Scroll Top
السياسة المصرية

استكمالا للحوار السابق.. هل مايُفهم من الكلام حول وجود محرك وطني للجيش، أن تدخلاته في السياسة المصرية أيضا وطنية؟ هل دعمه لشفيق في 2012؟ وإثارة المخابرات الحربية البلبلة على مرسي أثناء حكمه؟ وكذلك تدخله في 3 يوليو ومابعدها؟ هل هو اضطر بمنطق المصلحة الوطنية؟ وماوجه الاضطرار هنا؟

 

 الموضوع الذي طرحتَه هام جدا، وللأسف ملمس على جوانب كثيرة فيها خلل منهجي وأخلاقي موجود عند طوائف عديدة من الشباب.. وأقله عدم فرز بين ملف التقييم الأخلاقي، والفهم السياسي والاستراتيجي.

أنا لم أخض تحديدا في تفصيلات سلوك الجيش خلال الأعوام السابقة.. ولكني أشرت إلى وجود محرك وطني.. أما كيفية تجلّي المحرك الوطني، وحجمه وسط بقية المحركات يختلف على حسب المرحلة، بل والموقف حتى..

فمابنيته في تحليلك على كلامي السابق لم أقصده.

لكن بماأنك أثرت نقاطا محددة، سأحاول تناولها معك:

1- ترشح أحمد شفيق – أعتقد تقصد في 2012 – بالتأكيد تم بتوافق مع الجيش، ولكن الجيش لم يتدخل لجعله يفوز كما نعلم!

لكن لماذا ترشح أحمد شفيق؟ ولماذا ترشح قبله عمر سليمان (مع أنه شخصية عسكرية قوية) وتم إسقاطه؟

طيب لماذا تم الإعلان عن فوز مرسي وكيف؟

😊

أتمنى أن تكون قرأت ورقة الإطار التشريعي للعلاقات المدنية العسكرية التي قدمتها في الجامعة الأمريكية 2015، ففيها إجابات سريعة لهذه النقاط..

https://www.youtube.com/watch?v=BJLEDDlovyY&t=27s

العرض التقديمي المصاحب:
الورقة العلمية المُقَدّمة:

ولكن باختصار :

صيغة التفاهم مع الإخوان قبل 2012 كانت أن يأتي رئيس توافقي (في الأغلب قريب من الجيش ومقبول أمريكيا بالطبع)، ويكون له الوزارات السيادية، ويكون للإخوان البرلمان والوزارات الخدمية، ويكون مجلس الأمن القومي بأغلبية عسكرية (هذا شيء مستجد في الوضع المصري!

وعلى هذا يمكنك فهم سلوك الإخوان في محمد محمود، وتوقيع مرسي على وثيقة عنان، ولماذا كان الجيش والإخوان حريصين على عقد الانتخابات (ليست الخزعبلات التي كان يضحك بها الشاطر على عقول الإخوان أن محمد محمود مصيدة للإخوان!، بالعكس – لولا محمد محمود لكان الجيش لم يسلم السلطة إلا في يونيو 2013! (وهذا درس قاس لنا في حكم الأقدار، وهل كان من الجيد أن تحرز نقاطا إيجابية في مسار لاتحكم نهااياته!)

ثم رفضهم لتغيير الحكومة وإتيانهم بكمال الجنزوري، ثم لما أخذوا أغلبية البرلمان، بدءوا يتمردون على الصفقة مع الجيش في موضعين:

الجيش طلب حصة أكبر من الوزارات الأربع في الحكومة الجديدة التي طلب تشكيلها الإخوان على أساس أنها لاتزال مرحلة انتقالية فرفض الإخوان، ثم حصل الخلاف حول صلاحيات الرئيس التوافقي (تذكر كلام الإخوان وبديع ذلك الوقت عن أن الرئيس الإسلامي مصادم لمقاصد الدين!).. لأن الجيش كان يريد رئيسا قادرا على حل الحكومة والبرلمان، والإخوان بدءوا يستحضرون رئيسا شرفيا..

فحصل أسبوع البيانات الشهير في أول فبراير..

حينها طبعا الشاطر – استغلالا لثناء جون ماكين على الإخوان ووفد الإخوان لأمريكا الذي اعترف علنيا بكامب ديفيد – حاول إقناع الإخوان أن هناك قبولا – أو على الأقل – عدم تمنع أمريكي على قدومهم للرئاسة.. وطبعا أعاد التصويت 3 مرات حتى يكسب… واختفت من المشهد فكرة أن الغرب يخشي ماشاء الله من مرشح إسلامي..

https://drive.google.com/open?id=0B3R3f5iENLhfTDJrZGFVN3lIeVE

وكان هناك طبعا بعبع ضخم اسمه حازم أبوإسماعيل – وإن كنت أعلم من 2011 إنه عمره ماهيكمل يترشح لأن والدته بالفعل أمريكية..

الجيش حينها سمح لكل من عمر سليمان وشفيق بالترشح.. ثم سمح بإبعاد عمر سليمان مع الشاطر وحازم

ثم بالفعل أيد شفيق، ولكن دون أي أثر فعلي على الأرض! أين هو هذا الأثر؟!

كنا في وضع تماما مختلف.

حين ظهر تفوق مرسي عدديا، وفي نفس الوقت ظهرت خروقات (كتزوير بطاقات التصويت لصالحه بشكل مركزي  في المطابع الأميرية) بدأ الجيش يفكر فعلا في إنجاح شفيق، أو على الأقل تعطيل النتيجة..

الإخوان حينها لم يقصروا، وهددوا علنيا، وعقدوا اتفاق فيرمونت، ولكن أيضا اتفقوا مع الجيش بعد ذلك على شكل النظام المقبل، وحينها أصدر الجيش إعلان يونيو، وتم إعلان فوز مرسي..

كما يظهر من الإعلان، الإخوان رضخوا أن تخرج القوات المسلحة من تحت سيطرتهم كلية ولا يكون مرسي القائد الأعلى، وأن تبقى عملية وضع الدستور تحت هيمنة المجلس العسكري..

وأقسم مرسي يمين الرئاسة تحت هذا الإعلان..!

ثم توالت المرحلة كما تعلم..

———————————————————–

2- طبعا المخابرات الحربية كانت لها دور في البلبلة ضد مرسي، لكن دون مبالغة.. وهذا لم يحصل إلا بعد فبراير 2013..

الجيش مثلا لم يتحرك في أزمة الاتحادية، لأنه كان فعلا يريد تمرير الدستور الذي يعطيه أكبر صلاحيات في تاريخ الدساتير المصرية,,

ولأن قيادته (السيسي الذي عينه مرسي في أغسطس) كانت تتمثل إعادة بناء أدواتها..

ولأن عوامل الاحتقان الشعبي – وهي بدأت بالأساس مبكرا ولأسباب ليس لها علاقة بالجيش – بدأت تتصاعد أيضا بسبب أزمات معظمها أيضا ليس لها علاقة بالجيش أو حتى الشرطة..

بالعكس – مذبحة بورسعيد الثانية مثلا، كان الإخوان والشرطة حينها في صف واحد..

لكن مثلا حين قرر مرسي إنزال الجيش وفرض حظر التجوال.. ماذا حصل؟

نزل الجيش فعلا، ولم يحظر التجوال، وكان راضيا جدا بالمظاهر الاحتفالية الشعبية به لو تذكر!

حينها قلت لصديق.. الآن – كل العوامل البنيوية التي عند الجيش وتدفعه للتدخل ستتحرك..

ماهي العوامل البنيوية:

 المصالح الفردية والمؤسسية؟ نعم ولكن بالفعل كان محصلا على قدر كبير منهما كما أشار أستاذ العلوم السياسية في حوارنا الذي أشرت له في الرسالة السابقة.

العنصر الأمريكي؟ بالعكس – الأمريكي كان مرحبا جدا بحكم الإخوان، والتململ الأمريكي الذي حصل أيام الاتحادية مضى سريعا بعد إقرار الدستور.. حتى النفور الإسرائيلي بدأ يقل – وإن كان هناك قدر كبير من التوجس بالطبع – بعد تدخل الإخوان في حملة غزة 2012، وليبرمان وبيريز أثنيا على دور مرسي.

إذن ماذا؟

سببان:

المصلحة المؤسسية – أنه كان يخشى من رغبة الإخوان في السيطرة على الجيش.. وكان يلبسها وطنيا – أنها محاولة لتسييس الجيش..

وأنا وأنت نعلم قطعا أن الإخوان لو ركبوا على الجيش سيسيسونه بالطبع.

طيب يعني أليس توجسه هو توجس تقليدي للمؤسسة العسكرية في أنظمة الاستبداد من أي تغيير بتركيب الهيمنة المدنية عليه؟ طبعا.. ولكن كان يسهل عليه تلبيسه ذاتيا وشعبيا بالإطار الوطني.

وهذه مشكلة مسار الإخوان الاستثئاري في إدارة المرحلة كما قلت.. أنهم كانوا فتنة لنا جميعا، وأيضا لمؤسسات الدولة العميقة.. بمعنى: أنك لو قيادة جماعية – ستتوجس أيضا منك المؤسسات بخصوص إعادة الهيكلة، ولكن ستقطع عنها سبل التلبس بالذات الوطنية، وأنها تواجهك ليس رفضا للإصلاح ولكن حماية للدولة. وقدرتها بالتالي على الوصول وتحريك القطاعات الشعبية..

وفي نفس الوقت – لو تقاصرت عن التغيير – خصوصا مع الداخلية التي قامت عليها الثورة بالأساس (وقلت في ذكرى ثورة يناير أن الشرطة كانت في القلب منها.. هذا الخبل!)،أو حتى المؤسسات البيروقراطية..  ستتحرك ضدك أوستظهر أمام الناس أنك فشلت في تحقيق أي إنجاز.. مما يعزز مشكلة الشرعية الوظيفية.

ولكن ماالسبب الثاني:

أن الجيش بحكم ميراثه التاريخي والنفسي – يرى الإخوان فعلا خطرا على الدولة المصرية!

أنا أيضا أرى الإخوان خطرا، و لكني أرى الجيش كذلك! على بناء دولة ديمقراطية حديثة بالفعل، تقوم بواجبات الاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية..

ولكن هو لايعنيه تقييمي أو تقييم غيري، الأهم عنده تقييمه هو.. كما هو حال الإخوان بالطبع!

لأن هناك تقاربا كبير في البنية العقلية والمزاجية، على اختلاف الأيديولوجيا وعوارض الفساد.

مازاد الطين بلة.. أن مرسي صحيح مثلا أصدر حزما تشريعيا كرست من استقلال المؤسسة ووصايتها تشريعيا على ملف الدفاع (حزم مايو)، ولكن الإخوان فعليا لم يلتزموا بالصفقة الدستورية مع المؤسسة أن تدير – أو يكون لها الصوت الأعلى في التطبيق.. خصوصا في ملفين: سد النهضة وسورية.

3- ويتصل هذا بالنقطة الثالثة.. لماذا تدخل الجيش؟ وماذا كان يقصد؟

الجيش لم يكن يقصد بالضرورة إزالة الإخوان، فضلا عن القفز على السلطة، وإنما أراد تحجيمهم وإعادة هيكلة النظام السياسي بحيث يتم إضعاف وزنهم كثيرا بضربة سياسية، مع زيادة وزنه كمُحكّم سياسي على الأقل… لسبب بسيط: أنه لم يكون مهيأ، وتجربة المرحلة الانتقالية أعطته درسا أن سيطرته رسميا  ستحرقه شعبيا، ولأنه لايوجد بديل مدني كاف، ولأن هناك قطاع شعبي عريض مع الإخوان..

لن يمكننا بغير هذا فهم كل إحداثيات المرحلة وتطوراتها منذ 30 يونيو، حتى تدخل الجيش ببيان 1 يوليو، وعن طرحه الاستفتاء مع مرسي، ومع القوى التي حضرت جلسة 3 يونيو قبل بيان العزل، وعن دعوة الإخوان لحضور جلسة 3 يونيو (أبو الفتوح ذكر – حتى علنا الآن – أن العصار ذكر له أن 2 من الإخوان أكدا حضورها – منهما الكتاتني)، ولا عن الاتفاق مع بديع بتهدئة الميادين وفضها (ولي أصدقاء أعزاء حضروا هذا التفاهم) ونقضه بديع، ولا كل المحاولات السلمية والتفاهمات قبل الفض، ولا وضع دستور يقلل من صلاحيات رئيس الجمهورية ويحصن منصب وزير الدفاع (لأن السيسي فعلا لم يكن ينتوي الترشح – على الأقل في المرحلة الرئاسية الأولى)

في وجهة نظري الشخصية – المعلنة – مثلا أن نظام الإخوان فقد كثيرا من بنود الشرعية السياسية قبل 30 يونيو، وأن الحل الوحيد ديمقراطيا – كان استفتاء شعبيا..

والجيش اقترح فعلا هذا الخيار (قناعتي أن الجيش كان يعرف أن الإخوان سيرفضونه ولكن عرضه لتحسين صورته، وأعتقد أنه ربما اتفق مع الآخرين وخصوصا تمرد أنها ترفضه.. فيظهر أنها إرادة القوى السياسية.. خصوصا بعد رفض الإخوان الحوار)

ولكن سؤال نظري: هل كان من الممكن أن يقبل الإخوان الاستفتاء وقد رفضوا إحداث أي تعديلات ممكنة (كتغيير الحكومة أو إقالة النائب العام أو وضع لجنة لتعديل الدستور) قبلها؟ وهل كان ممكن إجرائيا للجيش عمل استفتاء والإخوان وحلفاؤهم في الشوارع وحالات العنف المتبادل بدأت منذ 30 يونيو وقبل تدخله؟

طيب نظريا-  لو الإخوان وافقوا على الاستفتاء؟ أو عدلوا المرحلة قبل 3 يوليو؟

هل الجيش كان سيتدخل؟ لا

هذا لايعني – أن تدخل الم ؤسسة كان اضطرارا (لمصلحة وطنية) كما بنيت في تحليلك على كلامي السابق.

ولكن يعني أن الجيش له محركات متشابكة في التدخل في المشهد السياسي (تصور وطني سليم، تصور وطني فاشي ومنحرف، رغبة سليمة للحفاظ على المؤسسة، رغبة غير ديمقراطية لتعزيز مكاسب المؤسسة وسطوتها، مصلحة دفينة عند السيسي للسيطرة والحكم) .. ليس منها في موقفه من 3 يوليو بالمناسبة عنصر أمريكي – لاتصدق هذا التخريف.

بالرغم من أن العنصر الأمريكي كان حاضرا بشدة في موقف الجيش من ثورة يناير، ولكنه لم يكن حاضرا في 30 يونيو.. وهذا من أهم أسباب الخلاف التالي مع إدارة أوباما.

أما العلاقة مع الإسرائيلي فلم تكن تطورت بعد.. أول تطورها كان الدور الإسرائيلي في الداخل الأمريكي محاولة لحل الخلاف والدفاع عن نظام 3 يوليو.

كل هذه المحركات كانت موجودة، وبالتأكيد ماكان يسوق داخل المؤسسة هو الشق الإيجابي منها.. ولكن أيها كان الأكثر حضورا عند السيسي؟ عند شخص متلبس بالحالة الوطنية، وعنده هوس بدوره التاريخي وقدراته الشخصية.. كله مربط ببعضه. تماما كما كان عند الشاطر بالمناسبة!

، ويعني أيضا لكل درجة من درجات التدخل لها معطيات وشروط لابد من توفرها – والجزء الأهم من هذه الشروط وفرها الإخوان بشكل غالب ثم المجاميع المدنية.. بمعنى أن الصلة ما بين بيان المجلس الأعلى في 10 فبراير، وبيان التنحي، واستفتاء وإعلان مارس، ووثيقة عنان، ومحمد محمود، والبرلمان، وترشح الإخوان للرئاسة، وإعلان يونيو 2012، وإعلان أغسطس ونوفمبر 2012، ودستور 2012، وسلوك الإخوان طيلة العام الذي حكموه، وحملة تمرد، وبيان الجيش 26 يونيو، وبيانه 1 يوليو، وموقفه في 3 يوليو، وسلوكه في 8 يوليو في مذبحة الحرس، وحركة التفويض 26 يوليو، وفض رابعة، وترشح السيسي وكونه رئيسا في يونيو 2014..

هذا لم يكن خطا حتميا في الصيرورة التاريخية..

كل انتقالة – محركاتها موجودة ومتشابكة كما ذكرت – ولكن معطياتها لم يصنعها الجيش لوحدة، بل العكس.. الإخوان – على الأقل حتى فض رابعة والنهضة – كانوا شريكين بشكل كامل في المسئولية، ويتحملوا شقها الأكبر قبل 30 يونيو.

وفي كل خطوات الجيش.. كان المحرك الوطني – كغاية ودافع – حاضرا بمعناه الإيجابي والسلبي، وإيجابي هنا معناه سلامته (أنه يريد حماية البلد) وليس بالضرورة صحته (أي أن هناك تهديدا، أو أن طريقة تدخله هي تحقيق لهذه الحماية)..
ولكن كان المحرك المؤسسي حاضرا بشدة كذلك.. والمحرك الخارجي أو الشخصي في بعض المراحل.

يسهل علينا كمراقبين للمشهد أن نصل الآن لتقييمات أخلاقية وسياسية للمنتوج، ولكن فهم المحركات معقد كما أسلفت.

كتقييم أخلاقي وسياسي: الجيش قام بتدخل غير ديمقراطي، ومسئول سياسيا – وجنائيا في بعض المشاهد كالحرس الجمهوري – عن مذابح بشرية، ثم احتكر الحالة السياسية بإعلان ترشح السيسي من على رأس المجلس العسكري، وأحدث نظام السيسي – المُعتمد في شق كبير في شرعيته على تمثيله –  انهيارات في بنية العلاقة مع الأمريكية بعد ترامب، ومع إسرائيل، وقتل الحياة السياسية.. وهكذا

ولكن تقييمي الشخصي – أن مسار الإخوان تحديدا بعد 3 يوليو .. ساهم جدا في تقديم المعطيات والظروف المؤسسية والشعبية لتوغل القطاع الأمني والعسكري في المشهد.. وحرق المراكب أمام الجميع، وأولنا الإخوان..

وللأسف – من قُتل وتشرد لابواكي له.

وهذا للأسف ماحذرت منه مبكرا..

https://drive.google.com/open?id=0B3R3f5iENLhfajZSXzFpUG5TUUU

اترك تعليقا