عمالة عبدالناصر أو الأسد أو حتى صدام والخوميني للأمريكي أو الإسرائيلي (مع
وجود محطات تقارب في ملفات هنا وهناك) في ظل هذا الزخم التاريخي الهائل، ومفردات التخطيط العسكري والسلوك التدخلي والتقييم المستقر غربيا لعقود بمن هو العدو والصديق؟)
2- سيصعب علينا تفسير مايمر علينا من أحداث قريبة أو حالة.. كتدخل الجيش في 3 يوليو، أو الموقف من تيران وصنافير.. أو حتى الأوهام الخاصة بالتنازل عن قطعة من سيناء في صفقة القرن..
سأحكي لك قصة معبرة:
أذكر حوارا لي مع أحد أساتذة العلوم السياسية  قبل 30 يونيو بأيام – بعد البيان الأول للجيش وقبل البيان الثاني – وحينها سألني: تفتكر الجيش سيتدخل؟ (ولعلك تعلم الآن أن رأيي مبكرا أن الجيش كان حتما سيتدخل – سواء في النظرة الإجمالية للمرحلة مابعد التنحي مباشرة، وأو حتى فيما يتعلق بنظام الإخوان).. فقلتله وانت شايف إيه يادكتور؟
قال لي: لا طبعا.. دول شوية فسدة ومصلحجية، والإخوان عملوا لهم كل اللي عايزينه: ميزانية مستقلة ليس عليها رقابة، ووضع جيد في الدستور.
قلت له: الجيش تدخل فعليا منذ أن أصدر البيان الأول، وسيتدخل كاملا بعد أيام..
وذكرت له أن هناك محرك وطني يأخذ منحى الاحتكار والتجسد والأبوية – بحيث أنه يتلبس الوطن فيصبح كل من يقف أمامه بالحق أو الباطل عدوا للوطن، وأنه لوحده من يحق له تحديد كل شيء له علاقة بالوطن بدءا بالمفهوم والماهية وانتهاءا بالسياسات والمواقف – (وهذا بالتأكيد مرفوض أخلاقيا ووطنيا بالنسبة لنا – كتماما كما نرفض احتكار وتجسد الإخوان مثلا للفكرة الدينية).. ولكنه محرك حاضر وقوي.
———-
وجزء كبير من تحرك الجيش وقيادته سواء من ثورة يناير، أو رغبته في استيعابها، أو تحالفه مع الإخوان في مرحلة، وتوقعي المبكر مثلا أن هذا النظام التحالفي هش وسينقضي بسرعة لصالح الجيش.. لايمكن تفسيره إلا بهذا المنحى.
بل جزء كبير من فلسفة ضبط العلاقات المدنية العسكرية مع الجيش في مرحلة الثورة، أو حتى أي مرحلة تحول ديمقراطي.. صحيح الجزء الأهم هو الإسراع في استغلال الحراك الشعبي قبل انفضاضه – بما له من قوة دفع – ومع وجود رأس حربة سياسي يمثل الجماعة الوطنية . .أن نسحب الجيش لتنازلات عميقة في شكل الدولة وموضعته فيها.. وهذا ماكنت ألح عليه كثيرا منذ ما قبل التنحي لو تذكر.
 
ولكن كنت أيضا أشير لنقطتين:
أولا) مايمكن ويجب إنجازه هو فقط مسألة منع تدخله في الحياة السياسية، وضبط وضعه في الدستور..
وليس تفكيكه كما كان يقول بعض المتشنجين من الاشتراكيين الثوريين، أو حتى بعض الإسلاميين الأناركيين،
وليس حتى التحكم المباشر والكامل في بنيته وسياساته – لأن المدنيين يحتاجون وقتا معتبرا ليقووا فيه من بنيتهم وقدراتهم من حيث الشرعية السياسية والأهلية الفنية لإدارة ملفات الدفاع.
ثانيا) أن أهم محك في أول مرحلة التحول الديمقراطي هو اكتساب ثقة الشارع ومؤسسات الدولة خصوصا التي لايمكن أو لاينبغي تفكيكها وأهمها الجيش والقضاء – كسلطة – (وليس الشرطة مثلا!) – من حيث الاستقامة والقدرة (سلامة البلد) للنخبة المدنية الوليدة.
بالتأكيد سيحصل تصادم مرتبط بأجندة التغيير الثوري أو حتى الديمقراطي، ولكن هذا التصادم مهم تخفيفه بأساليب – أهمها أن هناك ثقة في استقامة وقدرة النخبة المدنية وتواقفها على رأي وبنية شرعية سياسية محددة، وأيضا توافق وطني.. بحيث تكون إرادة التغيير البنيوي في المؤسسات كاسحة من حيث الدعم السياسي والشعبي وغياب إمكانية تجييرها لصالح فصيل.
شوف ياسيدي  لو أنت في موقع قيادة عسكرية ترى نفسها مجسدة لفكرة الدولة – بشكل أبوي وفاشي وفاشل – متفق، ولكنه حاضر ويحكم التصرفات، ورأيتَ كل مواقف وخطابات وتحركات القوى السياسية المختلفة منذ يناير
(إخوان، وشباب، وأحزاب، وبرادعي، ويسار..) – هل هذا سيعزز الفكرة المَرَضِية التي تتلبسك أنك أنت الدولة والوطن؟ أم سيوهنها لصالح علاقة أكثر إيجابيا في معرض التحول السياسي؟
هذه مقال قديم في أول 2013.. لعلك اطلعت عليه:
——-
2- النقطة الثانية – لفائدة المقاربة الموضوعية في فهم محركات الجيش أو أي سلطة ما.. هو استشرافك لها ولمواقفها مستقبلا.. وعلى أساس ذلك تستطيع تقوم بتخليق استراتيجية مواجهة (إصلاحية أو تغييرية).
بل يعطيك فكرة أيضا عن الأثر النفسي والرغبة في الانتقام عند قيادته وضباطه حين يسمعك مثلا تتهمه أنه عميل للصهاينة، أو جيش كامب ديفيد، أو حين يسمع خزعبلات أن قيادته (الأسطورية كما يتخيلها) أمه يهودية!. وهل حتى يُشترط للعميل أن يكون أمه يهودية، وألم يكن أكثر الرؤساء العرب الذي عليهم إثبات بتوطيء واع مع الأمريكي والإسرائيلي ومخابراتهما وبالدليل (الملك حسين – حليف الحركة الإسلامية لنصف قرن) هاشمي النسب!
 هناك مثالب كثيرة فعلية في صفاء الشعور الوطني والسلوك الوطني للقيادة العسكرية المصرية وبنية الضباط حصلت لأسباب عديدة وعلى مدى زمني ممتد، ليست المؤسسة – فضلا عمن يقودها حاليا – المسئول الوحيد عنها (بدءا بالأخص من سياسة السادات بعد حرب أكتوبر في مجال دور مصر الوجودي والإقليمي، والاعتماد التسليحي الكامل على أمريكا، وطريقة اصطفاء القيادات والضباط، والمناخ الداخلي في المؤسسة والسياسة الأمنية الخانقة، والترهل الوظيفي الواسع تبعا لانهيار المشروع الملهم، وانحدار التعليم العسكري والاحترافية، وتضخم الأنشطة الاقتصادية والمدنية، وانقطاع التجربة العسكرية عدا محطات سريعة وشديدة الإشكال بحد ذاتها: كما في تدخل ليبيا أو حرب الخليج….)، فهو يرى نفسه على غير ذلك تماما..
وأخيرا – هناك فائدة – بل ضرورة أخرى.. وهي الاستقامة الأخلاقية، والخلاص الديني الفردي.
لن نحاسب  يوم القيامة حول كوننا انتصرنا أم لم ننتصر في معارك ومحطات – تمر عليها أجيال بالأصل قبل أن تصل لنتيجة نهائية… وهي مواطن تخلف رسالي وحضاري وسيادي تعيشها الأمة منذ قرون.
ولكن على مدى بذل الوسع والطاقة، وأيضا الالتزام الأخلاقي والتحرر من الهوى والتعصب (حتى لو تعصبا لصالح فئة أو قضية – نراها عادلة)..
بل هذا حتى في مواجهة لايكون أي شك في صلاح طرف وضلال آخر فيها، في إيمان طرف وكفر آخر:
ولا يجرمنكم شنئآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى
اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين، الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فُقهوا
كونوا قوامين بالقسط – شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين

مراجعة للتطور السياسي المصري مابعد ثورة يناير، ومنطق الحركة استراتيجيا

حوار على هامش ورقة (الإطار التشريعي للعلاقات المدنية العسكرية في مصر مابعد يناير 2011)

https://drive.google.com/open?id=0B3R3f5iENLhfN2YwckVoS0pSbTQ

 

بخصوص – تقييم ماحصل في مصر أثناء ثورة يناير، ومرحلة التحول الانتقالي التي فشلت، فقناعتي أنه ليس فقط هناك ضرورة حتمية لإعادة فهمها وتفسيرها بموضوعية كمنطق مراجعة ذاتية وجماعية، ولكن لأنها درس ثمين في تطوير الوعي السياسي للقوى والأفراد لما هو آت.

.

 منذ بدء الثورة حين كنت أُسأل، هل هناك نموذج ما لفهم وتفسير مايحصل على أساسه؟ كنت أجيب أنه لا يوجد نموذج يُقاس عليه بشكل كامل، ولكن هناك عدة نماذج تتصارع المشهد وتحدث حالة هجينة: نموذج الثورة الشعبية التي تريد إسقاط نظام وإقامة آخر على أنقاضه، ونموذج التحول الديمقراطي الذي يغلب عليه نسق تدريجي (خصوصا بعد إنهاء حالة الزخم الثوري الحاد بعد 11 فبراير) وفي نفس الوقت يمنع الثورة أن تقود لنظام شمولي، ونموذج الانقلاب العسكري واستعادة هيمنة الدولة المباركية (على اختلاف بين الأطراف الفاعلة فيه.. فنظام مبارك – خصوصا في آخر عقد لم يكن مرضيا للمؤسسة، وحتى نظاما مبارك والسادات تم تراجع وزن المؤسسة سياسيا عبر معادلة تفاهم ما فهي بلاشك لو يُمكنها إعادة تغيير المعادلة لصالحها يكون أفضل). وحتى نموذج الجماعة الشمولية التي تعاني خللا كبيرا في فهم الدين وتوظيفه سياسيا، والتلبس به كفكرة مطلقة دون مراعاة النسبية البشرية في مقاربته، ومهووسة بمبدأ مُشكل عداليا ومقاصديا وديمقراطيا وواقعيا (التمكين).

 

 

والقضية هنا بالمناسبة لا يمكن تفسيرها فقط بالحساب الأخلاقي وحسن النوايا، أو دولة مبارك، أم من يريد التغيير.. صحيح أن بنية نظام مبارك والتحالف بين رأس المال الفاسد والقطاع الأمني هو خالص في سوء نيته وكان هو بالأخص ما قامت عليه الثورة.. ولكن المؤسسة العسكرية تتحرك فيها دوافع متشابكة (الدافع الأبوي والتجسيدي للدولة، دوافع المصلحة المؤسسية والشخصية التي يختلط بها فيها الفساد مع رغبة الضغط السياسي لأي مؤسسة عسكرية للتحكم في أخذ القرار، دوافع التصور المريضة والفاشلة عن الأمن القومي، العنصر الخارجي)، والإخوان كذلك دافعهم في السيطرة (التمكين)، وكونهم بديلا عن الأمة والجماعة الوطنية في عقد تفاهم مع قوى داخلية أو خارجية، أو إعلان صراع، هو نتاج فهم مشوه ومتخلف للفكرة الدينية والمقاربة السياسية لها (جزء ضخم يتحملون مسئوليته بالطبع من عدم وجود قاعدة فكرية فضلا عن استراتيجية محترمة وترهل البنية المؤسسية، وأمراض الشعور بالقداسة التاريخية والقيادية، ولكن جزء آخر هو معاناة قرون من غلق مجال الاجتهاد وخصوصا في باب الفقه السياسي والحضاري)..

 

 

بلاشك هناك مباديء عامة كانت تصلح للتعامل مع نموذجي الثورة والتحول الديمقراطي مثلا (وبشكل يواجه ويُحجّم ويرشد من سلوك الأطراف المضادة أو المُربِكة للمشهد).. فمبدأ الحركة الوطنية والتوافق، الإنجاز السريع في إعادة هيكلة المؤسسات المضادة (خصوصا الداخلية)، وكذلك إنجاز حاد في أجندة التغيير الديمقراطي (خصوصا الدستور، وإصلاح السلطة القضائية مع الحفاظ على استقلاليتها، ومنع وصاية عسكرية على العملية السياسية دون رفع عامل التوتر معها لدرجة حرجة أو التأثير على سلامتها الوظيفية) ، والإدارة الجماعية لملف التغيير الديمقراطي وأيضا ملف إعادة هيكلة المؤسسات.

 

 

لكن المشكلة – أن كل وقت كانت له خريطته التفصيلية في التعامل معه ليس فقط من منطلق هذه المباديء ولكن استجابة لماتغير في إحداثيات المشهد – وهذا بالضبط المنطق الاستراتيجي .. وكلما مضى بنا الوقت منذ 10 فبراير 2011 حتى يونيو 2014، ضاقت بشدة الخيارات المتاحة، واقتضى إحداث أي تطور إيجابي تعديلات أكثر جذرية وبنيوية  وحدية في القوى السياسية والجماعات.

 

مثلا – قبل ثورة يناير بشهر، كان في تصوري إمكانية حصول ثورة، أو مدافعة سياسية مع النظام .. أو أو.. ولكن كان ماينقص المشهد في نظري هو حركة وطنية تتفق على الحد الأدنى من أجندة التغيير السياسي، وتتفق على رأس ورؤية للتعامل مع مقتضيات المشهد والصراع مع النظام بشكل استراتيجي.. لم يكن الحل في رأيي التوصية باستراتيجية بعينها لأن الواقع شديد التغير من أي وصفة ما، ولكن الأهم هو وجود من يريد أن يشتبك مع تطورات المشهد والمرحلة برؤية ومقدرة استراتيجية، ومن خلفه زخم سياسي تنظيمي وشعبي.

 

https://drive.google.com/file/d/0B3R3f5iENLhfYkJISHFfOWREbW8/view?usp=sharing

 

 و،في ثورة يناير، كان واضح في ذهني تماما في 29 يناير مثلا أننا أمام مرحلة جديدة تمثل إجهاض لحالة الثورة لصالح نظام سياسي قائم على معادلة تفاهم هش بين نظام مباركي معدل (الجيش فيما بعد)والإخوان، وكذلك برضاء أمريكي بعد تعهد أطراف هذا النظام بمراعاة الحدود الاستراتيجية والسياسة الاقتصادية السابقة.

 

https://drive.google.com/file/d/0B3R3f5iENLhfOVRBSVN1V2NfWUE/view?usp=sharing

 

https://drive.google.com/open?id=11HGV_Oi41mIkCOLYvI4PSYFe20d6fC43

 

وصولا لكل المحطات التي أشارت لها الورقة..

 

https://drive.google.com/open?id=0B3R3f5iENLhfbTdqdDZybWNVMlk

https://drive.google.com/open?id=0B3R3f5iENLhfMGpWTU8zU2lQTnc

 

https://drive.google.com/open?id=0B3R3f5iENLhfajZSXzFpUG5TUUU

 

 

النقطة الجوهرية هنا، كما يُلاحظ من تتبع سريع لما سبق، أن حدود المتاح استراتيجيا تقلصت مع الوقت، خصوصا مع حصول التصادم بين مصلحة الإخوان وقد تواجدوا في السلطة، وبين المعارضة الهزيلة تنظيميا وشعبيا ولكن صوتها عال وقد تعُطي غطاء مدنيا لأي تدخل عسكري.

 

من الممكن أن نقول، أنه بالمعنى الوطني والرسالي والديمقراطي، بمعاني الاستقامة والقدرة السياسية والاستراتيجية، لم يكن عندنا نخبة سياسية بالأصل.. الكيانات التقليدية كالإخوان والأحزاب وجيل السبعينات هي عائق أمام معادلة التغيير والتحول وليست دافع، وقطاعات الشباب التي انفعلت بالثورة إما أنها خضعت بمنطق السمع والطاعة و (التجيير) أو التعصب الأيديولوجي للإخوان، أو فشلت مبكرا في اختبار التنظيم السياسي وتطوير القدرة الذاتية والجماعية، وفهم أفضل – سياسيا واستراتيجيا – لحالة الثورة والتحول الديمقراطي.

 

مابعد 3 يوليو الوضع تفاقم كثيرا، لأن تحالف الإخوان أعلن أنه في حالة ثورة (لا توجد مفصليات أساسية في وجودها بالأصل)، لاستعادة شرعية سلطة (فقدت جزء كبير من شرعيتها السياسية قبل الوظيفية) وتقف أمامها موازين القوى وتغيرات الإقليم، وانهارت القوى  المدنية تبعا لاستجدائها التدخل العسكري، ونشأت فواتير دم ضخمة ألقت ظلالا كارثية على الشرعية الوطنية للمؤسسة العسكرية والقضاء، وفي ذات الوقت دفعت قطاعات واسعة من الشباب للإحباط والانعزال والرغبة العدمية في الثأر.. والأخطر – هو تمدد المؤسسة العسكرية والأمنية بالتبعية وقتل الحياة السياسية.

 

إذن ماالحل؟ 

 

نظريا – مهم تخيل السيناريوهات المحتملة لوضعية النظام، وهل هناك سياقات إيجابية يمكن الدفع لها، ومايلزم لذلك.

على اختلاف هذه السيناريوهات (سواء بقاء النظام كما هو عليه في فشله الوظيفي واستبداده، أو غياب رأسه وجهوزية المؤسسة ببديل سريع، أو انفجار شعبي محدود أو واسع في الأغلب بسبب اقتصادي، أو تنازل جزئي من قبل النظام في فتح بعض المساحات بسبب – أو توقي – الضغط الشعبي) .. تبقى المشكلة هي نفسها، غياب نخبة سياسية، غياب مشروع وطني.

وبلاشك أن تلك النخبة المقصود بها قيادات وكوادر شابة عندها أطروحات وطنية وسياسية (ليس بالضرورة كثيفة، ولكن واضحة ومنسجمة ديمقراطيا ووطنيا)، وعندها نضج في التعامل مع المشهد السياسي المعقد.. والتخلص من كل الأمراض العقلية والنفسية التي للأسف فاقمتها الأربع سنوات الماضية، ولكن الأخطر – خصوصا في حال الشباب الذي انتمى للتيارات الإسلامية – هو مراجعة الفرضيات الأساسية التي حكمت هذا التيار..

 

في تقديري مثلا، أن هناك مزاوجة مطلوبة بين مشاريع تدافع على المساحات داخل النظام، وأخرى احتجاجية من خارجه.. وعلى طول المسار السياسي يحصل إنضاج للحالة النخبوية والشعبية سياسيا وتنظيميا وقدراتيا (فأنت لا تؤهل قيادت وتصنع نخبا في غرف مغلقة)، ويحصل استفادة وتغذية ارتجاعية مع إفلاسات النظام وسياساته وظهور سياسات بديلة..

 

ولكن حتى هذا لايمكن حصوله دون مراجعة جذرية، ووجود نخبة مبدئية تمثل خميرة لهذا المسار البنائي والتدافعي في ذات الوقت.

 

أسوأ مايمكن التفكير فيه الآن، أن تُكرَّر نفس محاولات العودة لمكونات المشهد لتنسج منها خيطا متصلا فضلا عن بناء معارضة أو جبهة ما.. فهي غير مستعدة نفسيا ولا أخلاقيا ولا قدراتيا، ولا من تحكمات تنظيمية داخلية ومراكز قوى، ولا من حيث استحقاق الشرعية التاريخية والقيادية – أن تُحدث مراجعات، فمابالك بصنع رؤية أو بناء جبهات، أو تفصيل استراتيجيات مواجهة، أو حتى تتفق على ماهية الدولة وأساس الديمقراطية داخلها، وانحيازها في العدل الاجتماعي والاستقلال الوطني على سبيل التفصيل – لا الشعار.

 

وفي ظل هذه الرؤية العامة والاحتياجات المرحلية.. (المراجعات، تكوين وتطوير نخب سياسية، الاستفادة من المتغيرات الآنية – بقدر – في فتح مجالات أكثر للحراك السياسي.. )يمكن داخلها شقّ أدوار فردية، وأكثر اتساعا – بنفس هاديء.. فحجم الإشكالات والملفات المعطلة هائل، ونحن أمام حقيقة واضحة – أن هناك فشل في تجربة الربيع العربي عدا تونس (أقل الخسائر فيه كانت في مصر للمفارقة، مع أن خسارة مصر حكمت على فشل المسار الإقليمي بأكمله!).. إنجاز الربيع العربي في حد ذاته لم يكن ليحل مشكلات التخلف الحضاري، والجمود الفكري والفقهي وافتقاد المُكنة الحضارية والاستراتيجية والاستلاب السيادي لقرون، ولكن كان فقط سيفتح المجال بشكل سلس وسريع ومُمنهج لحراك سياسي واجتماعي وفكري أكثر نُضجا وإنجازا، يُمكن أن يحدث فارقا في تغيير جيلي..

ولكن الآن – تعقدت المهمة، وصار الطريق لذلك المأمول أصعب كثيرا، ولكنه حتمي للأسف.

أما ماسوى ذلك من تفصيلات في تطوير النخب، والاستراتيجيات التفصيلية، ومنطق التعامل في مرحلة التحول الديمقراطي، والمؤسسة العسكرية، وحتى أولويات وبنود المراجعة لهذا التيار أو ذاك.. فهو ميسور نسبيا متى وضحت الرؤية العامة وتم التحرك فيها من قبل نخبة أولية من كل التيارات.

 ورقة عن التهدئة والوفاق الوطني – ديسمبر 2016

 

شجون بين العام والخاص

 

 هل يفيد الفكر الاستراتيجي العسكري في التخلص من هيمنة العسكريين على السياسة؟

 

حوار حول (مصر ليست للبيع)، والوضع العام

 

إصلاح المنظومة العسكرية والمآل السياسي

 

مأزق الإخوان: تطوير أم مراجعات؟

 

 مراجعات الإخوان: وقفات “حقيقية” مع النفس؟

 

 

حوارات فكرية واستراتيجية على هامش مذبحة مسجد سيناء

الحوار الأول هو فكري حول خلفيات العنف، ومسئولية الأيديولوجيا الدينية عن الإرهاب:

السؤال الجوهري الآن بعد هذه المذبحة ومثيلاتها: هل للإسلام كمصدرية في فهم الإسلاميين

والجماعات الإرهاب مسئولية عما يحدث؟ هل المشكلة في النصوص أم التأويلات؟

على افتراض أن مصدر الإرهاب هو حالة فكرية ونفسية عند الإسلاميين – ودون تدخل أي عوامل أخرى كالاستبداد أو تدخل القوى الكبرى بقرون من الظلم والتحكم وأيضا اللعب بالمعادلة الإسلامية – إيه علاقة الإسلام بالإسلاميين؟

موضوع أنه مصدر كلام غير دقيق.. لأن العبرة هي التناول البشري للوحي المقدس، وإلا فإن كل الأديان – والمذاهب الوضعية عشان الملحدين مايزعلوش – يتم استخدامها وتحريفها لتبرير وشرعنة العنف

ويبقى مع كل شيء.. أن مخزون القراءات النصية في الإسلام – وحتى الممارسة الفعلية التاريخية للمسلمين  إن وُضعت في إطارها التاريخي – تبقى أرفع كثيرا من أي ممارسة لأتباع دين آخر، بل حتى قريبة ممايتم اعتباره الآن مثالا في أخلاقيات الحرب مثلا.

لكن النقطة الأخطر – وهذه خارج القراءة الرشيدة أو المحرفة للإسلام .. هو مسئولية القوى الخارجية عن ظاهرة التطرف والشذوذ الإسلامي نفسه.
وهي مسئولية ضخمة بالفعل!! حتى لو لفظنا أي مسوغ تبريري أو نظرية مؤامرة.
في سياق قريب: أليست الحركات الإسلامية هي تجربة كارثية في مسار ترقي أمتنا كوعي حضاري وترقي سياسي واجتماعي؟
نفس الموضوع.. فعلا هي كارثة – بغض النظر عن جوانب وآثار إيجابية لايمكن تجاهلها، ولكن هناك نقطتان:
لا نغفل العنصر الخارجي عنها أيضا في انحرافها وشذوذها، وكذلك السياق التاريخي
بمعنى المفارقة التاريخية.. فالبنا مثلا ارتكب خطايا فكرية وفي البناء النفسي والمعرفي لحركته.. ولكن إن وضعناها في سياقها التاريخي وجدّة التجربة وصغر عمره حينها – يقل كثيرا مؤاخذتنا له عليها.
وهذا لايقلل بالطبع من آثارها الممتدة بعد ذلك في كونها خميرة لتشوه التيار الإسلامي وملحقاته، ولكن هذا أيضا لم يحصل بتجربة ذاتية محضة لهذا التيار ولكن عبر محطات متعددة من الاستخدام الدولي والإقليمي له بأساليب قذرة، ومن السياسات الاستئصالية التي أبقته دائما في خندق عقلية الحرب والحشد.. وهكذا
وأوضح مثال على ذلك حالة الإخوان مابعد 30 يونيو.. بكل ماوصلت له من إفلاسات وكوارث وخض وعجن لكل مقولاتها الأساسية… من الذي قطع عنها أي سبيل للمراجعة ودفعها لوادِ أشد إظلاما؟
قياداتها وغفلة الأتباع؟ نعم.
ولكن نكون نحن المغفلين ومنعدمي الضمير، لم لم نقل أن بطش النظام واستئصاله وفاشيته هي على الأقل لها حظ النصفـ وفعليا تتحمل المسئولية السياسية لأنها الدولة بكل أدواتها.

ولكن لماذا لم يؤدي الاستبداد في أمريكا اللاتينية لإرهاب وقاد في بلادنا؟ أليس لهذا علاقة بالأيديولوجية الدينية المستمدة من الإسلام؟

من قال هذا؟!.. منهج الحركات والثورات الشيوعية في أمريكا اللاتينية (سواء النظري كما في نظرية جيفارا، أو حتى الممارسة الفعلية بدءا من ثورة كوبا وحتى فارك والحزب الشيوعي ببيرو) تعتمد في شق أساس منها على الإرهاب المميز وغير المميز.

لدرجة أني كنت أتكلم مع صديق فقال لي أنا اللي حصل النهاردة فكرني بما كان يحصل في أمريكا اللاتينية من ضرب المجاميع الشعبية بالإرهاب لإجبارها على الانضمام لحركة التمرد.. فقلت له هناك فوارق لأن داعش بالفعل تعدت حدود المنطق الاستراتيجي وتعيش في حالة التوحش

الاستبداد ليس في حد ذاته عاملا مسببا بحاله للإرهاب. – نعم. هو عامل للاحتقان الشعبي والشعور العارم بالظلم.. لأن ظاهرة الإرهاب لابد لها فعلا من مقومات فكرية واجتماعية وخصائص نفسية وأيضا عوامل تضمن إعاشتها. ولكي تتوحش تحتاج لعوامل أشد تعقيدا في بيئة التدافع السياسي والعسكري والاجتماعي..

ومجمل الأدبيات الغربية حول ظاهرة الإرهاب ونشوئها تعتمد مثل هذا المنطق الشمولي والنسبي.

ماهي مثلا أفظع تجارب التصفية الوحشية في هذا العصر – سواء من دول أو من حركات؟

داعش – مايُميزها أنه استخدمت الإسلام (دين سماوي اُتفق أنه مصدر هاجس عدائي عند قطاع من الغربيين)، مع سلاح الصورة وثورة المعلومات، وفي منطقة شديدة المركزية.. ومثلت تهديدا لأوروبا.

وإلا فإنها تبدو شديدة الملائكية إذا قارناها بمافعله السوفيت قبل وبعد الحرب الثانية، وبالطبع النازي، وبالتأكيد الفرق المتصارعة في رواندا.

بل حتى داعش ليست أقل كثيرا من أخلاقية الحملات الصليبية.. ولكن إن تجاهلنا الفارق التاريخي لما يقارب الألفية، وقارناها – هي والصليبيين – بسلوك الجيوش المسلمة حينها – مع أن الأخيرة لم تكن كلها بمثالية جيش صلاح الدين – حينها يظهر الفارق جليا!

إذن فداعش هي حالة شديدة الشذوذ في القراءة للدين، وهي ليست مجرد عودة للوراء (كقراءة سلفية للدين) بل التاريخ في صف أتباع الإسلام قطعا.
إذن فالقراءة المشوهة تلك ليست عالة على أصل الدين، ولا حتى عنصر الزمن فيها بالتطور أو التخلف، ولكن هناك عوامل شديدة الموضوعية و(العلمانية) قادت لها..
الناصح من يبحث عنها.. ولكن لانُحمل الإسلام رجاء تبعة كسلنا المعرفي والتحليلي! وهذا في معزل عن ضرورات التجديد في التأويل الديني وحتى  إحياء الاجتهاد المعطل في مباديء وأصول التشريع – من قبل أهله – فضلا عن فروعه.
راجع مثلا

———————————————————————————————————————————————————————————————–

أما الحوار الثاني فهو حول مزالق التفكير السياسي والاستراتيجي مع صديق في الخط الأيديولوجي والسياسي المعاكس تماما!

سؤال: لماذا  لا يكون ما حدث هو نتاج صراع أجنحة السلطة قبيل الانتخابات لأحراج السيسي و بيان فشله الأمني و تهيئة الأجواء لشفيق أو غيره ؟
ولماذا لا تكون مجموعات دحلان المتواجدة في سيناء هي من نفذت هذه العملية بايعاز من الامارات؟

الحقيقة أن موضوع أن النظام أو أحد أطرافه (سواء لمصلحة استراتيجية وسياسية، أو صراع أجنحة) خلغ المذبحة هو أمر مستبعد تماما.. لعدة أسباب:

مثلا – ماحصل هو فعلا خسارة استراتيجية لداعش بالفعل، فمن الممكن أن يتبادر للذهن أنه بما أن النظام مستفيد من هذه الناحية فهو وراءها.. (شيء كهذا كان يقوله إعلام الإخوان في أعوام 2013-15، ولكن ليس كل من له مصلحة في أمر فإنه من يصنعه.

فالمصلحة الأهم للنظام سواء في 2013 والآن هو صيانة هيبته، وتوصيل رسالة قوية أنه مستقر أمنيا وناجح في مكافحة الإرهاب (وهذا حيوي لمصلحته في الداخل والخارج)..

ثم هناك أمور أهم: العقيدة المؤسسية سواء للجيش أو قياداته التي لن تتجه لتصفية قطاع شعبي أو مجموعة سياسية إلا بعد قناعتها (حقيقة أو متوهمة) بخيانتها الوطنية وحرقها شعبيا، والتركيبة العقلية والنفسية للسيسي نفسه كأكثر مصري وطني وحامي الوطن، واستحالة الاحتفاظ بالأسرار التآمرية لأمد والخسارة الهائلة للسمعة السياسية داخليا وخارجيا إن تم كشفها.. وهكذا

نعم – المؤسسة الأمنية كان خطها بعد 30 يونيو مثلا هو التصعيد وتفجير البيئات والتساهل في ارتكاب مذابح ليس فقط بحس الانتقام ولكن حيث تدفع البلد لحالة من الانهيار السياسي والاحتقان الأمني فيمكنها حينها توسعة مجال الحركة والنفوذ لها -بالرغم من خضوعها رسميا لمؤسسة الجيش..

ولكن هذا لم يأخذ شكل أن تقوم بعمل إرهابي مثلا لتحقيق الهدف السابق مع أن هذا لايصطدم مع عقيدتها المؤسسية -نظريا – وإن كان لم يوجد دليل عملي أنها فعلته من قبل إلا الشائعات حول تفجير القديسين أيام العادلي.. 

السبب – أن نظام مابعد 30 يونيو (بل حتى مابعد يناير 2011) هو نظام تخلت فيها المؤسسة الأمنية عن دورها السيادي الأعلى، وأصبحت خاضعة وتحت رحمة سلطة الجيش ومخابراته، وبطشه أيضا.

فمشهد أن يُغير السيسي طقم قيادة أمن الدولة دفعة واحدة أكثر من مرة، لم يكُن حتى تخيله واردا أيام مبارك.

في موضوع صراع الأجنحة.. لا يوجد أجنحة الحقيقة بمعنى التنافس على السلطة السياسية، فهناك توحد كامل للمؤسسة العسكرية خلف السيسي لاعتبارات عديدة (أهمها تصور المصلحة المؤسسية وارتباطها ببقائه حتى اللحظة، وكاريزمته داخل المؤسسة، فضلا عن قبضته الأمنية عليها من الداخل) ، وحتى المؤسسة الأمنية فتدافعها مع الجيش و توسعتها لنفسها هو في الملفات الأدنى من مستقبل النظام السياسي (يعني تسريبات مثلا في وقت ما احتمال، توسيع نفوذ في المؤسسات الإعلامية أو البرلمان – أكيد.. ولكن دون أن تصل لحالة استفزاز كبيرة)

نعم هناك توجس عند السيسي ومؤسساته أن يظهر مرشحون أقوياء، أو يتنافسون على الدائرة الشعبية والمؤسسية ذاتها، كشفيق أو عنان مثلا..

ولكن فضلا – أن العناصر الكابحة السابق ذكرها في حال النظام أو المؤسسة الأمنية تجعل (رغبتهم) في هكذا أمر غير معقولة، فهناك غياب كامل لأدوات الفعل.

النقطة الأهم مما كل سبق:هل فعلا النظام أو أطراف فيه تعيش حالة قلق وتوجس على المستقبل السياسي القريب للنظام فهي (إما تحاول النجاة بنفسها، أو تعجل حرق النظام.. على تناقض كامل بين الأمرين.!).. لاأعتقد .

حتى منتصف 2015 فعلا كانت هناك هواجس.. بسبب مشكلة شرعية النظام إقليميا ودوليا، وأيضا الوضع الداخلي غير المستقر في الشارع (مع أن النظام كان يستغله للمفارقة لتثبيت شرعيته وضرب أي معارض له وتغول قبضته الأمنية).. 

ولكن النظام ليس أمامه الآن مثلا معارضة إخوانية في الشارع، والفصيل الإخواني الذي لجأ للعنف المسلح – وكان إرهابا بدائيا على كل حال – مُسيطر عليه إجمالا وكان هناك غض طرف أمني حتى أمام تحركات القيادة التاريخية لتصفية منابعه، والمعارضة السياسية المدنية تم انهيارها – وتحجيمها – مع الوقت.

النظام يُعاني أزمات اقتصادية وأمنية وأمن قومية بالطبع.. وستتفاقم كثيرا مع الوقت.

لكن – بمعيار استقراره وقوته (من حيث تمريره لأجندات شديدة الاستعصاء شعبيا دون أن يثير ذلك اهتزازا مؤثرا) فهو وصل لدرجة أعلى كثيرا من مبارك والسادات.

وأهم سبب في ذلك – هو انهيار التجربة السياسية المدنية مابعد يناير 2011، وغياب أي بديل سياسي، وكُفر الحالة الشعبية بجدوى السؤال والفعل السياسي نفسه.. وليس فقط القبضة الأمنية.

—–

فيما يتعلق بدحلان ومجموعاته والإمارات.. فنعم دحلان كان له بعض الاتصالات في سيناء ولكنه كان يجريها بعلم النظام وفي مصلحته، خصوصا في الوقت الذي كانت حماس أيضا تلعب بملفات التصعيد الأمني داخل سيناء – وإن كان بشكل غير مباشر (أقصاه كان دعما لوجستيا)

لكن لم يحصل، ولايجرؤ حقيقة على القيام بأي عمل أمني تخريبي.. والأمر أكثر وضوحا في حال الإمارات.

وأبسط سبب: هو غياب أي جدوى سياسية (الكلام على تخريب المصالحة الفلسطينية كلام غير واقعي فالملفات شديدة الانفصال وكذلك آثارها)، وفوق غياب الجدوى: عدم وجود أدوات، والخشية من رد فعل النظام.

موضوع دحلان ودوره في سيناء، كان أغلب مافيه دعاية إخوانية اشتركت معها حماس، ولكن لم يُسائل أحد حماس حين عقدت مع دحلان مثلا تحالفا لإدارة غزة (اللجنة الدائمة) منذ أشهر، وبدعم مالي وسياسي إماراتي – قبل ملف المصالحة طبعا.. كيف يستقيم هذا مع البروباجندا السابقة؟

كما لم يُسائل الكثيرون النظام حين استقام الأمر مع حماس، لماذا تحول دور حماس السلبي أمنيا في سيناء إلى فقط عدم ضبط الأنفاق والحدود، مع أن النظام كان يتهم الأخيرة أنها كانت تقوم بعمل عسكري مباشر وليس فقط لوجستي؟

 

————

الحقيقة – أنا تعمدت أن أسهب فيمايمكن أن نطلق عليها 

critical analysis

للفرضيات السابقة بصبر.. لأشير إلى نقطة أتمنى أن تكون وضحت الآن.

 

أنه لايمكننا تفسير الوقائع والأحداث المتوالية، دون اختبار صحة فرضيات رؤيتنا للواقع السياسي نفسه – خلفياته ومآلاته.

المشكلة – أن أي مجموعة من الناس خاضعة لبروباجندا ما، وتنغلق نفسيا وإدراكيا داخل أطرها الخطابية والاجتماعية .. فيكون من الصعب جدا الوصول لحالة الاختبار تلك.

وهذا حصل ويحصل سواء مع بروباجندا النظام، وأيضا تحالف الإخوان..

فمهما كانت الفرضيات والمدخليات غير معقولة (الإدارة الأمريكية مخترقة من الإخوان، نظرية مؤامرة كونية على مصر، الإخوان وراء الإرهاب الاحترافي في سيناء والوادي – أو أيضا: أم السيسي اليهودية، وأنه عميل صهيوني، وأنه قُتل وظهر بديله مرات متعددة، وأن قائد الجيش الثاني أو فلان وعلان انقلب، أو النظام يتهاوي) فغالبا لايتساءل من سلم نفسه دون فحص (شاق ومُدقق) لأي حديث أو كلام.

،  بل حتى حين يتم تغييرها بشكل حاد دون تقدمة، يتم غالبا قبولها والتعايش معها..

ولا يُسائل الفرد البروباجندا.. أين ماكنت تقولينه حتى عام مضى (بل حتى في تفجير الكنائس منذ شهرين) أن النظام نفسه هو من يقوم بالإرهاب وحتى الاشتباكات العسكرية (كما في واحة الفرافرة)؟

وكيف نحل سلسلة من التناقضات الذاتية في نفس العبارة؟ النظام يقوم بالإرهاب، النظام يتهاوى بسبب الفشل الأمني، صراع أجنحة يريد ضمان استمرار النظام، لا- يريد السيطرة على السلطة بالتعجيل بانهياره..

وهكذا

نعم – ليس عندنا معلومات وافرة عن كل تفصيلات المشهد، وبالتأكيد ليس كلنا متخصص في مسائل السياسة والاستراتيجية.. ولكني أعتقد أن قدر متوازن و(متصل ودائم) من التفكير النقدي (البارد) للأطروحات – (بعيدا عن التفكير الرغائبي وبالفصل بين التقييم الأخلاقي والتقدير الاستراتيجي) سيساعدنا على الأقل في فهم قدر كبير من المشهد ومآلاته.

وكثير من الإجابات على أسئلة الواقع هي مباشرة أمامنا دون تعقيد شديد.. يمكن التعقيد هو في فهم الخلفيات والآليات واستشراف المآلات:

نعم هناك شيء اسمه داعش.. ونعم داعش تفجر المساجد (سنية وشيعية كما حصل في العراق والكويت والسعودية وسوريا وليبيا)، بل حتى قامت بعمليات انتحارية ضد تجمعات جبهة النصرة في سوريا وهم من نفس الأب (تخيل!) ، وقتلت بشكل عشوائي أو استهدافي تجمعات مدنية في خلافها مع السواركة (حادثة السوق) بل حتى ذبحت شيخا صوفيا شارف المائة عام من كام شهر (الشيخ سليمان أبو حراز) لأنها كفرته.

ونعم سلوك وأجندة والإطار المعرفي والنفسي لداعش مختلف كثيرا عن القاعدة (قارن حادث الواحات مثلا، بمذبحة المسجد، واقرأ بيان تنظيم جند الإسلام حول الأخيرة)

مازلت طبعا عند تقدير أن دافع داعش هو حساب سياسي واستراتيجي أخطأته تماما، وغالبا هناك عنصر وافد وراء تلك الخطوة الكارثية..

ولكن بالتأكيد أي تنظيم عقائدي  (إسلامي أو جيش أو يساري..) يتوسل بالتبرير الأيديولوجي (الوطني) ليغطي به الحساب الاستراتيجي

والمصلحي- رشد منه أو انحرف هذا الحساب.

أما الحوار الثالث فهو في نفس سياق التحليل الاستراتيجي للمجزرة والتفسيرات البديلة

هل سبق استهداف اي مسجد لا صوفي ولا مخالف عقائديا كوجود اضرحة ونذر في اي مكان ضم الجهاديين؟
أكثر من أن تحصي الحقيقة.. في العراق وسوريا والسعودية والكويت وليبيا (في 2012-2013 بالأخص كان تفجير الأضرحة في ليبيا أمرا معتادا). وداعش ليس تيار جهادي ولكن تكفيري وصل لدرجة عالية من التوحش واللاعقلانية. حتى القاعدة – بالتصنيف هي تيار تكفيري، لها حدود من التفكير المتوازن عقديا واستراتيجيا وكود أخلاقي محدد (بالرغم من انحرافه).
 
الحادث اقتحام مباشر ، وهذا ليس ديدن داعش في التكتيكات وسط الاعداد الكبيرة انما هو ديدن هيكل 
مؤسسي
لأن الرسالة السياسية المقصود إيصالها مختلفة.. فهي بالأساس ليست رسالة عقابية ولكن فرض سيطرة واستعادة سطوة ونفوذ (شديدة التقليدية في استراتيجية حركة التمرد، ولكن أساس حسابها خاطيء كليا) .. داعش معتادة على تفجير المساجد بعمليات انتحارية (هذا معناه رسوخ عقائدي بالمناسبة، ولكن الصعوبات الأمنية وأن الرسالة الاستراتيجية بالأساس عقابية)
مايلفت النظر ليس تغير التكتيك .. ولكن الرسالة الاستراتيجية الخاطئة؟
(ديدن هيكل مؤسسي) ليه يعني؟ سواء استهداف مباشر أو توظيف – فالأنظمة تستخدم كل الأنماط.. بالعكس – نمط الأسلحة الثقيلة هو مانسميه (الأكثر نظامية). نعم لو توظيف كما حصل في الجزائر – ولكن كل الأطراف هناك كانت تستخدم أسلوب الهجوم والذبح.
كانت هناك جهوزية لرد الفعل المصري ، بعكس حالة الصمت المطبق المصاحبة لحدث الواحات ألا يثير ذلك الشك؟
بئر العبد هي في نطاق المسئولية العسكرية (هو بين المنطقة ب وأ)، وبالعكس – رد الفعل لم يكن جاهزا ولاشيء. فقط بروباجندا عسكرية معتادة ولكن دون أدلة حقيقية على  مستوى الإنجاز (تقارير مابعد التدمير).. وهذا مالفت له مقال الأوبزرفر الذي أثار سخط الخارجية.
ارتفاع عدد الضحايا وسط قرية اصلا صغيرة التعداد يجعل في كل بيت مناحة وتأر ، وهذا انتقام جماعي موجه لقبائل بعينها لا عقدي؟
هذا بالضبط ماجعلني أرجح أن الأساس هو رسالة سياسية وقبلية، وأن العامل العقائدي هو لزيادة الشحن التصفوي داخلي وإعطاء شرعية. ومع ذلك فحجم الجرائم والتهديدات السابقة (كما في مجلة رومية في الحوار مع مسئول الحسبة في ولاية سيناء) ملفت.
اول رد فعل هو اغلاق المعبر، ففتش عن المستفيد ، والاحداث السياسية الآنية هي فشل المصالحة 
غلق المعبر هو مسألة أمنية احترازية (مؤقتة) ومنطقية (منعا لهروب الجناة كعادة الفكر الأمني التقليدي).. والمصالحة لم تفشل بعد، وما علاقة فشلها (المتوقع) بأن يتم تدبير مذبحة لأجل إغلاقه مع أنه في وسع النظام في أي وقت ودون تبرير، كما أنه لايوجد اشتباك سياسي أو أمني مع غزة،والعلاقة مع حماس جيدة جدا حاليا والتنسيق الأمني قوي معها في موضوع الأنفاق التي (لاتزال تعمل)!
إخلاء سيناء سيكون خطوة مبررة شعبيا ،لاحظ انه في بئر العبد ، وهذا يعتبر في الامتداد السيناوي تجاه الشرقية وليس اتجاه غزة ، بمعنى انه تتسع رقعة الاخلاء 
لن يحصل إخلاء (ليس هكذا تفكر المؤسسة العسكرية.. الأمنية نعم)
استدعاء الاطباء قبلها لحالة طواريء ثلاثة ايام غير مبررة 
ليس عندي علم، وياريت لو فيه توثيق للخبر.. وتدقيق في أسبابه لو صح
من الذي ادار اصبع الاتهام لداعش بالرغم انها لم تصدر بيانا كعادتها في كل عملياتها ؟
كان بإمكانها إصدار بيان للنفي والإدانة ورميه على النظام أو حتى إثارة الشك حول مسئوليته (سيقود هذا لمكسب استراتيجي هام وبلبلة سياسية واسعة).. كما أصدرت جند الإسلام بيانا.. ومع ذلك الوقت مبكرا للجزم بأنها لن تصدر. وفوق ذلك العملية تحمل بصمات داعش في كل شيء الحقيقة.
هذه العملية تقطع اثر داعش في المنطقة للأبد ، فالمستفيد هنا ليس داعش ولكن النظام .. أيضا فتش عن المستفيد
لن تقطعه للأبد، ولكنها خسارة استراتيجية جسيمة.
والنظام مستفيد في حال أنها ليست داعش، ولكن إن تسرب بالفعل (وسيتسرب قطعا إن هو من وراءها) فخسارته السياسية والاستراتيجية وحتى في سلامة بناء مكوناته العسكرية والأمنية فادحة.
وهناك عوامل أخرى تمنع أن يكون النظام، ليس فقط أنه لم يسبق للمكون العسكري (وحتى الأمني عدا شائعة كنيسة القديسين التي لم تتأكد مطلقا) القيام بهذه الاستهدافات التوظيفية للمدنيين (لابد أن يسبق شيطنتها وحرقها شعبيا، وقناعة ذاتية بخيانتها الوطنية، ووجود عامل قوي للانتقام، وفي الأغلب يكون انفلات متعمد في استخدام أداة العنف المميتة أو المنظمة)، ولكن لأنه يخالف أبسط قواعد عقيدته المؤسسة – خصوصا في حال الجيش.
أليس كل مستفيد محرك؟ هذه قضية هامة جدا.. كل الأطراف البشرية ترتكب أخطاء جسيما أحيانا لخطأ في الحساب وضعف في التأهل والقدرة وفقر المعلومات.. وأحيانا لتحيزات نفسية وإداركية واستراتيجية مشوهة.
لدرجة أن هناك مقولة شهيرة: أن المنتصر في الحرب ليس الأفضل أداء، ولكن الأقل خطأ.
(الأخطاء الجسيمة لداعش في العراق وسوريا وتوسيع جبهة أوروبا .. كانت بالفعل أهم العوامل في إنهاء مشروعها كما توقعنا مبكرا حين كان هذا المشروع له بريق آسر في سرعة إنجازه وكونيته)
ليس معنى هذا أنه استراتيجيا لايكون هم كل طرف هو دفع المقابل لسلسلة من الأخطاء (سواء حقيقية أو مصطنعة) وأحيانا فعلا يكون المستفيد هو المحرك (أو محرك)، ولكن تعقيد حالات الصراع تجعله عاملا وسط عوامل متعددة. وإلا فسيقودنا الأمر لنتائج غريبة:
أمريكا هي من حركت هتلر للحرب الثانية – لأنها هي المستفيدة آخر الأمر
تنظيم الضباط الأحرار أو مؤسسوه هم من قادوا هزيمة 48 لأنهم أكثر طرف عربي مستفيد
عبدالناصر هو من دفع إسرائيل للمشاركة في 56 لأنه هو المستفيد آخر الأمر  (وليس مثلا أن نظامه كان على المحك وهربت قياداته، وأن النتيجة كانت عبر تفاعل لدينامية القوى العظمى الناشئة مع صمود عسكري وسياسي)
حماس هي من دفعت صدام لغزو الكويت لأنها أكبر طرف عربي مستفيد
إسرائيل ليست فقط هي من خلف داعش، ولكن أيضا ربيع الثورات (لأنها أكبر طرف مستفيد حتى الآن)
السيسي أكبر طرف استفاد من سلوك الإخوان ماقبل وبعد 30 يونيو.. إذن هو من يحركهم
وهكذا….

حول مجزرة مسجد الروضة بسيناء

مع هول الفاجعة اﻹنسانية وتجريم اﻹرهاب بكل أنواعه ودوافعه فالفهم اﻻستراتيجي لظاهرة اﻹرهاب وتطوراتها مهم..

إذا تأكد تبني تنظيم ولاية سيناء لتلك المجزرة، فهذا معناه خطأ كبير في الحساب اﻻستراتيجي حقيقة، وأيضا احتمال وجود عنصر داعشي وافد خلف هذه الخطوة (موجات هجرة داعشية للأطراف بعد ضرب المركز شيء متوقع).

نظريا.. هدف مثل تلك العمليات يندرج في نقطتين:
1- إرهاب القبائل السيناوية بحيث تنحاز لسيطرة داعش وتمتنع عن التعاون مع الجيش والنظام.. خصوصا أن هناك حالة اشتباك بين التنظيم والسواركة تمتد لأشهر.

2- ضرب هيبة النظام وقدرته على حفظ اﻷمن، وإجبارهم على تشتيت قواته ومفارزه اﻷمنية فيسهل استهدافها. بالإضافة للمنطق العام خلف كثير من تكتيكات الإرهاب وهو استدراج النظام لردود فعل (غاشمة) تفتح مجالا لتوسيع دائرة التجنيد والدعم لحركة الإرهاب.

خطأ الحساب هنا هو في نوعية وحجم الاستهداف.. فاﻹرهاب النوعي المحدود للرموز المتعاونة قد يحقق بشكل ما اﻷهداف السابقة، ولكنه تحول لاستهداف عشوائي وجماعي وفي موطن مقدس كالمسجد مما سيؤدي قطعا لخسارة التنظيم لقطاع كبير من الدعم القبلي، وبالعكس حشده معلوماتيا وسياسيا وأمنيا خلف النظام.

هنا يظهر الفارق مثلا بين خط القاعدة وداعش (أنصار بيت المقدس بدأت قاعدية، ثم انتسبت لداعش وواضح اﻵن اقترابها أكثر من سلوك اﻷخير..  في مقابل مثلا تنظيم عشماوي الذي قام بحادث الفرافرة ومن وراء حادث الواحات)، هو إلحاح اﻷول على تمثله كمدافع عن القبائل ومنتصف لهم ضد بطش النظام (وهذا يظهر في نمط العمليات العسكرية واﻹرهابية، وأيضا في الخطاب السياسي)، أما الثاني فبالرغم من توفر قدرات فنية أكبر إلا أن الهوس بالتصفية واللامبالاة بآثار الحساب اﻻستراتيجي واضح أكثر.

ولكن هل يمكن أن يكون الدافع خلف العملية مسألة تبعية المسجد لأحد الطرق الصوفية؟

التصفية اﻷيديولوجية العمياء -والمناقضة لأبسط بديهيات المنطق اﻻستراتيجي- هي أيضا من سمات داعش وماورثته من تنظيم الزرقاوي وأتون الحرب اﻷهلية العراقية.. وهذا حصل مرارا ليس فقط في استهدافات لمساجد الشيعة، ولكن حتى لتفجير مساجد الصوفية واﻷضرحة في ليبيا وحتى حوادث متفرقة في شمال سيناء اﻷعوام الفائتة.

لكن مايجعلني أستبعد هذا الدافع أن يكون اﻷساس في مقابل الدوافع السياسية والاستراتيجية -ليس فقط خلو المسجد من أضرحة بالرغم من كونه صوفيا، ولكن لأن نوعية الاستهداف (ضد المصليين العاديين) وحجمه بهذا الضخامة، فضلا عن التوقيت (ارتباطه بانكسار داعش في المركز، وسباق حول الشرعية الجهادية مع القاعدة بعد حادث الواحات) يجعلني أرجح اﻷخيرة ولكن خطأ في حسابه.

فقط نقطة أخيرة.. أني لا أتخيل الحقيقة أن مسئولية النظام هي فقط في محرد تقصير أمني، ولكن أن مجمل مبانيه وسياساته هي محرك أساس لظاهرة اﻹرهاب، وتمنع بشكل قاطع تطوير استراتيجية حقيقية لمواجهته. (بعيدا عن الهلاوس حول ترتيبه المباشر لهذه العمليات! فهناك عوائق كثيرة في السياق السياسي والإقليمي والحساب الاستراتيجي الجليّ وبنية التشكيلات العسكرية – ليس بالضرورة الأمنية – وعقيدتها ماتقف أمام استنساخ المشهد الجزائري)

الرئيس المصري يتوعد برد (غاشم)! حتى جهله اللغوي لا يبرر استخدام هذا اللفظ فضلا عن تطبيقه.

أقل النقاط.. أننا لسنا مدعويين أصلا كمواطنين (وكحالة سياسية تم قهرها) للحديث أو معالجة هذا (التقصير).

نسأل الله اللطف والرحمة للشهداء. وأن يرأف بحال شعبنا الذي يعاني

هذه ورقة عمرها 3 سنوات حول مكافحة الإرهاب السيناوي.

https://drive.google.com/open?id=0B3R3f5iENLhfU29Uak5RTFBIdnc

 

ذات صلة

مرة أخرى: مواجهة داعش

من صنع داعش؟

عن داعش والتحالف ضدها

 

حول مراجعات المجموعة الشبابية للإخوان

22 July 2017

تعليق حول الجزء الأول من المراجعات أرسلها صديق.

http://arabi21.com/story/992489/%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A21-%D8%AA%D9%86%D9%81%D8%B1%D8%AF-%D8%A8%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D9%86%D8%AA%D8%A7%D8%A6%D8%AC-%D8%AA%D9%82%D9%8A%D9%8A%D9%85-%D8%A3%D8%AF%D8%A7%D8%A1-%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86

 

بخصوص  المراجعات، فهي ليست جديدة، وصدر لها جزء ثان مكمل عن فترة مابعد 30 يونيو:

https://arabi21.com/story/1002604/%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-21-%D8%AA%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%85%D9%86-%D8%AA%D9%82%D9%8A%D9%8A%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86

هناك عدة ملاحظات:

أولا – هي مراجعات من حيث المبدأ هامة جدا.. خصوصا أننا لم نر أي مراجعات حقيقية من أيٍّ من القوى السياسية (إسلامية، أو ثورية أو ليبرالية أو يسارية..)..

وتناولت بالفعل قضايا هامة، ولم تكتف بما قام به البعض من مراجعات تحسينية هشة.. مثلا حوار البرادعي، أو بعض أحاديث قيادة الإخوان التاريخية.

(كعادة الناس في مراجعاتهم: مشكلتي الوحيدة إني طيب زيادة عن اللزوم)

ثانيا – وهذه مشكلة كبيرة. أن الطرف الذي قام بهذه المراجعات هو القيادة الشبابية في الإخوان (تيار محمد كمال). وهذا معناه أنها لاتمثل الإخوان فعليا – خصوصا إن علمنا أن القيادة التاريخية استعادت السيطرة على غالبية هياكل الجماعة وقطاعاتها (على مافيها بطبيعة الحال من انهيار وتبعثر حاليا) وبوسائل فيها الكثير من الإشكال الأخلاقي.

و لكن الأخطر – أن هذا التيار الشبابي بالفعل تورطت مكونات منه في العمل المسلح والإرهاب البدائي. وهذا معناه الحكم على أي مستقبل لمايمكن أن تحدثه هذه المراجعات من حراك تنظيمي وسياسي بالسلب.

ولعل في هذا مايُدهش أيضا..

أن تصبر على إجراء مراجعات (مهما اختلفنا حول جودتها) تتناول مناح مستفيضة في حركة الجماعة وتاريخها لثلاثين عاما على الأقل، ثم تصمت على هذا الشق الخاص باللجوء للعنف المسلح – مع مافيه من إشكالات شرعية وفكرية واستراتيجية. ، وربما كان هناك بشكل أو آخر عدم اتصال كامل بين المجموعة التي أعدت المراجعة وتلك ا

لمكونات التي انخرطت بأشكال بدائية أو حتى بعض محاولات احترافية في العنف.

ولكن – يتضح من خط هذه المراجعات أن الفكرة كانت في أن تسبق التأسيس لرؤية فكرية وتنظيمية وسياسية للمرحلة القادمة

وربما التعثر الحالي الذي تواجهه تلك المجموعة وخسارتها للمساحات التنظيمية.. هو من عطل هذه الدورة.

ثالثا – فيما يتعلق بالجزءالأول من المراجعات، فبالتأكيد متفق مبدئيا عل أغلب التفصيلات، بل لعلي أقول أني وجدت فيها بعض النقاط (كتقييم تيارَيْ الجماعة قبل يناير فيما يتعلق بالتغيير، أو نقاط حول المقاصدية والخيار الثوري، أو أولوية الأجندة الثورية في معرض استفتاء مارس وأن العبرة لم تكن في أي خيار منه بنعم أو لا) سبق لي أن طرحتها من قبل، ولم أسمعها من أحد غيري، وهذا لايعني بالضرورة أني مصدرها. ولكنه شيء يسعدني بالطبع. .

لكن هناك بالنظرة المعمقة بعض الملاحظات السلبية:

1- لم يتم إبراز أهمية بعض النقاط التي تحكم تفسيرنا للمسار وتقييمنا له عن  نقاط أخرى تفصيلية.. وهذا الإبراز مهم حتى لانتوه في التفاصيل، ونفقد قيمة المراجعة أن تقودنا لخلاصات كلية تدفع للتجديد الفكري والاستراتيجي والواقع.

فمسألة غياب رؤية وإرادة التغيير السياسي قبل ثورة يناير ، وضعف القابلية القيادية لصنع أي استراتيجية .. هي أهم ماحكم مسار الإخوان قبل يناير. ثم تأتي بعد ذلك كل التفصيلات..

وهناك بعض تناقض في ذات الورقة سواء في التقييم أو ماتطرحه كمسار بديل.

فهل كان التركيز على العمل المجتمعي وترك حظوظ بناء القوة والقدرة السياسية هو المشكلة، أم المشكلة كانت في عين المسار الإصلاحي القاصد لتوسيع المكاسب السياسية على حساب مهمة التغيير وإفقاد النظام الشرعية وتوسيع الاحتقان الشعبي؟

في رأيي طبعا – أن الحاكم لمسار الإخوان كان توسيع مصادر النفوذ الاجتماعي والسياسي على أي حساب آخر وبالأخص المسألة التغييرية، وأنه بالعكس – في آخر عشر سنين قبل يناير، تضخم الملف السياسي على حساب كل الملفات التربوية والاجتماعية – الدعوية داخل الجماعة.

2- كذلك في مسار الثورة ذاتها.. المراجعات تلمست فقط مسئولية الإخوان عن تبريد الثورة، والقبول بمرحلة انتقالية يقودها المجلس العسكري، والقناعة الساذجة بسبب المنطق الإصلاحي بأولوية الانتخابات.. وأن هذا من حيث الأثر والدور كان يماثل مسئولية الآخرين إن لم يكن أقل .. ولكنها لم تفسر بوضوح لم

وكيف حدث هذا وماحجمه الحقيقي من حيث التأثير على المسار السياسي؟

المشكلة كما نعلم، كانت بسبب هوس الإخوان بفكرة التقدم للسلطة وهذا مااقتضاها – مبكرا جدا – أن تتفاهم مع المجلس العسكري والأمريكي على مسار سياسي لمصر يحصل فيه تقاسم فعلي لملفات السلطة بينها وبين المؤسسة العسكرية.

فماكان يحتاجه إدارة المسار الثوري بعد يناير أمرين: قيادة وطنية تتفق على ملفات التغيير وإدارة المرحلة الانتقالية، وزخم شعبي.

وكلا النقطتين، الإخوان فعليا هم أول – وأكبر – من أعاقه، ولم يكونوا مجرد موقف وسط بين (يسقط المشير)، و(المشير الأمير)!

وبالطبع – تغافلت الورقة عن حجم التفاهمات التي أبرمها الإخوان مبكرا مع المجلس العسكري والأمريكي حول نسق إدارة المرحلة الانتقالية، أو شكل النظام السياسي المقبل وتقاسم الصلاحيات داخله.. (ومن ضمن هذا ماترشح في دستور 2012 ذاته)

3- هناك ضعف كبير في الوعي الفقهي والسياسي المطلوب لفهم مقتضيات التحول السياسي، وفكرة الدولة ذاتها وإدارتها.. وهذا ماجعل الورقة – بالرغم من إيجابياتها.. تتغافل مثلا عن:

إشكالية الجمع بين العمل الحزبي، والعمل الدعوى والمجتمعي والاقتصادي والسياسي الوطني (هي تناولته فقط من منطلق أنه يرسخ لصورة الهيمنة على الدولة ويحمل الحزب مالايطيق).. ولكنها لم تتناول إشكالاته الضخمة في تنزيل الوصف الديني على خيارات تنافسية، أو استثمار غير شريف للرصيد الخدمي والدعوي في التنافس على السلطة، أو التناقض الحاصل في طلب التواجد في مساحة يحرم التواجد الحزبي فيها (كالقضاء والجيش)، أو حتى الاختلاف الضروري في الخيارات ومساحات النظر في ذات القضايا السياسية.. فضلا عن تفاقم مشكلة أثر رأس المال على التنظيمين  الدعوي والحزبي.

أو ماهي الأولويات مابعد يناير بالتحديد ومقتضيات إحداث تحول ديمقراطي حقيقي (التزاوج بين ملفات الثورة وبناء النظام الدستوري)

، أو خطورة تسييس جهاز الدولة وكيفية الجمع بين هذا والإصلاح الجذري الهيكلي للمؤسسات (وهذا مايقتضي القيادة الوطنية لمرحلة الانتقال الديمقراطي)،

وخطورة تجاوز التفويض السياسي سواء للمناصب التنفيذية أو التشريعية (تخيل الورقة مثلا قالت عن الأخونة أنه استحقاق!)

أو خطورة تمرير دستور يعزز المكاسب الفصائلية للسيطرة على الدولة بالمخالفة لصنع عقد اجتماعي حقيقي أو حتى بمناقضة التصورات الوطنية – وحتى تلك المعارضة والإخوانية عن بنود النظام الدستوري..

أو مشكلة التعامل مع القضاء (كسلطة مستقلة).

وكيف تم هذا بمخالفة كاملة للتفويض السياسي للرئيس فضلا عن تعهداته.

وفكرة الدولة الوطنية ذاتها وموضعتها – بكل ماتحمله من سيادة داخلية وضمن حيزها الجيوسياسي – في خارطة الأممية (سواء كتنظيم، أو تصورات عن الخلافة). وكيف يمكن أن تدير جماعة غير مفوضة الحكم في دولة، وهي خارجة عن شرعيتها الداخلية والخارجية.

أو آثار كل ماسبق على الشرعية السياسية -ابتداء وتوسطا – للنظام السياسي.

بطبيعة الحال، المراجعات حاولت التبرير لمواقف الإخوان وإلقاء المسئولية على المقابل، وبشكل فيه تناقض داخلي الحقيقة. ولكن بالنظر إلى أسبقيتها وحجم النقد الذاتي الموجود فعليا ذاتها، فهي مثمنة من هذا المنحى.

4- أما الجزء الثاني الخاص بمراجعات مابعد يونيو 2013، فبالتأكيد العنصر الأبرز فيه من حيث القصور هو الفقر الاستراتيجي.. فخيارات الثورة ابتداء ، فضلا عن مسارات استراتيجية وعملياتية محددة فيها، لابد أوليا من الوضوح الكامل لأهدافها السياسية، ثم التناسب بين الموارد المتاحة وسبل تحريكها في مسارات تصعيد وتفاوض وبالنظر للبيئات المحيطة وبين مايمكن تحقيقه من نهايات.

ولكن أيضا، عدم إبراز المحصلة السلبية لمسار الإخوان السياسي قبل 30 يونيو أثر بشكل كبير على إعطاء مشروعية أخلاقية وسياسية لمسارهم بعد 3 يوليو.
 
وحتى لو تناسينا المشكلة الاستراتيجية (وهي حاكمة أيضا على تقييمنا الأخلاقي والشرعي، لأن منطلق الخيار الثوري بحد ذاته لابد أن يكون ممكنا تطبيقيا وإلا حكمنا بعدم جوازه)، فإن هناك إشكالات سياسية وأخلاقية سواء في أهداف الحراك (هل هو استعادة المسار الديمقراطي، أم إعادة الإخوان للسلطة)، وخطابه (التصفوي والتكفيري، أو الرائم لتشقيق الجيش والتدخل الأجنبي)، أو وسائله (القبول بوجود مظاهر سلاح في تجمعات مدنية، واستمراء الدفع بالكتل الشعبية مع فاتورة الدم دون نتاج سياسي محدد).
 
5- أخيرا.. المراجعات صمتت تقريبا عن الشأن الفكري.. سواء في الفرضيات التي أسست لفكرة الحركة الإسلامية، وشمول وظائفها، واحتكار العلاقة بينها وبين ماتحاول مقاربته من وحي معصوم أو أمة أكثر اتساعا من أي فصيل فيها.. فضلا عن تلك الخاصة بمقاربة الإسلام سياسية وفكرة  النظام السياسي والديمقراطي والاجتهادات المعطلة في باب الفقه السياسي.
 
وكذلك تقييم المرجعيات الفكرية التي تحكم الجماعة (خصوصا البنا وسيد قطب)؛ كتقييم الطروحات الفكرية والاستراتيجية بالمنظور الرسالي، أو حتى الزمني.
 
وهذا قاد أيضا لعدم تقييم الخيارات السياسية للإخوان حين اقتربوا ثم تقدموا للحكم: خياراتهم في العدالة الاجتماعية والنظام الاقتصادي، خياراتهم في مسائل التحرير والعلاقة مع الأمريكي والصراع العربي الإسرائيلي وكامب ديفيد، خياراتهم في بناء الدولة ذاتها ونظامها السياسي.
صحيح – أنه من الممكن الاحتجاج أن كثيرا من القصور في تلك الخيارات كان نتاج الخلل الفني والإدراكي (وهذا ما لمسته المراجعات) ولكن هناك أطر فكرية غائمة وتحولات سلبية حصلت – بالمعنى الفكري وحتى الاجتماعي – شاركت في ظهور تلك الخيارات المناقضة بشكل كبير للمقصود الشرعي والوطني، وليس فقط كانت قاصرة في الوصول له.
 
 
————
الحقيقة . سبق لي أن أوصلت للإخوان – مجموعة القيادة التاريخية بشكل أدق، وأيضا أوصلت للنظام عن طريق أكثر من وسيط ورقة أعددتها حول التهدئة، وكانت ترى مسألة المراجعات أول الطريق لأسباب مذكورة في الورقة:
 
 
وبعد كام يوم وجدت المأزق الذي نحكي عنه مُجسدا في مقال لأهم قيادات المجموعة التاريخية حاليا ، فكتبت هذا التعليق، وهو يتناول بالتحديد مسألة المراجعات
 
 
 
وهذا تصور مبدئي عن المراجعات المطلوبة

ملاحظات حول المراجعات، والحراك الوطني