تعريف
هذه القصيدة كتبتُها بعد فترة انقطاع طويل عن كتابة الشعر، وليس تذوقه وحمل روحه. وكما كان دوما لي منذ الصغر، الشعر مسار استشفاء، وإفاقة، وتدوين بعد فيضان المشاعر، وليس احترافا وطقسا دوريا.
القصيدة تبقى في إطار ما أكتبه عموما ضمن الرومانسية الثورية، وهو ليس فقط مكابدة الارتحال المستمر عن عاطفة العشق التي يغيب من تشافهه وتحِنّ إليه ، والتضحية بها – هكذا كان ديدني معها – لأحلام وعزائم الثورة والتحرير، والبحث عن عالم تطمح النفس المتعبة والفائرة لتغييره، ولكن تمحيص المسارات التي تتحرك فيها الذات فكريا وعمليا وتقويم فاعليتها وحقانيتها، وغالبا ما ترتبط بمفاصل وتحولات في هذا الشأن.
وسياقها كان في يناير 2007، في غرفة متواضعة في شرق لندن بعد فترة عصيبة من البحث الدءوب عن فرصة تدريب وعمل بالطب تكللت بنجاح جزئي، ولكن كذلك الوصول لخلاصات حادة ورافضة لمسار الحركة الإسلامية بعد انفتاح عميق عليها وقمة رأسها أتاحته الهجرة لانجلترا، وأكّدت ما سبقها من فرضيات شديدة النقدية لها فكرا وتربية وتنظيما ونفسية وأدوارا، والأهم – حسم لقرار الانفصال عنها دون القطيعة معها فضلا عن النفور منها – أملا في إصلاحها (وهذه المرحلة استمرت حتى ثورة يناير التي كرست الشقاق إلا في إطار النصح للدين والوطن)، والبحث عن مسار إعذاري مستقل قاد لدراسة الاستراتيجية العسكرية بعد ذلك بقليل بالمزاوجة مع الطب. وبالتأكيد لا تخطيء العين التعبيرات المباشرة عن المخزون العاطفي واللفظي والفكري – الذي تغيّرت كثير من مظاهره وأوزانه مع الوقت وليس أسسه – لفترة سبقت ذلك وبدأت من سن العاشرة .
————————————
الحلقة الأولى
أبقــى و أجترع المــرارة كلهــــا كأساً مُدمًّـــى ، ليـس فيــــه رَواءُ
أمضي أسيفا ليس يسلوني الذي يصبو المحب له ، ويغـزو الــداءُ
قلبــي ، أُكَتّم لوعتـــــي بقـــرارهِ و أبيـــتُ تَفـري مُهجتـــي أنـواءُ
حتى إذا أصبحتُ يلقـاني الضحى جسـداً يُجــــافي عـــودَه إغفـــاءُ
تحكي و تسألني: مُحِبك قد جفـــا عنك ، و أزرى بالفتــى إقصــاءُ؟
أم تلك لوعةُ من يطول و صــاله دهـراً، فيبقـى حـــالَه الإعيــــاءُ؟
أخبـر ، فما تلقـي أحـــارُ بأمـرهِ هل في الصبابةِ مثل ذاك عناءُ؟!
لا تعجبـي ! هـــذا الـذي أجتـَرُّه وحـدي ، و يُشقـيني به الإِنبــاءُ
ليس اختياري بل قضـاءُ مشيئة ما صار يُجـدي عـندها إرجــاءُ
تمضي سنـونٌ و الحنيــن مؤثلٌ بالصدرِ ، لا يُبريــه منه عـزاءُ
فالدهر يُشفق بالمُحب و إن نبـا حــــيناً ، و للخِـلـّينِ منه لقـــاءُ
إلا أنـا ! ، شجوي لوعدٍ ضــائعٍ دهري أهيمُ ، و ليس منه شفاءُ
قالت: أجبني ، ما أراك بهازلٍ و مذاهب العُشـَّــاق منك هُراءُ
الحلقة الثانية
مُـذ قـد وَعَـيتُ و بالفـــؤاد مخــايلٌ و مســــــارحٌ و أعـِنَّـــةٌ و ولاءُ
تهفــو لعهدٍ قـد مضـى و تتيـــه في آثــــــارِهِ أجيـــادهـــا العصمـاءُ
ترنــو لعـِزٍّ للعقـــــيدةِ بــــــــــائـدٍ و تخـــال ألــَّو يجتليــــــهِ نــداءُ
فتقــوم تصدح بالنشـيـــدِ و بالنِّــدا و تجـــوبُ كل مفــازةٍ ترتــــاءُ
بالقدس تهذي بالمنامِ، و صحوُها ذكرى الخلافة فيه ، و الإغشاء
ذكرى الـنَّبي و صحبه و أمـاجـِدٍ يصفو الزمان بذكرهم و يُضاءُ
ذكرى أشاوس أمتي و قد اعتلوا عرش الإبا و تناوشوه و فاءوا
وجدي إلى حطـيــن أو زلاقــــةٍ ُو القادســِيَّـــةُ دُرَّتــي الميسـاءُ
و رُبىً بأندلسٍ تجول بخــاطري عند المساءِ ، فتبرق الأجــواءُ
هذا المُعَنّى لا يطيـــبُ مُقــامه أبـداً تــراهُ و حِـــلُّه الإفضــاءُ
حتى إذا جَنَّ الدجى فمعـــاقراً كأسَ النشيجِ، و فرشُهُ الإقلاءُ
أضناه وعدٌ ، أو يُجنِّبه الردى! في حَدِّه الإينــاسُ و الإشقــاءُ
وعدُ النبيِّ بفتيـةٍ قد أبرمـــوا عهــداً بألاّ يُستطـابَ بقـــــاءُ
إلاّ و فجر الحقِّ تُخلِصُه المُدى و تَبيدُ فيه جمــــــاجمٌ و دمــاءُ
قد أقسم الفتيـــان ألّن يركعــوا إلا بصحن القدس ، أو يتناءوا
إلا و قربانُ الحجيجِ – قطافُهُم هـامَ الطُّغـــاةِ بأرضِهِم – إيفاءُ
الحلقة الثالثــة
قالت : صبــابةُ لم تُجَرِّبـك الهــوى يوماً ، و عشق المُستهـــام إبـــاءُ؟!
قلتُ : الهوى عندي هـــوانٌ، مـاله في حـقِّ من يرجــو العُـــلا إملاءُ
قالت : أما يصفو المســاء بغــــادةٍ تهفـــو إليهــا ، أو يُمَلّيك الرجـاءُ
فتظل ترفُـلُ بالجِنــــانِ و بالنــدى و يفيضُ كشفُ الوصلِ و الإيماءُ
ُقـلتُ : اعذريــني فالفـــؤادُ مُسَجَّرٌ ُلمعــاقــدِ الفرســــان منه وفـــاء
لا يلتقي عشقَ الصبايا عشـقُ مـ ـن تعنـو لهم و تزلزل الأرحـاءُ
لو كان حــالي مثل ما لم تشهــدي لدهاك مني الوصلُ و الإنشـاءُ
في عشق كل الغيدِ! تسلب مهجتي في كل حيٍّ غــــادُهُ الحسنـــاءُ
لكـنني يقتــــاتُني جُــرحُ الإبــــــا ! و يحولُ بيني و الهوى الأعداءُ
و أخيراً . .
ًباقٍ على العهد القديم و ناظري نحو الغُيـوبِ مُحَدِّقٌ مِصغــاءُ
باقٍ أُفَتِّشُ عن بصـــيصِ حكايةٍ عن فتيةٍ كالغيـثِ هم كُرَمــاءُ
باقٍ نزيــفُ القَهـرِ يَأسِـدُ هِمَّتي و يظل يُحمِصُ ثأرِيَ الإدماءُ
باقٍ و أُومـــنُ بالإلـــــهِ و إنّـــهُ ُلفتىً مُتيــمِ باللِّـقــــا مِعطــــاءُ
لندن
29 يناير 2007