تحليل استراتيجي

حوار حول التقييم الاستراتيجي لحملة (سيف القدس)

هذه سلسلة من الحوارات بدأت في اليوم الأخير للحملة، وأعتقد فيها بعض الإفادة لإدراك منطق التقييم الاستراتيجي ابتداء، وكذلك تعقيده في نمط الحرب غير المتماثلة.. وهو بناء على ماسبق من مقالات تناولت حملة (سيف القدس)..

مقال: هل تُعيد (سيف القدس) المبادرة الاستراتيجية لحركات المقاومة الفلسطينية؟

حوارات على هامش حملة (سيف القدس) -1- الاستراتيجي والعملياتي والتكتيكي في عملية الصواريخ

مقال – على هامش (سيف القدس): استشراف الرؤية الاستراتيجية للحراك الفلسطيني المُقاوِم

فالشكر الوافر للأصدقاء المشتركين بالحوار

تعليقا على بيان المتحدث باسم كتائب القسام، والذي أشار باستعداد المقاومة لحملة صاروخية تغطي كافة فلسطين اعتمادا على مدى التزام الاحتلال بالتهدئة.. مايُفهم من ذلك أنه تكريس لمعادلة الردع، وإن لم يشمل الخطاب الحاضنة الشعبية بشكل كاف..

المأزق أعقد من الخطاب. فحوى التهدئة هي تراجع أصلا عن حد الإنجاز السياسي المعلن بخصوص تهدئة عامة وتنازلات في أزمة القدس التي صنعت الأزمة.

ولكن الصورة التي يجري تصديرها هي جاهزيتهم لجولات مطولة وممتدة!

هذه شيء جيد ولكنه يحصل في كل جولة، ومن الطرفين.. نعم التقييم النهائي أوسع من نقطة مدى تحقيق الهدف السياسي المعلن، ولكن هذا لم يتحقق، وفي تقديري هناك تقدم استراتيجي لحماس لما حصل بالجولة،
ولكن هذا من أسوأ ال
finishings.

نعم.. تقصد بالهدف السياسي المُعلن التنازلات الخاصة بالقدس والشيخ جراح.. ولكن هل لابد من حصولها، أم الأثر الاستراتيجي هو ماينتج من المواجهة في أبعاد أوسع ؟ وأيضا بخصوص ال
finishing
ليه منعتبرش إن ده جيد والفكرة كلها في ال
grand strategy
اللي تستثمره
؟

حسنا.. سأحاول الآن تناول الأمر بشيء من الإيجاز..
هناك ثلاثة قواعد في التقييم الاستراتيجي لهذه الجولة وغيرها:

1- التقييم الاستراتيجي عموما – عالة على مدى تحقق (الأهداف السياسية المُعلنة للحملة)..
2- وبالأخص في هذا النمط هناك وزن لتصدير صورة انتصار حقيقية وبالأخص للطرف المقابل! والواقع الدولي والإقليمي.. نعم قد يظهر أن لتعميم صيغة الانتصار في الداخل قيمة لأنهاتساهم في الروح المعنوية، وكذلك إيصال رسالة نفسية للخصم أن مهمته الردعية قد فشلت.. ولكن هناك عوامل أخرى تؤثر في ذلك (هل سيشتري ذلك القيادة السياسية للعدو، وقاعدته الشعبية، ومدى وجود دعاية مضادة عنده بالداخل.. فضلا عن النتيجة الفعلية التي تنتهي بها الجولة)، فالأمرإذن ليس ذاتيا الصورة التي تبنيها في داخل جمهور المقاومة، ولكن مدى نجاح الصورة الداخلية في التأثير على الصورة عند الخصم.
3- الأهم في رأيي، هو مدى وضوح الرؤية الاستراتيجية عند كل طرف يتم تسكين وموضعة نتاج الجولة فيه، والبناء عليه.

لو أحببنا أن نوضّح القاعدة الأولى (الهدف السياسي وأثره على القيمة الاستراتيجية) – في 2006، الحرب غالبا كانت ستنتهي في كل الأوضاع لصالح حزب الله، إلا أن يحصل انكسار ذاتي بشكل واسع لقيادته أو تغيير حاد في النسق السياسي الداخلي اللبناني، لماذا؟
لأن الهدف المُعلن كان تدمير قدراته العسكرية وتحييده من الساحة، وهذا أمر تقريبا مستحيل، وبالأخص بالقوة الجوية (كما كان تصوّر رئيس الأركان دان حالوتس عندها، وحتى بالدخول البري الشامل برفض نجاحه التكتيكي والعملياتي).
حتى لو توقفت الصواريخ، وهذا لم يحصل، هذا يُمكن تصويره كتقدم عملياتي ولكن ليس نجاح استراتيجي .. لأن هدف إسرائيل المُعلن لم يتحقق.

في 2008-9، كذلك الهدف الموضوع للثلاثي (باراك وأولمرت وليفني) كان شبيها بماسبق وبسبب المزايدة الداخلية لا أكثر.. فبالرغم أن حماس فعليا لم تحقق لا انتصار تكتيكي، ولا حتى استراتيجي (فالمحركات والأهداف سواء في تمديد الهدنة لتشمل الضفة أو فك الحصارلم يحصلا)، ولكن الفشل الاستراتيجي الإسرائيلي كان أكبرلفجاجة القصور عن تحقيق الهدف، ولهذا فالمحصلة بعض التقدم الاستراتيجي لحماس. وبطبيعة الحال.. ففي الحرب غير المتماثلة، يكفي القوة الأضعف ألا تنهزم لتتقدم استراتيجيا.

حين تغيَّر الأمر في 2014، بمعنى وضع الإسرائيلي هدفا معقولا (ترميم معادلة الردع)، والحقيقة – في رأيي كان لأول مرة يضع أحد في هذا النوع من الصراع منطق التوظيف الاستراتيجي للجولات.. وتترجم هذا في العقيدة الاستراتيجية لجيش الدفاع في 2016، وهو استعادة وتطوير مفهوم الردع..
إذن – وهنا نقترب من القاعدة الثالثة الخاصة بقيمة الجولات في موضعتها ضمن استراتيجية طويلة المدى – الإسرائيلي هنا عنده تصور استراتيجي عام للتعامل مع المقاومة (هذا التصور غير موجود عند حماس.. فانتبه)، وهو إبقاء معادلة الانفصال والسماح لغزة تحت حماس، والتغول الاستطياني والأمني في الضفة والقدس لتغيير المعالم، فضلا عن النشاط الإقليمي والدولي لتعزيز مساحة الأمن وحرية الحركة وتطوير ملفات التطبيع والتواجد الدولي، فيكون الحل السياسي المُمكن والمطروح هو السلام الاقتصادي (هدم فكرة الدولتين) – كما في صفقة القرن..
هل هذا التصوّر هو ماينبغي تبنيه لكي يقضي على الحراك المُقاوم، تبعا لنظريات وتجارب مكافحة التمرد.. بالطبع لا.. لأنه كان يجب أن يشتمل على حلول سياسية بحيث تعزل حركة المقاومة عن قاعدتها الشعبية، وتُقوّي شرعية القوة السياسية الداخلية (السلطة) لتضمن صيغة سياسية وأمنية مستقرة.. ولهذا أصعب الفترات على حركة المقاومة الفلسطينية كانت في التسعينات، فبالرغم من الانتهاكات الإسرائيلية المتعاقبة، ولكن كان هناك حاجزا سياسيا وأمنيا وشعبيا قويا أمام حركة المقاومة المُحاصَرة.. ولكن الإسرائيلي – لكل الاعتبارات الأيديولوجية والسياسية- لن يتبنى الخيار الأمثل لمكافحة التمرد.. فيبقى خيار التوسّع والمحاصرة لجيب القطاع بالنسبة له الأفضل. المقصد – أن عنده تصور طويل المدى، يتم تسكين الجولات فيه، وهذا هو مبدأ عقيدته الاستراتيجية المُستجد (العمليات بين الحروب).

، ولهذا – ففي ذات الحملة 2014، بالرغم من تقدم نوعي كبير لحماس في الصواريخ والأنفاق والكوماندوز والاشتباك البري؛ فكانت صيغة التقدّم له قائمة (هو أحدث ضررا كبير لحماس وبنيتها – بمعنى الردع العقابي بما يدخل حتى في فاتورة الدم الشعبية بتحميلها إياها، أوالردع الإنكاري تبعا أنها فشلت في تحقيق فك الحصار وحتى مطالب الميناء والمطار، والجولة كذلك انتهت بشريط عازل ليُقلل من خطر الأنفاق).. فمن ناحية، تقدم غزة التكتيكي والعملياتي لم يقد بذاته لثمرة استراتيجية بسبب تعديل الخلل الاستراتيجي عند الخصم في 2008-9 (الآن هدف معقول ممكن تحقيقه)، ولكن في ذات الوقت فالإسرائيلي قبل وقف إطلاق النار تحت الصواريخ (على عكس ما أعلن) ولهذا فخصم هذا من الأثر الاستراتيجي المقصود وهو بناء صيغة ردعية (عقابية وإنكارية).. فالأمر أشبه بالتعادل مع تقدم يسير لحماس .

نحاول تطبيق هذه القواعد على الجولة الحالية..

1- الهدف الإسرائيلي معقول ولكن فيه بلف، (استعادة الردع لفترة ممتدة).. البلف هنا: كيف سنعلم أنه لفترة طويلة في أول الأمر بعد انتهاء الجولة؟!
ولكن المهمّ – أنه هدف يسهل شراؤه بادعاء تحققه المبدئي. ما يأخذ من صورة تحققه سواء في الواقع الداخلي أو الإقليمي والدولي، أن حجم التدمير العقابي لم تظهر فاعليته العسكرية والاستراتيجية (مدى ضرب القدرة العسكرية لحماس وخصوصا في سلاح الصواريخ كبنية ومقدرة وعملياتية)، وحتى الإنكاري قد فشل فيه – لأن الصواريخ بقيت تعمل حتى آخر يوم بفاعلية.

ولكن في ذات الوقت، هناك إدراك متزايد داخل إسرائيل وقيادتها بمحدودية هذا النشاط العسكري كنتيجة استراتيجية، أن الأهم هو مدى تخديم هذه الجولة على الاستراتيجية طويلة المدى (تقوية الردع لأطول مدى، وتدعيمه من حين لآخر، مع بقاء حماس في غزة محاصرة بحيث يكون هناك درجة من الأمن وعدم الاضطرار لتقديم تنازل سياسي سواء في القدس أو وقف المستوطنات فضلا عن مشروع الدولتين)، ولكن ماتغير في هذه الجولة بشكل يهدد هذا الخط الاستراتيجي ويجب من هنا استعادته- أن يعود الحال في القدس والضفة والداخل لما قبل الأحداث، وإلا فقدت الاستراتيجية العامة منطقها.

