Scroll Top
السياسة المصرية

17-5-2016

تساؤل حول تقييم الكلام باللينك من الناحية التاريخية والاستراتيجية .. يتعلق ب جزيرة تيران وعبدالناصر (صاحبه متبني بشدة ملكيتهما للسعودية مع أنه معارض للسيسي بشدة أيضا كما يظهر من حسابه، ويشير لتخصصه في شأن المسح الهندسي وما شابه)
———————————————————
هناك قدر كبير من عدم الدقة وتحوير التاريخ موجود في كلام الرجل، وبالطبع هو مدفوع بخصومته مع عبدالناصر.. ولكن هل يمكن أني أهدم بسبب ذلك أصالة موقفنا الأخلاقي في الصراع العربي الإسرائيلي؟ بغض النظر عن الخطايا الاستراتيجية والسياسية التي ارتكبناها كعرب.
هو باختصار يقول أن سيطرة عبدالناصر (الخرقاء) على الجزيرتين، تزامنت ودفعته لغلق المضيق، وهدا أدى لحروب (كارثية) في 56 و67.
لم ينتبه لتناقضات فجة في عرضه:
الجزيرتان أعلنت مصر، ومتواجد في كافة المراجع العسكرية، السيطرة عليهما في 1950، وهذا ماتقوله السعودية بشأن خطاب الملك عبدالعزيز.
 غلق المضيق نفسه أمام السفن الإسرائيلية أو تلك التي تحمل بضاعة لإسرائيل كان في 1953، ثم غلق المجال الجوي كان في أول  1954 أي قبل تولي عبدالناصر للرئاسة.
. المنطق السياسي والقانوني الدي استندت له مصر بعد ثورة يوليو في غلق المضيق كان حالة الحرب مع إسرائيل وعدم الاعتراف بها كدولة لها سيادة بغض النظر عن اتفاقية الهدنة العسكرية، وطبعا في 67 غلق المضيق حصل في 23 مايو بعد إدخال الجيش لسيناء وطرد قوات الطواريء فكانت حالة حرب.
اعتبار أن مياه المضيق مصرية (سواء إقليمية، أو داخلية في حال اعتبار الجزيرتين جزء من مصر) كقانون دولي بحري لايجيز لمصر غلقه أمام العبور الآمن للسفن المتجهة لإسرائيل. وطبعا هدا المنطق لم يكن حاضرا في خطاب عبدالناصر في 67، ولكن حال الحرب
. خط الأساس الدي أقره مبارك في 92 صحيح أخرج فعليا الجزيرتين من السيادة المصرية (وفي هدا السيسي كلامه صحيح)، وهدا يفسر لك لبس الكثيرين حين يتحدثون أنها داخلة في مياهنا الإقليمية – هدا لا اعتبار كبير له كما أشرت في الرسالة السابقة، لأن العبرة هل هي داخلة في خط الأساس أم لا؟ إن كانت نعم فالمياه هي داخلية ولكن مع حق العبور الآمن.
ولكن سلوك مبارك بالتأكيد لايُسأل عنه عبدالناصر/ ولكن يسأل السيسي لأنه من أمضى عملية التسليم دون اعتبار للحق الشعبي واشتراطات الدستور.
. المفاجأة: محور انتربرايز في المضيق (القادر على حمل الحاويات الكبري – عمقه 290 متر) لايزال تحت السيادة المصرية وهو جزء من المياه الإقليمية حتى لوفقدنا الجزيرتين، ولكن المحور الشرقي يكون تبع السعودية وعمقه أقل كثيرا – 73 متر.. وكما أشرت سابقا – كناحية تكتيكية: شرم الشيخ قادرة على غلق المضيق تماما بالطبع.. ولكن الوضع السياسي والاستراتيجي الحالي والمستقبلي أعقد كثيرا من هدا.
وكنا نغلق المضيق بقواتنا المتمركزة في شرم الشيخ وليس الجزيرتين!
فأطروحته خاطئة تماما فيما يتعلق بالجزيرتين وعبد الناصر وغلق المضيق.
—————————————————————–
النقطة التي أحزنتني فعلا، هو مسألة تزييف تاريخ حروبنا مع إسرائيل بشكل لاتجده في أي مرجع إسرائيلي! فكلام الرجل كله في التاريخ السياسي والعسكري وليس مساحة تخصصه، ولكنه أتى بمغالطات مقصودة يعلمهما رجل الشارع العادي
حرب 56 تم ترتيبها على هدا التوالي تبعا لخطة الفرسان الثلاثة (إدعاء إسرائيلي لعدوان مصري، فدخول وسيطرة على سيناء، فتوجيه بريطانيا وفرنسا إعلان للمتحاربين بالابتعاد عن القناة منعا لتهديد الملاحة – ثم الإبرار).. ولما تعثرت سيطرة إسرائيل على الخط الدفاعي الأمامي، تم تعديل الخطة العسكرية بحيث يتم إبرار قوات على ممر متلا بالقرب من القناة لإعطاء مصداقية لدعوى تهديد القناة.
الجيش المصري فعلا حارب ببسالة في الخط الأمامي خصوصا محور أبوعجيلة – أم قطيف الدي لم يستطع الإسرائيلي السيطرة لثلاثة أيام حتى أتى أمر الانسحاب من عامر لمواجهة الإبرار الغربي عند القناة.. صحيح أن حظه القتالي كان أقل في القناة – خصوصا مع الفارق النوعي الكبير ولكنه بالفعل استطاع إبطاء سير العمليات الغربية.
أهداف الحرب من ناحية إسرائيل وبريطانيا وفرنسا كانت على قسمين: أهداف أعمق واستراتيجية (القضاء على نظام عبد الناصر وإجهاض أي تطور عسكري واقتصادي)، وأخرى أكثر تحديدا (هزيمة الجيش المصري قبل استيعاب صفقة الأسلحة التشيكية وفتح مضيق تيران من ناحية إسرائيل، واسترجاع إدارة قناة السويس لبريطانيا وفرنسا).
إسرائيل كانت في حالة اشتباك عسكري وسياسي مع مصر قبل الحرب بالأساس، وكان تصور بن جوريون أن الصفقة التشيكية (230 دبابة، و500 مدرعة، و150 طايرة، و50 قادفة..) لو وصلت بكاملها وتم استيعابها ستقلب موازين القوى العسكرية لصالح مصر.
وبالرغم من بعض الاتصالات السرية الحاصلة مع إسرائيل في أوائل 1954، إلا أن حالة العداء استعرت بسبب مدبحة الوحدة العسكرية المصرية بغزة في فبراير، ثم فضيحة لافون بعد دلك التي أتت ببن جوريون .. وبعد هدا شكلت المخابرات العسكرية وحدات للفدائين المصريين في قطاع غزة والتي صعدت التوتر المتبادل (دائما ردود فعل إسرائيلية هائلة ضد المدنين والقوات
Disproportionate Retaliations
 وصولا لحرب 56
أما بريطانيا، فكان مايشغلها تطور وضع عبدالناصر المهدد لنفودها وخارطتها شرق السويس.. وكان النزاع على أشده بسبب رفض مصر الاشتراك في حلف بغداد، ثم ضغط عبد الناصر على الأردن وسوريا عن طريق التأييد الشعبي الجارف له لئلا يشتركا.
فكما قال إيدن: أصبح عنده
New Fascist in the middle east>
فرنسا الدافع الأهم لها كانت حرب الجزائر بالطبع.
وهكدا ترى – أن الحرب أسبابها كانت أعقد كثيرا من مسألة الجزيرتين وحتى المضيق، وبالتأكيد لم نكن فيها نحن الطرف المعتدي أو الأخرق، وكنا أكثر الأطراف (انتصارا) بالمعنى السياسي والاستراتيجي: تحقيق الأهداف السياسية واستخدام القوة العسكرية بشكل معقول.
تلينا إسرائيل بتحقيق بعض الأهداف الأصغر: تأمين الجبهة الجنوبية بوضع قوات طواريء، وأخد تعهد أمريكي باستمرار فتح المضيق)
ولكن بريطانيا وفرنسا خسرتا بشكل كوني الحقيقة.
صحيح أننا ممكن نعتبر أن هناك هزيمة عسكرية مصرية في سيناء وأيضا في القناة حصلت، ولكني لم أجد كتابا غربيا لايفسر هده الهزيمة بشروط تخفيفية: الانسحاب لتأمين القناة في حال سيناء، والفارق النوعي الهائل في القناة أمام القوات البريطانية والفرنسية معا.
————————–
حرب 67 بالفعل عبدالناصر يتحمل بشكل كبير الهزيمة الكاملة فيها استراتيجيا، ولكن منطق (الحق السياسي) يجعلنا بأريحية نقول أن إسرائيل كانت معتدية، وأن غلق المضيق كان تكئة فقط وسط بحر من التعديات الإسرائيلية.. وهدا من ضمن جوانب فشل إدارة عبدالناصر للأزمة.
تهديد احتلال دمشق والمعركة الجوية في أبريل ومايو في سوريا، وتشكل القيادة العسكرية العربية الموحدة في 1964 لمواجهة العدوان الإسرائيلي سواء على الحدود بالرد على هجمات الفدائيين والأهم مشروع تحويل نهر الأردن.. كل هدا كان سياق تصعيدي من قبل إسرائيل.
لو عندك وقت – راجع فصل حرب 67 في رسالتي للدكتوراة، ستكتشف طبيعة الخطط العسكرية الإسرائيلية فعلا لضرب سوريا، وكيفية إدارة الجيش والحكومة الإسرائيلية للأزمة داخليا وخارجيا للوصول لفرصة الحرب لتحطيم القوة العسكرية العربية (كما أكدت التقديرات الاستراتيجية والاستخبارية الإسرائيلية والأمريكية قبل الحرب مصير أي اشتباك مقبل في ظل توازن القوى النوعي والكمي معا)
عبد الناصر فعلا لم يكن يرى الحرب (تبعا لنظريته الاستراتيجية وحتى لتصريحاته المعلنة وخلافه مع السوريين والفلسطينيين قبلها)، وكان في أول الأمر يحاول أن يقوم بضغط ردعي لإسرائيل كما فعله في أزمة مشابهة في 1960
Rodem Crisis
وحينها استجابت إسرائيل للضغط (إدخال القوات لسيناء) وفكت الحشد التعبوي المهدد لسوريا. لكن مشكلة عبد الناصر هنا أنه لم يدرك حجم الفروقات الكبيرة (السياسية والاستراتيجية والعسكرية )بين الحالتين والتي سمحت (ولحد ما) أجبرت إسرائيل على اتخاد تصعيد متبادل وليس الارتداع..
الخطيئة الأخطر لعبد الناصر كانت حين أدرك عدم وجود حشود، واقتراب الحرب الإسرائيلية بشكل حتمي في 2 يونيو (وهدا معناه فشل الردع- و بالأساس كان له أن يفشل لأنه لابد أن ينبني على صدقية
credibility
مفقودة لانحراف موازين القوى لصالح إسرائيل)
لم يستطع أن يفك الأزمة (وهدا الخيار الأمثل)، أو يتحول لحرب هجومية، أو حتى يؤكد على تتميم النسق الدفاعي.
لأنه كان مقتنعا لحد كبير بتقديرات عامر (بسبب عدم سيطرة الأول على القوات المسلحة فعليا) عن قدرة معقولة للجيش المصري في الحال الدفاعي كما كان الوضع في  56..
فقط مثال (بغض النظر عن الضربة الجوية الكاملة، – فقد استطاع لواء شارون إسقاط محور أبو عجيلة أم قطيف في 12 ساعة فقط ليلا – أي دون أي استفادة من الهيمنة الجوية!)
وتصور عبدالناصر أن التاريخ سيعيد نفسه (مشكلة عبد الناصر الإدراكية في أكثر من موضع في 67) بتدخل الاتحاد السوفيتي لإنهاء حالة الحرب – ومعناه انتصار سياسي له
 ولمصر.
 
 
إيه علاقة بأة الجزيرتين أو حتى المضيق بكل تلك الميلودراما التاريخية كسياق وأحداث ونهايات؟
وهل فعلا انهزمنا سياسيا أو حتى عسكريا في 56؟
أو كنا نحن المعتدين في 56 و67؟ 
ولكن هدا لاينفي كما دكرت أن قرار الحرب وإدارتها في 67 كان سلسة مريرة من الخطايا الاستراتيجية التي تسبب فيها الخلل البنيوي الهائل في نظام عبد الناصر.. نفس الخلل البنيوي يحاول السيسي استنساخه بشكل فج دون كل جوانب القوة والكاريزما وطبيعة الظرف التاريخي والثقافة والوعي الاستراتيجي وطهارة اليد والكوادر في حال عبد الناصر،
وربما يكون في إعادة بناء الجيش والقدرة الدفاعية بعد 67 وسلوك متحسن استراتيجيا ولكن ليس ناجعا في حرب الاستنزاف (خصوصا بناء حائط الصواريخ) بعض الجبر لماحصل في تلك المساحة تحديدا.
  ولكن كل ماسبق من تقييم استراتيجي أو حتى تقييم أخلاقي وسياسي يدين عبد الناصر بشدة في سياسته الداخلية وجزء من الخارجية-  مختلف تماما عن موضعة الحق السياسي والأخلاقي في قضية صراعنا مع إسرائيل!!.
لعلك تتدكر آرائي القديمة مثلا المعترضة على حالة الثورة السورية، أو حتى بعض التصعيدات في مصر مابعد يوليو 2013..
فرق بين حساب الحق والعدالة، وحساب الجدوى والمسئولية والاستراتيجية.. ولكل سياقه وضرورته.

اترك تعليقا