مقالات منوعة

حول جدلية الخالق وسُنّة الانتصار

24-12-2016

حوار حول إشكالية التقابل بين سنة الله في نصر المؤمنين، مع واقعهم المزري اليوم حضاريا

الحقيقة أفضل من تكلم في هذه الأمور بإجادة وفقه عدنان إبراهيم..

المشكلة الأوسع هي إشكالية الشر والكوارث عموما: أي قدرة الخالق سبحانه ورحمته وخيريته – أليست تتجلى في اختفاء الظلم وانحسار الشر وغلبة الخير؟

ويتفرع من هذا مسألة خصوصية نصرة المؤمنين ذاتهم.

وهذه من أهم مسببات الإلحاد الحديث.

يمكنك تراجع هذه المحاضرات:

الله عاجز أم شرير؟ (تعالى الله)

فلسفة الشر بين القضاء الإلهي والتقصير البشري

أهلا وسهلا بالشر

الكوارث الكونية بين التفسير الغائي والميكانيكي

هل ننقرض؟

لاتراهنوا على الإسلام

—–

أيضا – سيد قطب في تفسير آيات آل عمران الخاصة بأحد، وكذلك آخر فصول المعالم.. مع قلة مساحة النضج الفقهي والفكري في طرحه ، ولكن غلبة البعد الإيماني وجمال التعبير بلاشك.

—–

في رأيي أن هناك ثلاثة تفسيرات لابد للمؤمن من التعامل معها في مساحة الابتلاء والنصر والهزيمة والكوارث والنهوض، وإن كان لكل تفسير مقتضاه ومقامه:

1- التفسير التجريبي: وهو البحث في الأسباب المادية والمعنوية التي تقود لنتائج اجتماعية وسياسية وعسكرية واقتصادية ، وعلى هذا تظهر نظريات التغيير السياسي، والتطور الاجتماعي، الاقتصاد، الانتصار العسكري، والترقي الحضاري والفكري..

فلكل هذه الظواهر (أسباب) قد يتعللها البشر فتصل بهم لنتائج معلومة، أو تنكبوها فينحسرون عن تلك النتائج.

وبالرغم من سهولة التعبير عن تلك الأسباب أحيانا، فإن المعارف التجريبية (العلوم السياسية والاجتماعية وفلسفة التاريخ والاستراتيجية والاقتصاد) كلها هدفها الأساس هو في فك هذه الشفرات.. وهذا مايجعل الخوض فيها وظهور الكوادر ونضج التخصص واقتراف التجديد والريادة هو من فروض الكفايات.

2- التفسير الغيبي: وهو رد الأمر لله سبحانه تبعا لحكمته – جل شأنه. هذه الحِكم تتعدد ولايمكن (الجزم) بأي ننسب له هذه الحالة وتلك إلا بنص معصوم قطعي.

فحكمة الله من الابتلاء والشر والتدهور والانهيار: قد تتوزع بين الابتلاء والتمحيص اختبارا، أو رفعا للدرجة، وبين العُقوبة المُهلكة، أو العقوبة المُكفّرة (الماحية للذنب)، أو فقط  (وهذا الدائر في جل الحوادث) إعمالا لمقتضى الأسباب ترسيخا لقاعدة السببية ونظام الخلق.

 ومن العجيب: أنه قد تكون حكمته – جل شأنه – في الحالة هو إعمال مقتضى الأسباب، وهو الأغلب كما ذكرت، ولكن له فوق هذا حِكما أخرى للمجموع (كتمحيص المؤمنين في أحد مثلا) أو حتى تتعدد الحكم على حسب الأفراد في ذات الحالة (فيكون لأحدهم ابتلاء تمحيصيا، والآخر ماحيا، والثالث عقوبة، وهكذا..)

3- التفسير التربوي.. وفيه لايتخلى المؤمن عن التفسير التجريبي تبعا لتكليفه وماأقامه الله فيه من أسباب  وأدوار، وبالتأكيد يبقى التفسير الغيبي وتعرف الحكم الكلية حاضرا .. ولكن يغلب على المؤمن شفقته ونظرته المُحاسبة لنفسه، فيحاول تلمس أسباب المصيبة في تقصيره في مقام السبب أو معصيته أو تقاصره عن مقام التفويض وتمام التوكل.

والعجيب: أن هذا بالضبط هو منطق القرآن في خطابه – أو بعض خطابه – للمؤمنين والنبي (صلى الله عليه وسلم)..

“ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك”

بل قد يذهب الذوق بالعبد ألاينسب لله ماهو من فعله – جل شأنه – على الحقيقة، بل ينسبه لنفسه:

“وإذا مرضت فهو يشفيني”

وهذه التفسيرات الثلاث كما ذكرت لابد أن تتراكم في حال المؤمن، ولكن نسبتها ووصفها يختلف على حسب الحال والمقام.

فمقام فقه التاريخ وتقدير السياسات والاستراتيجية وتقييمها، لابد أن يتجه غالبه للتفسير الأول.

وكما ذكرت في رسالة سابقة: في أشد المعارف التجريبية نزوعا وتعلقا بالأسباب والنتائج.. تبقى مساحات غائمة هامة سواء في الحوادث فضلا عن المسارات الكلية، ولايُمكن تفسيرها إلا بالعنصر الغيبي.

حول الاستراتيجية والقيمة .. على هامش تركيا

ومقام تعامل المرء مع نفسه لابد أن ينشغل في التفتيش فيها عن مصادر القصور فيما حل من كوارث وأزمات، دون أن يقود ذلك ليأس وقنوط.

ومقام رؤية فعل قدرة الخالق حاضر في كل هذا لأنه مُسبب الأسباب، ومن يهدي للصلاح.. ويكوناستشراف حكمته سبحانه في كل هذا مطلوب إيماني للفرد والأمة، ولكن دون جزم فيما لم تقطع به النصوص.

على هامش حِكَمِ ابنِ عطاءِ الله السكندري – 1

وأحيانا يكون – لهدف فقهي وتربوي عام أو خاص – من المصلحة ترجيح حكمة عن غيرها دون القطع بها كذلك..

فإن عمّ التواكل والقصور وفساد النوايا والعزائم، يكون ترجيح حكمة ابتلاء التمحيص والعقوبة ومقتضى الأسباب – دون ابتلاء رفع الدرجة – مطلوبا.

وإن عمّ القنوط وأنشب الشك والإلحاد مخلبه، يكون ترجيح مقتضى الأسباب، مع جوانب الرحمة التي تصحب الابتلاء ومقابلته بما هو حاصل في أمم أخرى مطلوبا.

وقارن مثلا بين لحن القرآن ومنطقه في التعامل مع نفسية المنتصر في بدر (الأنفال)، والمنهزم في أحد (آل عمران)، وإن كانت لغة المواساة والطمأنة (ولاتهنوا ولاتحزنوا وأنتم الأعلون … ) لم تمنع منطق التربية (… إن كنتم مؤمنين) (إن الذين تولوا يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ماكسبوا) أو منطق فقه السبب  (حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم) (إذ تصعدون ولاتلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم) فكلاهما مطلوب للفرد والجماعة. ثم تتكامل الآيات في ذكر حكمة تمحيص الابتلاء بشكل عام وكيف أن الآخرين قد مسهم قرح سبق وأنه تداول للأيام.).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى