(1)
يقطِفُ الأزمانَ من إنباتِها وَجَعًا
وينسِجُ من نشيجِ القهرِ أوطانَا
فقِسمَتُهُم بلا غُبنِ:[1]
نيوبُ الغدرِ والإثخانِ[2] كِفلُهُمُ
وصدرٌ حاسِرٌ والظهرُ رِفدَتُهُ[3]
وأطيافُ الرزايا وِردُها نَهِمٌ[4]
فلا يقنع بغيرِ النَّاجِدِ الفَطِنِ[5]
ومَخْبَرُهُم :[6]
بُعَيْضٌ من طُغــاةٍ خورُهم وَثَنُ و ذو قُربي زوائدُ وصلِهِم دَرَنُ[7]
وخِلُّ العُمْرِ بـــاع خليلَه بخسًا بِدينـــارٍ، وبسطَ الزَّيْفِ يمتَهِنُ[8]
وأرتـــــالٌ سواهُ حَـــدُّهُم غُنْمٌ فإن يُسْفِرْ فهُم كالأيْدِ،أو وَسِنوا[9]
وغَثُّ الرأْيِ تغشاه النُّهى طربًا وحرْفُ الدين ممن دينُهم مُكُنُ[10]
وأطيافٌ لأوطـــانٍ قد انتُكِبت وقُدسُ ربـــاطِها للوغدِ تُمتَهَنُ [11]
وأنواحٌ وأشبـاحٌ لمن رحلوا تُلاحِقُ ليلَهُ المسهـــودَ لا تَهِنُ [12]
وأعداءٌ كقَطْرِ البحرِ قد ظَفِروا يُمَزِّعُ صدرَهُ التصفيـدُ والأَسَنُ[13]
ألم يُصنَع لِعَيْنِ الذودِ من قَدَرٍ؟ فكيف يطيبُ لهُ حجزٌ ومُرتَهَنُ؟![14]
وعِشقٌ رامَهُ من حَبْوِهِ أمــلاً وجُلُّ قصيـــدِهِ للعِشقِ يَكْتَهِنُ[15]
فما أحلَّ لهُ من نَفْسِـــــهِ رِدْفًا وقد سَبَتْهُ رؤى الهيجاءِ والمِحنُ[16]
فلم يجِد بِشِظافِ العيشِ من سكنٍ يأوي الفؤادُ لها أو تطْربُ الأذُنُ[17]
فما بدت هيجاؤُهُ حقًّا وقد بَعُدَت ولا هوىً قد أصابَ إليهِ يرتَكِنُ[18]
وفوق هذا مِرارُ النَّفْــيِ يُتلِفُهُ فليس لآبـــِدٍ أهـْــلٌ ولا وطـنُ [19]
(2)
قد أبانت
عن سفورِ الصُّبْحِ
يسطعُ وجهُها
فتغيبُ شمسُ الناسِ خلف بهائها
وأصيرُ محجوبًا عن الأكوانِ
مرهونًا بمِفرَقِها الوضيءِ[20]
لا أُشارفُ مُنتهاهْ
***
في مُحيّاها
يصيرُ الخُلدُ منكوتًا[21]
بأهدابٍ وأحداقِ
وقفزَةِ حاجِبٍ
وبريقِ طَرْفٍ[22]
وبسمتُها مُغَنّاةٌ
وعينٍ كاسرة[23]
وشَعْرٌ كالشِّهابِ توهُّجًا
وجِلدٌ ملمسُهُ كما الفردوسِ
و قِدٌّ يَخْبِلُ الرّوحَ اشتِهاءً[24]
و نبْقٌ يسرِقُ الأعْمارَ في مسِّ الشِّفاه[25]
***
تبكي وتضحكُ فجأةً
تهجو وترفقُ دون إنذارٍ[26]
تصيرُ أُمًّا بالحنينِ مُدثّرة
أو طفلةً مذعورةً
بفرارِها لجوانحي
لا ترتجي غير النجاه[27]
***
تقضي اللياليَ
وسفحُ فؤاديَ المَهْدُ
وأنفاسي تُهَدْهِدُها[28]
وكلُّ حواجزِ الأقدارِ
وأسْرابِ المفاوِزِ والبِحارِ الظٌّلُمِ
وغُشْمِ الدَّهرِ والأقْوامِ
محضُ رَسْمِ باهِتٍ
و وَدْقِ ذَرٍّ لا نراه [29]
****
****
وأصيرُ أجملَ إذ تَغَزَّلُ مشدوهًا:[30]
عيناكَ كالصَّقْر المُجَنَّحِ
يملؤها الدهــــاءْ
صوتُكَ البئرِيُّ
وإنّي يوسُفُ الذي يهوى البَقـــاءْ [31]
****
ويداكَ تضرِبُ بالهواءْ
كجيشِ غازٍ حارت سبِيَّتُهُ
أيُجزِعُها افتراسُ القَهْرِ
– وأتيهُ في أكوان سرمدِها بيدي الرهيفةِ –
أو أُرجّى من نضارتِها الرِّواءْ[32]
****
وإذا شَخَصْتَ إليَّ حينا مُغْضِبًا
هَوَتْ ضُلوعي بالصُّدور
و حِدادُ قَسمَةِ وجهِكَ
وألواحٌ من الصُّلْبِ المُعَقَّفِ
ينسَلُّ حبْلُ أنفاسي بِلَوْعٍ واشتهـــاءْ [33]
****
غَمَّازتان بوجهِكَ
تعبثانِ بِقَلْبِيَ الغَضَّ
فتُلقِيـــاهِ وتجذِبـــــاهْ
وتقتُلاهُ وتُحييـــــاهْ
فيصيرُ حبُّكَ فيهِ بحجمِ أركانِ السّمـــاءْ [34]
***
وأُجادِلُ العُذَّالَ والأحبابَ فيـــــكْ
مُحمَّدٌ ؟!
لم تعرِفوهْ
لا أرى رَجُلاٌ سواهْ
ليسَ يُغريـــهِ بريـــقُ الزيفِ في دُنيـاكُمُ
وليس يخشى أن يُقَدِّمَ روحَهُ ثمنَ الإباءْ
(3)
غافلتني سَبْقةُ القدَرِ المتيـــــــــن عن عُهودٍ نسجُها كدَرُ السنيــــن [35]
ومضةٌ في الروحِ تُحييها فتملكُها ثم يغدو حُنْوُها عَسْفَ الخَــئون [36]
فحِدابُهُ فوق القَنا، ورِواه قيـــظٌ وكذا النشوانُ يبقُرُه الأنيــــــن[37]
****
منذ أن برأ الخلائقَ ربُّنا
وبلى صدور العاشقينَ بكل وخزاتِ الهوى
فلتخرجوا لي كلَّ أسفار الصبابةِ والجوى[38]
ولنحتكم!
أصدىً بدارِ العُرب يبلغُ عشقَنا؟
قيسٌ وليلى إذ يُقطّع وصلَهم لؤمُ الزمـــانِ إذا استبد وقد قَـلى[39]
فيلوذُ بالرحمــــن ألا يُذْهِبنْ حبًّا لليلي بالحشـــــــا رُغم البـــِلَى[40]
وبُثيْنةٌ وجميلُها إذ أبرمــــا عهدًا برُغم العــــــاذلين أن اجتـلى [41]
فيتيهُ في الوديــان يسبقُه الردى حينا، وحينا بالمَعرّةِ يُصطــلى [42]
وكُثيِّرٌ ما أنصفت في وجـــده إذ أنكثت عَـــــزٌّ بعهـــدٍ قد تــلى [43]
قد بغّضته في النساء جميعِهِمْ، ومضى شريدا بالبكاءِ وما ســلا[44]
وهلاكُ عُروةِ بالمدينةِ إذ غدت عفراءُ في حِجرِ الأميرِ وقد صَلَى [45]
لَوْعَ الفراقِ لحِبِّه، وقد اغتذى غدرَ البرِيّةِ، كيف يبقى إن جلا [46]
وأبو الفوارسِ إذ أسام دهورَهُ قيْدَ المُلمّات وقد وطيء العُــلا [47]
إلا وطيفٌ من عُبَيلْةَ قائمٌ في ساحِ حربٍ كان أو إن قد خــــلى [48]
لولا الهوى ما انذلّ منهم ماجدٌ وما أصابَ الجروُ من أُسدِ الفلا [49]
****
****
(أحببتَها؟)
(بل سل أروحُك مهدُها ؟ أو لست تأتنسُ الوجودَ بطيفها؟)
(هل غاض منك الدمعُ بعد فراقها؟
هل قَرَّ عرقُك من خلاجٍ بعدها؟) [50]
هل؟
هل؟
هل تعلمونْ؟
– وفي من كلِّ ما خاض الأوائلُ
في الهوى
وما هم للشقاوةِ يجتلون – [51]
إن يرحلِ العُشّاقُ في مخيالهم
يستنطقونَ الشِّعرَ
أن يُفضِي بوصفٍ للهوى
ويغزلونْ
من براعمه تصاويرَ الظنونْ
فإن رحيليَ الدامي –
إلى صدري
أُفَتِّشُ في مساربهِ
وأعطيكِ القُلامةَ والدواةَ
لكي تكتبيني. [52]
****
وكأنما خُلِق البُكاءُ والجوى
وأنينُ عشقٍ جاثمٍ
وشذا التولُّه في تباريحٍ [53]تحِنُّ لوصفِكِ
فقط ليومٍ قاتمٍ
يوم انتكثتي كُلَّ أقسامِ الوفاءْ[54]
وطرحتي قُدس الحُبِّ
في دَركِ الغوايةِ والغباءْ
وقَضَيْتي
أن قد كان حُبُّكِ محضَ لهَوٍ
أو مِزحةً
وتُقَدِّمينَ العُذرَ عنها – ماأصفاكِ!
في كرمٍ ولُطفٍ واغتناءْ
وعزمتي بالأقداس – إن لك مقدِسٌ –
أن تتركيني.
****
من يومِها،
عامٌ ونصفٌ مثل دَهرٍ باللَّظى
لم يصفُ لي عيشٌ ولم أَخْبَرْ بها
حسيسَ روحي
قد رَحَلَتْ إلى وادٍ سحيقٍ في سديمٍ أدهَمَا[55]
وصنوفُ كلِّ النائباتِ
صادقتُها وخبِرْتُها دهرًا
وعشقُكِ الذي علّقتُ فيه خلاصِيَ الداني
قد صار فيها المُقدِما [56]
واليومَ تفجؤني بكل جليلها وصليلها
ويأسِدُ فتكَها في مُهجتي[57]
وقُعُ مرارةِ الخذلانِ منكِ
وكفرٌ بالوفاءِ وبالهوى
وأنا الذي كانت نبوَّتَه الغرامُ
ولولا الوحيُ – أن قد صار ديني! [58]
(4)
تبادِلُني وِصالاً في الخيـــالِ وتعروني الوِجالةُ بالوِصالِ[59]
وأجفُلُ منكِ في ساحِ التَّخَلّي فما أجفــوكِ إلا بالمُحـــــالِ [60]
وأقْضِمُ مِفرَقَ الأعمارِ طَيًّا عسى أسلوكِ إلا أن أُخالي[61]
****
هل تعلمينْ؟
لو كان حُبًّا مثلما خَبِرَ الأوائلُ
والأَواخِرُ
والغرامُ مُؤَثَّلٌ بالصَّدْرِ[62]
يُزكيهِ الحنينْ
لَنَضا بِطولِ الهَجْرِ [63]
و لَدْغِ الصَّدِّ منكِ
و سَيّالِ النِّياحةِ
والأنينْ
****
أو كانَ مَيْلَ النّفْسِ للحِبِّ اشتهاءَ
ولقد شَهِيتُكِ
ما قد بّزَّ قِطْعانَ الأناسيِّ وبُهُمِ السّبُعِ [64]
لخَصَتْهُ
أولُ لَفْظَةٍ من فيكِ
تمتحِنينَ بها بأسي بِزَعْمِ خيانتك
ولو بتصَنُّعِ [65]
فكذا الليثُ يعافُ اللُّقَطَ لِغَثِّ الأَضْبُعِ [66
ولقد زهَدُّتكِ
فلم أعد ألحظ
بهذا الوجهِ الذي أحيى رفاتي مرّةً
وذلك الجسدِ المُطهّمِ
إلا ظِلالاَ لا تبينْ [67]
****
لكن بِرُغمِ خُفوتِ وجدي
وانقصافِ الرغبةِ الحَرّى بجسدي
ضرُمت بصدري كلما مرت علينا أدهُرٌ
لِهافُ أُبوّةٍ [68]
تلقاكِ بالبِشرِ المُضمّخِ بالأسى
إذ عُدتِّ بعد أن ضاقَ الفضا
وإذا تأَوَّهْتِ لِخَبْطٍ بالحصى
صارت بِصَدري خِنجرا [69]
وحين تناولَ الجَرّاحُ منكِ شَقًّا بالحشا
ذابَ الفؤادُ على مُصابِ صغيرتي
وشهدتُّ غيْبَ البعثِ
من عينِ اليقين. [70]
****
****
أقيليني
فذاكَ العِشقُ يؤوي في أعِنّتِهِ
نِشابَ الغدْرِ إصرارا [71]
وضِجّي بالدنى طربًا
وذوقي ثمالةَ الصَّهباءِ[72]
حتى السُّكرِ
إسحارَا
ورُودي من صنوفِ الناسِ[73]
خيّرَهُم وأخبثَهُم
أبٌ برُّ
وأُمٌ ضرعُها قَرُّ[74]
وأصحابٌ همُ الدُّرُّ
وصُفّي الراغبين إليك
حول الدّارِ سُمّارا
ولكن لم يَعُد في مُهجتي
لصبِيّةٍ تلهو
– بأصدقِ من تَعشَّقّها
ولم يطمع بدُنيا الناس إلاّكِ –
من الأشواقِ
قِطمارَا [75]
(5)
أجل كلُفَ الفؤادُ بها [76]
ولكن لم تكُنْ أنتِ !!!
فعشقي كان مِزْهَرةً بطيب النّبْلِ تنبثقُ[77]
بعينِيها المِثالُ الوعدُ لم يَرْحُبْ لها الأٌفُقُ[78]
تصونُ العهدَ إن نكثوا وتأنُفُ إن همو فسقوا [79]
وترعى حُبّها صلةً بوجْهِ القهرِ أو تَبِقُ[80]
تصوغُ الوُدَّ حينَ الجَدْبِ
أنهارا [81]
وترعى ذمّةَ المِقدامِ
قد خبِرَتْهُ أطوارا
وليس فؤادُها كالكوزِ
منقوبًا وإن فارا[82]
***
أجل أخطأْتْ!
العِشقُ ليس وإن صدُقت مباذِلُهُ بمنجىً عن مِرارِ الدَّهْرِ إن جارا [83]
وليس بمُصطَرِخٍ في وجهِ أحجِبةٍ تغشى أخا المجدِ أن يُدرِك الثارَا [84]
وإنّما هو قبساتٌ في خِدْر ملمسِها يرنو العنيدُ لها فيحولَ إعصارا [85]
أجل أخطأتْ!
العِشقُ ليس بنُمرُقةٍ مُبّذَّلَةٍ [86] تُهدى لأولِ من رجَّاهٌ تذكارا
وإنما هو مِسبارينِ في نُسُكٍ [87] يُقني الوجودُ لهُ الأفلاكَ أنوارا
فإن يكُن مُدركا فالخُلدُ في قُدَحٍ وإن يغِب لائقاهُ، ندفنْهُ أغوارا [88]
****
أما أنا…
فلكم لي العُشّاقُ في كلِّ مُرتَكَنِ [89]
(بُعيضٌ من طُغاة خورهم وثنُ)
وأعداءٌ كقطر البحر قد كمنوا
وأوطانٌ وأشلاءٌ
وأوغادٌ همُ السّكّنُ
وأسبي النُّوَبَ
أبكارا[90]
وهيجائي..
لها شرَفٌ
فلن ترضى ليَ العارَ
فإن راغَت عن المُشتاقِ
دهرا،
تَقدِحُ النّارَا [91]
****
وعِشقٌ رُمتُه من صبوتي أملا؟
لا تحفلي!
ألفيته من كبوتي وهمًا
يُغيضُ الحَزْمَ والأعمارَا[92]
أيبقى العشقُ دون عشيقٍ
يحفظُ الأسرارَا؟! [93]
أيحيى العِشقُ
ومن إنباتِه
معشوقُه قد انقضى
واستوطّنَ الأطمارَ؟![94]
فإني مُزمِعٌ لحدًا
لهذا العشقِ
أُكرِمُ ذكره شرفا
فليس الدّفْنُ من ضِعةٍ[95]
وأنثُرُ فوقَ هذا القبرِ
من ذِكراكِ
أشعارَا
[1] أي أن القسمة عادلة بينه وبين أعدائه ومصائب الزمان
[2] فنصيبهم من القسمة أنيابهم من الغدر والإدماء
[3] أما نصيبه هو، فصدره وظهره العاريان لتلقّيها
[4] أي أن أطياف المصائب – وردها (أي نصيبها من الغذاء) – نهِمٌ شرِه
[5] فلا يكفيها من الغذاء إلا صاحب النجدة والفطنة
[6] سأوضّح لكم ماهم
[7] مجموعة من الطغاة ينعقون أوثانا، كعجل السامري. وأقارب صلتهم مُمرِضة كالسُّلّ
[8] صديق العُمر خانني بدينار، ومهنته هي نشر الزيف بين الناس بعد أن كان صاحب شرف وقضية
[9] الأيد: التأييد. وسنوا: ناموا واختفوا. أي أن هؤلاء الصحاب يظهرون فقط عند المغنم بالتأييد، وينامون بغيابه
[10] أصحاب العقول لا تعتنق غير الرأي الفاسد، ويُحَرِّف الدين من اتخذ دينه تمكينا وسلطة
[11] وخيالات أوطانه التي دُمّرت، وأقدسُ مافيها صارت ذليلة للأوغاد
[12] النّواح وأشباح الراحلين تحرمه النوم وتُغطي ليله الساهر
[13] أي أن تمكُّن أعدائه وهم كقطر البحر من الكثرة – يُقطّع فؤاده لأنه مُقيّد وعاجز لا يقدر على ردّهم
[14] ألم يصنعه القدر لُيقاوِم الباطل والظلم، فكيف يرتاح وهو محجوز ومرتهن بالمنفى؟
[15] هو قد حلُم وبحث عن الحُبّ من صغره، وكل قصائده كان للعشق تكتهن: أي تستكشف
[16] أي أنه لم يسمح للحُب أن يتسلل له بالصغر، لأنه كان أسيرا لخيالات الجهاد والمحنة
[17] أي أنه لم يجد في دنياه من يحِنّ ويأوي إليها، ويأتنس لسماعها
[18] وبعد كل هذه السنين، لم تتحقق أحلام الحرب والجهاد، ولم يجد الهوى والحب
[19] لآبد: أي للوحش المنقطع في البرية، فهو مثل الآبد في منفى البلاد والذات – ليس له أهل أو وطن
[20] أي أظل حبيس جبهتها الوضيئة لا أكاد أصلُ لنهايتها
[21] كأن الخلود محفور في ملامحها
[22] حين ترفعُ حاجبها، وتلمعُ عيناها
[23] عينٍ أخّاذة تسلبُ قلبي
[24] قِدّ: أي جسد
[25] القُبلة من فيها – الذي هو كالنبق – تسرقُ العمر
[26] تتعصب وتسيء، أو تحِن وترق دون إنذار أو سبب
[27] أي أنها تتحول من الأمّ التي تلُفّني بحنانها، للطفلة الخائفة التي تهرب لصدري لتحتمي
[28] تقضي الليالي وهي نائمة على صدري، وأنفاسي تُهدهدها كالطفل الوليد
[29] ونحن على هذه الحال، كل الحواجز التي صنعها القدر، والصحاري والبحاروظُلم الزمان والناس الذي يفصل بيننا يظهر كرسم لا نراه، ومجرد ودق لذرات: أي صوت الطرق الخفيف
[30] وحين تتغزل بي، يزداد جمالي، وتقول:
[31] صوتك عميق وآسر كالبئر، وأنا كيوسف المُلقى فيه، ولكني أرغب في البقاء فيه وليس النجاة منه كيوسف النبي
[32] أي أن يديك الكبيرتين حين تحركهما وأنت تتحدث وتشرح، أراهما كجيش قائد فاتح، وأحتار.. هل أخاف من افتراسه لي خصوصا حين تضيع يداي الرقيقتان فيهما، أم أتمنى فقط أن أرتوي بنضارتهما
[33] وحين تنظر إلي غاضبا تنكسر أضلاعي وتهوي في صدري.. وملامح وجهك الحادة وصلابة جسمك تسحب روحي من التألم والاشتهاء
[34] وأجمل مافيك غمازتاك بالوجه، فتلعبان بقلبي وتقتلاه وتحيياه،
[35] أي أن القدر فاجأني بما يُخالف عهود حياتي السابقة التي شكّلها الألم والمعاناة
[36] ومضة الحُب أحيت روحي ثم ملكتها، ولكن تحوّل حنانها لظلم الخائنة
[37] فأصبح – حدابه فوق القنا: أي انحنائه وحضنه على الرماح. رواه قيظ: أي مايرتوي به هو الحر الشديد، وكذا النشوان – أي الفرحان بشدة، يبقره الأنين – أي يُقطّع بطنه
[38] الجوى هو الألم من شدة الحب.. أي هاتوا لي كل روايات الحب وعذابه من أن خلق الله الخّلْق، ولنتحاكم.. هل فيها من يفوق حُبّنا؟
[39] قلى: أي بغض وعاند
[40] أي يدعو الله ألا يسلبه حبها بالرغم من شقائه فيه.. وهذا قول قيس: (فياربُّ لا تسلبني حُبَّها أبدا – ويرحمُ الله عبدا قال آمينَ).. وعلّق احدهم، أنه لعل أحد الصالحين قد سمع دعاءه وقال آمين، فإنه قد ابتُلي في حبه حتى صار مجنونا!
[41] وجميلُ بُثينة قد عاهدها على الحب وظهر على الرغم من كيدِ العاذلين
[42] فيصير تائها في الوديان، وكذلك أصابه العار والفضيحة بين الناس.. قولُ جميل: (أيا ريح الشمال ألا تريني – أهيمُ وأنني بادي النحولِ. هبي لي نسمةً من ريحِ بُثنٍ – ومُنّي بالهبوبِ على جميلِ). وقوله: (وأطعتِ فيَّ عواذلًا فهجرتني – وعصيتُ فيكِ وقد جهدنَ عواذلي)
[43] أما كُثيّر عزة، فقد نكثت حبيبته عهده فيما أتى من زمان
[44] قد جعلته يكره كل النساء، ويمضي حياته في البكاء ولا ينساها.. وهذا قوله: (وما كنتُ أدري قبل عزَّةَ ما البُكا – ولا موجِعاتِ القلبِ حتى تولّتِ. وما أنصفت فأما النساءُ فبّغَّضت – إلينا وأما بالنوالِ فضنّتِ)
[45] أما عُروةُ بن حزام، فقد هلك بواد قُرب المدينة، حين صارت حبيبته عفراء ملكا للأمير الأموي بالشام
[46] وما أهلكه إلا لوعة فراق عفراء، وكذلك غدر الناس وظلمهم، فكيف يعيش إن ذهبت حبيبته.. وهذا قوله: (وما عجبي موتُ المُحبينَ في الهوى – ولكن بقاءُ العاشقينَ عجيبُ!)
[47] وعنترة – أبو الفوارس، مع أنه قد قيّد الصعاب والخطوب وأذلّ الحوادث والحروب، وفاق العلا
[48] إلا أن طيف عبلة لم يفارقه سواء كان في الحرب أو بخلوته. قوله (ولقد ذكرتُكِ والرماحُ نواهلٌ مني – وبيضُ الهِندِ تقطر من دمي)
[49] هذا قوله: (ولولا الهوى ماذلَّ مثلي لمثلهم – ولا خضعت أُسْدُ الفلا للثعالِبِ)
[50] هذه الأبيات من قصيدتي (جدلٌ شجي).
أرجوزة جدلٌ شجِيّ
[51] أي أن كلَّ ماخبره العُشاق من قبل، وقد ذكرتُه بالأعلى من أجمل ماكتبوه من شعر وشرحوا عذابهم، فقد خبرته كذلك.. ويفوق عليه بأمور..
[52] فهُم إن كانوا يرتادون الخيال ليصفوا ما يعانونه، فإني فقط أعود لصدري بما فيه من ألم وجرح، وأقدم لك أنت المحبرة وبقية القلم لكي تكتبي قصتي ومعاناتي.
[53] التوله: الحب الشديد. التباريح: الآلام
[54] أي نكثتي كل عهود الوفاء
[55] أي قضيت عاما ونصف بالنار. لم أشعر بروحي التي رحلت لوادٍ سحيقٍ في سديم (كون بعيد) أدهما (أي أظلم)
[56] أي أنني قد تعودت وصادقت أنواع المصائب، ولكن حبكِ الذي تخيلتُ فيه خلاصي، قد صار أشدها
[57] يأسد فتكها: أي يزيد فتك هذه النائبات في قلبي – حبُك المغدور
[58] أي أني قد كفرتُ بالحب وبالوفاء، وأنا الذي كان الحبُّ نبوته، ولولا وحي الإسلام لكان ديني
[59] الوجالة: أي رعشة الخوف من الوجل. أي أنني أواصلك بخيالي، وتعروني الرعشة أثناء ذلك
[60] وأحاول الهروب وأتخلى عن هواكِ، ولكن لا أفلح إلا أن أموت
[61] أقضم مفرق الأعمار: أي أقضي بسرعة عمري عسى أني أنساكِ
[62] مؤثل: أي مستقر مقيم
[63] نضا: أي نفذ ونضب. أي لو كان حبا مثل العاشقين السابقين، لانتهى بطول الهجر والصد، وفيضان البكاء والأنين
[64] أي لو كان حبي فقط شهوة، ولقد اشتهيتك بالفعل كمجموع شهوات قطعان البشر والسباع
[65] لانخصت هذه الشهوة حين زعمتي خيانتي،حتى وإن كنتِ تتصنعين وتكذبي في زعمك
[66] لأني كالليث يترك ماتساقط على الطريق من الطعام للضباع الرديئة
[67] وبسبب هذا، فقد انتهت شهوتي فيكي.. حتى أنني لا أكاد أُميّز ملامح الوجه الذي أحياني مرة من بعد موت، أو جسدك الشهيّ
[68] على الرغم من خفوت وهج الحب، وانقصاف الشهوة، فتزيد في صدري بمرور الوقت نار حنينُ ولهفة الأُبوة
[69] وهي التي جعلتني ألقاكِ بالسرور – وإن كان ممتزجا بطعم الحزن والألم – حين عُدتي ثانية. وحين تأوهتِ لضربة خفيفة بالحصى، كانت بصدري خنجرا
[70] وحين شق الجراح بطنك شقا خفيفا، ذاب فؤادي على حالك، وكأنني مُتُّ وبُعثت ورأيت الآخرة عين اليقين
[71] اعذريني، واسمحي لي إن تركتك وجاهدت حبك، فإنه يحمل داخله سهام الغدر والخيانة
[72] تيهي فرحا بالدنيا، وذوقي بواقي كأس لصهباء: أي الخمر، حتى تسكرين في السحور
[73] رودي: أي ابحثي بين صنوف الناس عن بديل لي. وإنما إنما تابعتُ قصيدة عنترة (سلا القلب عما كان يهوى ويطلبُ… إلى قوله – جربي من الناسِ غيري فاللبيبُ يُجَرِّبُ)
[74] اتخذي عني عوضا أباكي البر، وصدر أمك – قر: أي سكن وهودج لكِ، وأصدقائك الزاهرين
[75] لكن لم يعد داخلي للصبية التي تلعب بقلب أصدق من أحبها ولم يطلب من الله أي شيء في حياته من قبل لنفسه غيرها – قطمارا. أي ما قد يصل حجمه لقشرة النواة
[76] كلف: أي أحب بشدة وألم
[77] لم تكن أنتِ – فمن أحببتها كانت مثل الزهرة التي تنبثق بالنبل والطيبة
[78] أي لا يتسع الأفق لأحلامها ومبادئها من سعتها
[79] تأنفُ – أي تستعلي على الفسق والخديعة
[80] أي أنها تحتفظ بحبها أمام القهر أو تهلك دونه
[81] حين الجفاف والجدب، يتدفق الحب منها أنهارا
[82] تظل وفية لحبيبها الهمام، لأنها اختبرت معدنه في كل أحواله. ولا يكون فؤادها كالكوب الذي به نقب بالأسفل فلايحتفظ بالحب مهما مهما يفور ويمتليء.
[83] أخطأتُ – لأن الحب حتى وإن كان صادقا والحبيبة وفية، فهو ليس بنجاة لنا عن ظلم الدهر ومراره
[84] وهو ليس صرخةً تخترق الحُجب والأغشية التي تمنع من يقصد المجد أن يُدرك ثأره
[85] ولكن الحُب هو شعلة حين يقترب العنيد من ملمسها الناعم ينفجر كإعصار مما تحدثه فيه من أثر
[86] أي أن الحب ليس مفرشة مبذولة لمن يطلبها
[87] أي أن الحب هو صاروخين يرتادا الفضاء في عبادة يُجلُها الوجود
[88] فإن أدركنا الحب الحقيقي، فكأننا أدركنا الخلد في كأس. ولكن إن لم يكن كلا طرفيه جديرٌ به فلابد أن ندفنه
[89] أنا لي العشاق في كل مكان عوض عنك.. الطغاة والأعداء والأوطان السليبة
[90] أي أن المصائب أسبيها وأرافقها وهي بكر.. من تعرضه لها أول ماتعرض
[91] أما الحرب التي عشقتها وبحثتُ عنها طيلة عمري، فهي حبيبة ذات شرف فلن ترضى لي العار. فهي إن غابت عني لسنين، يوما ستشعل نارها
[92] تسألينني عن العشق الذي بحثتُ عنه منذ صغري؟ – لا تهتمي، فقد وجدته وَهْمًا يُتلفُ الحزم والعُمر
[93] هل يُمكن أن يستمر العشق دون عشيق يحفظ سره؟!
[94] هل يُمكن أن يحيى العشق وقد مات حبيبه، وصار مكانه الأطمار – أي القبور؟!
[95] دفني لهذا العشق الذي انقضى معشوقه هو إكرامي له، وليس إذلالا
صح لسانك
احببت طريقة الكتابة و الكلمات
[…] ملحمة شعرية : “مَدْفَنٌ لعِشْقٍ بلا مَعْشوقْ” – 5 أجزا… […]