2- أما حماس، فالوضع أكثر التباسا.. ليس عندها رؤية سياسية واستراتيجية عملية لإدارة الصراع (غير تجذير ثابت المقاومة في غزة وانتظار غيبي للتحول الإقليمي الذي يُمكنه حسم الصراع)، ولذلك – لايوجد منطق واضح لتسكين هذه الجولة وغيرها، غير التحريك شديد العمومية لفكرة المقاومة وآثار ملتبسة – غالبا كانت سلبية قبل هذه الجولة – فيما يتعلق بتمكين حكمها في غزة.
الهدف المباشر المعلن لهذه الجولة – وهو المحرك الظاهري – كان الضغط على الإسرائيلي لتقديم تنازلات في ملفات القدس وعقاب له لردعه على استمرار التعديات في القدس والداخل. وهناك هدف مستبطن – وهو ظهور حماس كحام وذراع مُدافع عن القدس والداخل، وهذا بالتأكيد سيخدم على وضعها الداخلي في ظل التعثر في إعادة ترسيم شرعيتها بسبب تأجيل الانتخابات والوضع المتفاقم اقتصاديا وبنى تحية في غزة.
ولكن – كان من الممكن البناء على هذه الصورة لتطوير منصات وأوضاع تخدم أهدافا استراتيجية مرحلية (باعتبار أن هناك رؤية سياسية واستراتيجية عامة طرحتها في مقالي – رؤية استراتيجية لحركات المقاومة ) وهي التحرك لتشكيل قيادة استراتيجية، ومنصات تحريك وتوجيه في الضفة والقدس والداخل، وحراك إقليمي يستفيد من ماأحدثته رمزية القدس من استنفار شعبي فضلا عن تغير في مواقف مصر بالأخص والأردن (الخليج طبعا انتكس كثيرا هنا).

إذن.. ماذا تحقق من أهداف حماس؟

أ- صورة حماس كداعم وحام لما يتجاوز مأزومية غزة، وكذلك خروجها المبدئي من الارتهان والمحاصرة الاستراتيجي داخل القطاع .. تحققت بشكل ما.. وهذا ماجعلني منذ البدء أقول أن حماس ستتقدم استراتيجيا مهمن يحصل في هذه الجولة بغض النظر عن التفاصيل والنهايات.
ب- كذلك، فالتطور الكبير العملياتي في الصواريخ، وبقاؤها تعمل حتى النفس الأخير، فضلا عن المظاهر الاحتفالية وخفوتها في إسرائيل (مع أن كل طرف حاول بشدة تعزيز صورة الانتصار تلك لأنها مفيدة كما ذكرت، وإن كان حماس تُركز على تصديرها داخليا بخطاب عاطفي وحشدي وهذا سيء جدا) – كل هذا يُضعف من صيغة الردع الأخير.
ج- ولهذا، فكنت متأكدا أن الإسرائيلي لابد وأن يقوم بشيء ما في القدس، بُعيد التهدئة، وسيُعيد الكرة في الشيخ جراح وإن كان بشكل أكثر هدوءا تبعا لنظر المحكمة العليا في القضية.. لم؟ أكثر من الخدمة الطبيعية لما سبق في سياسة التهويد، فهذا محوري في تضميد ما حصل في صيغة الردع من كسور.

ونأتي هنا للنقطة الخاتمة، والأكثر أهمية – وأنت أشرت لها .. نعم – هذه النهايات المرحلية لها درجة من الأهمية، ولكن هذا الأمر يتحوّر مع الوقت، لا أقصد فقط في مدى البناء عليها أو تطويرها، ولكن – مسألة الصورة والردع – هي فعلا تحتاج وتتأثر بما يحصل من متغيرات في الزمن – خصوصا القريب.
بمعنى – أنه ليست هناك نتيجة نهائية للأثر الردعي، ولكن يحتاج كل طرف أن يعمل عليه بعد الجولة لتضميده وتقويته.

الخلاصة – هناك تقدم استراتيجي لحماس (ليس بسبب الصواريخ بشكل أساس مع أن تطوره المفاجيء عملياتيا قاد لأثر استراتيجي أسهم في توهين معادلة الردع الإسرائيلي بدرجة ما حتى مع نجاح الأخير في مواجهته تكتيكيا، ولكن – الأهم منه – مبادرتها ابتداء بهذه الحملة كسرا للارتهان الاستراتيجي منذ 2007)،
وبالنسبة للإسرائيلي، بالرغم من بعض النجاح التكتيكي والعملياتي (في الدفاع الصاروخي، وضرب حيز مُعتبر من البنية التحتية العسكرية والقيادية لحماس، وحتى تجربة بعض وسائل الإجهاض الإيجابي لسلاح الصواريخ
Rocket Launchers Hunting) –
وهذا بالتأكيد له آثار في الردع العقابي والإنكاري يصعب علينا الآن تلمّسه بدقة، وإن كان قبول حماس دون شرط للتهدئة وعدم ردها على اعتداء المسجد الأقصى في اليوم التالي يُشير أن بعض الكسر الذي حصل في تلك الصيغة قد تم تجبيره.

