تحليل استراتيجيقراءات استراتيجيةمقالات منوعة

حول حرب محتملة بين إسرائيل وحزب الله، والعامل السعودي

هل هناك حرب محتملة اسرئيلية بدعم خليجي 
هل يمكن للسعودية ضرب حزب الله عسكريا ؟!

بالطبع أن تقوم إسرائيل بحرب حاسمة ضد حزب الله هو مطمح سعودي قوي، وواضح أن السعودية تحاول دفع إسرائيل بطرق شتى نحو هذا المسار.

نظريا – هذه فرصة جيدة للإسرائيلي، وإن كان الانتظار حتى تتوتر الساحة اللبنانية أكثر ويتم رفع أي غطاء سياسي وشعبي داخلي عن حزب الله يحقق نتيجة أفضل، وهذا بالتحديد هو منطق السعودية في الضغط على الحريري للاستقالة.

لكن من منظور آخر، فأهم مايحسم القرار الإسرائيلي هو تقييمها الذاتي للتوازن التسليحي والآثار العملياتية، وربما الاستراتيجية لهذه الحرب.

صحيح أن وضع حزب الله الآن مزرِ من حيث الدعم العربي والشعبي والدولي – بعد سنين من الخطايا الاستراتيجية والأخلاقية في سوريا والإقليم، وأيضا السياسة التآمرية للخليج، وهذا هام جدا في منع أي كابح للحملة العسكرية المقبلة (وهذا ما منع الحملة البرية أن تتطور لمداها في 2006)، ولكن الحساب الإسرائيلي المهم هو في القدرة الإيذائية لصواريخ حزب الله، والأهم – توجسها من عناصر مفاجئة في تكتيكات أو أسلحة الحزب – خصوصا بعد تجربته في سوريا، وأيضا أن جبهة الجولان غالبا ستُفتح في أي مواجهة مقبلة.

هي بالطبع تحاول الاستعداد لكل ذلك، وإذا كُتب عليها خوض الحرب ستخوضها فورا.

أيضا – عدم ثقة إسرائيل في عدم توريطها من قبل السعودية والإمارات – وربما ترامب – مع ظهور ملامح كثيرة من السياسة الرعناء – في حرب إقليمية ضد إيران دون أن تكون تلك الحرب من بنات حساباتها المباشرة.

بمعنى – إسرائيل ستخوض حتما حربا مقبلة مع حزب الله (وربما مع إيران إذا اقتربت من النووي أو مضاعفات لاشتباكات إن كثفت وجودها بالقرب من الجولان)، ولكنها فقط تقوم بهذا وفق حساباتها هي، وليس دفع خليجي، خصوصا أن الوضع الحالي لايمثل بعد تدهورا نوعيا في وضعية حزب الله، بالعكس هو أفضل من عامين مضيا.

هذه الحسابات قد تدفع الإسرائيلي لشن الحرب غدا إذا أطلق حزب الله صاروخا، أو استهدف أحد مصالحها خارج المنطقة، ولكن هذا بسبب طبيعة مفهوم الإسرائيلي حول حماية الردع ومايمثله الآن من مركزية في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي، وليس أي شيء آخر.

من نتائج حرب 2006، وكذلك الحملات ضد غزة 2010، 2012، 2014، هو تدريب إسرائيل على نظرة أكثر استراتيجية – وكذلك أبعد عن هوسها بالحسم العملياتي والعقاب التكتيكي المباشر – لطبيعة الصراع مع حركات المقاومة.

ماميّز 2006، هو أيضا عجز الجيش الإسرائيلي – الذي لعبت عليه الماكينة الإعلامية وخطابات حسن نصر الله بشكل مباشر- عن تحقيق مهام عسكرية مباشرة هجومية أو دفاعية (انكسار قوات النخبة في بنت جبيل ومارون الراس..، وخسائر ال37 ميركافا بفعل صواريخ كورنيت في سهل الخيام، وضرب المدمرة ساعر بصاروخ أرض بحر س803 أمام صيدا في بث مباشر لخطبة حسن نصر الله). وبالرغم من محدودية هذه المهام بالمعنى التكتيكي، وعدم حصول الحملة البرية كماذكرت، ولكن السياق الاستراتيجي الخاطيء الذي وضعت إسرائيل نفسها فيه، طور من قيمة الخسارات التكتيكية المحدودة – مع أهداف استراتيجية خرقاء – لفشل استراتيجي كامل تبعا لفقدان ثقة كاملة في قدرة الجيش على الحسم العسكرية من قبل الشعب والقيادة السياسية، ومن قبل الشعب  والجيش تجاه القيادة السياسية..

ولهذا فإسرائيل تدرك الآن محدودية السلاح في تصفية حركة المقاومة خصوصا إذا تجذرت شعبيا، وأيضا إذا أتقنت الأخيرة بشكل ما إمكانات واستراتيجية الحرب غير النظامية.

في 1982 – صحيح أن إسرائيل استطاعت طرد المنظمة ولكنها كانت أمام وضع مختلف، فمنظمة التحرير كانت بالفعل أشبه بجيش نظامي، وكانت ملفوظة بشكل كبير شعبيا وسياسيا في لبنان (حتى ضمن مكونات الجبهة الوطنية، ولهذا فأمل مثلا تخلت عنها سريعا، وكذلك رحب الجنوب الشيعي وليس فقط الماروني بالغازي)، وكنا في معرض أتون حرب أهلية بالفعل، ومع ذلك الثمن العسكري والاستراتيجي سواء للمواجهات العسكرية في الجنوب ومحور خالدة أو حصار بيروت كان فادحا (أكثر من 800 عسكري قتيل، وخسارة سياسية هائلة دوليا بسبب مسئولية إسرائيل عن مذابح بشرية غير متصورة وتدمير بيروت، بل حتى داخليا لحكومة الليكود، ولوضعية المؤسسة العسكرية داخل إسرائيل، ثم دخول في مستنقع لمدة 18 عاما تاليا حيث أفرز الغزو بكل بساطة ولادة حزب الله).

أما في الحملات ضد غزة، ومع كل الضعف في موقف حماس ووضعها المخالف لمنطق حرب المقاومة (من أنها خاضعة دوما لابتزاز يحدد مستوى التصعيد وطريقة إنهائه، ومضطرة لتواجد نظامي ومكشوف) ولكن إسرائيل كذلك أدركت عبثية هدف تصفية تواجد الحركة، وأن برفعها هذا الهدف، فهي تخسر بشكل مااستراتيجيا إن هي أعلنته مهما حققت بجواره من تقدم استراتيجي.
وهذا ماحدث في 2009-10 ، فالحرب التي بدأتها حماس لشمول التهدئة للضفة ورفع الحصار، انتهت بعقد تهدئة منفصلة عن الضفة وعدم إنهاء الحصار. ولكن لأن هدف الإسرائيلي المُعلن كان في تصفية الحركة، فواقع الأمر يقول أن إسرائيل فشلت في تحقيق هذا الهدف. صحيح أن حماس أيضا فشلت في تحقيق هدفها، ولكن دائما في هذه النوعية للحرب، فالتعادل يصف في جانب حركة المقاومة لأنها الأضعف.

هذا الأمر اختلف مثلا في 2012 (وإن كانت الحملة لم تستمر ليومين بفضل تدخل مرسي والإخوان)، و2014. فالحملة الأخيرة – وبالرغم من تطور نوعي لقدرة حماس العسكرية، فإسرائيل غالبا أدارتها بشكل معقول حين أعلنت أن هدفها هو فقط (ترميم الردع) وهذا يقتضي تهدئة بعد حملة إيذاء وأيضا منطقة عازلة، واستفادت من توتر علاقة حماس مع الإقليم لئلا تتعجل في التدخل البري والتعامل معه كوسيلة تصعيد رادعة. هي فقط تورطت في إعلانها عدم التفاوض تحت الصواريخ.

حماس اضطرت كما نعلم للرضوخ صاغرة في نهاية الأمر للتعامل مع النظام المصري واعتباره وسيط للتهدئة، وقبلت بها وبمنطقة عازلة دون رفع الحصار.

المقصد – أن الإسرائيلي كذلك يتطور في إدراكه وممارسته الاستراتيجيين، وبالتأكيد في أدواته التكتيكية (التعويل بشكل كبير على منظومة الدفاع الصاروخي مع إدراكه لمحدداتها، والاستعداد لتكتيك المجموعات الاختراقية لحزب الله، وتطوير التركيب التكتيكي لمفارز المدرعات بحيث أن تشمل وحدات عمليات خاصة) والعملياتية (التدريب المستمر للجبهة الشمالية كأسلحة مشتركة على مستوى الألوية والفرق – وهذا لم يكن حاضرا في 2006)، وأيضا استعداد أكثر على الجبهة الداخلية.

وواضح للأسف أن حزب الله يقلل من قيمة ذلك.

في تقديري مثلا تبعا لكل ذلك – أننا لن نر أي نتيجة حاسمة في المواجهة المقبلة بين الحزب وإسرائيل.. ولكن إسرائيل ستحرص ألا تتورط في وضع أهداف يمكن تحميلها بسببها فاتورة الفشل بعد نهاية الحملة. ستكون كلفة الإيذاء واسعة بالطبع على كل من إسرائيل والحزب (ولبنان بلاشك)، ولكن المكاسب السياسية لأي من الطرفين ستكون محدودةـ عدا استعادة موازنة الردع القائمة فعليا. ربما نرى اشتراك قوات من الحرس الثوري الإيراني واستهداف إسرائيلي مباشر له، ولكن هذا لوحده لن يقود غالبا لاتساع رقعة الحرب لمستوى أعلى.

 

****************

بخصوص السعودية وحملة عسكرية ضد الحزب، فهذا شيء فكاهي بالفعل، بالنظر للتجربة الحالية مع الحوثيين (وهي نسخة رديئة جدا من حزب الله)، ومجمل القدرة العملياتية والاستراتيجية للجيش السعودي.

ولكن مع الخرق الكبير في طريقة تفكير النظام الحالي وسياساته، فحجم التوقعات لايرتبط حقيقة بما يكشفه المنطق الاستراتيجي وحتى العسكري الصرف، ولهذا فمن الممكن – إذا تطور فعل الحوثي مثلا – أن يحاول القيام بحملة جوية عقابية (كما فعل المصري في ليبيا)، وهذه بالرغم أنها لن تؤدي لشيء ذي بال بالمعنى العسكري وقطعا الاستراتيجي، فستكون كارثة كبيرة على السعودية.
خسارة كبيرة بالمعنى السياسي والشعبي (لبنانيا وعربيا)، وأيضا فرصة قد يستغلها الحزب لتطوير عمل استهداف عسكري (على حدود اليمن)، وإرهابي (عمليات في داخل وخارج السعودية) وتوتير المنطقة الشرقية.

 

حوارات حول غزة وليبيا والموقف المصري وداعش

حصاد حملة غزة ومفهوم الانتصار ومايأتي

حول كتاب (الحرب المقبلة بين مصر وإسرائيل)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى