Scroll Top

20-11-2016

حوار حول إصلاح الأزهر، وهل يمكن تطويره ليتقدم لدور مرجعية للأمة؟


موضوع التجديد في الأزهر و(تطوير دوره كمرجعية) مشكلته أنه يتداخل مع حزمة شائكة من عوامل النهوض والتعثر على الامتداد الزمني العريض لأمتنا.

بمعنى – أن الإشكالات الأكثر حرجا هي خاصة بالتجديد الإسلامي (بعناوينه الفكرية والأصولية والفقهية) وبتطبيقاته في تحول اجتماعي وسياسي مفتقد لقرون.. ضمن كل هذا يأتي ملف استعادة وتطوير مرجعية إسلامية .. وداخل هذا الملف تأتي مسألة تطوير الدور المراجعي للأزهر.

على أن الأزهر – المفترض- أنه لايُنتظر منه فقط دور رافع في مسألة المرجعية، ولكن في تطوير البنى العلمائية التي تدلف لها (التعليم الديني الأساسي والتخصصي)، وفي تنزيلها والترويج لمساحات التجديد (والحفاظ على الأصالة) مجتمعيا: أي الدور الدعوي.

ومن هنا صعوبة تناول موضوع الأزهر في معزل عن أسئلة التجديد الكبرى في أمتنا، وحتى بشكل أكثر محلية: مشاكل التحول السياسي المصري.

يمكنني أن أقول مثلا: أنه من العبث حقيقة الحديث الآن عن أي تطوير لأدوار الأزهر في مساحات المرجعية والدعوة والتعليم دون حصول تغيير سياسي  يعيد السير الديمقراطي ويرفع القبضة الأمنية عن البلد، ويحفظ استقلال حقيقي للأزهر دون ابتذال في التوظيف السياسي، وحل مشكلة الحركة الإسلامية عبر مصالحة وتغيير بنيوي في أشكالها ووظائفها وعدالة انتقالية.

(الحركات الإسلامية هي من ضمن أسباب نكبة الأزهر بالمناسبة، ولها دور كبير في تسييسه حتى)

ولهذا – فمن الصعب إعادة موضعة الأزهر وتطوير دوره، دون حل مأزق الحركات الإسلامية (التقنين، والأنسنة، والتطوير، والفصل بين الدعوي والحزبي)

لكن في ذات الوقت: أعتقد أن ثمة نقاط ممكن طرحها باختصار:

1- أنا مختلف – فكريا وأصوليا وواقعيا – مع مسألة تقدم الأزهر (أو أية جهة علمية أخرى) للقيام بتمثل دور (مرجعية الأمة). في التصور الإسلامي – كما أومن به – لاتوجد مؤسسة مرجعية ولكن إطار معنوي يعبر عن تلك المرجعية.

الإطار المراجعي للأمة عليل للأسف منذ قرون تبعا لتراجع التجديد وغلبة التقليد في المدارس الفقهيةالكبرى، وضمور الفقه السياسي، ثم انحسار دورها الاجتماعي والتوجيهي التشريعي في القرنين الفائتين، ثم مأزق الانفصام بين المراجع العلمية والمدارس وبين الحركات الإسلامية في القرن الفائت (ظهور أطر بديلة غير مؤهلة ولا تُعلن بوضوح كونها مرجعية علمائية – عدا الحالة السلفية – ولكن في ذات الوقتلها هم ديني واسع تتنافس على الوعي الديني للمجتمع).. انتهاء لحال الانهيار الكامل في تلك التجربة.

————————————————————

2- ولكن مع هذا، فالمرجعية الدينية كما أراها هي طفرة اجتهادية وفي مساحات التأهيل العلمائي والمؤسسي، بحيث تقدم لنا شبكات من الاجتهاد الجماعي نعم، ولكن يحافظ كذلك على ركنين: 

التنوع والذاتية العلمية، 
والتواصل الإيجابي مع المساحات التخصصية في المعارف التي تحتاجها الفتوى ولكن لاتتصدى اختصاصا لها (العلوم الطبية والاقتصادية والإنسانية والسياسية)..

في هذا السياق، يجب للأزهر – كأهم مؤسساتنا العلمية – أن يقدم نموذجا ويرتاد عملية التحفيز والتشبيك تلك.
———————————————————–
3- ولكن عملية التطوير المراجعي تلك – حتى على مستوى مؤسسة واحدة كالأزهر، تحتاج لمتطلبات:
أ. (المتطلب العلمائي): مجموعة من الرواد متمكنين من مساحة التأصيل الشرعي الكثيف من مظانه الأصلية، وفي ذات الوقت يتم تلقيحهم بالاطلاع على الثقافات المساندة..
ب. (البيئة العلمية): أن تتخلق حول قيم التجديد والنقد والمساءلة للفرضيات السائدة، وفي ذات الوقت تتوسع عن الشكل المدرسي لتُعيد إحياء التكوين الموسوعي (كما في رواقات الأزهر)
ج. (البيئة المحيطة): وهذه شديدة الخطورة، لأنه لايمكن تقديم أي تطوير علمائي حقيقي على مستوى الأصالة والنزاهة والتجديد، بدون توفير الظروف السياسية والاجتماعية للاستقلال ومنع التسييس وتوفير الموارد وفتح شبكات التلاقح العلمي خارجيا والقيام بدفعة نحو إصلاح إداري وتعليمي واسع.
4- بعد ذلك يُمكن الحديث عن طريقة بناء المرجعية عبر بناء شبكات الاجتهاد الجماعي،  وضمانة استقلالها الوظيفي وحصانتها أمام التوظيفي السياسي والمذهبي..
في رأيي أنه لو هناك نقطة هي الأصعب في شوط التجديد أو حتى مجرد إعادة إحياء الشكل المراجعي، فهي تحول سياسي يضمن استقلالية الممارسة كما ذكرت وعدم استخدامها و(تلويثها) سواء من قبل الأنظمة أو الحركات الإسلامية.
—————————————————————
5- أما الملفات المطلوبة تجديديا:
 
أعتقد أن أكثرها إلحاحا هو في مسائل الفقه السياسي والاقتصادي والحريات، والمقارنات القانونية، والنوازل المعاصرة في الجوانب الاجتماعية والطبية..
ولكن أكثرها عمقا (وصعوبة في ذات الوقت) هو التجديد الأصولي: (ملفات كالتجديد في فقه المقاصد، والاجتهاد الجماعي، والقراءات السياقية سواء في حالات استخراج الحكم أو تنزيل
الفتوى، وشروط الاجتهاد وأنواعه كالاجتهاد الجزئي،  مسائل التقليد ومركزية المدارس الفقهية وإعادة تعيير فروقاتها الأصولية، وصولا للاجتهاد في الأدلة الكلية ذاتها خصوصا في بابي الإجماع والقياس وبعض مسائل السنة)
————————————————————————

6- ولكن للأزهر تحديدا دوران آخران: تدوير المعارف الفقهية اجتماعيا، والدور الدعوى والتربوي اجتماعيا كذلك.
فالتجديد المرجعي هو أمر شديد النخبوية ويتطلب كوادر وشبكات فقهية تستغرق وقتا وجهدا في الصقل والتكوين، ولكن النزول اجتماعيا بالمعارف الدينية هو أمر هام كذلك.. فهو يعتمد على منتوجات التجديد ويُحاول أن يكسب حولها القناعة المجتمعية. وهذا يتطلب بلاشك طفرة في التعليم المدرسي والجامعي الشرعي.
أما الدور الدعوي فهو – في رأيي أصعب – لأنه يحتاج لإضافة أبعاد هامة جدا لبيئة التعليم الأزهري: الاصطفائية والتربية والهم الرسالي.
وهذا ماكان يميز الحركات الإسلامية عن الأزهر قبل النكسات السابقة، وبالرغم من الأدران التي نعلمها فيها كذلك.
—————————————————————

7- كنظرة واقعية وتطبيقية.. هل يمكننا فعليا الشروع في المتطلبات لتحدث بعد ذلك طفرة في أدوار الأزهر مستقبلا؟ وهل هناك نقاط يمكن البناء عليها؟ 

أعتقد أن الأزهر عنده جوانب إيجابية بالفعل: سعة حقيقية في كثافة الاتصال بالمصادر الشرعية والتراثية، ودرجة من الشمول المعرفي في مقابل مؤسسات أخرى على الأقل.. وهذا يجعله بدرجة ما غير فقير علميا (كمؤسسة وليس أفراد بالضرورة) أو شاذ ومتحجر.
كذلك – هناك سمعة تاريخية..
ولكن في المقابل: هناك ترهل شديد في منتوج المؤسسة العلمية، لأن هناك فشل شديد في التركيز لبناء كوادر علمية نوعية – فهناك غلبة للاتجاه المدرسي والإفراط في الكم و تضييق التخصص، على النمط التكويني والموسوعي.
والأخطر فقدان الأزهر لاستقلاليته واستخدامه سياسيا وعدم تطوره ككيان علمي له شخصية مستقلة وموارد.
فهل يمكن الاعتماد على مانملك لتخليق مانسعى إليه؟ ممكن طبعا بشرط التغيير السياسي بالفعل كما أسلفت.
وهذه مسألة حاسمة – قد تقفل باب الحديث في الأمر الآن.
ولكن يمكن القيام ببعض المحاولات الجزئية خصوصا في جانب تطوير التعليم الأزهري.. ولكن للأسف ليس في باب تطوير المرجعية أو الدور الدعوي.
——————————————————————-
8- إذن ماهي سبل التطوير في التعليم الأزهري؟
 
أ. تغيير إطاري:
(تقليل الأعداد في كافة المراحل، إلغاء أغلب الكليات العلمية وأن يكون المتبقي منها يمثل العلوم الإنسانية والاقتصاد والسياسة أكثر من العلمية والتطبيقية، زيادة  الاختصاصات المالية ووضع ضمانات للاستقلال شبيه بالموجود – على الأقل قانونيا – في السلطة القضائية وهذا يشمل مثلا إشراف مشيخة الأزهر على الجامعة وتعيين عمدائها)
ب. تطوير في المناهج:
 
 في المراحل الأساسية (حتى الثانوي) تحتاج المناهج لتطوير شامل بحيث أن يحل مكانها كتابات معاصرة مبسطة، وتعتاش على مساحات ومنتوجات التجديد دون حشو وتكدس (خصوصا مناهج العقيدة والفقه).
أما في المرحلة الجامعية فكذلك تكون الدراسة على كتب معاصرة، ولكن بدرجة أعمق، مع وضع درجات على دراسة علمائية خارج المقرر والنشاط البحثي.
وتحتاج المناهج الشرعية لزيادة جرعة الشمول العلمي وتقليل مساحة التخصص.
أما المرحلة مابعد الجامعية فهنا يتم إحياء منظومة (العالمية).. وتنقسم لمرحلتين: التخصص، والعالمية.
فتتوسع الأولى في مساحة القراءات المنهجية (الأروقة)، وتتوسع الثانية في جانب النشاط التدريسي والبحثي.
وفي كلا المرحلتين – خصوصا الثانية – يتم إدخال نظام الدورات المساندة ( في العلوم الإنسانية والسياسية والاقتصاد) في الكليات المقابلة.  وكذلك دورات التأهيل التدريسي خصوصا في الأولى.

ج. تطوير في البيئة العلمية:

 الأزهر يحتاج لهيئة علمائية تكون مسئولة على الإشراف الفني، بجانب الشكل الإداري –
هذه الهيئة هي من تقر المناهج بمراحلها، وتساند الأقسام في التطوير المعرفي. وهذه الهيئة تنقسم لمجالس علمية في كل تخصص شرعي.
ويتم اختيارها بالتناوب من فئة الأساتذة.
– طرق بناء بيئة تعليم نقدي متعددة: سواء من زيادة مساحة السيمنارات، ودرجات الأبحاث، وتكليف نخبة منتقاة (معروفة في كل تخصص) لإدارة الهيئة العلمية وعدم إثقالها بأي مهام إدارية.
والتوسع في دورات التأهيل التدريسي (خصوصا في تعليم المجموعات الصغري)، مع تركيز نسبة المتعلمين للمعلم، واستقدام مفكرين معروف عنهم نزعة التجديد في ندوات عامة ولكن دورية، مع زيادة جرعات الشمول المعرفي كما ذكرت..  والإلحاح على نشر الدراسات المقارنة في دوريات محكمة دوليا كسبيل للترقي.. كل هذا من شأنه أن يدفع لمناخ مختلف.
– هناك احتياج شديد لمنهاج تربوي يعتمد على 3 جوانب العبادات والتزكية والأخلاق – بشكل رسمي: درجات في المنهج والحضور.
وغير رسمي: في المساجد الجامعة في الهيئات التعليمية وتكون لها لجنة تابعة للعميد.
– كذلك.. هناك إجراءات لمنع التحزب الداخلي.
هناك فرق بين أن يقتنع الأزهريون بانحيازات سياسية حزبية بشكل فردي، وأن يمارسونها ويعبرون عنها في البيئة الداخلية..
وهذا لايمنع بالطبع التعبير عن آراء دينية في المسائل السياسية العامة.
وهذا ما يفرق بين الخيار السياسي وهو حق أصيل للمواطنةــ وبين رأي ديني في مسألة لها صلة بالسياسة الوطنية وهذا حق للتخصص، وبين العمل السياسي.
Politicking
أما كيف يمكن الدفع لذلك دون مصادرة الأفكار فضلا عن التفتيش الفكري أو الأمني؟ فهو عن طريق المناخ العام السائد: استقلال الأزهر، حيوية العملية السياسية، وتعاقد بين أطراف اللعبة السياسية بتنحية الأزهر عنها ومنع اشتراك الأزهريين في أي نشاط حزبي. وبالطبع حل مشكلة الحركات الإسلامية كما ذكرت (خصوصا الفصل بين العمل الدعوي والحزبي) تبعا للتطورات المحتملة للشأن المصري.
د. هيئة كبار العلماء  تكون بالانتخاب من الهيئة العلمية، وكذل شيخ الأزهر.
وكما ذكرت، يتم إصدار تشريعات تكفل الاستقلال المالي والإداري والوظيفي الكامل.
———————————————————————-
9 – أخيرا.. عن المجموعة المقترحة.
 بصراحة.. ومع الأخذ في الاعتبار بُعدي عن مصر لأكثر من عقد –  لا تحضرني الآن أية أسماء مقترحة، عدا بعض الأساتذة في مساحات شديدة التخصص دون تحصلهم بالضرورة على الوعي السياسي والاجتماعي والخططي المطلوب (منهم مثلا: د – محمد محمد أبو موسي)
للأسف الشديد – لعن الله السياسة، وماجرتنا له الأنظمة والحركات الإسلامية.
كانت هناك نويات جيدة بالفعل يمكن البدء عليها، ولكن تم إفسادها سياسيا وقيميا بالمعنى الحرفي للكلمة.
هناك مجموعة علي جمعة،وقد احتككت بها مدة قبل تركي مصر، (منها  مثلا أسامة الأزهري)، وهي تحصلت على تأسيس علمي مناسب بالفعل، ولكن للأسف جرها معه علي جمعة.. عدا الشهيد العزيز (عماد عفت) نحسبه كذلك.
علي جمعة نفسه، (وأكثر شمولا منه الحبيب الجفري مثلا وإن كان أقل في الرسوخ الأصولي والفقهي) مناسبان علميا ولكن دون بقية المؤهلات.
هناك أسماء أخرى بالطبع كمصطفى الخن ووهبة الزحيلي (ولكن لاأعلم هل هما على قيد الحياة؟) مع بضعة مغاربة.
أما مجاميع الإخوان والسلفيين في مصر (فقد لانجد فيها أناس على ذات العمق التكويني كالمجموعة الأولى، ولكن الوعي العام والخططي والهم الرسالي أكبر)، ولكن تم حرقها سياسيا وأمنيا في حال الإخوان، أو تعاني من قصور شديد في الشمول الفقهي والأصولي والتحرر المذهبي في حال السلفيين).
وهذا ماقصدته في أول حديثي، أنه بدون الخروج من هذا المستنقع السياسي والإنساني والأخلاقي الذي نحن فيه، يصعب توفر مقدمات موضوعية لأي تطوير علمي ودعوي.
 
الله المستعان.