ولكن الفيصل الآن هو: مدى نجاح أي من الطرفين في البناء على ماسبق..
حماس – تبني رؤية سياسية واستراتيجية معقولة، وإعادة تشكيل جسد قيادي حقيقي للحركة الوطنية الفلسطينية، ومنصات تحريك وبناء روافع للمقاومة الشعبية في الضفة والقدس والداخل، وصياغة مسارها الاستراتيجي تبعا لخطوط المقاومة العسكرية بشكل مرحلي يُخدّم مع الاستراتيجية طويلة المدى.. وكذلك – الردود بشكل (حتى لو تُعلن أنه رد على اعتداء وليس إعلان حملة عسكرية) على الاعتداءات المباشرة، وبأنماط تتجاوز مسألة الصواريخ ولكن لا تستثنيها، مع الاستعداد للاستنفار الإسرائيلي لتطوير تعامله مع سلاح الصواريخ في الطبقات المختلفة (الإجهاض الدفاعي، الدفاع الإيجابي، الدفاع السلبي، والردع التقليدي استراتيجيا).
من تناقضات الاستراتيجية التي لابد الانتباه لنا، أن نجاح استراتيجية أو خط عملياتي ما، سيجعل العدو مستنفرا لمعالجته – كما تقدّم الإسرائيلي في التعامل مع مسار الأنفاق، بحيث يجب على الطرف المُقاوم التنبه لسبل تجاوز الخصم، وبناء مسارات مواجهة بديلة، بالأخص – ما يمكن ماتتيحه البيئات المستجدة في القدس والداخل (فضلا عن استعادة مسرح الضفة الغربية) من فرص للنشاط العسكري.

لماذا في الجرف الصامد أو حملة 2014 اعتبرتها تقدم يسير لحماس وليس لإسرائيل؟ في النهاية الإسرائيلي تحرك ضمن استراتيجية جز العشب وحقق الردع المؤقت اللي هو كان عايزه؟

لأنه قبل التفاوض تحت الصواريخ مع أنه أعلن بوضوح أنه لن يفعل.. الإعلان ووضع الأهداف محوري جدا في الصورة والتقييم الاستراتيجي.. فضلا عن فشل الردع الإنكاري – أن الصواريخ شغالة..
ولكن فعليا – الساحة هدأت لمدة 7 سنوات غير تصعيدين محدودين.

هناك قيمة متأصلة ومنجز فريد في هذه الجولة، بالمقارنة بالجولات السابقة.
هل حماس ستبني عليه وتلقط حبكة الرواية؟
هذا مستبعد. لكن محتمل فعلا تحقيق تقدم فيه.. خاصة إن معظم الخطابات التي شاهدتها كانت تحكي في معان وجمل هي جديدة على حماس (حماية القدس والداخل، ووحدة المقاومة وتعدد جبهاتها)، و إذا تم تنفيذها بشكل كاف ستحقق تغير في معادلة الصراع.
لكن كذلك الإسرائيلي ليس واقفا يشاهد فقط، ومقدرته على الحفاظ على الوضع الراهن أكبر من مقدرة حماس على تغييره. لكن أنا أتكلم على هذه الجولة ، وأحكم عليها في إطار مشاكل الجولات السابقة من 2009 وحجم التقدم الذي حص
ل

أنا أيضا متشائم بعض الشيء في إمكانية البناء على نتيجة الجولة وموضعتها ضمن مخروط استراتيجي، لسبب بسيط.. لأن هذا المخروط غير موجود أصلا، يعني كما أوضحت – نمط بدائي منه موجود عند الإسرائيلي وإن كان عنده مشاكل كتير تحرمه من التقدم الحقيقي فيه..
بمعنى – لاتوجد رؤية سياسية واضحة، ولا استراتيجية واضحة، ولا جسد قيادي يستطيع أن يتفاعل مع ماسبق عمليا ويصنعه ابتداء، وهناك ضعف في القابلية الاستراتيجية بخيوطها.

مثلا – مسألة ستجد في الخطاب الإعلامي الذي تقصده إعادة الاعتبار لمركزية القدس والداخل، وحتى الضفة بشكل أقل مع إنها الأخطر كمرحلية استراتيجية عسكرية. لكن المُحرّك جزء منه فعلا مرتبط بالأزمة السياسية الداخلية الفلسطينية، تجد شواهد كثيرة على هذا خطابية وعملانية.
ولهذا – فهو ليس معنيا بشكل كبير في تطوير أدوات التعامل مع هذه الملفات.. سواء تعامل مباشر، أو تغيير الظرف السياسي ليُهيء لهذا الدور.

وأسوأ شيء فعلا – هو عدم الرد على الاعتداء على المتظاهرين في الأقصى أول يوم من سريان التهدئة.. لا أقصد هنا الهدف السياسي ومحرك الحملة الظاهري، ولكن حتى الصورة الردعية في الأخير..
(الإسرائيلي دفع حماس أن تقبل اعتداءه أول أيام التهدئة لحملة أطلقتها لتمنعه من هذا الأمر، وحذرت حتى قبل قبولها بالتهدئة أنها سترد على أي اعتداء)

ولكن في ذات الوقت، هل سينجح الإسرائيلي في تسويق هذا؟

كما يظهر مما سبق، في هذا النمط من الحرب، ترى هذا التمازج العجيب، والمفارقات بين الأنشطة العسكرية والخطاب الإعلامي والرسائل المتبادلة والصورة.. كم من التعقيد.. ومن السهل أن تفقد فيه حبكة الرواية، هذا إن كنت تعرفها من الأول بالأصل!

أظن حماس عملت تقدم كبير على المستوى السياسي الداخلي… خاصة مع شلل منافسها الرئيس … السلطة
ولكن عليهم استغلاله سريعا وإلا خمد

الحقيقة لست متأكدا بعد هل استغلاله سيصب في مصلحة القضية أم لا!
خصوصا بالنظر إلى أنه لاتوجد معطيات حالية بأن حماس ستسلك طريق إعادة بناء المنظمة، أو تدشين إطار قيادي مختلف.

الأغلب للأسف، سيكون تكريس الشرعية في غزة، وبالنظر إلى ما يُعدّ لها الآن، خصوصا مشروع إعادة الإعمار، والذي قام فيه السيسي وحتى دعمه بادين وهذا شيء مستجد، من الممكن أن يقود لتهدئة طويلة المدة فعليا في غزة، وبالعكس – فك المعاناة الاقتصادية والإنسانية قد يدفع الشعب الغزاوي للتمسك بهذه التهدئة والضغط على حماس على عدم مغادرتها، وبالتأكيد هي في معرِض العودة ثانية للتخندق في غزة وترك الضفة والقدس والداخل.. بمعنى عكس الإنجاز المعنوي والاستراتيجي الذي حصل.

أكيد، بايدن وحتى مصر والأردن، سيدفعون لمسار تفاوضي جديد، ولكن استجابة الإسرائيلي سواء لفكرة المشروع أو تفصيلاته ومآلاته معلومة..
وبالعكس – قد تعود هنا فرصة جديدة لأبومازن أن يتقدم سياسيا.. وهو من سيبادر لاستعادة مشروع لتحريك مشروع منظمة التحرير وقيادة وطنية جامعة (التفافا على تفوق حماس الحالي) – ولكن ليس انتخابات.. بالضبط كما حصل مابعد 2009.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى