Scroll Top
السياسة

7-10-2016

إجابة لسؤال حول أهم المخاطر الأمن-قومية التي تهدد الخليج والسعودية خصوصا


بخصوص المستقبل الأمني للخليج.. نقاط موجزة:
 فأعتقد أن مساحة المخاطر الداخلية – سواء انبعثت ذاتيا أو بفعل دفع خارجي – هي الأكثر إلحاحا (من حيث عاملي حجم التهديد، وتزايد الاحتمال) من المخاطر الخارجية.. خصوصا لو نحكي عن السعودية.
وهذه نقطة مهمة في التخطيط والتقدير الأمن قومي المستقبلي.. أن هناك علاقات تعاضد وتراكب تنشأ بين جملة من المخاطر بحيث تولد حالة أكثر تهديدا وإلحاحا مما يؤدي إليه تحليلنا لكل عامل على حدة..
فمثلا السعودية.. هناك جملة من العوامل التي تحصل ممهداتها أو يُحتمل حصولها في المستقبل القريب أو المتوسط، وتؤثر إما على نشاط وظيفي حيوي للدولة – أو بدرجة أقل – التماسك السياسي والاجتماعي للدولة ذاتها:
1- مشكلة الشرعية السياسية وأزمة ممكن حصولها في حال انتقال السلطة.
2- المشكل الاقتصادي الضاغط على الطبقة الوسطى – خصوصا إذا استمرت حالة انخفاض أسعار النفط (والتي يؤدي الارتباط الغربي لنحجيم القدرة الذاتية على المناورة في استراتيجية الأسعار والتدفق)، ولم تؤدي الاستراتيجية الاقتصادية لنتائج ملموسة.
3- المأزق الدفاعي .. خصوصا إذا لم يتم تحجيم السلوك (المغامر) في تصعيد التدخل الإقليمي (بالأخص العسكري)، أو إذا لم يتم الخروج الآمن من المأزق اليمني والسوري بأقل الخسائر دون تصاعد التهديدات.
4- حالة انهيار مركز داعش، وإمكانية تشظيها لسلاسل نشطة في محطات إقليمية بعينها بحثا عن تصعيد للفعل الإرهابي أو حتى التمرد الهجين (السعودية مرشحة لأسباب عديدة أيديولوجية وجيواستراتيجية لتكون أحد المحطات القادمة)
5- الاتفاق النووي الإيراني سيضمن بلا ريب تقهقر في التهديد النووي (أو أن يشكل الغطاء النووي فرصة لتصعيد مغامرات إقليمية نظامية)، ولكنه في المقابل – خصوصا إذا استمرت حالة التصعيد المتبادلة مع السعودية – سيقدم لإيران موارد مادية وسياسية لللدفع في التهديد غير النظامي أو التمرد الشعبي.
6- استمرار الاحتقان الشيعي وعدم الشروع سريعا في تغيير جذري في السياسة الاجتماعية والفكرية بحيث تقدم إطارا قادرا على الاحتواء وترسيخ عقد المواطنة.. سيبقى دائما بابا مفتوحا في الخاصرة الاجتماعية والجيواستراتيجية للمملكة.
7- في ظل كل هذه المشكلات، فالصيغة الدفاعية التي حكمت الخليج منذ انتهاء الحرب الباردة (الاعتماد على الغطاء العسكري الأمريكي – سواء بخطوط الانتشار المتقدم، أو (التدخل في الأفق)، أو بسياسة تطوير عسكرية قاصرة جدا مفاهيميا وتطبيقيا بعدم تركيزها على العنصر البشري والقيادي والفني وكذلك عدم جعل السياسة التسليحية خادمة لاستراتيجية عسكرية محددة وليست توفية لفواتير الدعم)  ينبغي إعادة مراجعتها جذريا.. خصوصا أن الأمريكي نفسه في طور هذه المراجعة والرأي الغالب هو في تقليل حجم التواجد والالتزام لدرجة شبه رمزية..
أضف لهذا – الغطاء الدفاعي الإقليمي لايمكن بأي حال أن يقدم حلا للمشكلات الداخلية.. وهذا أحد العوامل بالمناسبة التي يدلل بها كثير من الأمريكيين عدم جدوى استمرار صيغة التحالف السابقة والمسئولية عن أمن الخليج (بترجيح أن المخاطر الأهم داخلية).. هناك أيضا المشكلات الموجودة الآن إثر قانون جاستا (الذي هو بحد ذاته مجرد مؤشر على تعبئة الرأي العام الأمريكي ضد السعودية) وإمكانية غير مرجوحة في فوز ترامب  وتغيير لمنطق السلوك الأمريكي الخارجي (وحتى لو نجح  فقدرته محدودة على فرض منهجية صيغ جديدة الحقيقة)
طبعا البديل المنطقي هو البحث عن دور للمصري مثلا، وتصورات حول تحالف عسكري إقليمي، ولكن هذا البديل فشل بشكل واضح لأسباب عديدة وكان له أن يفشل؛ منها مثلا سلوك المملكة والإمارات مثلا في تعاملها مع الحليف المصري. وبالرغم من تعقد عوامل تقهقر الحالة المصرية، فعلى الأقل هناك دور إيجابي ممكن يمارسه الخليج بتصحيح أدوار سابقة وتطوير أخرى مستقبلية.
فضلا عن ضرورة (مفتقدة) ليس في الخليج فقط ولكن في كل بلادنا (أو ماتبقى منها للأسف بعد انهيار العراق وسوريا وليبيا واليمن ومأزق لبنان والفلسطينيين) لإيجاد تصورات تجديدية في المباديء التي حكمت صنع السياسة الخارجية والدفاعية لعقود، والتي كانت بنت مراحل زمنية شديدة الاختلاف – استراتيجيا وفي كل شيء..
وربما هذا يقتضي أن تسبقه مراجعات حتى للمنطق الاستراتيجي والمباديء الذي حكم هذه المراحل التاريخية ذاتها، ومحاولة تقييمها إيجابا وسلبا بكل موضوعية .. فمن غاب عنه تاريخه (خصوصا القريب) حُرم من القدرة على رؤية غده!
المشكلة الأوضح – فضلا عن ضرورة وجود إرادة سياسية لهذا، فهل هناك مكنة فكرية وفنية حاضرة له؟
أخيرا – قرأت كتاب صدر من شهر، وأوصيك بالاطلاع عليه -:

Crude Strategy: Rethinking the US Military Commitment to Defend Persian Gulf Oil.

وهي دراسة اشترك في وضعها مجموعة من أهم المختصين بالشأن الخليجي أمريكيا – وهي جيدة جدا في مبناها الأكاديمي والتطبيقي، حتى لو اختلفنا مع بعض انطباعاتها.. وحاولت تتبع سيناريوهات التهديدات المحتملة على الخليج، وآثارها على سلوك النفط ومايمثله ذلك من تأثير على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها (أقل من 20% من النفط أمريكيا يأتي من الخليج، في مقابل 50 % من النفط الخليجي يذهب للصين مثلا).. وخلصت لنتيجة قاسية: مع وجود مخاطر حقيقية خصوصا (داخلية)، وكذلك احتمال كبير في التأثير على مسألة النفط (ولو بشكل مؤقت)، إلا أنها رجحت إمكانية توفية العجز بمصادر مختلفة، وأوصت بسياسات طاقة بديلة أمريكيا (نفطية وغير نفطية)، مع سحب أغلب التواجد والالتزام العسكري.. 

اترك تعليقا